في زمن الحرب علينا أن ندافع عن البشر والتراث الثقافي!

[المسعودي]

1.
لقد علمتنا دروس التاريخ الفعلي للبشرية أن نميز ما بين الشعوب والحكومات، وما بين سياسة الدولة والمنجزات الثقافية الحقيقية للشعوب التي تشن الحروب ضد الآخرين.
وحين ننسى أو نتناسى هذه الدروس فإننا نقوم عمليا بدعم سياسة الحرب.
2.
ولهذا فإن المواقف السلبية من الثقافة الروسية ومنجزات هذه الثقافة بسبب الحرب الغاشمة التي شنها نظام بوتين على أوكرانيا هي مواقف ساذجة لا تخدم غير بوتين – وبوتين بالذات.
3.
إنَّ ما قدمه تاريخ الثقافة الروسية من منجزات مدهشة في مجال الأدب (الرواية والشعر) والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقى (في مجال الأوبرا والموسيقى السمفونية) والباليه هو تراث بشري عام ساهم بإغناء الثقافة العالمية. وإن أي خلط ما بين هذا التراث وسياسة بوتين الدكتاتورية (وهو ما حصل في بعض المدن الأوربية وتم تداركه – كما حصل مثلاً مع إلغاء محاضرات الكاتب الإيطالي بابلو نوري المتعلقة بروايات دوستويفسكي في أحدى الجامعات الإيطالية ومن ثم تم إعادة المحاضرات إلى البرنامج الدراسي المقرر) هو خلط ما بين الحقيقة والأكاذيب، خلط ما بين تراث الشعوب وسياسة الدول والحكام المستبدين الذين يمثلون هذه الشعوب.
4.
فهل ثمة أحمق من يناقش القضية البسيطة وهي أنَّ بوتين سيذهب إلى مزبلة التاريخ خلال زمن قصير محدود، أما منجزات الثقافة الروسية الأدبية والعلمية والفنية فستبقى بعده مثلما بقيت من قرون حتى الآن؟!
إنَّ حجب الأعمال الثقافية الروسية بحجة شجب الحرب لا تخدم ثقافة شجب الحرب؛
وعدم التمييز ما بين "ثقافة" المُسْتَبِدِّ صانع الحرب والتراث الثقافي للدولة التي ينتمي إليها يضر بمصلحة الثقافة بصورة عامة.
من مصلحة الثقافة العالمية – الآن في زمن الحرب البوتينية أن ندافع عن منجزات الثقافة الروسية.
للمعلومات:
في عام 1849 تم الحكم على دوستويفسكي بالإعدام بسبب أنه كان يشارك في جمعية ثقافية لمناقشة الأعمال الأدبية المعادية للقيصر آنذاك. ثم تم إلغاء عقوبة الإعدام والحكم عليه بالسجن مع الاشغال الشاقة حيث قضى منها أربع سنوات فعلية.
5.
في زمن الحرب المأساوية والفظيعة فإن الثقافة – والثقافة الأصيلة وحدها تمنح البشر قوة الاستمرار ووعي الإدراك بأنَّ الحروب بضاعة فاسدة من الماضي لا يلجأ إليها إلا البرابرة مهما كان الزمان والمكان ومهما كانت تسمياتهم.

[المسعودي]

1.
تسعى سياسة بوتين الحربية ومن خلال القوات الروسية الغازية لا إلى تدمير البنية التحتية وقتل وتهجير المواطنين العزل فقط، بل وتسعى عن طريق أسلحة الدمار إلى تدمير معالم الدولة الأوكرانية الثقافية.
وهذا ما يحدث فعلاً كل يوم من خلال القصف المكثف على المدن الأوكرانية بحجة تدمير المراكز والقواعد العسكرية.
إنَّ منظر المدن الأوكرانية الآن تذكرنا بدمار المدن الألمانية العريقة أثناء الحرب العالمية الثانية.
2.
كلنا نرى كيف تحولت الكثير من مراكز المدن الثقافية الأوكرانية ومعالم الفن المعماري إلى خراب. لكننا للأسف لا نعرف ماذا حدث ويحدث الآن مع المتاحف التاريخية ومعارض الفنون التشكيلية الدائمية التي تحتوي على التاريخ الطبيعي والاجتماعي والثقافي والعلمي – مثلما لا نعرف مصير المراكز العلمية والفنية والجامعات ومعاهد الفنون التي هي جزء من بنية المدن الأوكرانية.

3.
بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها أمس مع بوتين صرح الرئيس الفرنسي ماكرون بأنَّ علينا أن ننتظر الأسوأ!
فقد أخبره بوتين بأن الحرب سوف تستمر حتى تحقيق الهدف النهائي.
والهدف النهائي لبوتين كما عبر عنه هو شخصياً في الكثير من التصريحات التلفزيونية هو نزع سلاح أوكرانيا وتدمير القوة العسكرية وإسقاط الحومة الأوكرانية المنتخبة.
ولا يمكن الوصول إلى هذه الأهداف إلا عبر طريق واحد:
تدمير أوكرانيا شعباً وثقافة.