حول بشرية صفات الله في القران

[القيصر]

حول بشرية صفات الله في القران


سأتحدث عن قضية لطالما شغلتني عندما كنت مسلما واخذت جزءا كبيرا من وقتي وتفكيري، وهي بشرية صفات الله من منظور اسلامي، ومما يثير استغرابي ان هذه القضية لا تأخذ حقها من نقاد الاسلام فلا احد يتكلم عنها الا القليل.

صفات الله ظلت لوقت طويل مناظرة اسلامية – اسلامية ما بين مثبت مجسم ومؤول معطل من مختلف المذاهب والفرق، الا انني الان سأناقشها من منظور لاديني بعيدا عن الانحياز كما يفعل اصحاب المذاهب الاسلامية حيث ينحاز كل شخص الى مذهبه الذي تربى عليه.

ما معنى صفات الله؟

صفات الله هي تلك الاوصاف التي وصف القران بها الله سواء كانت صفات جسدية مثل الوجه واليد أو صفات غير جسدية مثل القدرة والمعرفة، طبعا علماء العقيدة المسلمين لهم تقسيمات معينة مثل تقسيمها الى صفات فعلية وصفات ذاتية وتختلف تلك التقسيمات بحسب المذهب لكنني هنا لن التزم باي تصنيف وسأكتفي باستخراج الصفات من الاية مباشرة.

بشرية ام الهية؟


اذا كان الله ليس بشر فلماذا تنسب له صفات بشرية؟ والجواب ببساطة ان البشر هم من ابتكروا صفات الهتهم وبما ان الانسان يرى نفسه بتكبر اهم كائن حي على الارض فشيء طبيعي ان يصف الهه بصفاته هو، فلا يستطيع الانسان ان يتخيل كائنات اعظم منه شأنا ليشبه الله بها.

لو كانت الحيوانات تعقل لوصفت الالهة بأشكال تشبه اشكال الحيوانات ولكنت الصفات الحيوانية، من وجهة نظر الحيوان، هي الصفات الأعلى شأنا فيجوز نسبتها للالهة.

بعض المذاهب الاسلامية مثل المعتزلة لم يتحملو ان يتصف الههم بالغضب والمكر والوجه واليدين فأولوا الصفات جميعا، والتأويل هو صرف المعنى عن الظاهر فتصبح اليد المقصود منها القدرة والعين المقصود منها العلم، ووصل بهم الامر الى انكار رؤية الله يوم القيامة بحجة ان الله ليس بجسم فمن غير المنظقي ان نراه.

على النقيض منهم عندنا المذهب السلفي (المذهب الحنبلي) الذين اثبتوا لله كل الصفات المذكورة في القران بل وحتى الاحاديث ايضا، ووصل الامر ببعضهم الى حد التجسيم فقد قال ابن تيمية ان الله مجوف من فمه الى صدره ليستطيع الكلام، وذهب ابن القيم تلميذ ابن تيمية الى ان الله له جنب ايمن وجنب ايسر لقول القران (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) الزمر/ 56 ، وإن كان اغلب علماء العقيدة الحنابلة لايوافقونه على هذا.

اذا قرأنا القران بموضوعية سنجد كلا الفريقين الحنابلة والمعتزله مخطئين فهناك صفات واضح انها مجاز من خلال سياق الاية من غير التكلف وتحميل الايات ما لاتحمل.

عندما يقول القران (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الفتح /10 ، فمن الواضح من سياق الاية ان المقصود هو رضى الله عن المبايعين وليس اليد حرفيا، وكذلك عندما يقول القران عن سفينه نوح (تجري بأعيننا) فهذا لايعني ان السفينة تجري في عين الله ولايلزم منها ان الله له عين.

لكن في المقابل هناك صفات واضح ان المقصود بها الصفة نفسها حرفيا، مثل قوله (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) سورة النساء 93، فهنا من الواضح ان الغضب حقيقي فالله يغضب ثم يعاقب الشخص الذي تسبب بغضبه وعندما يقول (ويمكرون ويمكر اللهوالله خير الماكرين ) الانفال 30 من الواضح من سياق الاية ان المكر ليس على وجه المجاز فالكفار ماكرين والله افضل منهم في المكر.

النظر لوجه الله يوم القيامة ثابت في القران (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) ) سورة القيامة، وهذا يعني ان الله قابل للرؤية بطريقة ما.
صفة الكلام ثابتة ايضا بخلاف رأي المعتزلة (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(164)) فبوسع الله اصدار اصوات الكلام بتردد معين لتسمعه الاذن البشرية.

وبالنسبة للصفات الجسدية المثبتة فهناك الساق ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) سورة القلم 42، ومعنى الاية ان الله يوم القيامة يكشف ساقه للناس وليس المعنى كشف الملابس ولكن كشف الحجاب بين الله وخلقه بمعنى ان الله يبقى خفي باستثناء ساقه يراها البشر فيسجد المؤمنون لرؤية ساق ربهم بينما لايستطيع الكفار السجود لأنهم لم يسجدو في الدنيا.

صفة الوجه: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام) الرحمن 27، النعت هنا "ذو الجلال والاكرام" تعود على الوجه فالوجه حقيقي يوصف بأنه ذو جلال واكرام.
صفة اليدين: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) هنا يوضح الله ان لديه يدين خلق بهما ادم من الطين كما هو معروف.

تخيل معي كائن له ساق ووجه ويدين يخلق بهما ما الفرق بينه وبين الانسان، في المعتقد الاسلامي عند اكثر الفرق والمذاهب ان صفات الله تختلف عن صفات الانسان فيد الله ليست كيد الانسان وعلمه ليس كعلم الانسان، لكن ما معنى هذا الكلام ما معنى ان علم الله ليس كعلم الانسان؟ هل هذا يعني ان الله يعلم أكثر؟ اذا كان كذلك فانك قد تجد انسان يعلم اعلم اكثر من انسان اخر، فهل هذه صفة الهية ام انها صفة بشرية مكبرة بمعنى ان علم الله هو علم لكنه يشمل كل شيء على عكس الانسان، وقدرة الله هي قدرة لكنها تشكمل كل شيء بعكس الانسان ذو القدرة المحدودة.

اذا ماذا عن صفات مثل اليد وما معنى ان نقول، كما يقول الحنابلة وغيرهم، انها يد حقيقية لكنها لا تشبه يد الانسان؟ هل هي اكبر حجما ام اكثر من حيث عدد الاصابع ام ماذا بالضبط؟
ولطالما ازعجتني هذه النظرة البدائية للاله فحاولت التخلص منها بأن قلت لنفسي ان هذه الصفات التي في القران غير مقصودة وانما هي وصف لأشياء اخرى، فمثلا علم الله لا يشبه العلم البشري في شيء وليس مجرد معرفة لامحدودة كما هي النظرة السائدة، وقدرة الله في القران ليست قدرة ولكن شيء اخر لا أحد يعلمه الا الله.

وقد عرضت افكاري هذه على عدد من شيوخ الدين ممن اثق بعلمهم الشرعي وناقشتهم بها ولم تعجبهم هذه النظرية الجديدة التي جئت بها وربما معهم حق فمعنى كلامي ان الله خاطب البشر في القران بلغة غير مفهومة واستخدم مصطلحات في غير مكانها.

سأكتفي بهذا القدر وقد اضيف مشاركات اخرى ان سمحت الظروف. وشكرا للقراءة.