![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
عضو ذهبي
![]() |
ربما يشكّل الدين واحداً من أكثر العناصر تأثيراً في تكوين بنية المجتمعات البشرية, من أكثرها قدماً إلى أحدثها, ويعمل على تكييفها بصورة جذرية في مناحي عديدة: السياسة, الاقتصاد, التعليم, التشريع, الصحة ...الخ, وصولاً للحدّ من, أو للتسبُّب بشلل المعرفة العلمية والتطور التقني حتى في المجتمعات الغربية الأكثر تقدماً. لأجل هذا يشكِّل فهم كيفية ظهور الأديان هدف رئيس في كل الثقافات ويكون محطّ دراسات بالغة الأهمية آكاديمياً واجتماعياً. قمت في الجزء الأوَّل والثاني بالتعليق على بعض الفرضيات والدراسات التي تتوخى تقديم تفسير لظهور الدين بسياق تطوري. تقترح دراسات عدّة بأن يكون الدين عبارة عن ظاهرة تكيفية { تخفيف وضبط الخوف من الموت, تخفيف وضبط مشاعر القلق بمواقف صعبة أو بوصفه عنصر تماسك بالجماعة } أو هو عبارة عن مُنتَجْ ثانوي قد تطفّل على تكيُّف مُسبق { كما سيكون السلوك الغير مسؤول للطفل والمرتبط بالبقاء على قيد الحياة }. تعتبر فرضيات أخرى, بالمقابل, بأن النوع البشريّ محضّر نفسياً أو " مُبرمج مسبقاً " لأجل الدين. في هذا الجزء سأقدِّم وجهة نظر مختلفة حول الموضوع, وهي التي تركّزت حول فرضيّة المادة النباتيّة المتسببة بتعديل الوعي hipَtesis enteogénica وارتباطها بالدين. من المعروف ومنذ أقدم العصور وصولاً لوقتنا الراهن, بأنّ شعوب وثقافات كثيرة قد استخدمت مواد مختلفة ذات أصل نباتيّ وتمتلك خصائص معدِّلة نفسياً, وتكون قادرة على إنتاج حالات ذهنية مضطربة تؤثِر على عمليات دماغيّة شهيرة كالتصوُّر, الإدراك, المزاج, حالة الوعي أو السلوك, وكل ذلك لغايات شامانيّة ودينية للدخول بصيغ غير متفق عليها إلى " المعرفة " ولارتباطها " بعالم روحي " مُفترض. جرى تطوير هذه الفرضية بنهايات سبعينيات القرن المُنصرم من قبل مجموعة من المهتمين بدراسة علاقة الجماعات البشرية في النباتات التي تعيش بمحيطها etnobotلnico , وتعتبر الفرضيّة أن الدين, بالجانب الأكثر أصالة فيه, هو عبارة عن مُنتَجْ ثانوي لاستخدام مواد متسببة بالهلوسة والهذيان من قبل قسم من أسلافنا, والذين خلطوا بين العالم المُتخيّل { الناشيء عن تناول تلك المواد بصورة صدفوية بداية, ولاحقاً تناولها بصورة عمدية } والواقع, فحولوا كائنات لامادية " لحقائق " زودوها بمقاصد, وبهذا زرعوا البذرة لكل تعقيد وتنوُّع في العالم " الروحاني " الذي اجتذب ملايين وملايين الاشخاص بطول تاريخنا المديد. بالرغم من قلّة الاختبارات المحققة لتأكيد صحّة هذه الفرضيّة, بسبب الإحجام إذا لم يكن بسبب رفض الخضوع لاختبار مراقبة لبشر تحت تأثير تلك المواد القويّة: فقد كانت النتائج شديدة الوضوح. ففي ستينيات القرن الماضي, خضعت مجموعة من طلاب اللاهوت بجامعة بوسطن لأوّل اختبار بهذا الإطار. تمثّل الاختبار بإعطاء نصف عدد الطلاّب { قيد الاختبار } مادة شبه قلوية مؤثرة على الذهن alcaloide psilocibina { مأخوذة من فطور مستخدمة منذ القديم في الطقوس الشامانية } وذلك قبل ذهابهم للصلاة في كنيسة الكليّة, ويُعطى للنصف الآخر من الطلاب فيتامين ب3 { نياسين } كمادة غُفْلْ. وقد وصفوا الطلاب الذين تناولوا المادة شبه القلوية المهلوسة بأنهم امتلكوا خبرة دينية – صوفية عميقة وكبيرة مقارنة بأولئك الذين تناولوا الغُفْلْ. بوقت لاحق ولدى اكتشافهم لبعض أوجه القصور بالاختبار, جرى تعليق العمل به. وهكذا توجّب عليهم الانتظار إلى بدايات القرن 21 حتى أمكن إجراء اختبار مشابه, وبظلّ شروط صارمة ومع عدد أكبر من الأفراد { وفق اختبار يسمى مزدوج التعمية ensayo de doble ciego }. جرى توصيف الاشخاص الذين تناولوا المواد المهلوسة من خلال توجيه مجموعة من الاسئلة على مدار 7 ساعات, وهي مدة الاختبار, فقد عاشوا " تجارب صوفيّة " عميقة وكبيرة مقارنة بالأفراد الذين لم يتناولوا تلك المواد. لكن ما كان ملفتاً في الدراسة, وخلال شهري الاختبار, كان الاشخاص متلقي المواد المهلوسة أكثر إيجابيّة, إيثاريين وروحانيين من أفراد الفريق الآخر. وكان مثيراً كيفية تصورهم لأعضاء بمحيطهم الاجتماعي, علما أنّ ثلث المتعرضين للمواد المهلوسة قد أبدوا انزعاج ما, قلق وعدم ارتياح إثر تناولهم تلك المواد. بيّنت دراسة لاحقة بأنه وإثر مرور أكثر من عام: اعتبر الأفراد بأنّ ما مروا فيه من تجربة شخصية كما روحية قد كان الأهم في حيواتهم, واصفين التجربة بمصطلحات صوفية – دينية لا تحتمل اللبس. ما يعني أن تقديم جرعات بسيطة من مواد مهلوسة: يخلق ظروف اساسيّة, فردية واجتماعية, لتكوين وتنمية ذهنية دينية روحية أبعد من مجرّد تأثيرات عابرة هذيانية أولية. وفيما لو يتواصل حضور تلك الآثار المُفاجئة عند أشخاص بالغين في العالم الأوّل, حيث يمكن الوصول للمعلومة بتكنولوجيا مفتوحة للجميع وبسهولة بالغة, ورغم كون قابليتها للتأثير صعبة { على الأقلّ بصورة مستديمة } بسبب الكمّ المعرفيّ الهائل الجاهز والمعروض عبر كل أشكال التجارب والمشاعر بصورة دائمة, فكيف يكون الحال في مناطق بعيدة عن الغرب, عند ثقافات صغيرة محلية وقديمة متشكلة من بضعة آلاف من الأفراد المتماسكين بقوّة عبر تجمعات قبلية, والخاضعين لمحيط اجتماعي لا تغييرات كبيرة فيه ولا اتصالات له مع الخارج وتلعب الألغاز دوراً بحياتهم. يكون كل هذا بوجود دماغ كبير الحجم, تطور خلال مليوني عام لأجل البحث عن نماذج والتخصُّص في إيجاد علاقات وارتباطات سببية. ما زال الملايين, في الوقت الراهن, يستهلكون هذا النوع من المواد المتسببة بالهذيان في العالم الغربي, لكنهم يستخدمونها لمقاصد ترفيهية كمخدر آخر, مع ذلك فاستهلاكها بجرعات كبيرة يجعلها قادرة على إنتاج خبرات صوفيّة عند الكثيرين من مستهلكيها المعتادين. وربما لهذا نجدهم مهتمين بعودة المسيح المُنتظر { أو المهدي المُنتظر .. عجّل الله فرجه!! فينيق }!النص الإسباني في القسم الأجنبي تعقيبي جرى استعراض عدّة فرضيّات تطال نشوء الظاهرة الدينية عند البشر .. وبرأيي هذه الفرضية الأخيرة ذات الصلة بتأثير مواد محددة بالدماغ قد أدت بالبعض للمرور بخبرات روحانية متنوعة, أفضت بدورها لبلورة إرهاصات الفكر الديني البدائيّة والتي تطورت باضطراد لتصل إلى صورها الراهنة وتداخلها بكافة مجالات الحياة بصورة نسبية بين مجتمع وآخر .. لكن تلك الدراسات مستمرة وبانتظار الجزء الرابع من هذه السلسلة .. وحتى وقتها أشكر أيّ تصويب أو إضافة ![]() |
|
|
|
|
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| إنجيل, أدين, نحو, الثالث, الجزء, دراسة, علمية |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| مدخل { غير شامل } نحو دراسة علمية للدين / الجزء الخامس: نبيّ، بالمولد أم بالصيرورة؟! | فينيق | ساحة الترجمة ✍ | 8 | 07-15-2016 04:22 PM |
| مدخل { غير شامل } نحو دراسة علمية للدين / الجزء الرابع | فينيق | ساحة الترجمة ✍ | 0 | 12-27-2015 10:55 AM |
| مدخل نحو دراسة علميّة للدين / الجزء الأوّل | فينيق | ساحة الترجمة ✍ | 2 | 08-12-2014 12:33 PM |
| أربعون كذبة عالميّة ! / الجزء الثالث | فينيق | ساحة الترجمة ✍ | 0 | 07-18-2014 08:30 PM |
| مدخل نحو دراسة علميّة للدين / الجزء الثاني | فينيق | ساحة الترجمة ✍ | 0 | 06-25-2014 01:36 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond