عشوائية ام نظام دقيق؟

[Mazen]

كلنا يعلم ان عملية نقر القطعة النقديه المعدنيه هي عمليه عشوائية بإمتياز. وعندما ننقر القطعة المعدنيه فالاحتمالية هي 50/50 بين الحصول على الرأس أو النقشه.

الان تصوروا ان احدى شركات الانتاج التلفزيونية قررت عمل مسابقه بإنتاج ضخم وبجائزة ماليه ضخمه للفائزين. فكرة البرنامج بسيطه جداً. يتم اختيار خمسين متسابق. وفي كل حلقه من البرنامج على كل متسابق ان ينقر القطعة المعدنيه 100 مره ويتم احصاء كم مره حصل المتسابق على الرأس او النقشه. وفي كل حلقه يتم حذف احد المتسابقين الذي حصل على اقل عدد من الرأس. ولنتصور ان هذا البرنامج يعرض اسبوعياً ويجذب عدد كبير من المشاهدين ومع رقص وهيصه ومقابلات.
بعد 25 أسبوع سينخفض عدد المتسابقين الى 25 مشتركاً. وبعد 10 أشهر او 11 شهراً سينخفض عدد المتسابقين الى بضعة أفراد.
ستلاحظ من خلال المقابلات مع المشتركين الذين لازالوا في المسابقة او من خلال المقابلات مع الجمهور، انهم يؤمنون ان لدى المشتركين الباقين ذكاء خارق وإحساس مرهف وطريقه خاصه خارقه في نقر القطعة المعدنيه. وأن هذه النخبه الباقيه لديها قدره غير متوفره عند غيرهم من المتسابقين ولديهم تصميم وابداع في نقر القطعه المعدنيه. مع ان عملية نقر القطعه المعدنيه هي عمليه عشوائية بإمتياز!

هذا النص أعلاه ترجمته ونقلت ما معناه من كتاب قرأته سابقاً، اسم الكتاب (fooled by randomness) او خدع بالعشوائية. هذا الكتاب يتحدث عن العشوائيه في الاسواق الماليه وكيف ان العشوائيه يمكن ان يحسبها الانسان الذي لا ينظر اليها بأسلوب علمي انها تنظيم وترتيب يمكن ان يتكرر ويمكن ان يكون مربحاً، والحقيقه هي العكس تماماً.

في التجربه أعلاه، كلما زاد عدد المتسابقين وكلما زادت المده الزمنيه، كلما كانت خدعة العمليه العشوائيه اكبر.

سأستخدم نفس المقارنه في المثل أعلاه وأتكلم عن الحياة على كوكب الارض. كثيراً ما يصدع المؤمنون رؤوسنا بالتحدث عن قدرة الله الرائعه والترتيب الرائع في هذا الكون وكيف انه علم الانسان والحيوان وزرع فيهم الفطره. ويتحدثون عن قدرة الخالق المبدع في تعليم الطائر والفهد كيف يصطاد. ولكنهم لم يلاحظوا ان الحياة التي يرونها هي القله القليله الباقيه من مئات الآلاف بل الملايين من التجارب الفاشله. آلآف من اجناس القوارض والزواحف والطيور والأسماك والحشرات والبكتيريا وغيرها انقرضت من غير رجعه ولَم تستطع الاستمرار. حتى الاجناس شبه البشريه كانت تجربتها فاشله ولَم تنجُ. حتى جنسنا البشري قبل عشرات الآلاف من السنين كان مهدداً بالانقراض وتواجد بإعداد ضئيلة على هذه الارض.
فكونوا جداً حذرين من العشوائيه ألتي غالباً ما تُظهر نفسها بمظهر الترتيب والتنظيم الدقيق.