الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون ..

[فكر حرفكر حر]

السلام عليكم
قيل في الشعر
لا تَعْجَلَنَّ فَرُبَّما *** عَجِلَ الفَتَى فِيما يَضُرُّ
وَلَرُبَّما كَرهَ الفَتَى *** أَمْراً عَواقِبُهُ تَسُــرُّ
اعلم ايها الزملاء اني في منتدى للالحاد وان الملحد يحتم على نفسه واجب مواجهة الدين عموما والاسلام خصوصا والنيل منه بشتى الوسائل ولكن ..
يبدو ان الملحد متسرع جدا في حكمه وافكاره عن الدين والايمان وخصوصا عن القرآن ولا يبدو منهجه ناجحا بسبب لهجته الانفعالية والهجومية والتي غالبا ما تنتهي بالسخرية او الشتائم وانتقاص فهم الآخر .
واذا ما نظرنا في موضوع النقد اللغوي للقرآن والذي هو موضوعنا .. فالذي يعتقد اليوم انه اكتشف من الاخطاء اللغوية مالم يراه علماء اللغة واقحاح العرب فهو مخطئ الى حد بعيد .. فتراه اذا اراد انتقاد اية في كتاب الله قصد الى كتب اللغة ليأتي باسوأ وابعد المعانى عن الآية ليضع ما يحلو له ويطيب ... ثم يقول .. هذا سبب الحادي وكفري .. وهو لا يدري ان اهم كتب اللغة تعتمد اعتمادا كبيرا على القرآن الكريم واياته ومفرداته وحتى تفسيراته
والامثلة كثيرة على ذلك
الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون ..
ولكن لعنهم الله بكفرهم فهم لا يؤمنون
بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون
الذين كفروا فهم لا يؤمنون
حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون

ايها القارئ الكريم .. لايزال يضرب المثل قديما وحديثا بفصاحة القرآن الكريم وبلاغته .. وهذا واضح من تنوع اساليبه وتحكمه وتمكنه من اللغة تمكنا فائقا ..
فتارة يفصل .. وتارة يختصر .. وتارة يقدم .. وتارة اخرى يؤخر والذي يقرا جيدا ولديه ادنى فكرة واطلاع على اساليب اللغة واشعار العرب وقصصهم يستطيع ان يفهم هذا ويمكنه بسهولة استيعاب الايات بكل سلاسة ودون اي تعقيد
لكن الذي لا يقرا الا بهدف النقد والنقد فقط آخذا الكلام على ظاهره جملة وتفصيلا مقطعا له كما يقوم الطلبة بتقطيع ابيات الشعر لمعرفة بحرها ووزنها.. فلن يخرج لنا الا اعاجيب الفهم والتأويل

الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون ..
موضوع اثير مؤخرا ورغم الردود يصر الملحدون على وجود خطأ ما في الآية الكريمة
واردت الرد الآن في موضوع مستقل لانحراف الموضوع الاساسي عن قضيته وتحوله الى نقاش حول نظرية التطور...
اذا اين المشكلة في قوله تعالى: الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون ..
استطيع ان اقول ايضا الذي خسروا انفسهم فهم لا يصلون
والذيم خسروا انفسهم فهم لا يصومون
نعم
في ظاهرها خطا لكل متسرع .. فهو يرى ان ترك الصلاة مثلا هو سبب الخسارة فالاولى على حد فهمه ان يقال
الذين لا يصلون خسروا انفسهم
وكذلك الذين لا يؤمنون خسروا انفسهم
وكذلك الذين لايؤمنون كفروا
فعدم الايمان ظاهريا يجب ان يكون هو سبب الخسارة الفعلي وليس العكس
وهذا صحيح لو كان الكلام محصورا في معرض الحديث عن الايمان الذي ينتج عن تركه خسارة النفس او الكفر .. كقوله تعالى : وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ
لكن هناك امور اخرى قد تقف حائلا بينك وبين الايمان وتكون خسارة النفس سابقا وسببا لعدم الايمان
ولقد ضرب الله عديدا من الامثلة على ذلك وعليك ان تقرا جيدا فقط لترى الامر بكل وضوح
لقد ضرب الله مثلا بقارون
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
ولقد منعه جاهه وماله وغروره عن قبول اي نصيحة ودعوة الى الله ..
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
فقارون خسر نفسه بكبره وغروره .. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي
فكان هذا حائلا بينه و بين الايمان لذلك مهما دعوته فلن يؤمن طاعة لعزة نفسه وارضاء لغروره
يقول الله تعالى : تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ
ومثل هذا حال كثيرين تورطوا في شتى انواع المعاصي
فخسروا انفسهم امام الناس قبل ان يخسروها امام الله واصبح الايمان صعبا عليهم لانه يستلزم تركهم للمعاصي وقد غرقوا فيها اضف الى ذلك فتنة السلطة والجاه مما يحجب شمس الهدى ونور الايمان
ولهذا قال الله في اناس .. بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ..اي حجب قلوبهم عن الايمان ما عليها من الرين الذي لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا
ومثله حديث رسول الله .. ان العبد اذا اخطا نكتت في قلبه نكتة سوداء فاذا هو استغفر وتاب صقل قلبه وان عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه
وجاء في بيان معنى الحديث .. أن الرجل إذا تبع هواه ، وارتكب المعاصي : دخل قلبَه بكل معصية يتعاطاها : ظلمةٌ ، وإذا صار كذلك : افتُتن ، وزال عنه نور الإسلام
فبذلك يكون عدم الايمان هو نتيجة لخسارة النفس في مواضع اخرى أي بتراكم المعاصي والكبر والتكذيب ويكون مثل هذا حائلا بين الانسان وبين الايمان بربه واستقامته على مراده سبحانه وتعالى
ولذلك تجد الآية الكريمة جاءت معبرة تماما عن هذا وبعد ذكر تعال الناس واستهزائهم برسلهم تارة وتكذيبهم وجحودهم بهم تارة اخرى
اذا اين المشكلة .. ؟ اعتقد ان المشكلة هي تسرع في الحكم او اندفاعا شخصيا بعيدا عن التحقق والموضوعية الواجب توفرها في مثل هذا المقام
تحياتي للجميع