![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
من اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي- ف. ديفيد بيت ترجمة : خليل الحاج صالح نقلا عن موقع الأوان . ______________ في العام 1900 تحدث اللورد كلفن عن انتصارات الفيزياء وكيف يمكن توسيع نظرية نيوتن في الحركة لتشمل ظاهرتي الضوء والحرارة. ومضى في خطابه ليشير إلى "غيمتين" تحجبان "جمال ووضوح" النظرية: تضمنت الأولى الطريقة التي ينتقل بها الضوء عبر الفضاء، أما الثانية فهي مشكلة انتثار الطاقة بالتساوي بين الجُزيئات المهتزّة. وانتهى الحل الذي اقترحه كلفن، في الحالين، إلى أن يكون مسلكاً بعيداً عن المقصد. فمما يُثير السخرية أن ما اعتبره كلفن غيمتيْن تحجبان الأفق كانتا في الواقع قنبلتين على وشك أن تُحدثا انفجاراً هائلاً في فيزياء القرن العشرين. تُسميان نظرية النسبية ونظرية الكوانتا، ولدى كل منهما ما تقوله حول الضوء. والضوء، تبعاً لأمثال كلفن من علماء الفيزياء، هو اهتزاز، ومثله مثل أي اهتزاز آخر تتوجب معالجته من خلال قوانين نيوتن في الحركة. لكن علماء الفيزياء يُحاججون في أن اهتزازاً ما لا بد مهتز في شيء ما. وعليه فقد افترض الفيزيائيون أن الفضاء ليس فارغاً بل مليء بهلام غريب سموه "الأثير المضيء". إلا أن معنى ذلك أن سرعة الضوء كما تُقاس في المخابر على الأرض -السرعة التي يبدو أن الاهتزازات تنتقل بها عبر الأثير- لا بد أن تعتمد على سرعة واتجاه حركة الأرض عبر الأثير. وبما أن الأرض تدور حول الشمس فإن هذا الاتجاه يتبدل على الدوام، وإذن فإن سرعة الضوء المُقاسة من اتجاه معطى يجب أن تتغير تبعاً لتغيّر الزمن خلال السنة الواحدة. تالياً، توقع العلماء أن يكشفوا تغيّراً في سرعة الضوء المُقاسة في أزمنة مختلفة من السنة الواحدة، إلا أن تجارب دقيقة أظهرت أن الأمر ليس كذلك. إذ لا أهمية لاتجاه حركة الأرض بالنظر إلى الخلفية المشكّلة من النجوم البعيدة، فسرعة الضوء تبقى هي نفسها. لغز سرعة الضوء هذا ووجود، أو عدم وجود، الأثير تمَّ حلّه من خلال نظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، النظرية التي أظهرت أن سرعة الضوء ثابت مستقل عن السرعة التي تتحركون بها أو يتحرك بها مصدر الضوء. إلا أن الغيمة الأخرى في أفق كلفن، الطريقة التي تتشاطر بها الجزيئاتُ المهتزّة الطاقةَ، تتصل بمشكلة عويصة أخرى، هي مشكلة الإشعاع الصادر عن جسم ساخن. في هذه الحالة تطلّبَ الحلُ ثورة في التفكير لا تقل جذرية عن نظرية النسبية، هي نظرية الكوانتا. بوهر وآينشتاين النسبية الخاصة تصورها عقل واحد-عقل ألبرت آينشتاين. لكن نظرية الكوانتا كانت نتاجاً لعقول مجموعة من الفيزيائيين الذين عملوا إجمالاً سويةً واقرّوا بفضل عالم الفيزياء الدانمركي نيلز بوهر كزعيم لهم على الصعيد الفلسفي. وكما ثبت في نهاية المطاف، فإن التوترات بين اليقين واللايقين، التي تشكل لب هذا النص، لا تجد تمثيلاً أفضل لها من هذا الذي يقدمه هذان الموقفان حول نظرية الكوانتا اللذيّن اتخذتهما الأيقونتان العظيمتان في فيزياء القرن العشرين، آينشتاين وبوهر. وبتتبع مساريهما الفكريين نستطيع أن نكتشف جوهر هذه القطيعة الهائلة بين اليقين واللايقين. عندما تجادل الرجلان خلال العقود الأولى من القرن العشرين، تجادلا بذاك التوق إلى الحقيقة الذي جعل آينشتاين يُعرب عن شعوره بالحب تجاه بوهر. لكن، ومع تقدم الرجلين في السن، أصبحت الفروقات بين موقفيهما الخاصين غير قابلة للتجاوز إلى حد لم يبق معه إلا القليل مما يمكن أن يقوله أحدهما للآخر. يروي عالم الفيزياء الأميركي ديفيد بوهم قصة زيارة بوهر إلى جامعة برنستون بعد الحرب العالمية الثانية. في تلك المناسبة رتّب الفيزيائي أيوغن فيغنر استقبالاً لبوهر سيحضره آينشتاين أيضاً. أثناء الاستقبال وقف آينشتاين وتلاميذه في ركن من القاعة ووقف بوهر وزملاؤه في الركن الآخر. كيف حدث هذا الشقاق؟. ولِمَ، مع توقهما المشترك إلى البحث عن الحقيقة، تصدعت روح التواصل المفتوح بين الرجلين؟. إن الإجابة على هذا السؤال تختزل الكثير من تاريخ فيزياء القرن العشرين ومن مشاغل التشوّش الجوهري بين اليقين واللايقين. تتضمن القطيعة بينهما واحداً من أعمق مبادئ العلم والفلسفة-الطبيعة الجوهرية للواقع reality. وأن نفهم كيف حدث ذلك يعني أن نتصدى لواحد من أكبر التحولات في فهمنا للعالم، قفزة أكثر ثورية بكثير مما أحدثه كوبرنيكوس أو غاليليو أو نيوتن. وللوقوف على الكيفية التي أدت إلى ذلك علينا، ابتداءً، أن نقوم بجولة في فيزياء القرن العشرين. النسبية ارتبط اسم آينشتاين شعبياً بفكرة أن "كل شيء نسبي". وقد أصبحت مفردة "نسبي" هذه محملة بعدد كبير من التداعيات المختلفة. فعلى سبيل المثال، يتحدث علماء الاجتماع عن نسبوية ثقافية، وبذا يشيرون إلى أن ما نحسبه "واقعاً" هو إلى حد بعيد بناء اجتماعي وأن المجتمعات الأخرى يبني كل منها واقعه بطرق أخرى. فيحاججون، إذن، في أن "العلم الغربي" لا يمكن أبداً أن يكون وصفاً موضوعياً كاملا للعالم لأنه جزء لا يتجزأ من نمط لمفترضات ثقافية بعينها. ويقترح بعضهم أن العلم ليس إلا واحداً من روايات تتساوى في صحتها، ومتعددة يرويها مجتمع من المجتمعات ليمنح بنيته سلطةً؛ في حين يمثل الدين رواية أخرى. في هذا الاستخدام لكلمتي "نسبي" و"نسبية" ابتعدنا كثيراً عما قصده آينشتاين في الأصل. من المؤكد أن نظرية آينشتاين تخبرنا إن العالم يتبدى مختلفاً لمراقبين يتحركون في سرعات مختلفة، أو لمن يكونون في حقول جاذبية مختلفة. فعلى سبيل المثال، نسبةً إلى مراقب واحد ستتقلص الأطوال، و ستمشي الساعات بسرعات مختلفة، والأشياء الدائرية ستتبدى إهليليجية. إلا أن ذلك لا يعني أن العالم نفسه محض ذاتي. إذ أن لقوانين الطبيعة الأولوية على المظاهر النسبية، وهذه القوانين هي نفسها لكل المراقبين مهما كانت السرعة التي يتحركون بها أو أينما كان موقعهم من الكون. اعتقد آينشتاين جازماً بواقع موضوعي جملةً للعالم و، كما سنرى، عند هذه النقطة تنفض شراكة آينشتاين مع بوهر. ربما يتوجب هنا إضافة شيء من التوضيح، لأن مفردة "النسبية" تغطي نظريتين. ففي العام 1905 (وفيما ستُعرف لاحقاً بنظرية النسبية الخاصة) عالج آينشتاين مسألة كيف تتبدى الظواهر مختلفة لمراقبين يتحركون في سرعات مختلفة. كما بيّن أن ليس ثمة إطار مطلق لمرجع في الكون يمكن قياس جميع السرعات عليه. وكل ما يمكن المرء التكلم عنه هو سرعة مراقب واحد عند قياسها بالنسبة لسرعة مراقب آخر. ومن هنا يأتي مصطلح "النسبية". بعد ذلك بثلاث سنوات خطب عالم الرياضيات هرمان مينكوفسكي في الدورة الثمانين للمجلس القومي الألماني للعلماء والفيزيائيين في كولون. افتتح خطابه بالكلمات المشهورة التالية: "من الآن فصاعداً، قُدر على المكان بنفسه وعلى الزمان بنفسه أن يضمحلا إلى مجرد أطياف، ونوع من الاتحاد بينهما فقط هو ما يُبقي على واقع مستقل". وبعبارة أخرى، نظرية النسبية الخاصة عند آينشتاين تشير ضمناً إلى أن المكان والزمان يجب أن يُوحدا على أرضية رباعية الأبعاد جديدة سُميتْ الفضاء-الزمان. عند هذه النقطة بدأ آينشتاين يتفكر في كيفية إدخال قوة الجاذبية إلى هذا المخطط. وكانت النتيجة هي نظرية النسبية العامة، التي نُشرت في العام 1916، (ها قد غدت نظريته الأولى حالة خاصة تنطبق في حالة غياب حقول الجاذبية). بيّنتْ النظرية العامة كيف تعمل المادة والطاقة على بنية الفضاء-الزمان وتتسبب في انحنائها. فعندما يدخل جسمٌ منطقةَ فضاء-زمان منحنية، فإن سرعته تبدأ في التغير. ضَعْ تفاحة في منطقة فضاء-زمان وستراها تتسارع، مثل التفاحة التي تسقط من شجرة على الأرض تماماً. وقوة الجاذبية التي تفعل في هذه التفاحة، منظوراً إليها من منظور النسبية العامة، ليست إلا تأثير جسم متحرك عبر الفضاء-الزمان المنحني. وانحناء الفضاء-الزمان هذا ناتج عن كتلة الأرض. والآن لنعد إلى قضية الموضوعية في عالم نسبي. تخيّل مجموعة من العلماء هنا على الأرض، ومجموعة أخرى من العلماء في مختبر يسير بسرعة تقارب سرعة الضوء، ومجموعة أخرى تتموضع بالقرب من ثقب أسود. كل مجموعة من هذه المجموعات تراقب وتقيس ظواهر مختلفة ومظاهر مختلفة، إلا أن القوانين الأساسية التي يستنتجونها حول الكون ستكون متطابقة في كل واحدة من الحالات الثلاث. بالنسبة لآينشتاين، هذه القوانين مستقلة جملةً عن حالة المراقب. هو ذا المعنى الأعمق لاكتشاف آينشتاين العظيم. فوراء الظواهر كافة ثمة قوانين الطبيعة، وصورة هذه القوانين، تعبيرها الرياضي الأكثر أناقة، مستقل جملةً عن أي مراقب. في المنقلب الآخر، الظواهر هي تجليات لهذه القوانين الأساسية لكن في ظل ظروف وسياقات خاصة فقط. هكذا، وبينما تتبدى الظواهر مختلفة بالنسبة لمراقبين مختلفين، تتيح نظرية النسبية للعلماء أن يترجموا، أو يحولوا، ظاهرة إلى ظاهرة أخرى وأن يعودوا، تالياً، إلى وصف موضوعي للعالم. من هنا، يقبع اليقين، بالنسبة لآينشتاين، بواقع وحيد وراء تعدد المظاهر. النسبية تشبه، بعض الشيء، الانتقال بين بلدان مختلفة وتبديل الأموال من الدولارات إلى الجنيهات أو الفرنكات أو الينات أو اليوروات. فإن تغاضينا عن الرسوم المصرفية، فإن مقدار النقود يبقى هو ذاته تماماً، أما ما يتغير فهو مظهرها المادي-الأوراق النقدية إلى دولارات أو جنيهات أو ينات أو يوروات. وعلى نحو مشابه، فإن خطاباً يُلقى في الأمم المتحدة يُترجم في الآن ذاته إلى عدد من اللغات المختلفة. وفي كل حالة محددة تكون المادة الصوتية للخطاب مختلفة تماماً إلا أن المعنى الأساسي يبقى هو نفسه. يمكن موازاة الظواهر المُلاحظة بالخطاب في لغات مختلفة، لكن المعنى الأساسي، وهو منبع هذه الترجمات المتنوعة، يُقابل القوانين الموضوعية للطبيعة. هذا الواقع الأساسي مستقل تماماً عن أي مراقب بعينه. لقد شعر آينشتاين أنه إذا لم يكن العالم يعمل على هذا النحو، فإنه ببساطة خال من المعنى وأنه، آينشتاين، سيتوقف عن العمل في الفيزياء. وهكذا، وبالرغم من كلمة "النسبية" ثمة، بالنسبة لآينشتاين، يقين واقعي حول العالم، وهذا اليقين مودع في القوانين الرياضية للطبيعة. وعند هذه النقطة الأكثر جوهرية تنفض شراكة بوهر معه. يتبع ..... |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
إشعاع الجسم الأسود
إن كان آينشتاين قد عمل من أجل واقع موضوعي ومستقل فما كان موقف نيلز بوهر؟. لقد كان بوهر مفكراً حاد الذهن إلى حد بعيد وغالباً ما يُساء فهم كتاباته حول نظرية الكوانتا، حتى من قبل فيزيائيين مختصين!. ولتقصي كيف تطورت آراؤه حول اللايقين والغموض علينا أن نعود إلى العام 1900، إلى مشكلة كلفن عن كيف تنتثر الطاقة بين الجزيئات وإلى مسألة أكثر إشكالاً على صلة بالموضوع، مسألة إشعاع الجسم الأسود. أن تكون زهرة ما أو ثوب أو لوحة ملونةً فلأنها تمتص الضوء وفق ترددات معينة وفي الآن نفسه تعكس ترددات أخرى. إلا أن سطحاً أسود بالكامل يمتص كل الضوء الذي يسقط عليه. فلا فضل عنده للون على لون آخر ولا لتردد على تردد آخر. وفوق ذلك، عندما يكون هذا السطح الأسود أكثر حرارة من محيطه فإنه يبدأ ببث طاقته، ولكونه أسود يطلق أشعته إذن بأي تردد ممكن دون تفضيل منه لتردد (أو للون) على آخر. عندما استخدم الفيزيائيون في أواخر القرن التاسع عشر نظرياتهم لحساب كم الطاقة المنبثة إشعاعاً، كان القدر الذي توصلوا إليه، على نحو يُجافي العقل، لانهائياً. من الواضح أنهم كانوا مخطئين في حساباتهم، إلا أن أحداً لم يتمكن من اكتشاف الخلل في النظرية الأساسية. في مطلع القرن التاسع عشر كان الفيزيائي السكوتلندي جيمس كلارك ماكسويل قد صور الضوء في صورة أمواج. والفيزيائيون كانوا يعرفون كيف يجرون حسابات على أمواج المحيط، وعلى الأمواج الصوتية في قاعة للموسيقى، وعلى التموجات المتشكلة عندما تنفضُ حبلاً مشدوداً بإحكام من طرفه الآخر. ويمكن أن تكون الأمواج على أي طول، بمدى لانهائي من التدرجات. ففي حالة الصوت مثلاً، كلما كان طول الموجة قصيراً -وطول الموجة هو المسافة بين ذروة وتاليتها- كانت طبقة الصوت أو تردده أعلى لأنه كلما قَصُرتْ المسافة بين ذُرى الموجات، كان عدد الذُرى التي تمر من نقطة محددة أكبر، مثل أذنك، خلال مدة معينة من الزمن. والأمر ذاته يصدق على الضوء: أطوال الموجات الطويلة تقع عند النهاية الحمراء من ألوان الطيف، بينما ينتج الضوء الأزرق عن ترددات أعلى وأطوال موجات أقصر. بالمناظرة مع الموجات الصوتية وأمواج الماء، فإن أمواج الضوء تتشعشع عن جسم حار حيث يُفترض أن يكون لها كل الأطوال الممكنة وكل الترددات الممكنة؛ بكلمات أخرى، للضوء عدد لانهائي من التدرجات بين طول هذه الموجة وتاليتها. وبهذه الطريقة تسللت اللانهاية إلى الحساب وظهرت بوصفها كماً لانهائياً من الطاقة المبثوثة. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
الكوانتا
في العام 1900 اكتشف ماكس بلانك الحل لهذه المشكلة. إذ اقترح أن كل الترددات وأطوال الموجات الممكنة غير جائزة، لأن طاقة الضوء تنبعث بمقادير منفصلة تسمى الكوانتات quanta. فبدلاً من الإشعاع المتصل المنبعث من جسم حار، يوجد انبعاث منفصل ومنته لسلسلة من الكوانتات. وبضربة واحدة تم حلُّ مشكلة إشعاع الجسم الأسود، وفُتح الباب لحقل جديد بالكامل، عُرف في النهاية بنظرية الكوانتا. ومما يُثير المفارقة أن آينشتاين كان أول من طبق أفكار بلانك. فقد حاجج في أنه إذا كانت طاقة الضوء تأخذ شكل حزم صغيرة، أو كوانتات، فإن سقوط الضوء على سطح معدني يشبه وابلاً من مقذوفات ضئيلة الحجم تضرب إلكترونات المعدن. وواقع الحال أن هذا بالضبط ما يُلاحظ في "الظاهرة الكهرضوئية"، المبدأ الذي تعمل على أساسه بعض الأعاجيب التقنية مثل "العين السحرية". عندما تقف على باب مصعد فإنك تقطع شعاعاً من الضوء يُفترض به أن يبلغ خلية ضوئية. هذا الشعاع يتألف من كوانتات ضوئية، أو فوتونات، تفصل الإلكترونات عن ذراتها وبهذه الطريقة تُحدث تياراً كهربائياً يُشغلُ محركاً ليُغلق الباب. فإذا ما وقف شخص بباب المصعد فسيقطع هذا الشعاع وبذا لن ينغلق الباب. وجاءت الخطوة الهامة التالية في تطور نظرية الكوانتا في العام 1913 من نيلز بوهر الشاب الذي اقترح أنه ليس الضوء وحده مؤلف من كوانتات، بل طاقة الذرات أيضاً مؤلفة من كوانتات. وهذا يُفسر لِمَ، عندما تبعثُ الذراتُ طاقتها أو تفقدها على شكل إشعاع، لا تكون الطاقة المنبعثة بواسطة ذرة مسخّنة متصلة بل تتألف من سلسلة من الترددات المنفصلة التي تظهر كخطوط منفصلة في طيف الذرة ذاك. ومع مساهمات من فيرنر هايزنبرغ وماكس بورن وإيروين شرويدينغر وعدد من الفيزيائيين الآخرين احتلت نظرية الكوانتا مكانتها. ومعها دخل اللايقين إلى قلب الفيزياء. التتاميّة لما كانت النسبية قد جاءت بتصورات من قبيل أن الساعات يمكن أن تمشي بمعدلات سرعة مختلفة، وأن الأطوال يمكن أن تتقلص، وأن التوأمين المسافريّن في رحلتين مختلفتين يكبران بمعدلين مختلفين، كذلك جاءت نظرية الكوانتا بعدد من المفاهيم الحاسمة والغريبة الجديدة. يٍُسمى أحد هذه المفاهيم بثنائية المُويجة-الجُزيء. ففي بعض الأحوال لا يمكن فهم سلوك الإلكترون إلا إذا كان يتصرف تصرف مُويجة ضلّتْ موضعها الصحيح عبر المكان كله. وفي أحوال أخرى يُستدل على الإلكترون بوصفه جزيئا محصور داخل حيز ضئيل من المكان. لكن كيف يمكن لشيء أن يكون في كل مكان وفي الآن ذاته يتموضع في نقطة وحيدة من المكان؟ |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [4] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
رَفَعَ نيلز بوهر الثنائية إلى مستوى المبدأ شامل، ووضع له اصطلاح "التتاميّة". وحاجج في أن وصفاً واحداً "هذه مويجة" أو "هذا جُزيء" لا يكفي لاستنفاد ثراء المنظومة الكوانتية. تطلّبت المنظومات الكوانتية توافقاً بين عدد من الأوصاف التتاميّة التي تبدو مثيرة للمفارقة أو حتى متناقضة عندما تؤخذ سوية. فنظرية الكوانتا كانت تفتح الباب أمام نمط جديد من المنطق حول العالم.
اعتقد بوهر أن التتاميّة أكثر عمومية بكثير من مجرد وصف لطبيعة الإلكترونات. فقد شعر أن التتاميّة هي أساسي الوعي البشري وأساس الطريقة التي يعمل العقل بها. كان العلم، ووصولاً إلى القرن العشرين، يتعامل بيقينيات المنطق الأرسطي: "آ إما أن تكون آ أو لا آ". والآن يدخل العلمُ عالماً يمكن لشيء فيه أن يكون كلاً من "آ ولا آ". وبدلاً من وضع أوصاف تستنفد العالم أو رسم خارطة واحدة تتقابل في خصائصها كافة مع العالم الخارجي، كان العلم يُنتج سلسلة من خرائط تُظهر خصائص مختلفة، خرائط لا تتطابق أبداً تطابقاً تاماً. يتبع .... |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [5] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
المصادفة واللاعقلاني في الطبيعة
إذا كانت التتاميّة قد صدمت اعتقادنا الساذج بفرادة الموضوعات الفيزيائية العلمية، فقد كان على اليقين أن يتلقى صدمة أخرى في هيئة الدور الجديد الذي تأخذه المصادفة. فكروا، على سبيل المثال، باكتشاف ماري كوري للراديوم. هذا العنصر مشع، ما يعني أن نوياته غير مستقرة وتتحطم تلقائياً أو "تنحل" إلى عنصر الرادون. لقد عَرَفَ الفيزيائيون أن نصف هذا الراديوم فقط هو ما سيتبقى بعد 1620 عاماً -وهذا ما يُعرف بنصف عمره. وبعد 1620 عاماً أخرى سيتبقى ربعه فقط، وهكذا دواليك. إلا أن لحظة ذرة مفردة من الانحلال هي مصادفة بحتة- إذ يمكن أن تنحل خلال يوم، أو تبقى 10.000 عام. لهذه الخلاصة شبهٌ بالتأمين على الحياة. فالمؤَمِّنون يستطيعون حساب معدل العمر المتوقع بستين عاماً للفرد الذي لا يدخن أو يشرب الكحول، لكنهم لا يملكون أية فكرة عن الزمن الذي سيموت فيه فردٌ بعينه عمره ستين عاماً. إلا أن ثمة فارقا واحدا هاما للغاية. فحتى إذا كان الفرد البالغ من العمر ستين عاماً لا يعرف ساعة موته، إلا أنه متيقن من أن موته سيكون لا بد نتيجة لعلة محددة، ذبحة قلبية، أو حادث مروري، أو صاعقة. في الأحوال كافة، ما من سبب لهذا الانحلال النشط إشعاعياً. فما من قانون طبيعي يُحتم وقت حدوثه. المصادفة الكوانتية مطلقة. ولنأخذ مثالاً آخر، المصادفة تسود لعبة الروليت. فالكرة ترتطم بالدولاب وتتقافز من هذا الجانب إلى ذاك حتى تستقر أخيراً على رقم محدد. وبينما نعجز عن التنبؤ بالنتيجة النهائية، فإننا نعرف أن ثمة في كل لحظة سبباً محدداً، تأثيراً ميكانيكياً، يدفع الكرة إلى الحركة. لكن ولأن المنظومة أعقد جداً من أن تُجرى حسابات لكل العوامل الداخلة فيها -سرعة الكرة، سرعة الدولاب، الزاوية المحددة التي تضرب الكرة فيها الدولاب، وما سواها- فإن قوانين المصادفة تسود اللعبة. كذا هو الحال في التأمين على الحياة، تكون المصادفة طريقة أخرى لقول أن المنظومة أعقد من أن نصفها. في هذه الحالة تكون المصادفة مقياساً لجهلنا. الأمور مختلفة تماماً في العالم الكوانتي. فالمصادفة الكوانتية ليست مقياساً لجهلنا بل خاصية متأصلة فيه. وما من قدر إضافي من المعرفة سيسمح للعلم أبداً أن يتنبأ بالهنيهة التي تتحطم فيها ذرة محددة لأن لا شيء "يسبب" هذا التحطم، على الأقل بالمعنى المعتاد لكون شيء ما يتعرض للدفع أو الجر أو الجذب أو الطرد. فالمصادفة في النظرية الكوانتية تكون مطلقة وغير قابلة للاختزال. ومعرفة المزيد حول الذرة لن يُلغي هذا العنصر أبداً. المصادفة كامنة في لب العالم الكوانتي. وهذه كانت حجر العثرة الكبير الأول، والافتراق الكبير الأول بين بوهر وآينشتاين، لأن آينشتاين رفض أن يُصدق أن "الرب الطيب يلعب طاولة الزهر مع الكون". يتبع ..... |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [6] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
آينشتاين: آخر الفيزيائيين الكلاسيكيين
حتى يومنا هذا، وبعد مضي نصف قرن على وفاة آينشتاين، ما زال الوقت باكراً على تقييم مكانته في العلم. يمكن، بطريقة أو بأخرى، مقارنة مكانته بما كان لنيوتن الذي، بالسير على خطى غاليليو، أقام علماً دام لمائتي عام. فقد وضع تركيباً نظرياً عملاقاً قادراً على الإحاطة بالكون بأسره. كما يشير بعض مؤرخي العلم إلى نيوتن بوصفه آخر المشعوذين، رجل يضع قدماً في أفكار العصور الوسطى ويضع الأخرى في العلم العقلاني. لقد تبحّر نيوتن بعمق في الخيمياء وفتش عن المادة الكونية الواحدة Catholic Matter. فقد آمن إيماناً عميقاً بوجود مبدأ موحد وحيد لكل ما يوجد. بطريقة مماثلة، يُنظر إلى آينشتاين، الذي كان مسؤولاً عن الثورة العلمية النسبية كما عن بعض الخطوات النظرية الأولية باتجاه نظرية الكوانتا، من قبل بعضهم بوصفه آخر الفيزيائيين الكلاسيكيين الكبار. وكما يقول شكسبير، العقول العظيمة، أمثال عقليّ نيوتن وآينشتاين، تبدو موزعة بين عصرين، فهي، من جانب، تتطلع قُدماً نحو المستقبل، ومن جانب آخر تلتفت إلى الخلف إلى تقليد فكري سابق. آينشتاين، وحين تحدث عن "الرب الطيب" الذي لا يلعب طاولة الزهر مع الكون، لم يكن يُشير إلى إله شخصي، الأحرى أنه كان يشير إلى "إله سبينوزا"، أو، كما عند نيوتن، إلى مبدأ للوحدة خارج النوال يشمل الطبيعة كلها. والكون بالنسبة لآينشتاين خلق إلهي وبالتالي له معنى، فيتوجب أن يكون عقلانياً ومنظماً. ويجب أن يكون مؤسساً على مبدأ عميق وبهي من الناحية الجمالية. ويجب أن تكون بنيته المخفية بسيطة وموحَدة على نحو مرض. والواقع، بالنسبة لآينشتاين، يقع خارج آمالنا ورغباتنا البشرية ضيقة الأفق. الواقع قائم بذاته. ويعكس نفسه في كل مستوى. والأكثر من ذلك أن الرب الطيب قد وهبنا القدرة على تأمل وفهم هذا الواقع. كان يمكن لآينشتاين أن يجلس إلى مائدة الغداء عند نيوتن ويتناقش وإياه في الكون، وهذا أمر عجز عن القيام به مع بوهر. فبوهر ونظرية الكوانتا يتحدثان عن المصادفة المطلقة. بالنسبة لآينشتاين، "المصادفة" هي طريقة قريبة المتناول للإشارة إلى الجهل، إلى ثغرة في نظرية ما، إلى تداخل اختباري لم يكن قد أدخل في الحسبان. ولفغانغ باولي، وهو فيزيائي آخر ساعد في تطوير نظرية الكوانتا، وضع الحجة المضادة بأشد ما يمكن من قوة عندما اقترح أن على الفيزياء أن تَبلغَ ما اسماه "اللاعقلاني في المادة". وكان باولي نفسه قد أجرى نقاشات عديدة مع عالم النفس كارل يونغ، الذي اكتشف ما خصه باولي بمصطلح "مستوى موضوعي" للاشعوري. وهو موضوعي لأن هذا اللاشعور الجمعي كُلّي ويكمن وراء أي حوادث شخصية وفردية في حياة شخص ما. على المنوال ذاته، اقترح باولي أنه ما دمنا قد اكتشفنا أن للنفس مستوى موضوعياً، فكذا لابد أيضاً من العثور على وجه ذاتي للمادة. وأحد خصائص هذا الوجه هو ما دعاه باولي بالسلوك "اللاعقلاني" للمادة. بالنسبة لباولي، اللاعقلانية تشمل المصادفة الكوانتية، تلك الحوادث التي تظهر خارج حدود السببية والقانون الفيزيائي العقلاني. إن الهوة الحاصلة بين لاعقلانية المادة عند باولي وموضوعية الواقع عند آينشتاين واسعة للغاية. وما جعل هذه الهوة غير قابلة للجَسر هو لايقين أكثر جذرية-سواء وُجد واقع أساسي على المستوى الكوانتي أم لا، وسواء وُجد واقع مستقل عن فعل الملاحظة أم لا. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [7] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
مبدأ اللاتعين عند هايزنبرغ
هذا التلاشي لواقع نهائي يجد بذوره في مبدأ اللاتعين الشهير عند هايزنبرغ. فعندما اكتشف هايزنبرغ الآليات الكوانتية لاحظ أن صيغته الرياضية تفرض علينا أن خصائص محددة، مثل سرعة وموقع إلكترون ما، لا يمكن أن تُعرف في آن واحد على وجه اليقين. عُبّر وقتها عن هذا الاكتشاف بمبدأ اللاتعين عند هايزنبرغ. عندما يريد علماء الفلك التنبؤ بمسار مذنب فكل ما يحتاجون إلى فعله هو قياس سرعته وموقعه في مرحلة واحدة. وإنها لمسألة بسيطة، آخذين بالاعتبار قوة الجاذبية وقوانين نيوتن في الحركة، أن نربط السرعة والموقع بمعادلات ونحسب المسار الدقيق لذلك المذنب لقرون قادمة. لكن عندما يتعلق الأمر بإلكترون، تختلف الأمور من أساسها. إذ يمكن لمجرِّب أن يقرر على وجه الدقة موقعه، أو سرعته، لكنه لا يستطيع أن يحدد الاثنين في الوقت ذاته دون أن تتسلل إلى حساباته درجة من اللاتعين أو الغموض. ما تفرضه نظرية الكوانتا هو أن مستوى اللاتعين لا يمكن اختزاله أبداً، ومهما كانت القياسات المُستخدمة دقيقة. كيف يحدث ذلك؟. أنها تتأتى بوصفها نتيجة مباشرة لاكتشاف ماكس بلانك القائل إن الطاقة، في أشكالها كافة، حاضرةٌ دائماً في حُزم منفصلة تُسمى كوانتات. ما يعني أن كوانتاً ما لا يمكن شَطره إلى أجزاء. لا يمكن تقسيمه أو تفتيته. العالم الكوانتي عالم منفصل. فإما يكون عندك كوانتا أو لا يكون. فلا يمكن أن تملك نصف كوانتا أو 99% من الكوانتا. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [8] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
تنجم عن هذه الحقيقة نتيجة صاعقة عندما يصل الأمر إلى معارفنا عن العالم الذري. والعلماء يُحصلون المعرفة عن العالم من حولهم من خلال القيام بالملاحظات وإجراء القياسات. فتراهم يتساءلون: ما هي درجة سطوع نجم ما؟. وكم تبلغ درجة حرارة الشمس؟. وما وزن تفاحة نيوتن؟. وما سرعة نيزك ما؟.
المساهمة الكوانتية في كل مرة يُجرى فيها قياس ما، فإن شيئاً ما يُسجل بطريقة ما. فإذا لم يكن ثمة تسجيل قد اُخترع، وإذا لم يكن ثمة تغيير يحدث، فلم تكن لتُجرى القياسات أو تُسجل. قد لا يبدو هذا الأمر واضحاً للوهلة الأولى، فلنجر تجربة: قِسْ درجة حرارة كوب من الماء. ضعْ ميزان حرارة في الماء وسجِّل كم ارتفع مستوى الزئبق فيه. ولكي يحصل هذا لا بد أن يكون بعض من حرارة الماء قد اُستخدم لرفع درجة حرارة الزئبق وتمدده في ميزان الحرارة. بتعبير آخر، إن تبادلاً للطاقة بين الماء وميزان الحرارة ضروري قبل أن نتمكن من القول إننا سجّلنا قياساً. وماذا عن موقع صاروخ وسرعته؟. الأمواج الكهرومغناطيسية ترتد عن الصاروخ، فيلتقطها صحن الرادار، ومن ثم يعالجها إلكترونياً. والإشارات المرتدة تجعل من مسألة تحديد موقع الصاروخ مسألة سهلة. وهذه الإشارات ذاتها يمكن أن تُستخدم أيضاً في معرفة السرعة التي يتحرك بها الصاروخ -تُعرف التقنية المُستخدمة لهذه الغاية بزحزحة دوبلر، وهي تغير طفيف في تذبذب الإشارة المنعكسة. (وزحزحة دوبلر هذه هي الظاهرة ذاتها التي تسمعها حين تتغير طبقة صوت صفارة الإنذار عندما تقترب سيارة إسعاف أو شرطة ثم تمضي مسرعة إلى البعيد). ولأن إشعاع الرادار كان قد ارتد عن الصاروخ فهذا يعني أن تبادلاً للطاقة قد جرى بينهما. بطبيعة الحال، يكون كم الطاقة في هذه الحالة كماً مهملاً بالكامل حين مقارنته بطاقة الصاروخ المنطلق. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [9] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
ليس للمثال الذي تفكرون فيه أهمية، ففي كل مرة يُجرى فيها قياس ما، فإن نوعاً ما من تبادل الطاقة يحدث-ارتفاع أو انخفاض مستوى الزئبق في ميزان الحرارة، تكتكات عداد جيجر، الإشارات الكهربائية الواردة من مسبار والتي تكتبُ على ذاكرة حاسوب، حركة قلم على ورقة. نحن لا نقلق حيال حجم تبادل الطاقة في عالم المقاسات الكبيرة الذي نحيا فيه. فكمية الحرارة اللازمة لرفع مستوى الزئبق في ميزان حرارة أقل من أن ننشغل بها عند مقارنتها بالطاقة الناتجة عن قدر من ماء يغلي. أضف إلى ذلك أن ثمة على الدوام إمكانا لجعل القياسات أكثر دقة ولحساب نتائج مشوِّشة ومعادلتها.
إلا أن الأمور مختلفة تماماً في العالم الكوانتي. فلكي نقوم بملاحظة كوانت أو تسجيل قياس بأي طريقة كانت، فإن كوانتاً واحداً على الأقل من الطاقة يكون قد تم تبادله بين جهاز القياس والموضوع الكوانتي. لكن ولأن الكوانتا غير قابل للتجزئة، لا يمكن تفتيته أو تقسيمه. فإننا نعجز في لحظة الملاحظة عن معرفة ما إذا كان الكوانت قد جاء من جهاز القياس أم من الموضوع الكوانتي. فالموضوع وجهاز القياس يكونان مرتبطين، أثناء إجراء القياس، بشكل لا يمكن اختزاله. ففي اللحظة التي يُجرى فيها قياس ما ويُسجل، يُشكّلُ كل من الموضوع الكوانتي وجهاز القياس كُلاً لا يقبل التحليل. المُراقِب والمُراقَب واحد. والطريقة الوحيدة التي يمكن لهما الانفصال عبرها هي إن تمكنّا من شطر كوانت إلى جزأين-يبقى أحد الجزأيّن في جهاز القياس ويبقى الجزء الآخر في الموضوع الكوانتي. إلا أننا لا نستطيع القيام بذلك. لذا، فإن جهاز القياس والمنظومة الكوانتية ملتحمان بواسطة كوانت واحد على الأقل. ما يُضاف إلى ذلك، أن طاقة هذا الكوانت ليست كماً مهملاً عند مقارنتها بطاقة المنظومة الكوانتية. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [10] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
ذلك يعني أنه في كل مرة يحاول العلماء فيها ملاحظة العالم الكوانتي، فإنهم يُدخلون التشوش عليه. ولكون كوانت واحد على الأقل لا بد مشمول على الدوام، فليس من طريقة يمكن من خلالها اختزال حجم هذا التشوّش. فملاحظاتنا للكون، ومساعينا لجمع المعرفة، ليست بعد الآن موضوعية على وجه الدقة لأننا في سعينا إلى معرفة الكون، نعمل على إدخال التشوش عليه. العلم يتفاخر بموضوعيته، لكن الطبيعة تخبرنا اليوم أننا لن نرى عالماً كوانتياً نقياً صرفاً وموضوعياً. في كل فعل من أفعال الملاحظة تدخلُ الذاتُ المُلاحِظةُ إلى الكون فتشوشه بطريقة لا يمكن ردها.
العلم يشبه عملية تصوير سلسلة من اللقطات وأنت تدير ظهرك للشمس. لا أهمية للطريقة التي تتحرك بها، فظلك سيسقط في الأحوال كافة على المشهد الذي تصوّره. ولا أهمية لما تفعله، فلن تستطيع قط أن تمحو نفسك من المشهد المُصوَّر. استخدم الفيزيائي جون ويلر تشبيهاً هو لوح زجاج النافذة. فعلى مدار قرون نظر العلم إلى الكون بطريقة موضوعية، كما لو كنّا مفصولين عنه بلوح من الزجاج. فجاءت نظرية الكوانتا لتحطم هذا الزجاج إلى الأبد. فمن خلالها وصلنا إلى ملامسة الكون. وبدلاً من كوننا للكون مراقبين موضوعيين أصبحنا فيه مشاركين. يتبع .... |
|
|
|
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| نهاية, إلى, اللايقين, الموضوعي, اليقين, السببية, الواقع, واستحالة |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| هل يوجد نهاية للكون أم أنه بلا نهاية ؟ | مجدي ابو عيشة | حول المادّة و الطبيعة ✾ | 81 | 01-19-2018 02:02 PM |
| هل سقط مبدأ اللايقين لهيزنبيرج ؟! | تهارقا | العلوم و الاختراعات و الاكتشافات العلمية | 9 | 12-02-2017 02:45 PM |
| رحلتي من اليقين إلى الشك إلى،،،،،،،، لا أدري | لا أعرف | ساحة التجارب الشخصـيـة ♟ | 9 | 05-05-2017 06:10 AM |
| نهاية السرطان.. كشف جديد بألمانيا يرفع آمال العلماء بالقضاء على الأورام إلى الأبد | ابن دجلة الخير | العلوم و الاختراعات و الاكتشافات العلمية | 0 | 06-03-2016 12:28 AM |
| الرحلة من الشك إلى اليقين | كاره الله | العقيدة الاسلامية ☪ | 11 | 11-22-2015 02:50 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond