سوريا...مرتع الدبابات متعددة الجنسيات

[حكمت]

مشهد محزن جديد يرسم اليوم على لوحة الأرض السورية، دخول رتل عسكري تركي مؤلف من عشرين عربة، إلى إحدى مدن الشمال السوري تنفيذا لاتفاق خفض التوتر الذي كان أحد أهم مخرجات مؤتمر أستاذنا للحوار (السوري-السوري) كما تكذب علينا القوى العالمية الكبرى والمحطات الفضائية على اختلاف انتماءاتها.
المحزن بالنسبة لي ولكل عقل واع مؤمن إيمانا خالصا بحرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، هو الشتات الذي بدأ ينتشر كالنار التي تنتشر في البيادر، ففي الشمال الغربي من سوريا يصعد الأطفال على ظهر الدبابات التركية ويقدمون التحية للجنود الأتراك، وباقات الورود ايضا.
نفس المشهد يتكرر في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، مع اختلاف بسيط في جنسية الدبابة وقائدها (أمريكي), اذ أن الورود والتحايا تقدم بنفس الحفاوة والترحيب.
وللصدفة يتكرر المشهد ذاته في وسط وجنوب سوريا في المناطق التي ( يحررها ) (الجيش العربي السوري والحلفاء) بمؤازرة القوات الروسية، ولكن بنفس الصدفة العجيبة هناك اختلاف فقط في جنسية الدبابة وقائدها، وهذه المرة روسي.
اصبحت اعلام الروس وحزب الله ترفع على سيارات الموالين للنظام السوري، وصور أردوغان وصدام حسين (باعتبارهما اسود السنة) على سيارات المعارضين الإسلاميين الذين يشوبهم الاعتدال، فيما الرايات السوداء ترفرف على سيارات اتباع القاعدة وأخواتها تحمل راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله).
للأسف فإن الانتماء لسوريا الحبيبة يتلاشى شيئا فشيئا، وتبرز تيارات إسلامية متطرفة، تيارات متعلمنة في الظاهر ومبطنة بالحقد الطائفي، تيارات تتغنى بالفوارق العرقية وتنسجم لها أجمل الألحان.
لا أدري هل نسيت الأغلبية أو تناست تلك الشعارات البراقة التي تغنت بها بداية الثورة، نسيت (ثورة شعب) و (ثورة الحرية) و (ثورة حتى النصر) و (لا للقمع والاستبداد) ....الخ.
للأسف اصبحنا (بالروح بالدم نفديك يا بوتين) و (عاش ابو ايفانكا) و (قائدنا للأبد سيدنا محمد).
نسي أولئك المتسلقون على منكبي الثورة، أن الثورة وليدة القهر والظلم الذي تعرض له الشعب، وان الشعب هو الوحيد المخول بتسمية ثورته وقادته ورموزه، وان التضحيات قدمها الشعب، ولم يقدمها بوتين أو بشار أو الله او محمد بن عبد الله.
ملخص ما حدث خلال السنوات السبع الماضية في سوريا، هو الدوران حول حلقة مفرغة،والعودة الى نقطة البداية من حيث لا ندري، نظام جديد قديم ويشار جديد قديم ولكن بلحية طويلة.
ربما لصالح الشعب نوعا ما دخول القوات التركية في هذه الفترة ، فقد تخف عليهم غارات الطيران والقصف المدفعي، ربما ينعمون بشربة ماء لا خوف عليهم وهم يتجرعونها، لكن المجهول لا زال يخيم بسواده الثقيل على مستقبل المنطقة.
كل ما أتمناه حاليا هو ألا تصبح سوريا مرتعا للدبابات على اختلاف جنسيتها...
ودمتم سالمين