بلاغة القرآن في آيتي: (يوم يفر المرء) و (يود المجرم لو يفتدي)

[الشيخ وسام اسبر]

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل بفرجهم علينا يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
------------

يصور الله عز وجل مشهدا من مشاهد يوم القيامة فيقول:

﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَ أَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.


مع أنه في آيات آخرى يصور نفس المشهد فيقول:

﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ التي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾.


ففي الآيتين ألفاظ مشتركة من قبيل: "بنيه" و "صاحبته" و "أخيه". لكن في الاية الاولى قَدّم الأخ، فالأُم، فالأَب، فالصاحبة، فالبَنين، مبتدءا بالعزيز فالأَعز.

وفي الاية الثانية عكس الأمر فقَدَّم البنين، فالصاحب، فالأَخ، فالفصيلة، فسائر الناس، مقدّماً الأعزّ فالعزيز. فما هو الوجه في اختلاف هذا التقديم والتأخير بين الآيتين رغم أن المشهد واحد؟

من أوجه هذا الاختلاف: أنّ الآية الأُولى تصُوّر مشهد الفرار من العذاب والبلاء، والآية الثانية تمثّل مشهد دفع العذاب عن النفس.


ففي المقام الأول يتخلّى الإنسان عن العزيز فالأَعزّ، حتى لا يبقى معه شيء يمكنه أن ينخلع عنه لينجو بنفسه. فلأجل ذلك بدأ في الآية الأُولى بالأخ، فالأُم، فالأَب، فالصاحبة، فالبنين.

وأمّا في المقام الثاني، فالإنسان فيه حالة الإفتداء من العذاب الشديد الرهيب، ففي هذا الحال يفدي بعض جوارحه ببعض ليدفع عنه لهيب جهنم. فإن لم ينجع، يتناول للوقاية أَقرب شيء وأحبّه إليه لعلّه ينجو، وهم البنون، فالصاحبة، فالأخ.


فصار الموقفان مختلفين متباينين، فالحالة الأُولى تمثّل حركة فرار، والثانية تمثّل حركة دفاع من خطر داهم.


فالقرآن الكريم أيها الاعزاء ليس مجرد صف كلمات وراء بعضها البعض كما تفعلون، بل إن كل كلمة لها معناها، وحتى التقديم والتأخير له وقعه وبلاغته وليس مجرد تقديم او تأخير بدون هدفية منه.

------------

ملاحظة ١:
الموضوع عن بلاغة القرآن وليس حول (لماذا الله يدخل المجرمين النار) فهذا موضوع آخر يناقش في موضوع مستقل، ولذلك أرجو من البعض أن يحاول التدرب على تعلم كيفية الحوار في خصوص النقطة المثارة دون تشتيت أو إغراق المنشور بموضوعات مختلفة اخرى.

ملاحظة ٢: لن أعلق إلا على الردود الجدية.

ملاحظة ٣: الموضوع منقول من الكتب الاسلامية، سيخبركم الأخ الملحد "المسعودي" بمصدره كالعادة لأنه يحب الظهور بمظهر المكتشف الذكي، حتى لو كان "الاكتشاف" لا أثر له.
تحياتي 🌹