![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
عضو ذهبي
![]() |
سنتطرق اليوم لإحدى سور القرآن و هي سورة "الهمزة" , حيث سنشرحها تشريحا و نفسر آياتها على ظاهرهم و بمعانيها الظاهرة و الباطنة و نستخرج الحكمة منها إن وجدت .
و نزنها بميزان العقل و المنطق و نرى هل هي آية بلاغية و سورة معجزة يتحدى الله الجن - إن وجدو- و الإنس بأن يأتو بمثلها ؟ ( ويل لكل همزة لمزة ( 1 ) الذي جمع مالا وعدده ( 2 ) يحسب أن ماله أخلده ( 3 ) كلا لينبذن في الحطمة ( 4 ) وما أدراك ما الحطمة ( 5 ) نار الله الموقدة ( 6 ) التي تطلع على الأفئدة ( 7 ) إنها عليهم مؤصدة ( 8 ) في عمد ممددة ( 9 ) ) . الأية الولى تقول : "ويل لكل همزة لمزة" يتبادر إلى الذهنك مباشرة عند سماعك لهذه الأية أن المقصود هو أنه ويل لكل شخص هماز - أي أنه يهمز الناس و يعيبهم أو أنه الشخص النمام و القتاة الذي يشي بين الناس و يمشي بالنميمة , لكن بعد سماع الأية الثانية تدرك مدى خطأك فليس الهمزة اللمزة هو النمام بل عند القرآن تعريف آخر الأية الثانية : " الذي جمع مالا وعدده " أي أن الهمزة اللمزة الذي توعده القرآن بالويل هو كل شخص جمع مال و عدده ! هل جمع المال يعتبر ذنبا ؟ هل عدك لمالك يعتبر شيء مستهجن و أمر خبيث يستدعى أن يهدد فاعله ؟ الأنسان بطبعه يجمع المال و يعدده فمثلا شخص يتفقد حسابه المصرفي ليعلم كم دخل لحسابه و كم صرف من حسابه فهو يجمع المال و يعدده فهل هذا شيء معيب و هل هذه جريمة ؟ الأية الثالثة : " يحسب أن ماله أخلده " هذا أمر سخيف فلا أحد من الأغنياء يحسب أن ماله أخلده حتى إن كان أغنى أنسان في العالم فلا يحسب أن ماله أخلده فهذا أمر غاية في السخافة و حتى إن حسب أنه مخلد فهذا شيء يخصه ربما كان مجنونا فلا يستحق أن تزل آية من القرآن لتتكلم عن مجنون ! -القرآن الذي يقول أنه كلام الله الذي سيسكت من بعده للأبد- فإن كان هذا عيبا أي أن يحسب الشخص أن ماله أخلده فهي حالة شاذة غير موجودة في الواقع و هي أنه هناك شخص جمع مالا و عدده و حسب أن هذا المال أخلده فإن وجد شخص بهذه الصفات لا يشكل خطرا لا على نفسه ولا على الغير و ليس بذلك الأمر الجلل الذي يستحق أن يرسل الله به جبريل و كل هذه المسافة ليخبر محمد بهذه القصة السخيفة الأيات 4,5,6,7 : " كلا لينبذن في الحطمة ( 4 ) وما أدراك ما الحطمة ( 5 ) نار الله الموقدة ( 6 ) التي تطلع على الأفئدة ( 7 )" تهديد و وعيد حيث يبرق الله و يرعد و يزبد و يهدد و يتوعد أشد العذاب و اقساه لا لشيء إلا أن شخصا جمع مالا و عدده ! هل هذا عدل أما كان أجدر برب القرآن أن يهدد من إغتصب الأطفال أو من يغتصب أسيرات الحرب و يستعبد البشر أليس أولى به أن يهدد المجرمين الذين يسفكون الدماء و يغزوا بلاد آمنة و يجبروهم بقوة السلاح على إيتباع دينهم و إلا فإن مصيرهم القتل و الإستعباد أو دفع جزية عن يد مع صغار و إحتقار ! "كلا لينبذن في الحطمة .وما أدراك ما الحطمة" حشو و تكرارك كان بإمكانه أن يقول "في الحطمة نار الله الموقدة" من دون الحاجة لقول "وما أدراك ما الحطمة " حشو فقط لا طائل منه " نار الله الموقدة" هل توجد نار غير موقدة ؟ ما إستفدنا من قوله موقدة ؟ إلا لدواعي السجع و الحشو فإن كون النار نار يقتضي أنها موقدة بوقود فإن أطفئت فلا تعد نارا ولا يصح تسميتها بذلك اين البلاغة يا ألي الالباب ؟ "التي تطلع على الأفئدة" آية في قمة السادية و التوحش أي أن هذه النار ستشوي أفئدة البشر و قلوبهم أي وحشية هذه ! لا يمكن أن يكون هذا كلام إله يدعي أنه عادل الواضح أنه كلام إنسان مريض و حاقد و مصاب بكل الأمراض النفسية و عنده حقد على البشر عموما و الأغنياء خصوصا "إنها عليهم مؤصدة " أي أنه سجن و مغلق ! لو أن باب السجن مفتوح لما سمي سجننا لكن السجن الإلهي المسمى بالنار يختلف عن سجون البشر فهو ليس بسجن بل هو حفلة شواء و عري و تعذيب متوحش و سادي يجعل من المعتقلات النازية نزهة في ديزني لاند "في عمد ممددة" من هي التي في عمد ممددة النار ؟ لا أظنه يقصد أن هذه النار الحطمة ممددة في أعمدة فهذا سخيف , الظاهر أنه كان يقصد ان هذا الهمزة اللمزة الذي جمع مالا و عدده أنه سيمدد في أعمدة في النار لكن لدواعي السجع قال ممددة بدل أن يقول ممدد و ذلك لدواعي السجع و قافية السجع فنرى أن قرآن فاسد المعنى بسبب أن أولوية السجع مقدمة على أولوية البيان و الإفصاح فيقلب المعنى فقط من أجل إتمام القافية لكي تتماشى مع السجع و هذا ضعف بياني و ركاكة منقطعة النظير يستحيل أن ترى مثل هذه الأخطاء في شعر أي من الشعراء الأعلام مثل إمرء القيس و المتنبي و غيرهم خلاصة : لا توجد أي حكمة ولا فائدة ولا قيمة بلاغية في هذه السورة الغبية التي تنم عن غباء كاتبها |
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
عضو بلاتيني
![]() |
لقد شرحت السورة شرحا وافيا
وبينت مدى ضعف القران وانه كلام سخيف وشعر سخيف اين المؤمنين الذين يقولون كلام لا ياتيه الباطل بل هو الباطل والخرافه احسنت ياسيدي ![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
الباحِثّين
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
تحياتي الأخ العزيز جاما
أنت فسرت الآية تفسيرا صحيحا من ناحية المعنى ولكن في حواري مع احد المسلمين ذكر لي أن هذه السورة نزلت بأبي جهل (حسب ما أذكر) لشدة مضايقته لمحمد والغمز واللمز والاستهزاء به عندما كان يراه. لا أعرف مدى صحة المعلومة ولكن سترى بعد قليل عندما يرد شخص مسلم ويرد على تفسيرك للآية، أظن أنه سيجيبك بمثل ما قلت لك. مشكور جدا على الجهد المبذول، تفسير رائع وممتاز بجميع الأحول مهما ادعى المسلمون من أسباب النزول تحياتي العطرة لك أخي |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [4] | ||
|
عضو ذهبي
![]() |
اقتباس:
تقبل تحياتي ![]() اقتباس:
حتى إن كان سبب نزولها أنه في شخص معين هذا لا يجعلها آية بلاغية ولا حجة إلاهية الكلمات هي الكلمات سواء لسبب خاص أو عام وهذه مغالطة منطقية يستخدمها المسلمون في ترقيع فظائح القرآن تقبل أغلى التحيات أخي |
||
|
|
|
رقم الموضوع : [5] |
|
عضو ذهبي
![]() |
شكراً لك ، أوضحت أن السورة ما هي إلا شتائم خرجت من شخص فقير حقد على شخص آخر غني وكان حينها غاضباً فاقداً المنطق في كلامه.
|
|
|
|
رقم الموضوع : [6] | |
|
عضو ذهبي
![]() |
اقتباس:
بنما في القرآن المدني بعد أن أصبح محمد زعيم عصابة السطو على القوافل أصبحنى نسمع عن الخمس و الزكاة و الصدقة و عن ملكى اليمين و السبايا ثم يقل مسلم ان هذا الكتبتا الذي هو قصة صاحب عصابة ولص في صحرى الجزيرة العربية انه خير كتاب ليبعه البشر ! تقبل تحياتي أخي ابسلون |
|
|
|
|
رقم الموضوع : [7] |
|
زائر
|
قراءة بلاغية في قصار السور
سورة الهمزة (1 - 2) سورةُ الهمزة سورة مكية، آياتها تسع، عالجت جملةً من الأمراض الاجتماعية القاتلة؛ كإعابة النَّاس وسَبِّهم، والخوض في أعراضِهم، والطعن فيهم، وازدرائهم، والتنقصِ منهم، والسخرية بهم، والاستهزاء باللِّسان، أو بحركةِ العيون، أو إشارة اليد، وكذلك جماع الأموال الذين لا يؤدون حقَّ الله فيه، واكتناز الثروات، والإعجاب بذلك، حتى وصولهم إلى أنَّ المالَ سيخلدهم ويعطيهم فوق ما يُعطاه الناس، وبينت كذلك عاقبةَ هؤلاء جميعًا، وهي التحطيم في نارِ جهنَّم التي ستوصدُ عليهم، ويوثقون في أعمدتِها، فلا ينفذ إليهم بصيصٌ من روح أو أملٍ في خروج. • بدأتِ السورةُ بجملةٍ اسمية نكِّر فيه المبتدأ، تضمنت الوعيدَ الشديد والعذابَ الأكيد لكلِّ من ينتقصُ من أقدار الناس: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة : 1]؛ بتنكير ﴿ وَيْلٌ ﴾ المفيد لشدتِه وخطورته، وهلاكه ودماره، والهُمَزَة فُعَلَة: الذي يدلُّ على الاعتيادِ والمبالغة، وكأنَّ ذلك الهمزة واللمزة قد صار ديدنًا له وعادة وسلوكًا، على شاكلةِ: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم : 11]. صحيحٌ أنَّها نزلت في الأخنس بن شريق، الذي كان كثيرَ الوقيعة في النَّاس همزًا ولمزًا وسبًّا وسخرية، يلمزهم في الغدوةِ والروحة، مقبلين ومدبرين، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصِ السَّبب، قالوا: الهُمزة الذي يغتاب الرجلَ في وجهه، واللمزة الذي يغتابُ الرَّجلَ من خلفِه، أو الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء لفظه، واللمزة الذي يكسر عينَه على جليسه، ويشير بيده أو برأسه أو بحاجبِه سخرية وانتقاصًا، فقد ورد وصفٌ خاص باللسان وهو الهمز "يعيبهم بلسانِه وينالُ منهم بلفظِه السَّاقط"، ووصف خاص بالعينين وحركة الحاجب، فاستعمال وزن فُعَلَة يدلُّ على أنَّ ذلك قد أمسى عادةً له يتصف بها وهو عنوان له، مثل اللعنةِ والضحكة، وهو نازل ومنطبق في كلِّ من يباشِرُ ذلك العمل القبيح، وهو في الوقتِ نفسه يجري مجرى التعرض بالوارد فيه، فإنَّ ذلك أزجر له وأنكر. وبين الهمزةِ واللمزة جناسٌ غير تام، يحكي ما وراءه من اللعبِ باللفظ وتمايل الجسد، وتتابع حركاتِ العين والحاجب، ولي اللِّسانِ لإضحاك النَّاس من أثرِ التنقص والسخرية. • ﴿ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ﴾ [الهمزة : 2]: ﴿ الَّذِي ﴾: اسمٌ موصول للغائبِ احتقارًا له، وكأنه لا قدرَ له ولا قيمة، فهو غائبٌ عن السُّلوكِ الحسن، ودماثة الأخلاق. وقوله: ﴿ جَمَعَ مَالًا ﴾: قرئتْ بالتشديد ﴿ جَمَّعَ ﴾ على شاكلةِ ما بعدها ﴿ عَدَّدَهُ ﴾، وقُرئ ما بعدها بالتخفيف ليشاكل ﴿ جَمَعَ ﴾، فجمَعَ بالتخفيفِ في الميم يصلح للقليلِ والكثير، وتنكير ﴿ مَالًا ﴾ ليدلَّ على شمولِ المال، ويبرز حيرة جامع المال، وتتصور جمعه من هنا ومن هنا، على اختلافِ نوعه ومصدره. ﴿ وَعَدَّدَهُ ﴾ بتشديدِ الدال للمبالغة والتكثير، فهو كثيرُ التعداد والنظر فيه مرةً بعد أخرى، صباحًا ومساءً، ظهرًا وعصرًا، فهو إبانة عن كثرةِ المال، والحيرة والانشغال به، وقد يُشارُ بالمالِ إلى قومه وأنصاره من قولهم: فلان ذو عَدَدٍ وعُدَد؛ إذا كان له عددٌ وافر من الأنصارِ والأهل، وتعدادُ المال كناية عن البخلِ، ومنعه عن مستحقيه، وعدم إنفاقه في وجوهِه الصحيحة. وقد أشار الطبري إلى أنَّ جمعَه يعني عدم إنفاقه في سبيلِ الله، وعدم تأدية حقِّ الله فيه، إنما يقتصرُ على حفظه ورعايته ليزداد، وفيها كذلك كناية عن الحرصِ وتعب القلب، وإتعاب الجسد والفكر وإجهاد الذهن في الصفقات؛ ربحًا وخسارة، وذهابًا وانتقالاً، وكأنه بهذه الآيةِ يبرزُ السَّببَ في هذا الهمز، وذاك اللمز، فصلتُها بما قبلها وعلاقتها أنها جملةٌ سببية وعلاقة أجليَّة، وكأنَّ إعجابَه بما جمع من مالٍ كثير متنوع في عقارات وشركات ومؤسسات وأعمال ضخام، أوصلَهُ إلى أنه أمسى صاحبَ فضلٍ على النَّاس، وكلمةٍ مسموعة، يسيِّرهم بمالِه، فهم بين يديه خدم، يسمعون ولا يتكلمون، وينفذون ولا يعترضون، فهو لأجلِ ماله يستقصر غيره هامزًا لامزًا، قد غدا شأنه التنقص والاحتقار، ودأبه الازدراء والاستصغار، وحياته السخرية والتعالي. • ﴿ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾ [الهمزة : 3]: جملةٌ فعلية ذات فعل مضارع يفيدُ الظَّنَّ والشك، فهو ذو تفكيرٍ خاطئ ونظرة مريضة، ولا يمتلكُ المعاييرَ الصحيحة لفنِّ التعامل، حيث أعماه المال، حتى غيَّر ضوابطَ الحياةِ وسنن الوجود في أنَّ المال زينة، وليس قيمة يُحتكمُ إليها، فهو كناية عن ضيقِ أُفقِه، واعوجاج فهمه، وانحدار عقله، وعدم امتلاكه لسلامةِ الرأي، وفيه كنايةٌ كذلك عن صفةٍ هي جهله وغفلته، وفي المال استعارةٌ مكنية؛ حيث شبهه بإنسانٍ يمكن أن يجعلَه في مأْمنٍ من الموت، ويكتب له الخلود، لكن ذلك خرج مخرجَ الشك والظن، إمعانًا في بيان قلة فهمه، وانعدام عقله |
|
|
|
رقم الموضوع : [8] |
|
زائر
|
لمسات بيانية في سورة الهمزة
سورة الهمزة *هدف السورة* سورة مكيّة وتتمحور حول الذين يعيبون الناس ويلمزونهم بالطعن والنتقاص منهم والسخرية وهذا كله فعل السفهاء من الناس (ويل لكل همزة لمزة) كما تذم السورة الذين يكدّسون الثروات (الذي جمع مالاً وعدده*) وكأنهم خالدون في هذا الحياة الدنيا وأن هذا المال الذي يكنزونه هو الذي سيخلدهم (يحسب أن ماله أخلده) ولا يدري هؤلاء الأشقياء أن عاقبتهم ستكون في نار جهنم التي لا تنطفئ أبدا (كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما الحطمة* نار الله الموقدة* التي تطلع على الأفئدة* إنها عليهم مؤصدة* في عمد ممددة) وسميّن النار هنا بالحطمة لأنها تحطم العظام حتى تصل إلى القلوب. **من اللمسات البيانية فى سورة الهمزة للدكتور فاضل السامرائى** *ما الفرق بين ويلاً وويلٌ؟ القاعدة: المرفوع يفيد الاسمية والمنصوب جزء من جملة فعلية . إذا قلنا (ويل) فهي جملة إسمية (ويل له) وإذا قلنا ويلاً فهي جملة فعلية. قال تعالى (فضربَ الرقاب) جملة فعلية. وفي قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)) لم يقل ويلاً لأن هذا هلاك دائم لا ينقطع لذا قال في خاتمة السورة (إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة) ولو قال ويلاً ثم قال في الخاتمة نفس الآية فلا يتناسب الأمر لغوياً. *ما دلالة التأنيث فى قوله تعالى(وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الهمزة)؟ هذا ليس مؤنثاً، التاء يؤتى بها للمبالغة وتاء التأنيث هي ليست فقط للتأنيث (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الهمزة) التاء تدل على التكثير، فاعلة وفعّالة من أوزان المبالغة رجلٌ علّامة وفهّامة من أوزان المبالغة، علاّم وعلاّمة من لأوزان المبالغة، داهية من أوزان المبالغة. *ما الفرق بين هُمَزة وهمّاز؟ قال تعالى في سورة الهمزة (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ {1}) وقال تعالى في سورة القلم (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ {11})الفروق بين الآيتين في الصيغ فصيغة همّاز هي صيغة مبالغة على وزن فعّال تدل على الحرفة والصنعة والمداولة في الأصل مثل نجّار وحدّاد وخيّاط. وعندما نصف شخصاً ما بـ (كذّاب) فكأنما نقول أن صَنعَتُه الكذب. أما صيغة هُمَزة فهي مبالغة بالتاء وهناك أكثر من نوع للمبالغة بالتاء: 1. ما أصله غير مبالغة وبالغ بالتاء مثل راوي – راوية (للمبالغة) وهي في الأصل صيغة مبالغة ونأتي بالتاء لزيادة المبالغة. ما أصله صيغة مبالغة ثم نأتي بالتاء لتأكيد المبالغة وزيادتها ، مثل : (هُمزة) فأصلها (هُمَز) وهي من صيغ المبالغة مثل (حُطَم ـ لُكَع ـ غُدَر ـ فُسق) ، فنأتي بالتاء لزيادة المبالغة. ويقول أهل اللغة : ما بولغ بالتاء يدل على النهاية في الوصف أو الغاية في الوصف، فليس كل (نازل) يسمى (نازلة)، ولا كل (قارع) يسمى (قارعة) حتى يكون مستطيرا عاما قاهرا كالجائحة، ومثلها القيامة والصاخة والطامة. فهذا التأنيث للمبالغة بل الغاية في المبالغة، وهذا ما تدل عليه كلمة (هُمَزة) إذن نحن أمام صيغتين للمبالغة إحداهما تدل على المزاولة، والأخرى على النهاية في الوصف ... ها هو الفرق بينهما. والسؤال الآن بعد أن عرفنا الفرق بينهما: لماذا اختار وضع هذه هنا وهذه هناك ؟ قال تعالى في سورة الهُمزة ("وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ . الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ . كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ . نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ . الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ . إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ . فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ") . وقال في سورة القلم (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ . مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ . وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ . وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ . فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ . بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ . وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ . وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ . هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ . سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ . إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ) استعمال هُمزة في آية سورة الهمزة لأنه ذكر النتيجة وتعرّض للعاقبة، نتيجة وغاية وعاقبة الكفار الويل وجاءت الآية (كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ {4}) والحُطمة هي بنفس صيغة همزة وهي صيغة مبالغة لذلك ناسب أن يذكر بلوغه النهاية في الاتصاف بهذه الصفة بالتاء تدل على النهاية في الحطم، وهي تفيد أن الجزاء من جنس العمل فكما أنه يبالغ في الهمز فسيكون مصيره مماثلا في الشدة فالذي يتعدّى على الناس في قوانين الدنيا في أنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة. ونلاحظ أيضا من السورة أن الخارج والمتعدي يحبس في النار وهكذا في قوانين الدنيا أيضا. أما في سورة القلم استخدام صيغة همّاز لأن الكلام في التعامل مع الناس وكل سورة القلم تتكلم عن التعامل مع الناس. "وإنك لعلى خلق عظيم"، فهي تتناول السلوكيات ولا تذكر العاقبة إلا قليلا وهي التي وردت في قوله: "سَنَسمُه على الخرطوم" ولكنه لم يذكر شيئا آخر من عاقبة مرتكب هذا الفعل إنما ذكر صفاتهم فقط مثل (حلاف مهين هماز مشاء بنميم) وهذه الصفات لا تستوجب الطاعة ولم يأتي ذكر العاقبة في هذه السورة فهي كلها في التعامل. وجاء في السورة (إن كان ذا مال وبنين) ينبغي أن لا يُطاع ولو كان ذا مال وبنين فهو يمتنع بماله وبنيه والمال والبنون هما سبب الخضوع والإيضاح والإنقياد ولو كان صاحبهما ماكر لذا جاءت الآية (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ {10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ {11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ {12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {13} أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ {14}) . فالعربي صاحب عزة في عشيرته ببنيه ولكن المال والقوة هما سبب الخضوع والانقياد في الأفراد والشعوب مهما كانت حقيقة صاحب المال من أخلاق سوء وإثم واعتداء فإن لها القوة لما لها من مال وقوة وهذا مشاهد في واقعنا وهو سبب استعلاء الدول القوية صاحبة هذا المال وتلك القوة على الشعوب المستضعفة. فالملحوظ هنا أن سورة القلم لم تتطرق إلى نهايتهم بل اكتفت بالأمر بعدم طاعتهم، أما الهمزة فقد ذكرت نهايتهم بتفصيل. *في سورة الهمزة وصف تعالى بقوله (إنها عليهم مؤصدة* في عمد ممددة) وفي سورة البلد لم يعقّب على النار بشيء فما اللمسة البيانية في هذا؟ لو لاحظنا المذكورين في سورة الهمزة نلاحظ أنه تعالى قد توسّع في ذكر صفات المعذّب (ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدده،...) وكما توسّع في الصفات توسّع أيضاً في العذاب (في عمد ممددة) أما في سورة البلد فلم يتوسع في ذكر صفات المعذبين وإنما قال (والذين كفروا) هذا والله أعلم. والأمر الآخر أنه في قوله تعالى (ويلٌ) بالرفع في أول السورة تدل على الهلاك التام الدائم ومناسب لقوله تعالى (في عمد ممددة) لأن ويل هي جملة إسمية (ويل: مبتدأ نكرة وخبره: لكل همزة لمزة، وويل فيها مهنى الدعاء وإذا كان فيها معنى الدعاء يصح أن تبدأ الجملة الإسمية بها مثل قوله تعالى سلام عليكم) ومن المعروف أن الجملة الإسمية تدلّ على الثبوت فاقتضى هذا الثبوت ثبوت الهلاك ودوامه (عليهم نار مؤصدة* في عمد ممددة) لا تفتح فيها الأبواب. ولو قال ويلاً لما ناسب سياق الايات معنى العذاب والتوسع فيه (ويلاً: هي مفعول مطلق لفعل محذوف معناه ألزمه الله ويلاً). كما أن ويل: هو مصدر من المصادر التي أُميتت أفعالها ومثلها : ويح، ويب، ويس، بمعنى أهلك. أما ويلاً: مفعول مطلق تقديره أهلكه الله مثل قعد جلوساً أو ألزمه الله ويلاً (مفعول به) والمشهور عند النحاة المعنى: أهلكه الله إهلاكاً وهو مفعول مطلق. أيهما أقوى في اللغة، ويل أو ويلاً؟ لا يمكن القول هنا أيهما أقوى لأن البلاغة في القرآن الكريم هو مطابقة الكلام لمقتضى الحال فأحياناً يقتضي الحال استخدام الجملة الإسمية فستخدم للدلالة على الثبوت وفي أحيان أخرى يقتضي الحال إستخدام الجملة الفعلية فتستخدم. الأمر الآخر في سورة الهمزة أن الله تعالى ذكر الكافر الذي يجمع المال ويعدده ويحفظه فكما حفظ الكافر المال وحمعه وحسب أنه يُخلده ولم بنفع به الآخرين أغلق الله تعالى عليه أبواب جهنم (في عمد ممددة) وناسب هذا الإستيثاق في حفظ المال الإستيثاق في الخلود في النار. أما في سورة البلد فلم يكن سياق الكلام على هذا النحو وإنما وصف الله تعالى أن الكافر أهلك المال (أهلكت مالاً لُبدا). ثم إن في سورة الهمزة ذكر تعالى أن الكافر يحسب أن ماله أخلده وهذا الحسبان قابله الحسبان بحقيقة الخلود في النار بأن أغلق عليه الأبواب وجعل النار عليه في عمد ممددة . وكذلك في سورة الهمزة وصف الله تعالى الكافر أنه يتعدّى على الآخرين ويهمزهم ويلمزهم ويمنع خيره عنهم والذي يتعدى على الآخرين ينبغي أن يُحبس والحبس يغلق عليه الأبواب ويكون في عمد ممددة ولم يُذكر هذا في سورة البلد واكتفى بالوصف (الذين كفروا بآياتنا) ولم يذكر أنهم اعتدوا على الآخرين. والكفر درجات والعقوبة دركات بحسب ما يفعله الكافر فليس كل الكفّار في عذاب واحد وفي دركة واحدة بدليل قوله تعالى (في الدرك الأسفل من النار). ثم إن المعذّبين في سورة الهمزة كفّار وزيادة فهم كافرون، يتعدون على الآخرين، يجمعون الأموال، يحسبون أن مالهم يخلّدهم وهذا كله لم يُذكر في سورة البلد ولهذا ناسب الإستيثاق في الحبس والجعل في عمد ممددة للكفار في سورة الهمزة.لمسات بيانية في سورة الهمزة |
|
|
|
رقم الموضوع : [9] |
|
زائر
|
سـورة الـهـمـزة
( دراسة لغويَّة أُسلوبيَّة ) الدكتورة شفاء خضيّر عبّاس الجامعة المستنصريَّة - كلية التــَّربية مقدِّمة: تُعدّ عمليَّة دراسة النصّ دراسة أسلوبيّة نقداً ينطلق من داخل النص نفسه بعيداً من أي مؤثر خارجي، وما يدور في النص يمنح المتلقي فرصة للنظر والتأ مل فيه . وإزاء ذلك تعدّ الأسلوبية نقدَا نصيّا تحاول البحث عن الأسباب الكامنة وراء النص الإبداعي، فالأسلوبية تفرض على ناقدها الاطلاع بمعارف اللغة، فهي ليست بمعزل عن كون النص مجرد وثيقة نفسية أو اجتماعية، بل تبدو الأسلوبية عن طريق النظر إلى ماوراء النص من انحرافات لغوية وهذا يتحقق عن طريق دلالة العبارات الداخلية في النص من فاعليات الاستعارة والطباق والوزن والقافية، وأحوال الجملة العربية وما إلى ذلك ...،فالخطاب الأسلوبي يتطلب من الناقد اكتشاف كل مايحيط بالنص من قيم جديدة ، وذلك عن طريق احتواء كل ما يحيط به من ظروف، أي أن الأسلوبية تنطلق من النص نفسه؛ لأنها تبحث عن ظروف النص لفهمه . فالأسلوبية منهج وصفي يتكىء واقعياً على الانزياحات اللغوية والتحولات المجازية، إذ تحاول الكشف عن الميزات التي تجعلها تختلف عن نص آخر، وهذا يتم في . أربعة مستويات لغوية: 1. المستوى الصوتي: ويبحث الأنماط الصوتية للكلام أو الوزن أو القافية. 2. المستوى المعجمي :وفيه تحدد الكلمات المجردة في مقابل الكلمات المحسوسة ، والتكرار النسبي للأسماء والأفعال والصفات . 3. المستوى التركيبي (الجملي): ويبحث في دراسة الجملة وتركيبها من حيث التقديم والتأخير، والقصر والتوكيد ،والذكر والحذف وما إلى ذلك . 4. المستوى البياني: وفيه يُدرس التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية ،أي أجزاء الصور ودلالتها في فهم النص، وهو ما أثبتته نظرية النظم من شدة الارتباط بين الأسلوبية والبلاغة العربية القديمة بوصف الأسلوبية منهجاً تطبيقيّاً وعلماً حديثاً. ومن هنا جاءت منهجية دراستي سورة الهمزَّة (دراسة تحليليَّة لغويَّة) لتظهر مكامن النص وأُطره اللغوية والجمالية ، وهو ما لا يتمّ إلا عن طريق الاطلاع على أسلوبية النص بما يحتويه من معانٍ ودلالات . ولعلنا لانبالغ إذا ما قلنا: إن الدراسات القرآنية استثمرت الأسلوبية في احتواء ماوراء النص وهو مبدأ الأسلوبية ، وسورة الهمزَّة من السور القصار ،اذ تتكون من (تسع) آيات ناهيك عن كونها مكية ،عدد كلماتها ثلاث وثلاثون، وعدد حروفها مائة وثلاثة وثلاثون،إذ تعكس هذه السورة صورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول،وهي في الوقت نفسه أُنموذج يتكرر في كل بيئة. صورة اللئيم الصغير النفس، الذي يؤتى المال فتسيطر نفسه عليه، حتى أنه لايطيق نفسه ، فيشعر أن المال هو القيمة العليا في الحياة، القيمة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار : أقدار الناس ، وأقدار المعاني ، وأقدار الحقائق، وأنه مَنْ ملك المال فقد ملك كرامات الناس وأقدارهم بلا حساب . الباحثة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ {1} الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ {2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ {3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ {4} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ {5} نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ {6} الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ {7} إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ {8} فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ {9}. صدق الله العظيم إنَّ الله - سبحانه وتعالى – لما ذكر الناجين من الناس في سورة العصر السابقة لهذه السورة، أصبح لدى السامع اشتياق لبيان عذاب المسئيين والمستــكبرين وإلى أين يكون مآلهم، فافتتح ذلك بما يستحقه هذا المسيء من عذاب وهلاك ،إذ قيل: إن السورة قد نزلت في (الأخنس بن شريق)، إذ كان يلمز الناس ويعيبهم ، وقيل: نزلت في (أُبي بن خلف )،وقيل : في (جميل بن عامر الجمحي) ، وقيل : في (الوليد بن المغيرة)، فقدكان يغتاب النبي (صلّى الله عليه وسلّم) من ورائه ، ويقدح فيه في وجهه . وقال الفراء : يجوز ان يُذكَر الشىء العام ويُقصَد به الخاص ، وعلى أية حال، فأي شخص نزلت فيه هذه السورة ، فالوعيد عام لكلِّ من يهمز ويلمز، وبهذا أتفقُ مع ماذهب إليه الطبري . وَلَمَّا كان عنوان السورة مأخوذاً من قضية ذلك الهمَّاز اللمَّاز التي تناولتها هذه الآيات الكريمات فإننا نمضي مع العنوان، وفي قصة هذا الهمَّاز والعنوان يفسح المجال أمام المتلقي إلى معرفة اسم السورة ، ثم يأتي الوعيد الأُخروي المتصدّر بـ(ويل)، لما تؤديه هذه اللفظة من جذب أذهان المتلقي ، وهذا ما يساعدنا في النفاذ إلى أبعاد القصة وما سيؤول إليه هذا الإنسان الموصوف في الآيات الثلاث الأولى بـ ( الهمزَّة اللمزَّة) . وهو من ثَمَّ نذير للكافرين ،والمشركين ،والمكذبين ،والظالمين ،والمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ،فافتتح الله تعالى بالوعيد بـ(ويل) ولم يبدأها بأي أسلوب آخر ،ولعل السبب في هذا يُعزَى إلى ما تؤديه هذه اللفظة من رهبة ،وماتثيره من خوف وهلع وخزي وهلاك . وقد جاءت (ويل) مرفوعة للدلالة على أن الوعيد ثابت وهذا يلائم قوله- تعالى- : ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴾ فهو دعاء عليهم ووعيد لهم ، وهذا لايعلم به إلا الله (تعالى)، على حين جاءت معرفة عندما قالوا :﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ قال –عزّ وحلّ- :﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ ، إذ اختار القرآن الكريم الألفاظ المناسبة للمعاني المناسبة لما لها من (( قوة تعبيرية ، إذ يُؤدّى بها فضلاً عن معانيها العقلية ، كل ما تحمل في احشائها من صور مدّخرة، ومشاعر كامنة ، لفت نفسها لفاً حول ذلك المعنى العقلي)) ، إذ لا يمكن أن تحلّ أية لفظة من ألفاظ القرآن الكريم محل أخرى، وهذا يوحي باستقلالية الكلمة المختارة لدلالة أعمق وإشارة أدق . فلو نزعنا لفظة (ويل ) من محلها واستبدلنا بها لفظة أخرى ، لاختل المعنى المراد من الآية وذهبت قوة التعبير الذي تمنحه هذه اللفظة، وهذا مااقتضاه الاستعمال القرآني لهذه اللفظة على خاصة، ثم أن لفظة ( ويل ) ذات دلالة واسعة، فهي تشمل العذاب بأنواعه ،تستوحي من دلالتها الصوتية المتمثلة بصوت الواو المجهور المتسم بالثقل والشدة، والياء واللام المجهورين ،فرسمت هذه الأصوات بدلالالتها حتمية وقوع الأمر ، ففي (ويل) تقريع لهم، إذ لاسبيل إلا الخزي والهلاك الأليم ، في الوقت الذي يدل به على مكانة النبي محمّد(صلّى الله عليه وسلّم) وإنذار بالوعيد والتهديد لكل من استهزأ بالنبي محمّد (صلى الله عليه وسلّم) ، وهذه دعوة للابتعاد عن مواطن الشبهات . وهذا هو المغزى من السورة المباركة ، ومن ذلك يتجلى تشريف النبي محمّد (صلّى الله عليه وسلّم ) ودلالة قدره ، وتأكيداً من الله تعالى ،لأن الهلاك والخزي مصير كلّ من انتقص من قيمة غيره ، متضمّناً هذا الوعيد كل من سلك هذا السلوك ، فلفظة (كلّ) تفيد معنى الشمول، إلا أنها في هذا الموضع أسيرة مَن حطَّ مِن أقدار غيره ومحاولة وضعهم في منزلة دنيا ، وهذا المعنى وظّفته دلالة (لام التملك) التي سبقت اللفظة للإشعار بأن هذا المغرور المتعالي الذي يحطّ من أقدار غيره،إذ يخدّش مشاعرهم لايستحق إلا الخزي ، إذ لايخفى ما لهذه اللفظة من قوة تعبيرية فالصوتان اختلفا مخرجاً ، إلا أنهما تقابلا في صفـتي الانفجار والجهر، فالكاف مهموس ، واللام مجهور ،مما أدى إلى محاكاة التقابل الصوتي للدلالة اللفظية . فاللفظة نفسها لها قوة تعبيرية وفيها تأكيد صحة الأمر الواقع بهم وأنه واقع عليهم لامحالة من دون استثناء، وهذا يأتي في الآية التي تليها ؛ولو لم يقل -عزّوجل -(كل) لذهب المعنى إلى أبعد من ذلك، ذلك أنه لم يخص طائفةً بعينها، ولَمـَا ناسبت المعنى المراد من السورة، لِمَا في طياتها من الخصوصية في هذا المقام فقد استعملت (كل) في القرآن الكريم، لِمَا فيها من الشدة ، إذ اجتمع صوتان الكاف مهموس، والآخر اللام مجهور، ولكلٍّ منهما طبيعتهُ الخاصة ، فالجمع بينهما -كما يرى المخزومي -يقتضي كل صوت فيهما أن يفهم ، وفي ذلك عسر لايخفى، فإذا تألفت كلمة وقد تجاور فيها صوتان ، أحدهما مجهور، والآخر مهموس، فما يزال أحدهما يؤثر في الآخر حتى يصيرا مجهورين معاً أو مهموسين معاً، وهـذا فيه دلالة على شدة المعنى . وقد يرد تساؤل : ما السر في تقديم (همزَّة ) على (لمزِّة) ، إذ في الوقت الذي ترمي فيه هاتان الصفتان الرذيلتان إلى غاية واحدة وهي إيذاء الناس، فبدأ الله -سبحانه وتعالى- بـ(الهمزَّة)؛ لأن هذا العيّاب ليس به حاجة وهو يعيب الناس بيده أو لـسانه مواجهة إلى جهد أو عناء واضح ، على حين أن اللمَّاز يغتاب الناس ويطعن فيهم من وراء ظهورهم . وقد ساعد في إظهار ذلك الدلالة الصوتية التي حملتها اللفظتان، فقد ناسبت الطبيعة الصوتية للهاء الهمز والعيب بخفية ، إذ في الهاء إشارة إلى الهمس بخفاء، وإن كان بأسـلوب علني ،والهمس لغة الخفاء ،والمهموس هو الحرف الذي لايحرك الوترين الصوتيين في خروجه ، وفي هذا دلالة على الهمس بخفية، إذ عند جري النفس مع ترديد هذا الصوت يضعف ، وهذا ما لا نجده في اللام المجهور المتصف بجهره، فهو يحاكي ذلك الجهد والتنقل من مكان إلى آخر، من غير مواجهة إذ يشيع السوء فيهم ، وهذا هو المجهور فهو الذي يتحرك عند النطق به الوتران الصوتيان . وقد تضافرت البنية الصوتيَّة مع البنية الدلاليَّة في تشكيل المعنى، إذ إن تكرار صوت الزاي أضفى على هذه الألفاظ دلالة لا تخفى ، ففيه إلاشارة إلى ضعف هذا المسيء وخذلانه إزاء العبد الصالح ،وفيه من الاصطكاك والاحتكاك في المخرج الصوتي وفي أزيزه من الوقع الحاد المؤلم على الأذن ، ثم إن الحروف تتقارب لتقارب المعاني ، فتكرار صوت الزاي أضفى طابعاً مناسباً جمالياً ،فالرابط بين (همزّة ولمزّة ) هو معنى واحد؛ وهو الحطّ من أقدار الناس. ومع أن المفسرين ذهبوا مذاهب شتى في مدلول اللفظتين ، إذ منهم مَن ذهب إلى أن الهمَّاز الذي يؤذي الناس مواجهةً، أمّا اللمَّاز فهو الذي يغتابه من خلفه ، ومنهم مَن ذهب خلاف ذلك من أن الهمَّاز المغتاب ، واللمَّاز العيّاب . ولكن الاستعمال القرآني استطاع توضيح الفرق بينهما، ففي- قوله تعالى- : ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ﴾ ، دلّت على أن الهمَّاز في غيبتهم ، وقوله –تعالى: ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ ، فتقسيم الصدقات لايكون إلا وجهاً لوجه . و الواو تفيد معنى الجمع ، إلا أن مجيء الصفتين متتابعتان ، لأن الغاية المتوخاة واحدة ، وأن الهاء و اللام تباعدا في المخرج ،إلاَّ أن ذلك يسهل نطقهما وتلاؤم الحروف ، وتستسـيغه الآذان ، فالجناس بين (همزَّة ولمزَّة ) من شأنه أيضاً تقوية الجرس في ألفاظه ، فشدة التشابه بين الكلمتين يوحي بالقرابة بينهما ، مما يجعل إحداهما مؤكدة للأخرى ، فالصلة بينهما وثيقة كالصلة بين الفرح المرح في قوله -تعالى- :﴿ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ . والمتأمل في النص القرآني يجد أن استعمال ( الذي ) استُحضِرَ في هذا المقام للفت أذهان المخاطب إلى ذكر صفات هذا المسيىء ، ففيه من الدلالة على الهوان والازدراء ، ثم انظر إلى ماسيحدث، فإلى تماديه أظهر تمسكه بالدنيا، وكأنه قد ملكها عن طريق تعلقه بجمع المال وتمسكه به. وأتفقُ مع ما ذهب إليه أحد المفسرين من أن أكثر الناس همزاً ولمزاً للناس، هو الذي يحرص على جمع المال ويجعل هذا الجمع كلّ همه في الدنيا ، ولكي يخلو ميدان الكسب ، يحارب الناس بكلِّ سلاح ، فلا يدع إنساناً إلاَّ طعنهُ الطعنات القاتلة بالهمز حيناً ، وباللمز أحياناً ،إذ يظهر الفعل(جمع) و ( عدّده ) بالزمن الماضي ليدل على ملازمة هذه الصفة ، فهو يجمع المال ليقيم له عن طريقه سلطاناً على الناس لا بما ينفق عليهم منه في وجوه الخير ، فهو يعمل على إعلاء نفسه بهدم غيره ، فالحدث (جمع المال) في زمن الماضي، إلاّ َأنه حدث مستمر، لأن الماضي ثابت ، ودلالة الثبات تأتي من التراكم الذي جاء به الفعلان (جمع و عدّد)،إذ لو اختير الفعل( أحصى) بدل الفعل (جمع ) لما أفاد المعنى الذي يفيده (جمع) في هذا المقام ، ثم إن في جعل الواو رابطة ما بين الجمع والعدّ من شأنها أن تؤدي إلى حدوث الترابط الدلالي بينهما ، ذلك أن العدّ ناتج من التراكم الحاصل في المال وكل ماتحته على أقسام . ويبدو أن التكرار الصوتي الحاصل في صوتي الدال الشديد يعكس دلالة اللفظة (وعدّده)، لِمَا يمتاز به صوت الدال من ثقل صوتي فهو من حروف القلقلة ،وقد أسهم في تكثيف الدلالة ، إذ إن هذا الهمَّاز اللمَّاز ليس همه إلا جمع المال متخذاً منه وسيلة للنيل من أقدار الناس والحط من شأنهم ،ثم إنه مستمر في جمعه المال الذي بتصور هذا الهمَّاز سيضمن له الحياة . وهذا ما جاء عند بعض المفسرين من أنه فاخر بعدده وكثرته دون إنفاقه على وجه الخير ، بدليل قوله- تعالى-:﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ ، وجــاء في روح المعاني: ((عدّهُ مرةًً بعد أخرى حباً له وشغفاً به )) ، ناهيك عن جعل الواو رابطة مابين الجمع والعد من شأنها أن تؤدي إلى حدوث الترابط الدلالي بينهما،فالجملة الأولى (جمع) زمنها ماض والحدث متواصل بدلالة الفعل (يحسب) ، اذ إن الجملة من الناحية التركيبية تتسعُ دلالياً ، فلو اكتفى القرآن بهذا العموم لكان أيضاً بلاغة ، ولكن لَمَّا كان سياق النص القرآني يتسع أكثر فأكثر نحو سرد أفعال هذا المسيىء وتوضيحها ، فقد ترسّخ في أذهان هذه النفوس الضعيفة أنهم لا يموتون وأنهم بجمع المال قد ضُمِن لهم الأمان ، إذا كان الأمر كذلك فإن الفعل (يحسب ) أولى في الاستخدام من (ظنَّ) ، اذ في (يحسب) تحقيق غاية السياق ، وكأن الاستعمال القرآني لـ(يحسب) أقرب إلى اليقين في هذا المقام منه إلى (ظنَّ)، وكأنه- تعالى- أراد القول:إن هذا المتعالي بجمعه المال قد ضَمن الخلود في الحياة الدنيا ، لذلك تناسب الفعلان (يحسب وأخلده ) في الآية الكريمة وصف الحدث في الزمن الماضي في الآيات السابقات ، وأخلده من جهة أخرى يشير إلى استمرار الحدث ، فهو للزمن الحاضر بخلاف الفعل (خلده) ، فلو استعـمل الفعل في الماضي لخضـع الوصف لهذا الزمن الماضي ، وتكشف عن أن الحدث حكاية ماضية. جاء في لسان العرب ، مثله :نادى أصحاب النار ،أي ينادي ، ويؤيد ذلك الاستعمال اللغوي لـ (الخلد) والخلد في العربية دوام البقاء في دار لايخرج منها، وقد استُعمِل حسيّاً في الخوالد وهي الجبال الرواسي والحجارة . وحين يُستعمل في القرآن الكريم فإنه يأتي دائماً في سياق الحديث عن الآخرة ، وحين يستعمله في الدنيا فعلى وجه الذم نحو قوله- تعالى- :﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ﴾ . أما الحديث عن مجىء حرف العطف (الواو) فقد جاء ليـدل على التقسيم في أنواع الفعل ، فلما أراد- عزّ وجل – تأكيد القباحة في الحط من شأن الناس أراد نفي هذه القباحة مستعملاً (كلا) تأكيداً بما سيحلّ بهذا الهمَّاز من خزي وهلاك . وفي هذا المقطع بيان ما ينتظرهم في مآلهم وهنا يبدو الأثر النفسي الذي تثيره الآيات الكريمات ، فقد افتتحت السورة الكريمة بـ (ويل) ، وهذا يحمل في طيّاته احساساً بالخوف والخزي والألم الذي يلحق بصاحبه وكيفية جمعه المال ، فيأتي الجواب على هيأة الردع الشديد مشيراً –عزّ وجل – إلى ذلك بأبلغ تعبير، مصوّراً عجزهم عن مواجهة العذاب الأليم الذي لايتخيله إنسان ، ثم إن في (كلا) ماهو أوكد في النفي الذي تختـلف شدته على وفق سياق الكلام ، وردّاً على تصوراتهم في هذه الحياة الدنيا ، ومن مناسبة الحرف لسياق السورة الكريمة، عدول الاستعمال القرآني عن (ألقى أو طرح( ،على حين فسرها الطبري بالقذف . فقد استعمل الفعل (نبذ) ، إذ إن التضعيف الحاصل في الفعل يلائم والتهديد الذي تصّدرت به السورة الكريمة ، فلو جيء الفعل (نبذ) بالتخفيف من غير تشديد في النون لما ناسب إيقاع الآية الكريمة ، ولما حققت المراد من الآية، فالضمير في (ينبذنَّّ) لهذا الساخر وإن لم يذكر ، لان السياق قبله يدل عليه، ثم إن في البناء للمجهول نوع من الاحتقار والازدراء ، بوصف الكلام يشكل في بنيته الظاهرة والباطنة وحدة متكاملة يكمل بعضها الآخر ، ثم إن في الحذف ما يجعل ذهن المخاطب لأن يوجّه عنايته للنظر في سياق النص القرآني وأحداثه، وبهذا أتفقُ مع ما أشارت إليه الدكتورة بنت الشاطىء من أن القصد من حذف الفاعل إنما هو تركيز الاهتمام على الحدث بصرف النظر عن محدثه ، تنزيهاً لله- تعالى- عن الأعمال المسيئة ثم إن المقام مقام وعيد وخوف ومقام ذكر الأعمال المسيئة لهذا المتعالي، فقد اختفت النون عند التقائها بالباء ، إذ نجد الساخر يُطرَح هواناً له واستخفافاً به كما تُنبَذ النواة من التمر بعد أن تُؤكل ، وهذا يلائم تماماً طبيعة الهاء الصامتة التي أضفت على السورة خفاءً. ثم إن في اللام الثقيلة معنويًّا والنون الثقيلة دلاليًّا ، فالباء الانفجاريّ المتقلقل، والذال المجهور مايشبه حال هذا الساخر ، وفي فعل النبذ هذا ما يلائم ونوع العذاب الذي سيحلّ به في تتمة الآية الكريمة ( فِي الْحُطَمَةِ) . فالأسلوب القرآني كثيراً ما يمزج طبيعة الجرس الصوتي للمفردة بأجوائها ، ولعلّ في إداراك السياق ما يوضح الإجابة عن ذلك ، فما سبقها من آيات بينات كفيلة ببيان المعنى ؛ ذلك أن الذي ينتقص بيده أو لسانه من قيمة الآخرين لا يكون مصيره إلا التهشيم والتكسير بعنف ، فلو عبر عن ذلك بـ(لظى أو سعير) لما حققت من مظهر جمالي لما قبلها (الهمزة واللمَزة)، فالسكت على الهاء يوحي بالوضع المؤلم المرتقب والوعيد والهلاك ، وهو ينطلق من الأعماق ليواجه الأجواء المتوترة ، فالطاء الشديدة المطبقة ،والميم المجهورة جسدت الصورة الصوتية . فانظر إلى اجتماع المهموس والمجهور للدلالة على هذه اللفظة ، لِمَا توحيه من اقتراب الوعيد والعذاب، ففي هذه الصورة استحضار لصورة التقابل بين الذنب والجزاء . ويبدو أن النص القرآني استخدم ( الحطمة ) الدالة على التحطيم للدلالة على أن جنس العقاب من جنس العمل، فالهمَّاز اللمَّاز قد حطّمَا المهموز والمعيب نفسيّاً واجتماعيّاً وربما قد يصل الأمر إلى التحطيم البدني من جرّاء خلق الفتن والخلافات التي تؤدي إلى التناحر ، وهي صورة مسبوقة بأسلوب رادع وزاجر، فقد ناسب التشديد بـ( كلاّ ) جرس الآية ، فهو بمثابة وعيد وتهديد ، إذ لم يَدَع مجالاً للرخاوة والتأني في الوقت، فالأصوات ((تابعة للمعاني فمتى قويت قويت ومتى ضعفت ضعفت، ويكفيك من ذلك قولهم: قطع وقطّع ، وكسر وكسّر زادوا في الصوت لزيادة المعنى واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه)) ، ناهيك عن أن النص يقوم على التغير من أسلوب إلى آخر، إذ إن فهم النص وكيفية إيصاله لا تتم على وفق أسلوب واحد فقط ، وإنما هو حلقة وصل بين أجزاء الكلام وهذا الوصل بالطبع يتم على وفق قواعد نحوية لا يمكن حذفها، لأن ذلك من شأنه تغـيير المعنى المقصود في النص ، ثم إن هذا الانتقال من أسلوب إلى آخر ، إنما يدل على أسلوب القرآن المعجز ،إذ نجد السياق انتقل من الإخبار إلى الإنـشاء ، فانظر كيف تدرّج السياق من الإخبار بـ (الحطمة) إلى أسلوب الاستفهام التهويلي (ما الحطمة) ؛ليُفَاجَأ المتلقي بعد أن يصرف ذهنه عن ماهيتها، ثم يجيب - عزّ وجل - بسـؤال التجهيل عن هـذه اللفظة (الحطمة) لتؤدي معنى أقوى، وهي أوسع من أن يحيط بها هذا الإدراك ، موظّفاً هذا النص التَّكرار في صيغة المبالغة ( فُعَلة ) توظيفاً فنيًّا رائعاً . فقد جاءت صورة التكرار التقابلي في لفظة (الحطمة) لتدل على عظمة ارتكاب هذا المسيىء ، فهي تقابل صورة التهويل من تشظي نار جهنم كما يتضح من (ما التعجبية) في﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾ في تكرار الإيقاعات، وبهذا يتآلف اللفظ والمعنى مع الترديد النغمي للبنية اللغوية، وكلها عناصر فاعلة في التقابل الجمالي اضافت للمعنى فضاءً خاصّاً ، إذ إن هذا التكرار يعتمد على التوازي بين تكرار صيغة ( فُعَلَة ) في وصف هذا الساخر ، وتكرارها في وصف الجزاء الذي هُيِّئَ له بعد أن يذكر على هذا النحو من التناسق الفني البديع . وهذا هو شأن الأداء القرآني لم يبرز المعنى أكثر معتمداً -كما قلنا - المفاجأة والقصدية ومما يعزز ذلك الاتصال أيضـاً مجيء حرف العطف (الواو) بقوله –تعالى- في الأولى : ﴿ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾، وفي الثانية: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾، فبعد أن يـصرف ذهن المتلقي عن مـاهيـة ( الحطمة ) المسبوقة بهذا الاستفهام التهويلي ، إذ إن الخطاب عام -غير معين- أي أيها المغرور ما أدراك ما الحطمة؟ ، يعدل الاستعمال القرآني إلى التصريح بذكر ماهيتها فهي ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾، إذ لم تأتِ هذه النار في القرآن الكريم مضافة إلى اسم الله –تعالى- إلا في هذا الموضع لهول الموقف، فالمقام ومافيه من رهبة اقتضى ذلك، على حين إنها في سورة القارعة ﴿ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾(11)، فقد صرح بذكر اسمه لجلالة شأنه، واصفاً _ عزّ وجلّ _ هذه النار في: ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾ بأنها لا تتسلّط على الأجسام فحسب، بل إنها تتسلّط كذلك على المشاعر والوجدان فتشتعل بها المشاعر، ويحترق بها الوجدان وهنا تدرج المشهد من صورة سمعيّة إلى مرئيّة أو بصريّة . المشهد التصويري فلما كانت هذه النار يبلغ ألمها الأفئدة فتحـرقها ، رُوعي استعمال هذه اللفظة (تطلع)، فقد وُظِّفَت في هذه الآية توظيفاً صوتيًّا رائعاً ، إذ ناسبت المعنى المراد بدلالة صوت التاء الانفجاري ، فالطاء الشديد الانفجاري ، واللام المجهور ، والعين الحلقي المجهور الاحتكاكي ، فقد رسمت هذه الأصوات بجرسها صورة النار وهي تحرقهم ، ولو قيل : تغشى أو تعلو ، لما أفادت المعنى الدقيق ، فكأنّ هناك اختياراً مقصوداً للصوت ليؤدي المعنى المغاير لما يؤديه الصوت الآخر، ثم إنّ التعبير القرآني انتقل من الاستفهام إلى الإخبار بغية التهويل، وبهذا الاستفهام يتسع إدراك المخاطب لمعرفة ما ترتب لهذا المسيء من عذاب ، وهذا عن طريق الانفعال داخل سياق النص القرآني؛ فـ( تطّلع ) أقرب إلى أجواء الرهبة التي يعيشها ذلك المغرور ، إذ إن كل كلمة تلقي بجرسها لتصوّر مشاهد العذاب . وقد قيل : إن معنى الاطلاع على الأفئدة ، هو أن هذه النار العجيبة تعرف أهلها وكأنها اطلعت على سرائرهم وما عملوا من منكرات ، فتدعوهم إليها ، وتمسك بهم ، وتشتمل عليهم ،كما يشـير إلى ذلك قوله – تعالى-:﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ، وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ ، وقوله -سبحانه وتعالى- :﴿ إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ ، ثم إنه - عزّ وجلّ - خصّ الأفئدة ،لِمَا لها من الرقة وفرّق بينها وبين ذكر (القلب)، ففي ذكر (القلب) ثقل في السمع، ثم إنها اتسقت صوتيًّا مع معاني الفواصل التي سبقتها، لذا اسُتعمل (أفئدة) بدل القلب. وجاء في لسان العرب : والفؤاد : القلب ؛ لتفؤده وتوقده ، وفي التفسير البياني: إنما ذَكر الأفئدة لتخليصها من حسّ العضوية التي تدخل على دلالة ألفاظ القلوب في المألوف من ألسنة العرب ، إذ يستعمل القلب بمعناه العضوي . ومشهد السورة الكريمة يتركز في صورة هذا المتعالي الساخر ، إذ تظهر الآيات على هيأة مشهد كاريكاتيري ، وفي ذلك استصغار لحاله يجرده عن غروره الساذج ، إذ إن (( السخرية في القرآن تتركز دائماً في كلام موجز ، يغلب عليه التصوير )) ، فهذا المتعالي عاجز عن مواجهة الموت الواقع عليه لا محالة ، وقد جاء ذلك في سياق جسّد فيه تلك النار، سياق خبري مؤكد بـ(إنّ) ، ليؤكد حقيقة أمر واقع لا محالة، فهم ماكثون في هذه النار لايخرجون منها بدلالة (مؤصدة) ، فهذه اللفظة تعني الإغلاق ، تأكيداً ليأسهم واستيثاقهم فهم مشدودون إلى عمد ممددة قد شُدّت أغلالهم إليها . قال ابن منظور : (( أطبقه كأوصده إذا أغلقه )) ، والحق أن جرس هذه اللفظة له قدرة تصويرية بدلالة الهمزة الثقيلة على الواو ، فالصاد الذي شكّل جرساً صارماً، ثم الدال المتقلقلة الشديدة، والانتهاء بالتاء المربوطة يوقف عليها بالهاء الساكتة . وأهم ما يلحظ في هذه السورة التكرار الصوتي، إذ جاء في هذا السياق لتأكيد المعنى الوارد في النص القرآني ، إلى جانب كونه يُحدث تناغماً إيقاعيًّا داخل النص . ويمكننا ملاحظة التكرار الصوتي في هذه السورة على نوعين :- الأول : التكرار الصوتي المقيد ، ويعني تكرار أصوات اللفظة جميعاً أو بعض أصواتها ، متمثلاً بفني التجنيس ،والتكرار ،والتكرار المحض أول فروع التكرار ، وقد ورد في قوله - تعـالى-: ﴿ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾ ( 4-5 )، فاللفظة الأولى ( الحطمة ) سبقت بفعل مبني للمجهول، وهذا من شأنه أن يصرف ذهن المخاطب إلى الفعل من دون ذكر الفاعل . وقد أكدت اللفظة الثانية عند تكرارها مسبوقة بـ( أداة الاستفهام )، على حين عـرف بها - سبحانه وتعالى - بـ:﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾، هذا ما أكّد بوضوح الدلالة المعنوية لهذا التكرار لإبراز المعنى المتوخى، وهو التهديد والوعيد . أمَّا النوع الآخر من التكرار ، فهو المتمثّل بفن التجنيس ، وهو اتفاق اللفظين في وجه من الوجوه مع اختلاف معانيها ، ومنه قوله- تعالى- :﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ ، إذ التجنيس بين لفظتي ( همزَّة ) و( لمزَّة ) وهذا النوع من الجناس يدعى بـ (الجناس اللاحق )، فهما تشابها في هيأة الحروف وترتيبها وعددها ، واختلفا في نوع الحروف ، فقد اختلف الهاء و اللام في النوع ، فضلاً عن أنهما تباعَدَا في المخرج، إذ الهاء حلقي، واللام ذلقي ، وقد أحدث هذا الجناس إيقاعاً متجانساً يتسق ومعنى النص القرآني . الثاني:- التكرار الحر: قد يحدث تكرار الأصوات في النص القرآني انسجاماً مع الغرض المتوخى من هذا النص، و إن الجانب الصوتي له أثر في صرف ذهن المتلقي، وعليه فالأصوات في النص القرآني تتجه اتجاهين : أولهما ، الأصوات المهيمنة : وهي التي يكون تكرارها أكثر وضوحاً ، والآخر الأصوات المؤازرة: وهي التي يكون تكرارها أقل وضوحاً . وقد تكررت أصوات اللام والميم والدال أكثر من غيرها في هذه السورة وجميعها أصوات مجهورة ،ولكن اللام أحدث تناغماً، هذا إذا ما علمنا أن الهيمنة قد تكون سمعية أيضاً، وعليه تكرار صوت اللام أكثر من غيره ،فهو صوت مجهور ، وقد أحدث بتكراره تناغماً ناسب حالة الوعيد والتهديد المقتضي في السورة بأسرها . ومن هنا جاءت عناية القرآن الكريم بتخير الألفاظ تخيراً يتلاءم وجو السورة في أكثر الأحيان ؛ إذ إن النفس تتشوق إلى سماع اللفظة الواحدة إذا كانت بمعنيين، وتتوق إلى استخراج المعنيين المشتمل عليها ذلك اللفظ، فصار للتجنيس وقع في النفوس وفائدة . ولو بحثنا عن أثر الفاصلة القرآنية في القرآن الكريم نجد عناية القرآن الكريم بالانسجام الموسيقي عنايةً واضحةً ، لما لذلك من تأثير كبير في السمع ووقع مؤثر في النفس، لهذا فقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة منتهية بفواصل منسجمة موسيقياً بعضها مع بعض . وقد سجلت الفاصـلة الثلاثية المقطع نصيباً يكاد تقترب نسبته والفاصلة الرباعية المقطع، تعبيراً عن المعنى المتوخى من النص القرآني، إذ تكونت الفواصل: (لمزَّة - عدّده - أخلده ) من ثلاثة مقاطع وردت على النحو الآتي :- لـ/ــمـ/ــزة مقطع قصير مفتوح+قصير مفتوح+طويل مغلق عـ/ــد ّ/ده مقطع قصير مفتوح+طويل مغلق+طويل مغلق أخـ/ـــلــ/ده مقطع طويل مغلق+قصير مفتوح+طويل مغلق فقد أسهمت الأصوات المجهورة ذات الجرس الرخو الزاي واللام والميم في رسم صورة هذا الساخر، ولا سيما مجيىء الفاصلة الأولى بمقطعها الأول التي تذهل المتلقي بصوتها المجهور، ثم إن هذه الفاصلة جاءت ملائمة للفاصلتين الثانية والثالثة بأصواتها الشديدة الجرس، التي عبّرت عن حقيقة هذا المغرور . وقد جاء المقطع الطويل المغلق لردع هذا المتعالي، وهنا حدث تغاير في نوع المقاطع، إذ اختلفت الأصوات التي تألفت منها مقاطع الفواصل (3- 4- 5- 6)، وهذا التغيير الصوتي هو نتيجة اختلاف الحدث متمثلاً بالأصوات الانفجارية : الطاء بجرسه القوي الانفجاري، والهمزة التي تحتاج إلى جهد عضلي في اثناء النطق بها، والصاد الصفيري، ثم الدال المتقلقل الذي ختمت به السورة لتأكيد وقوع العذاب، فقد أظهر هذا الاتساق في التشكيل المقطعي رهبة الموقف من جراء العذاب الذي حال بهم، والله أعلم. الخاتمة بعد هذه الرحلة الممتعة بين آيات القرآن الكريم في (سورة الهمزَّة ) توصّلنا إلى مجموعة من النتائج، أهمها:- تميزت (سورة الهمزَّة )المباركة بفاصلتها الموحدة التي شكّلت اتساقاً إيقاعياً يوحي إلى المغزى الرئيس لها والابتعاد من ذم الناس ،والحطّ من شأنهم . أسهم التكرار الصوتي في بعض الآيات في إيجاد تفاعل بين أصوات الآية المكررة من ناحية ،والمعنى المراد من ناحية أخرى ،إذ إن هذه الفواصل المكررة لم تأتِ مجرد إيقاع ،وإنما كانت ترمي إلى إبراز المعنى ،ثم إنّ اختيار حرف الزاي جاء مقصوداً ، فالزاي مهموس ،والهمس الخفاء ، إذ عند النطق به لاتحس به ،وهذا إن دلّ على شىء؛ فقد دلّ على مدى ضعف هذا المسيء إزاء ممن يتوقع أنهم أدنى منه،أي إن تكرار بعض الحروف كان له أثر في إبراز الدافع النفسي الذي كان وراء هذا المسيء من أفعال مؤذية . من الناحية التركيبية نجد السورة المباركة تنحى منحى دلاليًّا أعمق ، ذلك أن النص القرآني يفصل بعد أن يوجز وهذا من شأنه أن يضفي على النص إطاراً جماليًّا ، فالسورة المباركة تتحدث عن سوء المواقف التي تحط من شأن الإنسان ، وفي المقابل فقد فصّل الله تعالى في ذكر كيفية عذاب هذا المسيىء . جاء الفاعل على صورتين :الأولى (اسم ظاهر) ،والأخرى (الضمير) ، والنصيب الأوفر كان للضمير ، أما المفعول به فقد جاء بصورة الاسم الظاهر ، وهذا من شأنه أن يوجد اتساقاً تركيبياً يرمي إلى وحدة السورة . أظهرت دلالة الجملة الفعلية (الفعل الماضي) دلالة الثبوت في الفعل واستحضار الحدث. استعمل القرآن الكريم كل أداة بحسب المعنى المراد متوخياً الدقة في استعمال ذلك ،فالنهي مثلاً في:( كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ) جاء ردّاً للتصورات التي كان يدعو بها هذا المسيىء وهي التشهير بأعراض الناس وبيان استمرارية الرد على هذه الأفعال . وقد خرج الاستفهام نحو التهويل لإقرار بعض المفاهيم ذلك أنه- تعالى -أراد بـ: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ) إقرار مدى أهمية هذا المفهوم. أما التوكيد فقد أسهم في تثبيت المعنى المراد في السورة الكريمة وترسيخه . اتضح لنا أن اختيار لفظة (الحطمة )لم يأتِ اعتباطياً فلم يقل-سبحانه وتعالى-مثلاً: (لظى أو سعير)،وكلاهما من أسماء النار ، ذلك أن في لفظة الحطمة أصواتاً ذات دلالة تتلاءم والجو العام للسورة، فذلك المسيء الذي يحاول النيل من أعراض الناس من شأنه أن يقابل بالتكسير أو التهشيم بعنف، وهذا يتلاءم مع أصوات الجهر والهمس التي تألفت منها (الحطمة ). |
|
|
|
رقم الموضوع : [10] |
|
زائر
|
هذا درس لكم في اللغة العربية لكي لا تحشروا انفسكم في علم لا قبل لكم به
|
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| هذه, الله, النهضة, البشر, الصور, تمثل, يتحدى, ركاكة, سورة |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| فبهت الذي كفر - إبريق الشاي يتحدى الله | Iam | العقيدة الاسلامية ☪ | 14 | 03-24-2019 10:46 PM |
| كتاب الهندوس المقدس (فيدا) يتحدى البشر بأن يأتوا بمثله | السيد مطرقة11 | الأرشيف | 11 | 04-29-2018 01:30 PM |
| الملحد خلف يوسف يتحدي الله وينتصر عليه | كويتي | العقيدة الاسلامية ☪ | 7 | 03-14-2018 05:31 PM |
| من يريد ان يتحدى الله ؟ | أوزيريس | العقيدة الاسلامية ☪ | 43 | 05-16-2017 01:58 AM |
| هل تصدّق أن هذه الصور حقيقية؟ تعرّف إلى سحر أيرلندا | ابن دجلة الخير | السياحة | 3 | 03-23-2016 02:35 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond