![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
الباحِثّين
![]() ![]() ![]() |
6. غريم إبليس
خلال لحظات كنا كلنا نقف ونحن ننظر في إعجاب إلى مجسم مهيب ينتصب في وسط فسحة الغابة. كان تمثالا مصنوعا من الصلصال لكائن ذي أربعة أطراف فقط ووجه له عينان وأذنان وفم وأنف. وفتحت فمي لأقول شيئا فإذا بالمجسم ينطق! "أراكم جئتم مثلي لتروا هذا الشيء القبيح". قلت وقد ميزت الصوت: "إبليس؟". برز إبليس من فم التمثال وهو يقول: "عرفت أنكم ستحزرون، فهذا الشيء الأعجمي لا يحسن الكلام حتى، ولكن له فتحة مثيرة للاهتمام أسفل ظهره. انظروا سأريكم". وعاد إبليس يدخل في فم التمثال، ثم سمعنا ضراطا وشممنا ريحا خبيثة خرج بعدها إبليس من فتحة في دبر التمثال وهو يقول: "آسف لإزعاجكم ولكني لم أحب أن تظل فتحة الدبر هذه بلا فائدة. فهذا الشيء أجوف من الداخل، مجرد خردة طينية جوفاء!". وضرب إبليس التمثال بيده فسُمعت له صلصلة قوية ارتاع إبليس منها ووثب يختبئ وراء أقدامنا. سرت ضحكات خفيفة بين الملائكة من ذعر إبليس، وقلت: "تبدو مرتاعا جدا من خردتك الطينية الجوفاء يا إبليس". انتفض وقال: "جعجعة بلا طحن! في الحقيقة لا أعرف لماذا نحن واقفون أمام هذا الشيء الذي ندم الله على صنعه أصلا". "آه، أراكم واقفين أمام تحفتي الفاخرة الجديدة". ونظرنا فإذا هو الله بذات نفسه جاء يطمئن على تمثاله. وضحك الملائكة مرة ثانية من خيبة إبليس. وقال إبليس وهو يحترق من الحسد: "تحفة؟ هذا الشيء التافه تحفة؟". ولكن الله كان أكثر اندماجا في تلك اللحظة من أن يسمع تعليق إبليس. "لقد جئتم لتشهدوا لحظة تاريخية عظيمة، لحظة نفخ الروح في جسد هذا المخلوق الذي خلقته من أجل هدف واحد فقط هو أن يعبدني ويشكرني على صنعه". ثم أخذ الله ينفخ وينفخ، ورأينا الحياة تدب في تمثال الله الجديد بدءا من أعلى رأسه ثم نزولا نحو قدميه. وبلغت روحه العينين فراحتا تنظران إلى عنب تدندل من فرع كان أمامه. ثم لما بلغت جوفه اشتهى العنب فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه فتعثر ووقع على الأرض. وهنا ابتسم إبليس ابتسامة شيطانية وسمعته يقول: "يا رباه كم ضعف هذا الشيء أمام شهواته مثير للشفقة! لقد عرفت من أين آتيه. أبشر بهلاكك يا مدلل إلهك الجديد!". "على رسلك يا آدم! آدم، أخبر مخلوقاتي هذه باسمي". أطاع آدم ربه وتوقف المسكين قبل أن يبلغ العنب: "اسمك الله تباركت وتعاليت". بدا الله مسرورا. قال: "ومن أجل ماذا خلقتك؟". قال آدم: "من أجل أن أطيعك وأعبدك وأشكرك على ما وهبتني من نعم سبحناك وتعاليت". "أحسنت أحسنت، ولد طيب. هيا اذهب الآن وكل العنب ومما رزقتك ولا تنس أن تذكر اسمي عليه. ولكن تذكر، كله إلا الشجرة التي حرمت عليك". "سمعت وأطعت". هرول آدم سعيدا إلى العنب وقال باسم الله ثم راح يلتهمه وهو يشكر الله. قال الله: "انظروا إليه، أليس "كيوت" وبياخذ العقل؟ يا ملائكة، آمركم أن تسجدوا لآدم في الحال!". وسجدنا كلنا جميعا، إلا إبليس فإنه ظل واقفا وهو ينظر إلى الله في عناد. نظر الله غاضبا إلى إبليس. "ما مشكلتك أنت؟ ما منعك ألا تسجد يا إبليس؟". قال إبليس وعلى وجهه أمارات الحيرة: "ما منعني ألا أسجد؟ تقصد عزتك ما منعني أن أسجد؟". "ما منعك ألا تسجد أو أن تسجد كله واحد!". قال إبليس وهو يشير إلى آدم بيديه ووجهه يقطر حسدا وحقدا: "انظر إليه! إنه من طين حقير وأنا من نار. هل ترى من المنطق أن يسجد النار للطين يا الله!". "أترغب -ويلك- عن طاعتي يا إبليس؟ ثم من تحسب نفسك حتى تعلم إلهك شغله؟ لا تلومن إلا نفسك على استكبارك عن طاعة أوامري. اقبضوا عليه يا ملائكة!". كما تعرفون لا يملك الملائكة إلا إطاعة الأوامر، وفي لحظة واحدة كنا قد وثبنا على إبليس وأمسك كل واحد بطرف من أطرافه وخامس بذنبه الطويل بينما نزع سادس منه شوكته. ولأول مرة في حياته وقف إبليس الذي اعتدناه قويا عربيدا، وقف ذليلا وهو يرتعد من الرعب. كان الله يتميز من الغيظ والغضب. وأطرق وهو يفكر بصوت مسموع: "لا أحد يجرؤ على إهانتي وعصيان أوامري ثم يفلت هكذا بلا عقاب. على العقاب أن يكون مروعا، مؤذيا، أبديا كي تتعظ به بقية مخلوقاتي ويفكروا مرتين بل مئة مرة قبل يقدم أي منهم على التشكيك في حكمتي ورحمتي أو الاستهانة بأوامري. آه، تذكرت، لقد خلقت مخلوقا خاصا لمثل هذه الظروف. توسعي وائتئ إلينا يا نار!". فجأة برزت حفرة رهيبة راحت تتسع في سرعة حتى كادت حوافها تلامس أقدامنا، قد اشتعلت فيها نار عظيمة أوقعت الرعب في قلوبنا جميعا. وتذكرت حفرة الله التي أرانيها قبل أيام. وسمعنا النار وهي تتكلم وتقول: "هلا ألقيتم إلي بطعامي؟". وقال الله ونحن نتراجع عن الحفرة في فزع: "سمعت ذلك أيها الكافر الجاحد؟ حتى جهنمي الجديدة عرفتك واشتاقت إلى التهامك. يا إبليس، لقد مننت عليك بنعمي وسامحتك ورحمتك وأنا أراك تؤذي ملائكتي وخلقي فتجاوزت عنك ولم أعاقبك بل كنت معك سمحا كريما فكان جزاؤنا منك النكران والجحود. وجزاء لك على نكران سماحتي ورحمتي فإني أعلن اليوم على رؤوس الأشهاد أنك مستحق لعذابي الأبدي في نار الجحيم. ألقوه يا ملائكة!". وألقينا إبليس في النار، فأخذ إبليس يهوي وهو يصرخ ويستغيث حتى بلغ قعر جهنم ثم.. ثم لم يحصل شيء. لقد قام إبليس بكل بساطة ورفع يده يتحسس جسمه ثم أخذ يداعب النار بيديه. وهنا همس لنا أحد زملائي الملائكة: "لقد خلق من نار، لذلك من الطبيعي ألا تؤثر فيه". أعترف أننا كنا مرتاحين لنجاة إبليس من النار، فنحن لا نسر برؤية أي مخلوق وهو يعذب حتى ولو كان مخلوقا شريرا كإبليس، ولكن الله ليس كمثله شيء وليست رحمته كرحمة مخلوقاته. "اللعنة على مشاغل الكون كم صارت تشغل بالي، بالطبع النار لا تؤثر فيك، لكن الحل سهل لحسن الحظ. كن يا زمهرير!". وفي الحال انفصلت عن جهنم حجرة جديدة هي الوجه الآخر من الجحيم: عواصف من رياح ثلجية جبارة قادرة على إطفاء أعتى النيران. كان واضحا لنا هذه المرة أن الجولة الثانية ستكون لصالح الله حالما يدخل إبليس غرفة الزمهرير. "خذوه يا جنودي إلى غرفته الجديدة!". وقبل أن نضع أيدينا على إبليس أخذ يصيح: "لحظة، لحظة واحدة يا الله!". قال الله وهو يتأفف: "نعم، ماذا تريد الآن؟". "أنظرني، أريد منك أن تنظرني من أجل أن أنتقم من هذا المخلوق الوضيع هو وأولاده، وعزتك لأقعدن لهم كل مرصد، لألعننَّ أبو سنسفيلهم وأخرجهم من رحمتك التي لا يستحقونها حتى ينالوا عذابك وترميهم في جهنمك كي يخلدوا جحيمها إلى الأبد". لبرهة نظر الله إلى إبليس بدت لنا وكأنها دهر، ثم قال الله: "حسنا، أنظرتك". (تعبير wtf على وجوهنا) "ولا تقلق فسأعذب كل من تبعك منهم ولأملأن جهنم منكم أجمعين (اكتب هذه يا جبريل). والآن خذوه عن جنتي هذه فقد طردته منها وحرمتها عليه إلى الأبد. أتسمع يا إبليس؟ إياك أن تطأها بقدمك وإلا فالويل لك!". ورحل إبليس عن الجنة مذؤوما مدحورا وهو يتوعد آدم بانتقام عظيم. "سوف ترى يا الله، هؤلاء الذين خلقتهم من أجل عبادتك لن يلبثوا أن ينغمسوا في ملذاتهم وينسوك ثم لا تجد أكثرهم شاكرين. وعندها ستنتبه فإذا أنت تكرههم أكثر مما كرهتني اليوم". تنهد الله وهو يقول: "سأشتاق إلى الأيام التي كان يسليني فيها هذا المشاغب. مؤسف أنه طلع ابن كلب لا يستحق رحمتي في النهاية". (يتبع) --- روابط الأجزاء السابقة. الجزء الأول: https://www.il7ad.org/vb/showthread.php?t=11979 الجزء الثاني: https://www.il7ad.org/vb/showthread.php?t=11998 الجزء الثالث: https://www.il7ad.org/vb/showthread.php?t=12002 الجزء الرابع: https://www.il7ad.org/vb/showthread.php?t=12039 الجزء الخامس: https://www.il7ad.org/vb/showthread....33698&posted=1 |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
زائر
|
رائع، رائع، رائع،
.هذه أفضل من القصة المملة الموجودة في تلك الكتب القديمة التي يدعي أصحابها أنها من السماء، وهي لا تساوي قيمة عمل جيد من الأرض. أريد أن أرى المزيد منك... أمم، دعني أفكر، أحتاج ربا أدعوه، وأي رب هذا الذي يصلح للمهمة؟! سأدعو الله، ليس لأنه رب حقيقي، ولكني تعودت عليه، وأعتقد أنه يعطي مفعول معقول. اللهم زدنا من عمل هذا الزنديق، فهو كاتب تحفة، وتفوق على كتابك القرأن، أمين (تف.. بصقة على اليد ثم مسحة على الوجه). وأعجبني ايضا الأفكار التي مررتها خلال النص، فهي تكشف للاجدوى في هذا الأختبار الذي يدعى دنيا! تحياتي . |
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
باحث ومشرف عام
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
وصفك للشيطان انه كائن مشاغب له قرون ومعه شوكة يتناسب مع سير الاحداث في قصتك الرائعة، لكن بالنسبة لي عندما اتخيل ابليس اتخيل رجلا حكيما في الاربعينات من عمره وجميل الشكل اكثر وسامة (وحكمة) من الملائكة انفسهم.
![]() من فيلم constantine ابليس يشعل السيجارة لبطل الفيلم |
|
|
|
رقم الموضوع : [4] | |
|
عضو جميل
![]() |
اقتباس:
التعديل الأخير تم بواسطة Abdiel_Arcade ; 08-27-2017 الساعة 09:31 PM.
سبب آخر: خطاء مطبعي
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [5] |
|
عضو جميل
![]() |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() احسنت صنعا ايها الاديب binbahis |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| أبليس, مذكرات, جبريل, غرين |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| مذكرات جبريل 0 | binbahis | ساحة النقد الساخر ☺ | 6 | 08-28-2017 03:13 PM |
| مذكرات جبريل Book Cover! | Abdiel_Arcade | ساحة النقد الساخر ☺ | 0 | 08-27-2017 09:26 PM |
| مذكرات جبريل 0 - 5. اجتنبوا غضب الرحيم | binbahis | ساحة النقد الساخر ☺ | 2 | 08-27-2017 02:01 PM |
| مذكرات جبريل 0 - 3. الزميل الجديد | binbahis | ساحة النقد الساخر ☺ | 6 | 08-20-2017 10:59 AM |
| مذكرات جبريل | binbahis | ساحة النقد الساخر ☺ | 9 | 07-10-2017 04:17 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond