شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > حول الإيمان والفكر الحُر ☮

 
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 05-09-2022, 06:39 PM Zyad غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
Zyad
موقوف
 

Zyad is on a distinguished road
افتراضي التصور الإلحادي المادي والمعرفة الضرورية

لقد شهد تصور الأفكار الفطرية innate ideas ازدهارا – كرؤية فلسفية – في القرن السابع عشر بدافع أن بعض المفاهيم لا يمكن أن تكون محض تجريد من الواقع المادي الملموس. وكان من أشهر مناصري هذا التصور هو رينيه ديكارت ونحوه من العقلانيين. وفي المقابل كانت مدرسة التجريبيين مثل ديفيد هيوم وجون لوك وجورج بيركلي ترى أن المفاهيم الذهنية كلها بلا استثناء هي استناد إلى الحس و التجربة وأن العقل والذي عند الميلاد يكون صفحة بيضاء tabula rasa يقوم بتجريد تلك المفاهيم من الواقع المادي. وأفكار ديفيد هيوم هذه كانت إرهاصا بظهوراتجاه الوضعية المنطقية logical positivism الذي تم تطويره بواسطة أعضاء ما يعرف بدائرة فيينا أو تجريبيي فيينا وكذلك معيار أو مبدأ البرهنة verification principle الذي يعتبر أبرز ملامح هذا الاتجاه، والذي يقول بأن الدعوى statement يكون لها معنى إذا قبلت الصحة أو الخطأ من خلال التجربة والملاحظة أو إعمال المنطق. فكل دعوى لا تقبل التصحيح والتخطئة من خلال التجربة والملاحظة أو لا يعلم صحتها أو بطلانها بالضرورة فهي دعوى لا معنى لها meaningless.
وقد تعرض هذا الاتجاه للنقد من قبل كثير من الفلاسفة مثل كوين و كارل بوبر وتوماس كون وغيرهم ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيار الوضعية المنطقية كاتجاه فلسفي حتى قال أحد مناصري الفلسفة الوضعية المنطقية وهو ألفرد آير بلهجة ساخرة أن أن أهم خلل في فلسفة الوضعية المنطقية أنها كلها تقريبا خاطئة!
ولعل أحد أبرز مظاهر الخلل في تلك الفلسفة هو أبرز ملمح فيها وهو "معيار البرهنة"، فهو ينقض نفسه، لأنه دعوى لا يمكن معرفة صحتها أو بطلانها لا بالضرورة من العقل ولا بالتجربة والملاحظة!. فعلى أصولهم فإن الدعوى المحورية في تلك الفلسفة بلا معنى.

وكذلك من الإشكالات التي يثيرها ذلك الاتجاه الفلسفي هو النظريات العلمية التي لا يمكن التحقق من صحتها لا لأجل أن هذا غير ممكن من حيث المبدأ ولكن لأسباب تقنية.

ولكن بالعودة لمفهوم الأفكار الفطرية، فإن التسليم بوجودها ضروري لضمان صحة قواعد المنطق والرياضيات. وإلا لو كانت قواعد المنطق والرياضيات تجريد من الواقع فهذا لا يضمن صحتها بل يجعلها أمرا محتملا وإن غلب على الظن صحته لأن تجريد القواعد من التجربة والحس هو استقراء والذي مهما بلغ عدد الأمثلة الجزئية التي يتم استنباطه منها يظل الاحتمال قائما أن هناك مثال ينقض هذا الاستقراء لم تتم ملاحظته بعد.
وهذا يجعل من قواعد الرياضيات والمنطق مجرد انشاء ذهني mental construct لا دليل على أن له وجود موضوعي في الواقع. لأنه كاستنباط إن كان صحيحا في نفس الأمر فنحن لا نملك دليلا قاطعا على ذلك يجعل من هذا الانشاء العقلي علما ضروريا وإن كان في نفس الأمر غير صحيح فالحال أسوأ.
ولذلك فإن الالحاد المادي الذي يرى أنه لا وجود إلا للمادة لا يمكنه أن يجد ضامن لصحة قواعد الرياضيات والمنطق لان البرهان لديه مرتبط بالحس والتجربة والتي لا يمكن أن تقدم ضمانة للعلم الضروري.
فلضمان أن للرياضيات و المنطق طبيعة مطلقة أي وجود موضوعي أزلي أبدي لابد من التسليم بوجود كائن أزلي أبدي مُوجِب بالذات لأن كل شيء في الوجود يراعي قواعد المنطق والرياضيات. أو بعبارة أخرى كائن أزلي أبدي يدبر الأمور وفق سنن معينة هي ما نطلق عليه قواعد المنطق والرياضيات بحيث أن قواعد المنطق والرياضيات هي كيفية تدبيره للأمور أزلا وأبدا وبالتالي هي خواص يتسم بها فعله وتدبيره وتستمد مطلقيتها منه لأن تدبيره على هذا النحو هو صفة ذات أي أن الكائن الأزلي من صفاته الذاتية أنه يدبر ويصرف الأمور وفق سنن معينة هي ما نسميه قواعد المنطق والرياضيات. وأن هذا الكائن هو من فطر أذهاننا على أن تبصر تلك القواعد المطلقة.
أما الملحد فغايته أن يزعم بلا دليل أن أمخاخنا تطورت بشكل عشوائي لكي تدرك تلك القواعد المطلقة وأن قوى الانتخاب الطبيعي قامت بانتخاب الأفراد التي تطورت أمخاخها على هذا النحو. ومجرد بقائنا ليس دليلا على أن ذلك حدث بالفعل لأن إدراك قواعد المنطق والرياضيات على أنها علم ضروري ليس شرطا للبقاء. فالكائن يمكنه أن يكون صالحا للبقاء بتصور قواعد المنطق والرياضيات على أنها استقراء (أمر يغلب على الظن صحته) لأن العبرة في النهاية أن يتصرف وفقا لها وان تكون نموذج ذهني تقريبي عن الواقع صحيح في اطار معين هو نطاق تفاعل الكائن(الآدمي في هذه الحالة) مع الواقع. فعلى سبيل المثال الفيزياء الكلاسيكية هي نموذج ذهني تقريبي للواقع وهو دقيق في اطار معين وهو نطاق السرعات المحدودة و الاجسام التي نتفاعل معها في الحياة اليومية ولها في هذا النطاق تطبيقات نافعة. لكن عندما انفتح الانسان على آفاق أخرى كعالم الجسيمات الذرية والتحت ذرية بما فيه من سرعات فائقة أو الفضاء الكوني الشاسع بما فيه من أجرام هائلة فإن هذا النموذج لم يعد صالحا ولا يحقق الفائدة. وبشهادة الواقع فنحن نتصرف وفق ما يغلب على ظنونا ولا نشترط اليقين فضلا عن كوننا نرى قواعد المنطق والرياضيات صحيحة يعني أننا لم نحتك بظواهر تجافي تلك القواعد وبالتالي لسنا بحاجة لبقائنا على الأقل حتى هذه اللحظة لنموذج أكثر دقة إن كان هناك شيء كهذا لنتفاعل مع واقعنا على نحو يمكننا من البقاء.



  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع