شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪ > مواضيع مُثبتةْ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 04-05-2015, 03:24 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [11]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

يومالرجيع

جاء في البخاري:

3045 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنْ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا

ورواه أحمد 8097 وعبد الرزاق في مصنفه (9730) .ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن حبان (7039) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4191) و17/ (463) ، والمزي في ترجمة عمرو بن أَبي سفيان من "تهذيب الكمال" 22/45-46. وأخرجه البخاري (4086) من طريق هشام بن يوسف، عن معمر، به.

ولنتأمل في هذا، أرسل محمد سرية للتجسس على قوافل قريش، أو غالباً للتجسس على هذيل بالذات وليس قريش، ، فتنبه هؤلاء للمسلمين، وقد كان لأتباع محمد سمعة سيئة كقاطعي طريق وناهبين لا تختلف عن سمعة بني طيء في اليمن وقتئذٍ، فقاموا بقتل الجواسيس، كما نرى لا يمكننا لوم قوم يحمون أنفسهم من أمة معتدية من شأنها أن تنهبهم وتسفك دماء رجالهم وفتيانهم الصغار، وتستعبد أطفالهم ونساءهم.

لكن كتاب السيرة النبوية يروون قصة أخرى محاولة منهم لتجميل صورة الإسلام، وإذا اختلفت الروايات فأحدها كاذب لغرض ما، لا محالة، فيقول الواقدي:

يقول الواقدي:
لَمّا قُتِلَ سُفْيَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِىّ مَشَتْ بَنُو لِحْيَانَ إلَى عَضَلٍ وَالْقَارّةِ، فَجَعَلُوا لَهُمْ فَرَائِضَ عَلَى أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيُكَلّمُوهُ فَيُخْرِجَ إلَيْهِمْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَدْعُونَهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَنَقْتُلَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَنَا وَنَخْرُجَ بِسَائِرِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ فَنُصِيبَ بِهِمْ ثَمَنًا؛ فَإِنّهُمْ لَيْسُوا لِشَىْءٍ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُمَثّلُونَ بِهِ، وَيَقْتُلُونَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ، فَقَدِمَ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ وَهُمَا حَيّانِ إلَى خُزَيْمَةَ مُقِرّيْنِ بِالإِسْلامِ فَقَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ ÷: إنّ فِينَا إسْلامًا فَاشِيًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُفَقّهُونَنَا فِى الإِسْلامِ. فَبَعَثَ مَعَهُمْ سَبْعَةَ نَفَرٍ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىّ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ البَلَوِىّ حَلِيفٌ فِى بَنِى ظَفَرٍ، وَأَخَاهُ لأُمّهِ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَلِيفٌ فِى بَنِى ظَفَرٍ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِىّ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة مِنْ بَنِى بَيَاضَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. وَيُقَالُ: كَانُوا عَشْرَةً وَأَمِيرُهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ؛ وَيُقَالُ: أَمِيرُهُمْ عَاصِمُ ابْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِمَاءٍ لهُذَيْل - يُقَالُ لَهُ: الرّجِيعُ قَرِيبٌ مِنْ الْهَدّةِ - خَرَجَ النّفَرُ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ بَعَثَهُمْ اللّحْيَانِيّونَ فَلَمْ يُرَعْ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ ÷ إلاّ بِالْقَوْمِ مِائَةُ رَامٍ وَفِى أَيْدِيهمْ السّيُوفُ. فَاخْتَرَطَ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ أَسْيَافَهُمْ ثُمّ قَامُوا، فَقَالَ الْعَدُوّ: مَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ وَمَا نُرِيدُ إلاّ أَنْ نُصِيبَ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ثَمَنًا، وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لا نَقْتُلُكُمْ. ....إلخ القصة.

ويقول ابن هشام:

قال ابن اسحاق: فقالوا: يا رسول الله، إن فينا اسلاما، فابعث معنا نفرا من اصحابك يفقهوننا في الدين، ويُقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام. فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستةً من اصحابه....إلخ

ويذكر شعرًا لحسان بن ثابت قد نتأكد منه من صحة شيء مما جاء في كتب السيرة،منه:

حسان يهجو هذيل لقتلهم خبيبا: وقال حسان أيضا يهجو هذيلا فيما صنعوا بخبيب بن عدى:
أبلغ بني عمرو بأن أخاهُم ... شَراهُ امرؤ قد كان للغدرِ لازمَا (2)
شراه زُهير بنُ لأغَرِّ وجامعٌ ... وكانا جميعا يركبان المَحارمَا
أجرتُم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكتافِ الرجيعِ لَهَاذِمَا (3)
فليت خُبَيْبا لم تخنْه أمانة ... وليت خُبيبا كان بالقومِ عالمَا

قال ابن هشام: زهير بن الأغر وجامع الهذليان اللذان باعا خُبيبا.

قال ابن اسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضًا:

إنْ سرَّك الغدرُ صِرفا لا مِزاجَ له ... فاتِ الرجيعَ فسَلْ عن دارِ لِحْيانِ
قوم تواصَوْا بأكلِ الجارِ بينَهم ... فالكلبُ والقردُ والإنسانُ مِثلانِ
لو ينطق التيْسُ يوما قام يخطبُهم ... وكان ذا شرفٍ فيهم وذا شانِ

قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد الأنصارى قوله:

لو ينطق التيسُ يوما قال يخطبُهم ... وكان ذا شرفٍ فيهم وذا شأن

قال ابن اسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هُذَيلا:

سألت هُذَيل رسولَ الله فاحشةً ضلتْ هُذيلٌ بماسالتْ ولم تُصِبِ
سألوا رسولَهمُ ما ليس معطِيَهُم حتى الممات وكانوا سُبةَ العربِ
# ولن ترى لهذيْل داعيا أبدا يدعو لمَكرَمةٍ عن منزِلِ الحربِ
# لقد أرادوا خلالَ الفُحْشِ وَيْحَهُمُ وأن يُحلوا حراما كان في الكتبِ

وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هُذَيلا:

# لعَمْرِى لقد شانتْ هُذَيلَ بنَ مُدْرِكِ أحاديثُ كانت في خُبيبٍ وعاصمِ
________________
(1) دلوك: غروك.
(2) شراه: باعه.
(3) اللهاذم. السيوف القاطعة.
# أحاديثُ لحْيان صَلَوْا بقبيحِها ولحيان جَرَّامون شر الجرائمِ (1)
# أناس هم من قومِهم في صميمِهم بمنزلةِ الزِّمْعانِ دُبْرُ القوادم (2)
# همُ غدروا يومَ الرجيعِ وأسلمتْ أمانتُهم ذا عفةٍ ومكارَمِ
# رسولَ رسولِ الله غدرا ولم تكن هُذيل تَوَقَّى مُنكراتِ المحارمِ
# فسوف يَرَوْن النصرَ يوما عليهمُ بقتلِ الذي تَحميه دونَ الحرائمِ (3)
# أبابيلُ دَبْر شُمُّسٍ دونَ لحمِه حمتْ لحمَ شَهَّادٍ عِظامَ الملاحمِ
# لعل هذيلا إن يَرَوْا بمصَابِه مصارعَ قتلَى أو مَقاما لمأتم
# ونوقع فيهم وقعةً ذاتَ صَوْلةٍ يُوافِى بها الركبانُ أهلَ المواسمِ
# بأمرِ رسولِ الله أن رسولَه رأى رأيَ ذي حَزْمٍ بلحْيانَ عالمِ
# قُبَيِّلَة ليس الوفاءُ يهمهم ... وان ظُلموا لم يدفعوا كف ظالمِ
# إذا الناسُ حَلُّوا بالقضاءِ رأيتَهم ... بمجرى مَسيلِ الماءِ بينَ المخارِمِ (4)
# مَحَلُّهمُ دارُ البوارِ ورأيهم ... إذا نابهم أمرٌ كرأيِ البهائم

وقال حسان بن ثابت يهجو هُذيلا:

# لحَىلله لِحْيانا فليست دماؤهم لنا من قَتيلَيْ غُدْرةٍ بوفاءِ
# هُموُ قتلوا يومَ الرجيع ابنَ حُرةٍ أخا ثِقةٍ في وُدِّه وَصَفاء
# فلو قُتلوا يومَ الرجيع باسرِهم بذي الدَّبْرِ ما كانوا له بكِفاءِ (5)

من الصعب تبين أي القصتين أصح، وشخصياً فإني أميل إلى الأولى، ولعلها أكثر مصداقية، لكن القمني يميل إلى الثانية قليلاً، والسبعة المذكورون مشهورون كمقاتلين في بعض السرايا وبدر وأحد. والخلاصة أن الجو الذي ترعرع به الإسلام كان جوًّا مسموماً مليئًا بالتعصب القبليّ والدينيّ، فحارب كلا الفريقين بعضهما، دون أي تبصر، ونشأ الإسلام كأحد أكثر الأديان عنفًا

__________
(1) صلوا بقبيحها: أصابهم شرها. جرامون: كسابون.
(2) الزمعان: جمع زمعة، شعرة مدلاة في مؤخر رجل الشاة أو غيرها. والدبر: الخلف.
(3) يريد عاصم بن الأقلح فقد حمته الزنابير.
(4) المخارم: مسايل الماء.
(5) ذو الدبر: هو عاصم بن الأقلح.
نتيجةً لذلك. يقول القمني أن _حسب الواقدي ومحمد بن سعد_كان قبل تلك الأحداث في السنة الثالثة هجرية جمعت هذيل جموعاً لمحمد فأرسل محمد من اغتيال قائدهم خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي على يد من أرسله محمد وأنهم لذلك انتقموا في يوم الرجيع، لكن لنلاحظ أن المحبر لابن حبيب يجعل سرية عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح سنة 5ه بعد حادثتي الرجيع في آخر 3ه وبئر معونة سنة4ه! وكما نرى لقد عبث كتبة المسلمين كثيرًا فتلاعبوا بتلك التواريخ وترتيبها ناهيك عن تفاصيل الأحداث نفسها، فالمنتصر يكتب التاريخ كما يُقال، وأفراد الرواة لم يتحلوا بأمانة كاملة حتمًا وحاولوا بناء قصصهم على تبرير هجمات المسلمين بأنهم وجدوا قوم فلان أو علان (كبني سليم أو هذيل أو غطفان أو أسد بقطن) يجمعون جموعاً ضدهم فبادروهم بالهجوم وكالعادة في كل مرة كانوا ينهبون الأنعام والأغنام من تلك القبائل!


















قصة بئر معونة

هذه القصة كما لاحظ القمني وغيره لها عدة روايات متناقضة عن سبب إرسال محمد لسبعين أو أربعين رجلاً _على اختلاف الروايات_من شباب أتباعه إلى نجد، ولعل أصحها التالي:

روى البخاري:

بَاب الْعَوْنِ بِالْمَدَدِ

3064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ فَأَمَدَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ

وروى أحمد بن حنبل:

12402 - حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، وَعَفَّانُ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَكَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ أَهْلِهِ، فَقَالَ: اشْهَدُوا يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، قَالَ ثَابِتٌ: فَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ: لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ: وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ قُرَّاءٌ، أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرَّاءَ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ، فَكَانُوا إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ، انْطَلَقُوا إِلَى مُعَلِّمٍ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، فَيَدْرُسُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ حَتَّى يُصْبِحُوا، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ اسْتَعْذَبَ مِنَ الْمَاءِ، وَأَصَابَ مِنَ الْحَطَبِ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ اجْتَمَعُوا، فَاشْتَرَوْا الشَّاةَ ، فَأَصْلَحُوهَا فَيُصْبِحُ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ، بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَفِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، فَقَالَ حِرَامٌ لِأَمِيرِهِمْ: دَعْنِي فَلْأُخْبِرْ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَسْنَا إِيَّاهُمْ نُرِيدُ، حَتَّى يُخَلُّوا وَجْهَنَا، - وَقَالَ عَفَّانُ: فَيُخَلُّونَ وَجْهَنَا -، فَقَالَ لَهُمْ حَرَامٌ: إِنَّا لَسْنَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِالرُّمْحِ، فَأَنْفَذَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَجَدَ الرُّمْحَ فِي جَوْفِهِ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ . قَالَ: فَانْطَوَوْا عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ أَنَسٌ: " فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ ، وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ "، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ لِي: هَلْ لَكَ فِي قَاتِلِ حَرَامٍ ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا لَهُ فَعَلَ اللهُ بِهِ وَفَعَلَ قَالَ: مَهْلًا، فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، وَقَالَ عَفَّانُ: رَفَعَ يَدَهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وقَالَ أَبُو النَّضْرِ: رَفَعَ يَدَيْهِ.

حديث صحيح على شرط مسلم

12064 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَعْنَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رِعْلٌ، وَذَكْوَانُ، وَعُصَيَّةُ، وَبَنُو لِحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، فَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمْ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ - قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمْ فِي زَمَانِهِمُ الْقُرَّاءَ كَانُوا يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ - فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى إِذَا أَتَوْا بِئْرَ مَعُونَةَ، غَدَرُوا بِهِمْ، فَقَتَلُوهُمْ . " فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى هَذِهِ الْأَحْيَاءِ: رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لِحْيَانَ " قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِ قُرْآنًا، - وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: إِنَّا قَرَأْنَا بِهِمْ قُرْآنًا - " بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا "، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ . وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، أَوْ رُفِعَ (1)
__________
(1) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه البخاري (3064) و(4088)، وأبو يعلى (3159) من طريق ابن أبي عدي، بهذا الإسناد. وقرن به البخاريُ سهل بن يوسف. وأخرجه ابن سعد 2/53، والبخاري (4090) ، وأبو عوانة 5/44، وأبو يعلى (2921) ، والبيهقي في "السنن" 2/199، وفي "الدلائل" 3/348 من طرق عن سعيد بن أبي عروبة، به.، والحازمي في "الاعتبار" ص86 من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس نحوه. ويتكرر بنحوه في مسند أحمد برقم (13683) من طريق قتادة، وبرقم (13462) من طريق حميد بن أبي حميد الطويل، وبرقم (12402) من طريق ثابت البناني، وبرقم (13195) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. وفي حديث حميد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت خمسة عشر يوماً.
والشطر الأول برقم (12087) من طريق عاصم الأحول، وبرقم (13255) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. ومختصراً بقصة قنوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه على هذه الأحياء برقم (12150) من طريق قتادة، وبرقم (12655) من طريق عاصم الأحول، وبرقم (12152) من طريق لاحق بن حميد أبي مجلز، وبرقم (13724) من طريق موسى بن أنس.

وهناك رواية أخرى للبخاري:

4088 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَالَ لَا بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ

لو أخذنا بإحدى روايات ابن حنبل، تكون هذه الواقعة بعد واقعة يوم الرجيع، وليس قبلها كما في معظم بل كل كتب السيرة، فهو يقول عن سببها (فلما قُتِل خبيب) وهذا الأخير من المعلوم قتله في حادثة يوم الرجيع، وبالتالي قد نستنتج أن محمد كان أرسل السبعين للانتقام من بني هذيل فقابلهم وعارضهم قوم من بني سليم.
ولو أخذنا بالقصة الأخرى عند أحمد بن حنبل والبخاري يكون محمد أرسلهم للحرب ومعاونة قوم من بني سليم خدعوه وزعموا أنهم أسلموا ويريدون الاستعانة بجند من عنده للنهب والسلب والتخريب، ما جعله يطمع ماديًا وإستيراتيجيًا ويرسل السبعين ولاسيما وأن بني سليم طالما بادؤوه بالعدوان والمشاكسات باعتبارهم حلفاء قريش قوم محمد. وفي كلا القصتين كان الغرض عسكريًا لا سلميًا، وفي تلك المرحلة من الإسلام لم يكن من سلم ربما إلا بعد صلح الحديبية سنة 7 هـ لمدة عام كامل تقريبًا. ويستنكر القمني أن يُخدَع محمدٌ مرتين بنفس الأسلوب ومتتاليتان، فهو ليس ساذجًا.

ولكن الواقدي وابن هشام يرويان قصة مختلفة، فإحدى القصص الثلاث صادقة واثنتان كاذبتان بلا ريب، يقول الواقدي:

غَزْوَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ
فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا
حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَأَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلاءِ الْمُسَمّينَ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِى حَدّثُونِى، قَالُوا: قَدِمَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الْبَرَاءِ مَلاعِبَ الأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَرَسَيْنِ وَرَاحِلَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ” فَعَرَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، فَلَمْ يُسْلِمْ، وَلَمْ يُبْعِدْ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّى أَرَى أَمْرَك هَذَا أَمْرًا حَسَنًا شَرِيفًا؛ وَقَوْمِى خَلْفِى، فَلَوْ أَنّك بَعَثْت نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك مَعِى لَرَجَوْت أَنْ يُجِيبُوا دَعْوَتَك وَيَتّبِعُوا أَمْرَك، فَإِنْ هُمْ اتّبَعُوك فَمَا أَعَزّ أَمْرَك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ”. فَقَالَ عَامِرٌ: لا تَخَفْ عَلَيْهِمْ أَنَا لَهُمْ جَارٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ.
وَكَانَ مِنْ الأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلاً شَبَبَةً يُسَمّونَ الْقُرّاءَ كَانُوا إذَا أَمْسَوْا أَتَوْا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَدَارَسُوا وَصَلّوْا، حَتّى إذَا كَانَ وِجَاهَ الصّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنْ الْمَاءِ وَحَطِبُوا مِنْ الْحَطَبِ، فَجَاءُوا بِهِ إلَى حِجْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِى أَهْلِيهِمْ، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَخَرَجُوا فَأُصِيبُوا فِى بِئْرِ مَعُونَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ: كَانُوا سَبْعِينَ، وَيُقَالُ: إنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَرَأَيْت الثّبْتَ عَلَى أَنّهُمْ أَرْبَعُونَ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَعَهُمْ كِتَابًا، وَأَمّرَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السّاعِدِىّ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَهُوَ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِى سُلَيْمٍ، وَهُوَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِى عَامِرٍ وَبَنِى سُلَيْمٍ وَكِلا الْبَلَدَيْنِ يُعَدّ مِنْهُ.
فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَرَجَ الْمُنْذِرُ بِدَلِيلٍ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: الْمُطّلِبُ، فَلَمّا نَزَلُوا عَلَيْهَا عَسْكَرُوا بِهَا وَسَرّحُوا ظَهْرَهُمْ، وَبَعَثُوا فِى سَرْحِهِمْ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّةِ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، وَقَدّمُوا حَرَامَ ابْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ فِى رِجَالٍ مِنْ بَنِى عَامِرٍ، فَلَمّا انْتَهَى حَرَامٌ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ، وَوَثَبَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِى عَامِرٍ، فَأَبَوْا، وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو بَرَاءٍ خَرَجَ قَبْلَ الْقَوْمِ إلَى نَاحِيَةِ نَجْدٍ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَدْ أَجَارَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ فَلا يَعْرِضُوا لَهُمْ، فَقَالُوا: لَنْ يُخْفَرَ جِوَارُ أَبِى بَرَاءٍ، وَأَبَتْ عَامِرٌ أَنْ تَنْفِرَ مَعَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ، فَلَمّا أَبَتْ عَلَيْهِ بَنُو عَامِرٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمٍ - عُصَيّةَ وَرِعْلاً - فَنَفَرُوا مَعَهُ وَرَأّسُوهُ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا أَقْبَلُ هَذَا وَحْدَهُ فَاتّبَعُوا إثْرَهُ حَتّى وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ اسْتَبْطَئُوا صَاحِبَهُمْ، فَأَقْبَلُوا فِى إثْرِهِ، فَلَقِيَهُمْ الْقَوْمُ وَالْمُنْذِرُ مَعَهُمْ فَأَحَاطَتْ بَنُو عَامِرٍ بِالْقَوْمِ وَكَاثَرُوهُمْ، فَقَاتَلَ الْقَوْمُ حَتّى قُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷. وَبَقِىَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا لَهُ: إنْ شِئْت آمَنّاك. فَقَالَ: لَنْ أُعْطِىَ بِيَدِى، وَلَنْ أَقْبَلَ لَكُمْ أَمَانّا، حَتّى آتِىَ مَقْتَلَ حَرَامٍ، ثُمّ بَرِئَ مِنّى جِوَارُكُمْ، فَآمَنُوهُ حَتّى أَتَى مَصْرَعَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئُوا إلَيْهِ مِنْ جِوَارِهِمْ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّى قُتِلَ فَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ÷: “أَعْنَقَ لِيَمُوتَ”.
وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بِالسّرْحِ، وَقَدْ ارْتَابَا بِعُكُوفِ الطّيْرِ عَلَى مَنْزِلِهِمْ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، فَجَعَلا يَقُولانِ: قُتِلَ وَاَللّهِ أَصْحَابُنَا؛ وَاَللّهِ مَا قَتَلَ أَصْحَابَنَا إلاّ أَهْلُ نَجْدٍ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ، فَإِذَا أَصْحَابُهُمْ مَقْتُولُونَ وَإِذَا الْخَيْلُ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ لعمرو بْنِ أُمَيّةَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَأُخْبِرَهُ الْخَبَرَ.
فَقَالَ الْحَارِثُ: مَا كُنْت لأَتَأَخّرَ عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ، فَأَقْبَلا لِلْقَوْمِ، فَقَاتَلَهُمْ الْحَارِثُ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، ثُمّ أَخَذُوهُ فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، وَقَالُوا لِلْحَارِثِ: مَا تُحِبّ أَنْ نَصْنَعَ بِك، فَإِنّا لا نُحِبّ قَتْلَك؟ قَالَ: أَبْلِغُونِى مَصْرَعَ الْمُنْذِرِ وَحَرَامٍ، ثُمّ بَرِئَتْ مِنّى ذِمّتُكُمْ، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَبَلَغُوا بِهِ، ثُمّ أَرْسَلُوهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، ثُمّ قُتِلَ فَمَا قَتَلُوهُ حَتّى شَرَعُوا لَهُ الرّمَاحَ فَنَظَمُوهُ فِيهَا، وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ، وَهُوَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْ: إنّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى أُمّى نَسَمَةٌ فَأَنْتَ حُرّ عَنْهَا وَجَزّ نَاصِيَتَهُ.

.....فَلَمّا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ، جَاءَ مَعَهَا فِى لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مُصَابُهُمْ، وَمُصَابُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِى مَرْثَدٍ، وَبَعَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “هَذَا عَمَلُ أَبِى بَرَاءٍ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا”، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتَلَتِهِمْ بَعْدَ الرّكْعَةِ مِنْ الصّبْحِ فِى صُبْحِ تِلْكَ اللّيْلَةِ الّتِى جَاءَهُ الْخَبَرُ، فَلَمّا قَالَ: “سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ”، قَالَ: “اللّهُمّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرًا؛ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِى لِحْيَانَ وَزِعْبٍ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيّةَ، فَإِنّهُمْ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِى لِحْيَانَ وَعَضَلَ وَالْقَارّةَ; اللّهُمّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ ابْنِ هِشَامٍ، وَعَيّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا، وَأَسْلَمَ سَالَمَهَا اللّهُ”، ثُمّ سَجَدَ، فَقَالَ: ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآيَةُ.
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، يَقُولُ: يَا رَبّ سَبْعِينَ مِنْ الأَنْصَارِ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، يَقُولُ: قَتَلْت مِنْ الأَنْصَارِ فِى مَوَاطِنَ سَبْعِينَ سَبْعِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِى عُبَيْدٍ سَبْعُونَ، وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتْلَى مَا وَجَدَ عَلَى قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ.
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ: أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتّى نُسِخَ {بَلّغُوا قَوْمَنَا أَنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِىَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ}.
قَالُوا: وَأَقْبَلَ أَبُو بَرَاءٍ سَائِرًا، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ هِمّ، فَبَعَثَ مِنْ الْعِيصِ ابْنَ أَخِيهِ لَبِيَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَدِيّةٍ فَرَسٍ فَرَدّهُ النّبِىّ ÷ وَقَالَ: “لا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ” فَقَالَ لَبِيدٌ: مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ مُضَرَ يَرُدّ هَدِيّةَ أَبِى بَرَاءٍ. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “لَوْ قَبِلْت هَدِيّةَ مُشْرِكٍ لَقَبِلْت هَدِيّةَ أَبِى بَرَاءٍ”.
قَالَ: فَإِنّهُ قَدْ بَعَثَ يَسْتَشْفِيكَ مِنْ وَجَعٍ بِهِ - وَكَانَتْ بِهِ الدّبَيْلَةُ، فَتَنَاوَلَ النّبِىّ ÷ جَبُوبَةً مِنْ الأَرْضِ فَتَفَلَ فِيهَا، ثُمّ نَاوَلَهُ وَقَالَ: “دُفْهَا بِمَاءٍ، ثُمّ اسْقِهَا إيّاهُ”. فَفَعَلَ فَبَرِئَ، وَيُقَالُ: إنّهُ بَعَثَ إلَيْهِ بِعُكّةَ عِسْلاً، فَلَمْ يَزَلْ يَلْعَقُهَا حَتّى بَرِئَ، فَكَانَ أَبُو بَرَاءٍ يَوْمَئِذٍ سَائِرًا فِى قَوْمِهِ يُرِيدُ أَرْضَ بَلِىّ، فَمَرّ بِالْعِيصِ، فَبَعَثَ ابْنَهُ رَبِيعَةَ مَعَ لَبِيدٍ يَحْمِلانِ طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِرَبِيعَةَ: “مَا فَعَلَتْ ذِمّةُ أَبِيك”؟ قَالَ رَبِيعَةُ: نَقَضَتْهَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ ابْنُ أَبِى بَرَاءٍ، فَخَبّرَ أَبَاهُ فَشَقّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ، وَمَا صَنَعَ بِأَصْحَابِ النّبِىّ ÷ وَلا حَرَكَةَ بِهِ مِنْ الْكِبَرِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ: أَخْفِرنِى ابْنَ أَخِى مِنْ بَيْنِ بَنِى عَامِرٍ.
وَسَارَ حَتّى كَانُوا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَلِىّ، يُقَالُ لَهُ: الْهَدْمُ، فَيَرْكَبُ رَبِيعَةُ فَرَسًا لَهُ وَيَلْحَقُ عَامِرًا، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَأَخْطَأَ مَقَاتِلَهُ. وَتَصَايَحَ النّاسُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: إنّهَا لَمْ تَضُرّنِى إنّهَا لَمْ تَضُرّنِى، وَقَالَ: قَضَيْت ذِمّةَ أَبِى بَرَاءٍ. وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ عَمّى، هَذَا فِعْلَهُ وَقَالَ النّبِىّ ÷: “اللّهُمّ اهْدِ بَنِى عَامِرٍ، وَاطْلُبْ خُفْرَتِى مِنْ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ”.

وحكى القصة ابن هشام بزيادات طفيفة، ومنها شعر لحسان بن ثابت:

قال ابن اسحاق: وقال حسان بن ثابت يحرض بني براء على عامر ابن الطُّفَيل:
بني أمِّ البنين ألم يَرُعْكم وأنتم من ذوائبِ أهلِ نجدِ
تهكمُ عامر بأبى بَرَاءٍ ليُخْفِرَه وما خدا كعمدِ
ألا أبلغْ ربيعةَ ذا المساعى فما احدثْتَ في الحَدَثان بعدي
أبوك أبو الحروبِ أبو بَرَاءٍ وخالُك ماجدٌ حَكَمُ بنُ سَعْدِ

قال ابن هشام: حكم بن سعد: من القَيْن بن جَسْر، وأم البنين: بنت عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهي أم أبي براء.

ويقول كذلك:

شعر كعب بن مالك في بئر معونة: وأنشدني لكعب بن مالك في يوم بئر معونة، يعيِّر بني جعفر بن كلاب:
تركتم جارَكم لبني سُلَيمٍ مخافةَ حربِهم عَجْزًا وهُونَا
فلو حبلا تناولَ من عُقَيْل لمد بحبلِها حبلاً متينَا

وجاء في المعجم الكبير للطبراني:

139 - حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي ثنا محمد بن أبي عمر العدني أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ملاعب الأسنة إلى النبي صلى الله عليه و سلم بهدية فعرض عليه الاسلام فأبى أن يسلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( فإني لا أقبل هدية مشرك ) قال : فابعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار فبعث إليهم بقوم فيهم المنذر بن عمرو وهو الذي كان يقال له المعتق أعتق عند الموت فاستجاش عليهم عامر بن الطفيل بني عامر فأبوا أن يطيعوه وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة فاستجاش عليهم بني سليم فأطاعوه فاتبعهم بقريب من مائة رجل رام فأدركوهم ببئر معونة فقتلوهم إلا عمرو بن أمية الضمري

140 - حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وغيره أن عامر بن جعفر الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مشرك فعرض عليه النبي صلى الله عليه و سلم الاسلام وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إني لا أقبل هدية مشرك ) فقال عامر بن مالك : ابعث يا رسول الله من شئت من رسلك فأنا لهم جار فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رهطا فيهم المنذر بن عمرو الساعدي يقال له اعتق ليموت عينا في أهل نجد فسمع لهم عامر بن الطفيل فاستنفر لهم بنو سليم فنفروا معه فقتلوهم ببئر معونة غير عمرو بن أمية الضمري أخذه عامر بن الطفيل فأرسله فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم من بينهم وكان فيهم عامر بن فهيرة فزعم لي عروة أنه قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوه يقول عروة وكانوا يرون أن الملائكة هي دفنته فقال حسان يحرض على عامر بن الطفيل :
( بني أم البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد )
( تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد )
فطعن ربيعة بن عامر بن مالك عامر بن الطفيل في خفرته عامر بن مالك في فخذه طعنة فقده ولم يقل يونس في حديثه عن أبيه

وانظر مصنف عبد الرزاق رقم 9741 عن الزهري، بنحو حديث الطبراني في المعجم الكبير برقم 193

والأغلب أن محمداً أرسلهم عيناً على هذيل ولمحاولة القيام بهجمة انتقامية لو وجدوا فرصة، وكانوا في جوار ملاعب الأسنة حتى يصلوا إلى مرادهم من تلك المهمة التجسسية، وعلى طريقة إرهابيي العصر الحديث اليوم بأسلوبهم من غسيل الأدمغة والشمولية الفكرية ربما كانوا يحاولون دعوة البعض، وبهذا نجمع بين الروايات جمعًا معقولاً، أما القول أن محمدًا يرسل أربعين أو سبعين رجلاً شابًّا قويًا _على اختلاف الروايات_ للدعوة الدينية، فنتفق مع سيد محمود القمني أنه أمر غير معقول، فكان يمكنه إرسال رجلين أو ثلاثة من كبار السن وهو كافٍ جدًّا للغرض. ونتفق مع القمني في وجود تخبط في الروايات_أرى أنه يعكس خبث الطوايا وتخبئة الرواة للأغراض الشريرة لتلك التحركات التي فشلت وقتئذٍ_وأن من غير المعقول أن يرسل محمدٌ ستة للدعوة الدينية فيقتلوا ثم يكرر نفس الخطأ فيرسل سبعين أو أربعين مرة أخرى بعدها مباشرة ليقتلوا هم كذلك.



  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 03:25 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [12]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

اغتيال خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي

يقول مؤلف كتاب المحبر، ابن حبيب:

ثم سنة خمس. فيها أنفذ صلى الله عليه عبد الله بن أنيس الجهني إلى نبيح الهذلي فقتله بعرنة.

ويقول الواقدي:

بَابُ شَأْنِ سَرِيّةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: خَرَجْت مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا، فَغِبْت اثْنَتَىْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدِمْت يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ الْمُحَرّمِ.
قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَنّ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِىّ، ثُمّ اللّحْيَانِىّ، وَكَانَ نَزَلَ عُرَنَةَ وَمَا حَوْلَهَا فِى نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، فَجَمَعَ الْجُمُوعَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَضَوَى إلَيْهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَفْنَاءِ النّاسِ.
فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ، فَبَعَثَهُ سَرِيّةً وَحْدَهُ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “انْتَسِبْ إلَى خُزَاعَةَ”، فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْرِفُهُ فَصِفْهُ لِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّك إذَا رَأَيْته هِبْته وَفَرِقْت مِنْهُ، وَذَكَرْت الشّيْطَانَ”، وَكُنْت لا أَهَابُ الرّجَالَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَرِقْت مِنْ شَىْءٍ قَطّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلَى، آيَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنْ تَجِدَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً إذَا رَأَيْته”.
وَاسْتَأْذَنْت النّبِىّ ÷ أَنْ أَقُولَ: فَقَالَ: “قُلْ مَا بَدَا لَك”. قَالَ: فَأَخَذْت سَيْفِى لَمْ أَزِدْ عَلَيْهِ وَخَرَجْت أَعْتَزِى إلَى خُزَاعَةَ، فَأَخَذْت عَلَى الطّرِيقِ حَتّى انْتَهَيْت إلَى قُدَيْدٍ، فَأَجِدُ بِهَا خُزَاعَةَ كَثِيرًا، فَعَرَضُوا عَلَىّ الْحُمْلانَ وَالصّحَابَةَ فَلَمْ أُرِدْ ذَلِكَ وَخَرَجْت حَتّى أَتَيْت بَطْنَ سَرِفَ، ثُمّ عَدَلْت حَتّى خَرَجْت عَلَى عُرَنَةَ، وَجَعَلْت أُخْبِرُ مَنْ لَقِيت أَنّى أُرِيدُ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدٍ لأَكُونَ مَعَهُ حَتّى إذَا كُنْت بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَقِيته يَمْشِى، وَوَرَاءَهُ الأَحَابِيشُ وَمَنْ اسْتَجْلَبَ وَضَوَى إلَيْهِ.
فَلَمّا رَأَيْته هِبْته، وَعَرَفْته بِالنّعْتِ الّذِى نَعَتَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷، وَرَأَيْتنِى أَقْطُرُ فَقُلْت: صَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ دَخَلْت فِى وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ رَأَيْته، فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِى أُومِئُ إيمَاءً بِرَأْسِى، فَلَمّا دَنَوْت مِنْهُ قَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ فَقُلْت: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، سَمِعْت بِجَمْعِك لِمُحَمّدٍ فَجِئْتُك لأَكُونَ مَعَك، قَالَ: أَجَلْ إنّى لَفِى الْجَمْعِ لَهُ.
فَمَشَيْت مَعَهُ وَحَدّثْته فَاسْتَحْلَى حَدِيثِى، وَأَنْشَدْته شِعْرًا، وَقُلْت: عَجَبًا لِمَا أَحْدَثَ مُحَمّدٌ مِنْ هَذَا الدّينِ الْمُحْدَثِ فَارَقَ الآبَاءَ وَسَفّهَ أَحْلامَهُمْ، قَالَ: لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ أَحَدًا يُشْبِهُنِى، قَالَ: وَهُوَ يَتَوَكّأُ عَلَى عَصًا يَهُدّ الأَرْضَ حَتّى انْتَهَى إلَى خِبَائِهِ وَتَفَرّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ إلَى مَنَازِلَ قَرِيبَةٍ مِنْهُ وَهُمْ مُطِيفُونَ بِهِ فَقَالَ: هَلُمّ يَا أَخَا خُزَاعَةَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَقَالَ لِجَارِيَتِهِ: اُحْلُبِى، فَحَلَبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْنِى، فَمَصَصْت ثُمّ دَفَعْته إلَيْهِ، فَعَبّ كَمَا يَعُبّ الْجَمْلُ، حَتّى غَابَ أَنْفُهُ فِى الرّغْوَةِ، ثُمّ قَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسْت مَعَهُ حَتّى إذَا هَدَأَ النّاسُ وَنَامُوا وَهَدَأَ اغْتَرَرْته فَقَتَلْته وَأَخَذْت رَأْسَهُ، ثُمّ أَقْبَلْت وَتَرَكْت نِسَاءَهُ يَبْكِينَ عَلَيْهِ وَكَانَ النّجَاءُ مِنّى حَتّى صَعِدْت فِى جَبَلٍ فَدَخَلْت غَارًا.
وَأَقْبَلَ الطّلَبُ مِنْ الْخَيْلِ، وَالرّجَالِ تَوَزّعُ فِى كُلّ وَجْهٍ، وَأَنَا مُخْتَفٍ فِى غَارِ الْجَبَلِ وَضَرَبَتْ الْعَنْكَبُوتُ عَلَى الْغَارِ وَأَقْبَلَ رَجُلٌ وَمَعَهُ إدَاوَةٌ ضَخْمَةٌ وَنَعْلاهُ فِى يَدِهِ وَكُنْت حَافِيًا، وَكَانَ أَهَمّ أَمْرِى عِنْدِى الْعَطَشَ كُنْت أَذْكُرُ تِهَامَةَ وَحَرّهَا، فَوَضَعَ إدَاوَتَهُ وَنَعْلَهُ وَجَلَسَ يَبُولُ عَلَى بَابِ الْغَارِ ثُمّ قَالَ لأَصْحَابِهِ لَيْسَ فِى الْغَارِ أَحَدٌ.
فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَخَرَجْت إلَى الإِدَاوَةِ، فَشَرِبْت مِنْهَا، وَأَخَذْت النّعْلَيْنِ فَلَبِسْتهمَا، فَكُنْت أَسِيرُ اللّيْلَ، وَأَتَوَارَى النّهَارَ حَتّى جِئْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى الْمَسْجِدِ، فَلَمّا رَآنِى، قَالَ: “أَفْلَحَ الْوَجْهُ”، قُلْت: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ، فَوَضَعْت رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرْته خَبَرِى، فَدَفَعَ إلَىّ عَصًا، فَقَالَ: “تَخَصّرْ بِهَذِهِ فِى الْجَنّةِ، فَإِنّ الْمُتَخَصّرِينَ فِى الْجَنّةِ قَلِيلٌ”.
فَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ حَتّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى أَهْلَهُ أَنْ يُدْرِجُوهَا فِى كَفَنِهِ. وَكَانَ قَتْلُهُ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا.

لنا أن نتشكك كل التشكك والريبة في تلك القصة المزعومة، فإن كان الأمر كذلك فلماذا لم تتحرك تلك الجموع التي جاءت من عدة أماكن للقيام بهجوم على يثرب؟! لماذا لا ترد أي أخبار عنها بعد قتل خالد بن سفيان؟! ولو صح الخبر فلماذا اختار محمد أسلوب قاطعي الطريق والتكفيريين الذين يهددون سلام كل جيرانهم فاكتسب هو وأتباعه عداوة الجميع إذ يحمون أنفسهم من هذا التعصب؟! ومحمد سبق له في قصة يوم الرجيع أن أرسل من يحاول نهب هذيل والتجسس عليها عدوانًا وبلا مبرر.

والخبر ورد في مسند أحمد 16047 و 16048 بإسناده إلى ابن إسحاق، وقد ورد في السيرة لابن هشام والطبقات لمحمد بن سعد، وأخرجه أبو يعلى (905) ، وابن خزيمة (983) ، وابن حبان (7160) من طريق يعقوب بن إبراهيم، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (445) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد، به.
وأخرجه أبو داود (1249) (مختصراً) ، وصححه ابن خزيمة (982) من طريق عبد الوارث، عن محمد بن إسحاق، به. وحسَّن الحافظ إسناد أبي داود في "الفتح" 2/437.
وأخرجه البيهقي في "السنن" 3/256، وفي "الدلائل" 4/42 من طريق محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله يعني ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه عبد الله بن أنيس به.
وهو في "سيرة ابن هشام" 2/619-620 عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، غير أنه سقط من إسناده ابن عبد الله بن أُنيس، به.
وأخرجه بنحوه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2031) عن يعقوب ابن حميد، عن عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد ابن كعب قال: قال عبدُ الله بن أُنيس، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً : "من لي من خالد... "، وهذا إسناد منقطع، محمد بن كعب- وهو القرظي- لم يدرك عبد الله بن أنيس.





قتل عمرو بن أمية الضمري لرجل أعور عجوز بريء مسكين من بني كنانة

بعد حادثتي الرجيع وبئر معونة ومصاب محمد في أتباعه، أرسل محمد سنة 5ه عمرو بن أمية الضمري ليحاول اغتيال أبا سفيان بن حرب في مكة_وذكر ابن سعد في الطبقات أنها كذلك رداً على محاولة اغتيال لمحمد_، وليستنقذ جثة خبيب المصلوبة، ففشل في اغتيال المستهدف وقتل رجلين من القرشيين في طريقه، وأسر آخر، وما يهمنا هنا ما فعله مع رجل شيخ كبير السن مسالم يرعى الغنم لمجرد قوله شعراً ضد الإسلام، حيث قتله بطريقة وحشية بطعنه في عينه بطرف القوس، وهو ما يعكس طبيعة التعصب الديني عند هؤلاء

يقول ابن هشام:

قال: ومضيت حتى أخرج على ضَجْنان، ثم أولت إلى جبل، فأدخل كهفاً، فبينا أنا فيه، إذ دخل عليَّ شيخ من بني الدِّيل أعور، في غُنَيمة له، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، فمن أنت؟ قال: من بني بكر. فقلت: مرحباً، فاضطجع، ثم رفع عقيرته فقال:

ولستُ بمسلمٍ ما دمت حيّاً ... ولا دانٍ لدينِ المسلمينا

فقلت في نفسي: ستعلم، فأمهلته، حتى إذا نام أخذت قوسي، فجعلت سِيتَها في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم، ثم خرجت النَّجاءَ، حتى جئت العَرْج، ثم سلكت رَكوبَة، حتى إذا هبطت النَّقيع، إذا رجلان من قريش من المشركين، كانت قريش بعثتهما عَيْنًا إلى المدينة ينظران ويتحسسان، فقلت: استأسرا فأبيا، فأرمي أحدَهما بسهم فأقتلُه، واستأسر الاخر، فأوثقه رباطاً، وقَدِمت به المدينة.



  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 03:28 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [13]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

إجلاء بني النضير اليهود من وطنهم يثرب

لما كان محمد وأتباعه تعرضوا لضربات متتالية أضعفت هيبة الدولة والدين الجديد، من هزيمة أحد والرجيع وبئر معونة ومحاولة اغتيال محمد على يد مرسل من مكة، ارتأى أنه يجب أن يعمل على تخويف أعدائه بالاغتيالات كما أسلفنا التوضيح، ثم لما كان غير قادر في ذلك الوقت على الانتقام من المكيين، ولا الجري خلف الأعراب المستترين بالجبال والصحاري دون جدوى ولا طائل، قرر أن يطوع الأمور لصالحه ليوجه ضرباته لمن يقدر عليه فقط من القوى المعادية، وفق الخطة التالية، فيقول ابن هشام في سياق حادث بئر معونة:

وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.

فخرج عَمرو بن أمية، حتى إذا كان بالقَرْقَرة من صدْر قَناة (1)، أقبل رجلان من بني عامر. قال ابن هشام: ثم من بني كلاب، وذكر أبو عَمرو المدني أنهما من بني سُليم.
قال ابن اسحاق: حتى نزلا معه في ظل هو فيه. وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار، لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سالهم حين نزلا، ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فامهلهما، حتىٍ إذا ناما، عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثُؤْرة من بني عامر، فيما اصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر؟ قال رسول الله صلى: لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما؟

قال ابن اسحاق: ثم خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النَّضِير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قَتل عَمرو بن امية الضَّمْري، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما، كما حدثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عَقد وحلف. فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببتَ....إلخ القصة

قناة: مكان قريب من المدينة.

ويقول الواقدي:

أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتّى كَانَ بِقَنَاةٍ فَلَقِىَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِى عَامِرٍ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا، فَقَابَلَهُمَا حَتّى إذَا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا. ثُمّ خَرَجَ حَتّى وَرَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ سَاعَتِهِ فِى قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بِئْسَ مَا صَنَعْت، قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنّا أَمَانٌ وَعَهْدٌ”، فَقَالَ: مَا شَعَرْت، كُنْت أَرَاهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا، وَكَانَ قَوْمُهُمَا قَدْ نَالُوا مِنّا مَا نَالُوا مِنْ الْغَدْرِ بِنَا، وَجَاءَ بِسَلَبِهِمَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَعُزِلَ سَلَبُهُمَا حَتّى بُعِثَ بِهِ مَعَ دِيَتِهِمَا.
وَذَلِكَ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ إنّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِى، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَابْعَثْ بِدِيَتِهِمَا إلَيْنَا، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَنِى النّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِى دِيَتِهِمَا، وَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حُلَفَاءَ لِبَنِى عَامِرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ السّبْتِ فَصَلّى فِى مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، ثُمّ جَاءَ بَنِى النّضِيرِ فَيَجِدُهُمْ فِى نَادِيهِمْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ فَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُعِينُوهُ فِى دِيَةِ الْكِلابِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ. فَقَالُوا: نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْت، قَدْ أَنَى لَك أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا، اجْلِسْ حَتّى نُطْعِمَك وَرَسُولُ اللّهِ ÷ مُسْتَنِدٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ، ثُمّ خَلا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا،...إلخ القصة

إن بالقصة ألغازاً وتصرفات عجيبة أثارت انتباه أستاذنا القمني، فإذا كان زعيم بني عامر، عامر بن الطفيل هو من حرض بني سليم على قتل رجال محمد، حتى لو أخذنا بقول كتب السيرة أن بني عامر أنفسهم لم يشاركوا في قتلهم ولم يطيعوه، فكيف لمحمد أن يتقبل بعدئذٍ بقليل وبصدر رحب مطالبة عدوه بوقاحة بديتي القتيلين على أساس وجود أمان مزعوم ما لهذين الشخصين! ناهيك عن عدم حماية بني عامر لمن هو في حمايتهم وجوارهم وهو عارٌ ومسؤولية في عرف عرب شبه الجزيرة العربية وأخلاقهم...في الواقع أميل إلى الأخذ برأي القمني أنه مجرد تبرير وضعه كتبة السيرة أو قام به محمد للقيام بالعدوان على يهود بني الضمير، وباعتبار أنه كتب عهد دفاع مشترك بعد أُحُد مع اليهود (وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين)، فقد طلب منهم دية العامريين كمساعدة منهم، هنا هو يحملهم مسؤولية أفعال أتباعه المسلمين وانخراطهم في العنف والقتال مع كل جيرانهم، ويستنزفهم ماليًّاً تحت ضغط التهديد بالحرب والعنف، إضافة إلى أن مساعدتهم لرجل يعاديهم دينيًّا لأنهم قاوموا ديانته ومزاعمه شيء يستنزف قواهم ومالياتهم ولا يفيدهم بأدنى شيء، بل يجعلهم يخسرون حلفهم مع بني عامر....ثم تزعم القصة أن محمد جاءه الخبر "من السماء" أن اليهود حاولوا إلقاء صخرة ضخمة عليه من فوق، فأعلن الحرب عليهم، في الواقع لا يمكن الاطمئنان من غير المؤمنين بهذه المزاعم الخرافية بخبر السماء المزعوم هذا، إلا أن يكون محمد_لو كانت قصته بها شيء من الصدق_عرف بطريقة ما من خلال جاسوس او لمحة رآها بهذه المحاولة المزعومة لاغتياله. على كل في عرف العدالة والحق لا يمكن أن نطرد مجموعة سكانية وجنس من الأجناس أو أتباع ديانة من وطنهم، لأن أحدهم أو بعضهم حاول قتل شخص أو زعيم ما أو شخص يزعم أنه رسول من إله وهمي مزعوم. لا يمكننا لوم قوم سبق لمحمد أن مارس ضدهم العنف والعنصرية المماثلة للنازية وأمر بقتل أي شخص منهم لأجل عقيدته، كما رأينا في قصة قتل محيصة لليهودي الذي كان يحسن إليه.

لننظر إلى قول حيي أنها مكيدة، حسب الواقدي:

......وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِىَ ابْنَ أُبَىّ فَيُخْبِرَهُ بِرِسَالَتِهِ إلَى مُحَمّدٍ وَيَأْمُرَهُ بِتَعْجِيلِ مَا وَعَدَ مِنْ النّصْرِ.
فَذَهَبَ جُدَىّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ بِاَلّذِى أَرْسَلَهُ حُيَىّ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ، فَأَخْبَرَهُ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ، وَقَالَ: “حَارَبْت الْيَهُود” وَخَرَجَ جُدَىّ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنِ أُبَىّ، وَهُوَ جَالِسٌ فِى بَيْتِهِ مَعَ نَفِيرٍ مِنْ حُلَفَائِهِ، وَقَدْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِى النّضِيرِ، فَيَدْخُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَبِيهِ وَعَلَى النّفَرِ مَعَهُ، وَعِنْدَهُ جُدَىّ بْنُ أَخْطَبَ، فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَخَرَجَ يَعْدُو، فَقَالَ جُدَىّ: لَمّا رَأَيْت ابْنَ أُبَىّ جَالِسًا فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَابْنُهُ عَلَيْهِ السّلاحُ يَئِسْت مِنْ نَصْرِهِ فَخَرَجْت أَعْدُو إلَى حُيَىّ، فَقَالَ: مَا وَرَاءَك؟ قُلْت: الشّرّ سَاعَةَ أَخْبَرْت مُحَمّدًا بِمَا أَرْسَلْت بِهِ إلَيْهِ أَظْهَرَ التّكْبِيرَ، وَقَالَ: “حَارَبْت الْيَهُودَ”، فَقَالَ: هَذِهِ مَكِيدَةٌ مِنْهُ، قَالَ: وَجِئْت ابْنَ أُبَىّ فَأَعْلَمْته، وَنَادَى مُنَادِى مُحَمّدٍ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِى النّضِيرِ.

نعم لم تكن المسألة دية عامريين، بل هي أسلوب استفزاز، أستفزك وأحملك فوق طاقتك وأبتزك، لأوقعك في الخطإ_لو كانت قصة محاولة الاغتيال صحيحة_، ثم أتظاهر أني بريء ومستقيم وطاهر!

وقد اعتبر محمد يثرب بلداً ملكاً له، بعدما كان لاجئًا لها، يطرد منه من أراد، من مواطنيه وأبنائه:

يقول الواقدي:

.....فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَمّتْ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِى”، فَأَخْبَرَنِى اللّهُ بِذَلِكَ فَقُمْت، وَجَاءَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى يَهُودِ بَنِى النّضِيرِ، فَقُلْ لَهُمْ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِه.

..... قَالَ: قَدْ فَرَغْت، إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ: قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِى جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِى، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْىِ، وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ، فَأَسْكَتُوا، فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا.
وَيَقُولُ: اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِى، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِىَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ، قَالُوا: يَا مُحَمّدُ مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِىَ بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ الأَوْسِ.
قَالَ مُحَمّدٌ: تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بِذِى الْجَدْرِ تُجْلَبُ وَتَكَارَوْا مِنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ إبِلاً وَأَخَذُوا فِى الْجَهَازِ.

لقد تخلى الجميع عن مساعدة بني النضير، من القبائل اليهودية العربية المستعربة الأخرى وخاصة بني قريظة، وحلفاء اليهود من قبيلة غطفان، ووعدهم أبي بن سلول بمساعدتهم ثم لم يستطع لعجزه واختلال ميزان القوة لصالح الإسلام أن يفعل حرفًا مما وعد به، كما ذكر القرآن وكتب السيرة، يمكننا أن نقول أن تخاذل اليهود والوثنيين ضد العنصرية الإسلامية وتناميها هو ما أدى إلى دمارهم فتعرض الوثنيون للمذابح والإبادة والإكراه، وتعرض اليهود للقتل والنفي خارج كل الجزيرة العربية، وينطبق عليهم مثل قصة كتاب كليلة ودمنة: (لقد أُكِلْتُ يومَ قُتِل الثور الأبيض).

يقول الواقدي:

فَقَالَ سَلاّمٌ: لَيْسَ قَوْلُ ابْنِ أُبَىّ بِشَيْءٍ إنّمَا يُرِيدُ ابْنُ أُبَىّ أَنْ يُوَرّطَك فِى الْهَلَكَةِ حَتّى تُحَارِبَ مُحَمّدًا، ثُمّ يَجْلِسُ فِى بَيْتِهِ وَيَتْرُكُك. قَدْ أَرَادَ مِنْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ النّصْرَ فَأَبَى كَعْبٌ، وَقَالَ: لا يَنْقُضُ الْعَهْدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ وَأَنَا حَىّ، وَإِلاّ فَإِنّ ابْنَ أُبَىّ قَدْ وَعَدَ حُلَفَاءَهُ مِنْ بَنِى قَيْنُقَاعَ مِثْلَ مَا وَعَدَك حَتّى حَارَبُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَصَرُوا أَنَفْسَهُمْ فِى صَيَاصِيِهِمْ، وَانْتَظَرُوا نُصْرَةَ ابْنِ أُبَىّ، فَجَلَسَ فِى بَيْتِهِ وَسَارَ مُحَمّدٌ إلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَابْنُ أُبَىّ لا يَنْصُرُ حُلَفَاءَهُ، وَمَنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ، وَنَحْنُ لَمْ نَزَلْ نَضْرِبُهُ بِسُيُوفِنَا مَعَ الأَوْسِ فِى حَرْبِهِمْ كُلّهَا، إلَى أَنْ تَقَطّعَتْ حَرْبُهُمْ فَقَدِمَ مُحَمّدٌ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ، وَابْنُ أُبَىّ لا يَهُودِىّ عَلَى دِينِ يَهُودَ، وَلا عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ، وَلا هُوَ عَلَى دِين قَوْمِهِ، فَكَيْفَ تَقْبَلُ مِنْهُ قَوْلاً قَالَهُ؟ قَالَ حُيَىّ: تَأْبَى نَفْسِى إلاّ عَدَاوَةَ مُحَمّدٍ وَإِلاّ قِتَالَهُ.

هكذا فإن حرص المجموعات المختلفة على مصالحها الضيقة وخلافاتها القديمة وعدم إدراكهم لقوة المشروع المحمدي والمستجدات وكيفية مواكبتها ساعد كثيرًا على القضاء على تلك المجموعات واحدة تلو الأخرى بالنفي لليهود، وبتكميم أفواه ضعفاء الرأي والفكر والقلب، لم يكن أبي بن سلول ملحدًا مفكرًا حرًّا، بل شخصًا بلا مبادئ لا يتقيد بأي شيء تقريبًا، يسعى لمصالحه الشخصية وينافق محمدًا والمسلمين، لولا ذلك لكان ذكره التاريخ بما هو أفضل بكثير، لكنه كان غالبًا سيتعرض لقتلٍ عاجل منهم فلا يسعنا لومه كثيرًا.

ولما حاصر المسلمون ومحمد حصون يهود بني النضير وكانوا لم يتمكنوا من اقتحامها بعد، فقد قاموا بحرق زروعهم من النخيل والذي كان ثروتهم ومصدراً غذائيًا هامًا في تلك البلاد، فهل من يتلف المزروعات يكون حزب الخير والهدى:

وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ التّمْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَقَامُوا فِى حِصْنِهِمْ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ وَحُرِقَتْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِىّ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلاّمٍ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاّمٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ، فَقِيلَ لَهُمَا فِى ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو لَيْلَى: كَانَتْ الْعَجْوَةُ أَحْرَقَ لَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ سَلاّمٍ: قَدْ عَرَفْت أَنّ اللّهَ سَيُغْنِمُهُ أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ الْعَجْوَةُ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَ فِى ذَلِكَ رِضَاءً بِمَا صَنَعْنَا جَمِيعًا، مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ لِلّذِى فَعَلَ ابْنُ سَلاّمٍ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا، يَعْنِى الْعَجْوَةَ، فَبِإِذْنِ اللّهِ وَقَطَعَ أَبُو لَيْلَى الْعَجْوَةَ، وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ، يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ رِضَاءً مِنْ اللّهِ بِمَا صَنَعَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، فَلَمّا قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ شَقّ النّسَاءُ الْجُيُوبَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ وَدَعَوْنَ بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا لَهُنّ”؟ فَقِيلَ: يَجْزَعْنَ عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ مِثْلَ الْعَجْوَةِ جُزِعَ عَلَيْهِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الْعَجْوَةُ وَالْعَتِيقُ الْفَحْلُ الّذِى يُؤَبّرُ بِهِ النّخْلُ مِنْ الْجَنّةِ، وَالْعَجْوَةُ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ”.

......... وَجَزِعُوا عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ فَجَعَلَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ يَقُولُ: يَا حُيَىّ، الْعَذْقُ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ يُغْرَسُ فَلا يُطْعِمُ ثَلاثِينَ سَنَةً يُقْطَعُ فَأَرْسَلَ حُيَىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَا مُحَمّدُ إنّك كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ لِمَ تَقْطَعُ النّخْلَ؟ نَحْنُ نُعْطِيك الّذِى سَأَلْت، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلادِك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ اُخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ إلاّ الْحَلْقَةُ”.
ومن آيات التحريض العنصري والسرور بمعاناة البشر، ما في القرآن:

ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته. وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عمل به فيهم، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ الله فَأَتَاهُمْ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}، وذلك لهدمهم بيوتَهم عن نُجُفِ أبوابهم إذ احتملوها {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ الله عَلَيْهِمْ الْجَلَاءَ} [الحشر: 2،3] وكان لهم من الله نقمة، {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}: أي بالسيف، {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [الحشر: 3] مع ذلك {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}. واللينة: ما خالف العجوة من النخل {فَبِإِذْنِ الله}: أي فبامر الله قُطعت، لم يكن فسادا، ولكن كان نقمة من الله {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]. قال ابن هشام: اللينة: من الألوان، وهى ما لم تكن بَرْنية، ولا عجوة من النخل.

وجاء في السيرة النبوية لابن هشام:

قال ابن اسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها

ويروي البخاري:

4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ }
لم يكن الأمر إلا محض عملية حرب تعصب وسعي لفرض دين محمد على يهود يثرب، ومنهم بنو النضير، يروي الواقدي:

..... فَأَبَى حُيَىّ أَنْ يَقْبَلَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَإِنّك لَتَعْلَمُ أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ فَمَا تَنْتَظِرُ أَنْ نُسْلِمَ، فَنَأْمَنَ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا؟ فَنَزَلا مِنْ اللّيْلِ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَا دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا.

ويؤكد الخبر ابن هشام:

ولم يسلم من بني النضير إلارجلان: يامينُ بنُ عُمَيْر، أبو كعب بن عمرو بن جِحاش، وأبو سعد بن وهب، - أسلما على أموالهما فاحرزاها.

وهكذا طردهم محمد من وطنهم واستولى على أرضهم واستحل ونهب أملاكهم ومزروعاتهم هو ومن معه، وجعلهم يتخلون عن ديونهم أو أجزاء منها مما كان مدينًا به المسلمون لهم، بينما ذهب بعضهم إلى الشام وآخرون إلى اليمن وبعضهم إلى حصون خيبر في يثرب مع بني قريظة، يقول الواقدي:

وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَجَلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَوَلِىَ إخْرَاجَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالُوا: إنّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النّاسِ إلَى آجَالٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “تَعَجّلُوا، وَضَعُوا”، فَكَانَ لأَبِى رَافِعٍ سَلاّمُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ عَلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ثَمَانِينَ دِينَارًا، وَأَبْطَلَ مَا فَضَلَ.
وَكَانُوا فِى حِصَارِهِمْ يُخَرّبُونَ بُيُوتَهُمْ مِمّا يَلِيهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخَرّبُونَ مَا يَلِيهِمْ وَيُحَرّقُونَ حَتّى وَقَعَ الصّلْحُ فَتَحَمّلُوا، فَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الْخَشَبَ وَنُجُفَ الأَبْوَابِ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَىّ: “لَوْ رَأَيْتنِى وَأَنَا أَشُدّ الرّحْلَ لِخَالِك بَحْرِىّ بْنِ عَمْرٍو، وَأُجْلِيهِ مِنْهَا”، وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ، ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ، وَالنّسَاءُ فِى الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ، وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِى أَثَرِ قِطَارٍ، فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَؤُلاءِ فِى قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِى الْمُغِيرَةِ فِى قُرَيْشٍ”.

واستولى محمد على أموالهم مستحلاً النهب والسلب، شأنه شأن كل عرب وروم ذلك الزمن القديم الهمجيّ، فاغتنى منه، وعلى كثرة أملاكه يحدثنا بعض أصحاب كتب الأحاديث أحاديث خرافية عن فقر وزهد محمد وأنه مات لا يملك شيئًا، وهو كلام للسذج ومن لايعرف، فإنه له أملاكه في النضير ثم في خيبر بعدها وغيرها من أملاك وغنائم كان له في بعضها الخمس وبعضها كان له كله، وقد تيسرت أحوال أتباعه بتوزيعه من أملاك النضير على المهاجرين، فألغى تشريع الإخاء بين المهاجرين والأنصار الذي كان تبعة وتكلفة على الأنصار سكان يثرب الأصليين، وتشجيعًا للنظام الإقطاعيّ الطبقيّ أعطى محمدٌ تمييزًا بعض صحبه آبار وأراضي من آبار بني النضير:

حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الأَمْوَالَ، وَقَبَضَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنْ الْحَلْقَةِ خَمْسِينَ دِرْعًا، وَخَمْسِينَ بَيْضَةً وَثَلاثَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا. وَيُقَالُ غَيّبُوا بَعْضَ سِلاحِهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ.
وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الّذِى وَلِىَ قَبْضَ الأَمْوَالِ وَالْحَلْقَةَ وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا.
فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِى النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِى دُونَ الْمُؤْمِنِينَ” بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآيَةُ كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ”.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ ثَلاثُ صَفَايَا، فَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَكَانَتْ فَدَكُ لابْنِ السّبِيلِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ قَدْ جَزّأَهَا ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجُزْءَانِ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَجُزْءٌ كَانَ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنّ فَضْلَ رَدّهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ.
حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِىّ، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ، قَالَ: إنّمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَنِى النّضِيرِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً، فَأَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهَا وَحَبَسَ مَا حَبَسَ، وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ زَرْعًا كَثِيرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَدْخُلُ لَهُ مِنْهَا قُوتُ أَهْلِهِ سَنَةً مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ لأَزْوَاجِهِ وَبَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِى الْكُرَاعِ وَالسّلاحِ وَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السّلاحُ الّذِى اُشْتُرِىَ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷.
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِى النّضِيرِ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ وَرُبّمَا جَاءَ رَسُول اللّهِ ÷ بِالْبَاكُورَةِ مِنْهَا، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ مِنْهَا وَمِنْ أَمْوَالِ مُخَيْرِيقٍ. وَهِىَ سَبْعَةُ حَوَائِطَ - الْمِيثَبُ وَالصّافِيَةُ وَالدّلاّلُ وَحُسْنَى، وَبُرْقَةُ وَالأَعْوَافُ وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ تَكُون هُنَاكَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَأْتِيهَا هُنَاكَ.
وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمّا تَحَوّلَ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى الْمَدِينَةِ تَحَوّلَ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَنَافَسَتْ فِيهِمْ الأَنْصَارُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ حَتّى اقْتَرَعُوا فِيهِمْ بِالسّهْمَانِ فَمَا نَزَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلاّ بِقُرْعَةِ سَهْمٍ.
فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمّ الْعَلاءِ قَالَتْ: صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِى الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِى مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّىَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَنِى النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ: “اُدْعُ لِى قَوْمَك” قَالَ ثَابِتٌ: الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الأَنْصَارَ كُلّهَا”، فَدَعَا لَهُ الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِى مَنَازِلِهِمْ، وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمّ قَالَ: “إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَىّ مِنْ بَنِى النّضِيرِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِى مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ”، فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِى دُورِنَا كَمَا كَانُوا، وَنَادَتْ الأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ ارْحَمْ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ”، فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا، إلاّ رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ.
قَالُوا: وَكَانَ مِمّنْ أَعْطَى مِمّنْ سُمّىَ لَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ حِجْرٍ، وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ جَرْمٍ وَأَعْطَى عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سُؤَالَةَ - وَهُوَ الّذِى يُقَالُ لَهُ: مَالُ سُلَيْمٍ.
وَأَعْطَى صُهَيْبَ بْنَ سِنَانَ الضّرّاطَةَ وَأَعْطَى الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ الْبُوَيْلَةَ. وَكَانَ مَالُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِى دُجَانَةَ مَعْرُوفًا، يُقَالُ لَهُ: مَالُ ابْنِ خَرَشَةَ وَوَسّعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى النّاسِ مِنْهَا.

أما ابن هشام فكعادته منعًا للإحراج يكتفي بالقول دون تفصيل:

وخلَّوا الأموالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، يضعها حيثُ يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلاأن سهلَ ابن حُنَيف وأبا دُجانة سِمَاك بن خَرَشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويقول مؤلف وفاء الوفا

بويرة:
تصغير البئر التي يسقى منها، و في الصحيح: حرّق نخل النضير، و هي البويرة، قال المجد: البويرة موضع منازل بني النضير، و ذكره المرجاني ثم قال: و قيل:اسم موضع مخصوص من مواضعهم.
قلت: و يرجح الأول قول جمل بن جوال التغلبي من أبيات:
و أقفرت البويرة من سلام وسعية وابن أخطب فهي بور وقد كانوا ببلدتهم بعولا كما نقلت بميطان الصخور
و اعتمد الثاني الحافظ ابن حجر، قال: و يقال لها البويلة باللام بدل الراء- و قال ابن سيد الناس في قوله: حريق بالبويرة مستطير
و يروى بالبويلة قال: و ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى اللّه عليه و سلم أعطى الزبير بن العوام وأبا سلمة البويلة من أرض بني النضير، و تقدم أن البويلة أطم لبني النضير بمنازلهم، قال ابن زبالة: كان لحي منهم لحقوا باليمن، فلعله كان بقرب البويرة فسميت به أيضا.

وجاء في القرآن (مع تفسير ابن إسحاق في السيرة):

{وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} - قال ابن إسحاق: يعني من بني النضير. {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: 6]: أي له خاصة. قال ابن هشام: أوجفتم: حركتم وأتعبتم في السير.

{مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} قال ابن اسحاق: ما يُوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، وفتح بالحرب عُنوة فلله وللرسولَ {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] يقول: هذا قَسْم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين، على ما وضعه الله عليه.

ويقول الواقدي في سرده لآيات سورة الحشر، موضحًا تشريع التشريد والنهب وتوزيعه على المسلمين وعلى أقارب محمد من بني هاشم:
{هُوَ الّذِى أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوّلِ الْحَشْرِ} يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ حَيْنَ أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشّامِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ الْحَشْرِ فِى الدّنْيَا إلَى الشّامِ؛ {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ: مَا ظَنَنْتُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ عِزّ وَمَنَعَةٌ، {وَظَنّوا أَنّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ} حَيْنَ تَحَصّنُوا؛ {فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} حَالَ ظُهُورِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِجْلاؤُهُمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَاحَتِهِمْ رَعَبُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، وَكَانَ الرّعْبُ فِى قُلُوبِهِمْ لَهُ وَجَبَانٌ، {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: كَانُوا لَمّا حُصِرُوا وَالْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَهُمْ يَنْقُبُونَ مِمّا يَلِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ الْخَشَبَ وَالنّجُفَ؛ {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأَبْصَارِ} قَالَ: يَعْنِى يَا أَهْلَ الْعُقُولِ.
{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} يَقُولُ: فِى أُمّ الْكِتَابِ أَنْ يَجْلُوا. {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ} يَقُولُ: عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَخَالَفُوهُ.
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}.. الآيَةُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِهِمْ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِىّ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلاّمٍ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ ابْنُ سَلاّمٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ، فَقَالَ لَهُمْ بَنُو النّضِيرِ: أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مَا يَحِلّ لَكُمْ عَقْرُ النّخْلِ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْطَعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَقْطَعُ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} أَلْوَانِ النّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قَالَ: الْعَجْوَةُ {فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} يَقُولُ: يَغِيظُهُمْ مَا قُطِعَ مِنْ النّخْلِ.
{مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ} قَوْلُهُ: فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَاحِدٌ، {وَلِذِى الْقُرْبَى} قَرَابَةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ} فَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ ÷ خُمْسُ الْخُمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُعْطِى بَنِى هَاشِمٍ مِنْ الْخُمْسِ وَيُزَوّجُ أَيَامَاهُمْ.
وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ دَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُزَوّجَ أَيَامَاهُمْ وَيَخْدُمَ عَائِلَهُمْ وَيَقْضِىَ عَنْ غَارِمَهُمْ، فَأَبَوْا إلاّ أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ، وَأَبَى عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ.
فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا كَانُوا يَجْعَلُونَهُ فِى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ.
وَقَوْلُهُ: {كَىْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} يَقُولُ: لا يُسْتَنّ بِهَا مِنْ بَعْدُ فَتُعْطَى الأَغْنِيَاءَ {وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} يَقُولُ: مَا جَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْىٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَزَلَ مِنْ الْوَحْىِ.
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا} يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَدْرٍ. {وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} يَعْنِى الأَنْصَارَ، يَقُولُ: هُمْ أَهْلُ الدّارِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ؛ {وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} لا يَجِدُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا مِمّا أَعْطَى غَيْرَهُمْ يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ حَيْنَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ، فَهَذِهِ الأَثَرَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَيْنَ قَالُوا لِلنّبِىّ ÷ أَعْطِهِمْ وَلا تُعْطِنَا، وَهُمْ مُحْتَاجُونَ {وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ} قَالَ: ظُلْمَ النّاسِ.

.......... {لأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ} يَعْنِى ابْنَ أُبَىّ وَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا؛ {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا} يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ وَالْمُنَافِقِينَ، {إِلاّ فِى قُرًى مُحَصّنَةٍ} يَقُولُ: فِى حُصُونِهِمْ {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتّى} يَعْنِى الْمُنَافِقِينَ وَبَنِى النّضِيرِ.
{ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} يَقُولُ: دِينُ بَنِى النّضِيرِ مُخَالِفٌ دِينَ الْمُنَافِقِينَ [ وَهُمْ ] جَمِيعًا. فِى عَدَاوَةِ الإِسْلامِ مُجْتَمِعُونَ. {كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} قَالَ: يَعْنِى قَيْنُقَاعَ حَيْنَ أَجْلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷.

لقد امتدح كثير من أتباع محمد وغيرهم بني النضير لأفعالهم الخيرة وحسن جيرتهم وضيافتهم وعشرتهم وإحسانهم ووفائهم بالعهود، ورثوا لهم بعد ذلك التشريد والنهب، يقول الواقدي:

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهُوَ يَرَاهُمْ، وَسَرَاةُ الرّجَالِ عَلَى الرّحَالِ: أَمَا وَاَللّهِ إنّ لَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ لَنَائِلٌ لِلْمُجْتَدِى وَقِرًى حَاضِرٌ لِلضّيْفِ وَسَقْيًا لِلْمُدَامِ وَحِلْمٌ عَلَى مَنْ سَفِهَ عَلَيْكُمْ وَنَجْدَةٌ إذَا اُسْتُنْجِدْتُمْ. فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ: وَاصَبَاحَاه، نَفْسِى فَدَاؤُكُمْ مَاذَا تَحَمّلْتُمْ بِهِ مِنْ السّؤْدُدِ وَالْبَهَاءِ وَالنّجْدَةِ وَالسّخَاءِ؟ قَالَ: يَقُولُ نُعَيْمُ ابْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ: فِدًى لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِى كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ ظَاعِنِينَ مِنْ يَثْرِبَ. مَنْ لِلْمُجْتَدِى الْمَلْهُوفِ؟ وَمَنْ لِلطّارِقِ السّغْبَانِ؟ وَمَنْ يَسْقِى الْعُقَارَ؟ وَمَنْ يُطْعِمُ الشّحْمَ فَوْقَ اللّحْمِ؟ مَا لَنَا بِيَثْرِبَ بَعْدَكُمْ مُقَامٌ.
يَقُولُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ: وَهُوَ يَسْمَعُ كَلامَهُ، نَعَمْ فَالْحَقْهُمْ حَتّى تَدْخُلَ مَعَهُمْ النّارَ، قَالَ نُعَيْمٌ: مَا هَذَا جَزَاؤُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمُوهُمْ فَنَصَرُوكُمْ عَلَى الْخَزْرَجِ، وَلَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمْ سَائِرَ الْعَرَبِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، قَالَ أَبُو عَبْسٍ: قَطَعَ الإِسْلامُ الْعُهُودَ.

ومن أشعار الوثنيين، نقل لنا ابن هشام:

وقال عباس بن مرداس أخو بني سُليم يمتدح رجال بني النضير:
لو أن اهلَ الدارِ لم يتصدَّعوا رأيت خِلال الدارِ مَلْهًى ومَلْعبَا (6)
فإنك عَمْري هل أريك ظَعائنا سلكْنَ على رُكْنِ الشَّطاةِ فَتْيأبَا (7)
عليهن عينٌ مِن ظباء تَبالةٍ أوانسُ يُصبينَ الحليمَ المجرَّبا (8)
إذا جاء باغى الخيرقلن فُجاءةً له بوجوهٍ كالدنانيرِ مرحبَا
وأهلا فلا ممنوعَ خير طلبتَه ولا أنت تخشى عندَنا أن تؤنَّبَا
فلاتحسبنِّى كنتُ مولى بنِ مِشْكَمٍ سَلامٍ ولامَوْلَى حُيَى بنِ أخْطبَا



_____________________
(6) يتصدعوا: يتفرقوا.
(7) الظعائن: النساء في الهوادج. الشطاة وتيأب: مرضعان. ونوَّن الظعائن وإن كان ممنوعا من الصرف لصيغة منتهى الجموع - لضرورة الشعر.
(8) العين: واسعات الأعين. تبالة: موضع باليمن يشتهر بالظباء، ويصبين: يذهبن العقل.

عباس بن مرداس يرد على خوات بن جبير: فأجابه عباس ابن مرداس السلمي، فقال:
هجوْتَ صريحَ الكاهنيْن وفيكمُ لهم نِعم كانت من الدهر تُرْتُبَا (4)
أولئك أحْرَى لو بكيتَ عليهمُ ... وقومُك لو أدَّوْا من الحقِّ مُوجبَا
من الشكرِ إن الشكرَ خير مَغَبَّة ... وأوفقُ فعلا للذي كان أصوبَا (5)
فكنتَ كمن أمسى يُقطِّع رأسَه ... ليبلغَ عزًّا كان فيه مُرَكَّبَا
فبَكِّ بني هارونَ واذكرْ فعالَهم ... وقتلَهمُ للجوعِ إذ كُنتَ مُجدِبَا
أخَوَّاتُ أذْرِ الدمعَ بالدمعِ وابكهمْ ... وأعْرضْ عن المكروه منهم ونَكِّبَا (1)
فإنك لو لاقيتَهمْ في ديارِهم ... لألفيْتَ عَمَّا قد تقول مُنَكِّبَا
سِراعٌ إلى العَلْيا كرام لدى الوَغَى ... يُقال لباغِى الخيرِ أهلا ومرحَبَا (2)


وبعد معركة محمد لاحقًا مع يهود بني قريظة، نقرأ من ابن هشام:

جبل بن جوال يرد على حسان: وأجابه جبل بن جَوَّال الثعلبي أيضا، وبكي النضير وقُريظة، فقال:

ألا يا سَعْدُ سَعْدَ بني مُعاذٍ لِمَا لَقِيَتْ قريظةُ والنضيرُ
لعَمْرُكَ إنَّ سَعْدَ بني مُعاذٍ غَداةَ تحمَّلوا لهوَ الصَّبورُ
__________
(3) الترتب: الثابت.
(4) الكاهنان: قريظة والنضير، والكاهن في اللغة بمعنى الكاهل، وهو الذي يقوم بحاجة أهله، إذا خلف عليهم، يقال: هو كاهن أبيه وكاهله، قاله الهروي، فيحتمل
أن يكون سمي الكاهنان بهذا.
(5) المغبة: العاقبة.
(1) نكب: أبعد.
(2) الوغى: مقصور الجلَبة والأصوات ومنه وغى الحرب وقال ابن جِنّى " الوغى " بالمهملة الصوت والجلبة وبالمعجمة الحرب نفسها.
فأما الخزرَجيُّ أبو حُبابٍ ... فقال لقَينُقاعٍ لا تَسيروا
وبُدِّلت الموالي من حُضَيْر أسَيْدا والدوائرُ قد تدورُ
وأقفرتِ البُوَيْرةُ من سَلامٍ وسَعْيةَ وابنِ أخطبَ فَهْيَ بُورُ
وقد كانوا ببلدتِهم ثِقالا كما ثَقُلَتْ بميْطان الصُّخورُ (3)
فإنْ يهلكْ أبو حَكَمٍ سَلام فلا رَث السلاحِ ولا دَثُور (4)
وكل الكاهنين وكان فيهم مع اللِّين الخَضارمة الصقور
وجدنا المجْدَ قد ثَبتُوا عليه بمجدٍ لا تُغَيبه البدورُ
أقيموا يا سراةَ الأوْسِ فيها كأنكمُ من المَخْزاهِ عور
تركتم قِدْرَكم لا شىءَ فيها وقِدْرُ القومِ حامية تفورُ

وقد اغتنى محمد بنهبه لأموال اليهود، ويقول البخاري:

2904 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بَاب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ
3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ




_____________________________
(3) ميطان: جبل بالمدينة.
(4) الدثور: المتغير.

3151 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ

4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَارَبَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ


4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ }

4032 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ وَتَعْلَمُ أَيُّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ


4029 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ





  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 03:31 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [14]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

غزوة دُوُمة الجندل

يقول الواقدي:

غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ
فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ وَقَدِمَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الآخَرِ.
فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى لَبِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، فَكِلاهُمَا قَدْ حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدّثَنَا أَيْضًا.
قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَدْنُوَ إلَى أَدْنَى الشّامِ، وَقِيلَ لَهُ: إنّهَا طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشّامِ، فَلَوْ دَنَوْت لَهَا كَانَ ذَلِكَ مِمّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَنّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَأَنّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرّ بِهِمْ مِنْ الضّافِطَةِ وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ وَتُجّارٌ وَضَوَى إلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنْ الْمَدِينَةِ. فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ فَخَرَجَ فِى أَلْفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ: مَذْكُورٌ هَادٍ خِرّيتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مُغِذّا لِلسّيْرِ وَنَكَبَ، عَنْ طَرِيقِهِمْ وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ - وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمٌ أَوْ لَيْلَةٌ سَيْرَ الرّاكِبِ الْمُعْتِقِ - قَالَ لَهُ الدّلِيلُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَوَائِمَهُمْ تَرْعَى فَأَقِمْ لِى حَتّى أَطّلِعَ لَك، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ الْعُذْرِىّ طَلِيعَةً حَتّى وَجَدَ آثَارَ النّعَمِ وَالشّاءِ وَهُمْ مُغَرّبُونَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ وَقَدْ عَرَفَ مَوَاضِعَهُمْ فَسَارَ النّبِىّ ÷ حَتّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرِعَائِهِمْ فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَنْ أَصَابَ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِى كُلّ وَجْهٍ.
وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَتَفَرّقُوا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيّامًا وَبَثّ السّرَايَا، وَفَرّقَهَا حَتّى غَابُوا عَنْهُ يَوْمًا، ثُمّ رَجَعُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يُصَادِفُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَتَرْجِعُ السّرِيّةُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الإِبِلِ إلاّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَخَذَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَتَى بِهِ النّبِىّ ÷ فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَرَبُوا أَمْسِ حَيْثُ سَمِعُوا بِأَنّك قَدْ أَخَذْت نَعَمَهُمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ الإِسْلامَ أَيّامًا، فَأَسْلَمَ فَرَجَعَ النّبِىّ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ.

لنحلل هذا الكلام، كلما هاجم محمد قومًا سارع كتاب السير بتبرير ذلك بشكل متكرر تبريري على نحو ممل بأنهم كانوا يجمعون له أو يشكلون خطرًا مزعومًا ما، إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تواجه تلك الجموع محمدًا أدنى مواجهة، لكن المسألة بوضوح هي اعتداء على حدود دولة أخرى ونهب وسلب وعنف، ثم إكراه دينيّ لرجل غالبًا مسيحيّ في تلك القصة، ويظهر هنا طموح محمد العربيّ للتوسع تأسيسًا لما سيكون بعد حياته من استعمار العرب لجزء كبير من العالم.

ويقول مؤلف كتاب المحبَّر:

ثم سنة خمس. فيها تهيأ النبي صلى الله عليه لغزوة دومة الجندل وكان تجار العرب شكوا إليه ظلم أكيدر بن عبد الملك السَكوني فخرج عليه السلام مستهل المحرم يوم الاثنين. فبلغ اكيدر إقباله فهرب وخلَّى السوق. ورجع عليه السلام من الطريق في صدر صفر ولم يلق كيدا.

أما ابن هشام عن ابن إسحاق ففي روايته بعض الاختلاف:

غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة خمس
قال ابن اسحاق: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام من مقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة وولى تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل
من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة: قال ابن هشام: في شهر ربيع الأول، واستعمل على المدينة سِباع بن عُرْفُطة الغِفَاريَّ.
قال ابن اسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يصل اليها، ولم يلقَ كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته.



  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 03:33 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [15]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

أعمال سبي النساء والأطفال في غزوة المريسيع (بني المصطلق)

حسب القصة الإسلامية_كالعادة_أن بني المصطلق هم من كانوا جمعوا العرب وحاولوا التخطيط لهجوم على يثرب، فغزاهم محمد استباقًا، ويهمنا هنا سرد تفاصيل سبي المسلمين للنساء الوثنيات وما قد حدث بعد ذلك:

يقول الواقدي:

.....ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَنَادَى فِى النّاسِ: قُولُوا: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ تَمْنَعُوا بِهَا أَنَفْسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ. فَفَعَلَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَأَبَوْا فَكَانَ أَوّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنّبْلِ، ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوا، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ.

وَسَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالذّرّيّةَ وَغُنِمَتْ النّعَمُ، وَالشّاءُ وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ: حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ ذُو الشّقْرِ فَلَمْ تَكُنْ لِى بِأُهْبَةٍ حَتّى شَدَدْت عَلَيْهِ وَكَانَ الْفَتْحُ.

وَكَانَ شَعَارُهُمْ يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدّثُ أَنّ النّبِىّ ÷ أَغَارَ عَلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارّونَ وَنَعَمُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيّهُمْ. وَالْحَدِيثُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.

..... فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى جَهْمٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالأَسْرَى فَكُتِفُوا وَجُعِلُوا نَاحِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ، وَأَمَرَ بِمَا وُجِدَ فِى رِحَالِهِمْ مِنْ رِثّةِ الْمَتَاعِ، وَالسّلاحِ، فَجُمِعَ وَعُمِدَ إلَى النّعَمِ وَالشّاءِ فَسِيقَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانَ مَوْلاهُ وَجَمَعَ الذّرّيّةَ نَاحِيَةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَقْسَمِ - مَقْسَمِ الْخُمُسِ - وَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَغْنَمِ، فَكَانَ يَلِيهِ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ.

وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالا: جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ، قَالا: وَكَانَ يَجْمَعُ الأَخْمَاسَ وَكَانَتْ الصّدَقَاتُ عَلَى حِدَتِهَا،.....

قَالُوا: فَاقْتُسِمَ السّبْىُ وَفُرّقَ فَصَارَ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، وَقُسِمَتْ الرّثّةُ، وَقُسِمَ النّعَمُ وَالشّاءُ وَعُدِلَتْ الْجَزُورُ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ وَبِيعَتْ الرّثّةُ، فِيمَنْ يُرِيدُ وَأُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ.

وَكَانَتْ الإِبِلُ أَلْفَىْ بَعِيرٍ وَخَمْسَةَ آلافِ شَاةٍ، وَكَانَ السّبْىُ مِائَتَىْ أَهْلِ بَيْتٍ، فَصَارَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَابْنِ عَمّ لَهُ، فَكَاتَبَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ذَهَبٍ.

فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ جَارِيَةً حُلْوَةً لا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إلاّ ذَهَبَتْ بِنَفْسِهِ فَبَيْنَا النّبِىّ ÷ عِنْدِى، وَنَحْنُ عَلَى الْمَاءِ إذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جُوَيْرِيَةُ تَسْأَلُهُ فِى كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْتهَا، فَكَرِهْت دُخُولَهَا عَلَى النّبِىّ ÷، وَعَرَفْت أَنّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الّذِى رَأَيْت، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ، وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ضِرَارٍ سَيّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنَا مِنْ الأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت، وَوَقَعْت فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، وَابْنِ عَمّ لَهُ، فَتَخَلّصَنِى مِنْ ابْنِ عَمّهِ بِنَخَلاتٍ لَهُ بالمدينة، فكاتبنى ثابت عَلَى مَا لا طَاقَةَ لِى بِهِ، وَلا يَدَانِ، وَمَا أَكْرَهَنِى عَلَى ذَلِكَ إلاّ أَنّى رَجَوْتُك صَلّى اللّهُ عَلَيْك، فَأَعِنّى فِى مُكَاتَبَتِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ”؟ فَقَالَتْ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “أُؤَدّى عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك”، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَدْ فَعَلْت فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى ثَابِتٍ فَطَلَبَهَا مِنْهُ، فَقَالَ ثَابِتٌ: هِىَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى وَأُمّى، فَأَدّى رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا، وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ وَرِجَالُ بَنِى الْمُصْطَلِقِ قَدْ اُقْتُسِمُوا وَمُلِكُوا وَوُطِئَ نِسَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ النّبِىّ ÷ فَأَعْتَقُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ السّبْىِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: فَأَعْتَقَ مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ بِتَزْوِيجِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إيّاهَا، فَلا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا.

وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا.

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، قَالَ: كَانَ السّبْىُ مِنْهُمْ مَنْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ اُفْتُدِىَ، وَذَلِك بَعْدَ مَا صَارَ السّبْىُ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، فَافْتُدِيَتْ الْمَرْأَةُ وَالذّرّيّةُ بِسِتّ فَرَائِضَ، وَكَانُوا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بِبَعْضِ السّبْىِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ أَهْلُوهُمْ فَافْتَدَوْهُمْ، فَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ إلاّ رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا، وَهَذَا الثّبْتُ.
فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَدِمَ الْوَفْدُ الْمَدِينَةَ، فَافْتَدَوْا السّبْىَ بَعْدَ السّهْمَانِ.

وَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، عَنْ أَبِى مُحَيْرِيزٍ، وَأَبِى ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى غَزْوَةِ بَنِى الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبَايَا، وَبِنَا شَهْوَةُ النّسَاءِ، وَاشْتَدّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا الْعَزْلَ فَقُلْنَا: نَعْزِلُ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: “مَا عَلَيْكُمْ أَلاّ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلاّ هِىَ كَائِنَةٌ”.

وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا وُفُودُهُمْ فَافْتَدَوْا الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ وَرَجَعُوا بِهِنّ إلَى بِلادِهِمْ وَخُيّرَ مَنْ خُيّرَ مِنْهُنّ أَنْ تُقِيمَ عِنْدَ مَنْ صَارَتْ فِى سَهْمِهِ فَأَبَيْنَ إلاّ الرّجُوعَ.

قَالَ الضّحّاكُ: فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا النّضْرِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ: وَخَرَجْت بِجَارِيَةٍ لِى أَبَيْعُهَا فِى السّوقِ، فَقَالَ لِى: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَعَلّك تُرِيدُ بَيْعَهَا، وَفِى بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ، قَالَ: فَقُلْت كَلاّ، إنّى كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا، فَقَالَ: تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصّغْرَى، قَالَ: فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرْته ذَلِكَ، فَقَالَ: “كَذَبَتْ الْيَهُودُ، كَذَبَتْ الْيَهُودُ”.

ما الذي نفهمه من كل هذا؟ لقد قام المسلمون بأسر نساء قبيلة بني المصطلق واستعبادهن كإماء جوارٍ واغتصابهن، ونظرًا لفقرهم وحاجتهم لممارسة بيع البشر كرقيق، كانوا يمارسون مع النساء الأسيرات ممارسة غير كاملة بالقذف الخارجي كي يبيعوهن ويتربحوا من ذلك، وهو ما قد يعطله أن يحدث لهن حمل بسبب الاغتصابات! وبالفعل بعضهم كان باع ما امتلكه واستعبده لشخص آخر كتداول للبشر، كما نتداول العملة والطعام والماشية! ثم أتت جويرية بنت زعيم قبيلة بني المصطلق لتطلب مساعدة محمد على تخفيض تكلفة تحريرها من الاستعباد أو مساعدة محمد لها استعطافًا له، فكان أن أعجب بجمالها، واستطاعت تلك المرأة بذكائها أن تصير زوجته، ويكون مهرها تحرير أربعين شخصًا من قبيلتها، والباقون افتدوا أنفسهم بالفدية، وكما نرى هذا هو نظام عرب شبه جزيرة العرب القدماء يقوم على النهب والسلب والاستعباد والأسر ثم طلب الفدية للتربح....إلخ بصورة كريهة كانت معتادة منذ ما قبل الإسلام، وبعد أن كان الرجال المسلمون أهانوا وأذلوا النساء المصطلقيات إذا بهم يحررونهن ويعيدونهن بعد استلام الفدية عن كل واحدة إلى قبيلتهن! تصرفات مقززة وأفعال خبط عشواء. واستعباد للأطفال الأبرياء وسبي للنساء وغيرها من أفعال كما نرى.

وأخبار الغزوة لا تختلف كثيرًا عند ابن هشام سوى أنه لا يذكر صلوات وتسليمات من جويرية على محمد وقولها أنها أسلمت في ذلك الوقت، فهذه تزيينات متأخرة للقصة، ولفظ ابن إسحاق عن شعور عائشة بالغيرة والقلق لما رأت جويرية: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مَا رَأَيْتُ. ويوجد لفظ في رواية لأبي داود عن ابن إسحاق 3931: لما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها

وقصة السبايا نجدها في البخاري:

2542 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ

7409 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ قَزَعَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهَا

4138- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَزْلِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ

2229 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ فَقَالَ أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ خَارِجَةٌ

2541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ

وبهذه الألفاظ نجده في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما، ومن روايات مسلم:

[ 1438 ] وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز أنه قال دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل فقال نعم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون

[ 1438 ] حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن بن محيريز عن أبي سعيد الخدري أنه أخبره قال أصبنا سبايا فكنا نعزل ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لنا وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة

[ 1438 ] وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر بن المفضل حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري قال قلت له سمعته من أبي سعيد قال نعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر

[ 1730 ] حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا سليم بن أخضر عن بن عون قال كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى أحسبه قال جويرية أو قال البتة ابنة الحارث وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر وكان في ذاك الجيش

ومن بحث عن كلمة المصطلق في مسند أحمد بنسخة إلكترونية فسيجده متكررًا كثيرًا بألفاظ مشابهة لما في الصحيحين. وقد روى في رقم 26365 نفس القصة التي يرويها ابن إسحاق والواقدي، لكنه يرويها بسنده عن ابن إسحاق، فلا حاجة لتكرارها هنا.

ويروي ابن أبي شيبة في مصنفه:

16870- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : لَمَّا أَصَبْنَا سَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ اسْتَمْتَعْنَا من النساء وَعَزَلْنَا عَنْهُنَّ قَالَ ثم : إني وَقفْت عَلَى جَارِيَةٍ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ قَالَ : فَمَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ , فَقَالَ : مَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ يَا أَبَا سَعِيدٍ ، قُلْتُ : جَارِيَةٌ لِي أَبِيعُهَا ، قَالَ : هَلْ كُنْت تُصِيبُهَا ؟ قَالَ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَلَعَلَّك تَبِيعُهَا وَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ ؟ قَالَ : قُلْتُ : كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا ، قَالَ تِلْكَ الْمَوْؤُودَةُ الصُّغْرَى ، قَالَ : فَجِئْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : كَذَبَتْ يَهُودُ كَذَبَتْ يَهُودُ.

وهو بهذا اللفظ في مسند الحميدي برقم 746، وهذا هو نفس لفظ الواقدي. وبلفظ مشابه في مصنف عبد الرزاق برقم 12549 و12550 ولفظ عبد الرزاق مشابه للفظ مسلم 1439.

وفي تلك الغزوة حدثت مشاجرة بين يثربي أنصاري ومهاجر قرشيّ على السقيا من بئر ماء، جعلت غضب ومعارضة ابن سلول يظهران، مما يعكس بقاءه كمعارضة غير مسلمة مع تبعه، حتى لو تظاهر بالإسلام حماية لنفسه ومصالحه، وفي تلك الحادثة ولأجلها ألف محمد بعض الآيات، انظر الخبر في كتب السيرة، وقول ابن سلول عن المهاجرين أنهم قد زاحمونا في بلادنا وأنهم كما المثل سمن كلبك يأكلك ولو عدنا إلى المدينة ليُخْرِجَّنَ الأعزُّ منها الأذلَّ وتجنب محمد لقتله رغم عنف محمد لأنه كان رغم كل شيء ما زال زعيمًا لو قتله لتسبب بفتنة كبيرة وصراع...إلخ القصة. ويهمنا هنا قول عبد الله ابنه عن أبيه، حسب حكاية الواقدي:

، وَمَعَهُ قَوْمٌ يُطِيفُونَ بِهِ وَيَذْكُرُونَ أُمُورًا قَدْ غَلَبَ اللّهُ عَلَيْهَا

وهو ما يعكس أتباعه ومن هم على رأيه وحزبه الغير مؤيدين للإسلام وأفعال محمد من عدوان على الأمم والقبائل الأخرى، وقتل ونفي اليهود من حلفاء للخزرج أو حلفاء للأوس.

يذكر لنا ابن هشام في الجزء الثاني من السيرة النبوية له أبواباً كاملة عن من تظاهر بالإسلام نفاقًا وتعوذًا به يعني احتماءً، من الوثنيين ومن كبار أحبار اليهود، وهم الذين تتناثر أخبار أسمائهم على طول كتابه في مواضع عديدة كمجادلين لمحمد كسؤالهم عن تغييره لقبلة الصلاة من القدس إلى مكة وغيرها وكمحرضين ضده، ألا يتساءل المسلمون أبدًا ماذا اضطر هؤلاء للتظاهر باتباع دين لا يحبونه ولا يؤمنون به، أليس العنف والإكراه الديني الشديد، ومحمد أمر كمثال إحدى المرات بقتل أي يهودي بعد قصة كعب بن الأشرف! وهو الذي قتل الكثيرين من الوثنيين لأوهى سبب كقول الشعر، ومنع وحطم أصنامهم وعباداتهم في المدينة.

إن أحد المنافقين كان بالأصل رجل دين وثني:

وكان هؤلاء المنافقون يحضُرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين، ويَسْخَرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع يوماً في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم، خافضى أصواتهم، قَد لصق بعضُهم ببعض، فأمر بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً، فقام أبو أيوب، خالدُ ابنُ زيد بنُ كُلَيْب، إلى عُمر بن قَيْس، أحد بنى غَنْم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه، حتى أخرجه من المسجد، وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مرْبد بني ثعلبة، ثم أقبل أبو أيوب أيضاً إلى رافع بن وَدِيعة، أحد بني النجار فلبَّبه بردائه ثم نثره نثراً شديداً، ولطم وجهَه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: أفّ لك منافقاً خبيثاً. أدراجَك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

.... المنافقون من أحبار اليهود: قال ابن إسحاق: وكان ممن تعوَّذ بالإسلام، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق، من أحبار يهود.
من بنى قينُقاع: سعد بن حُنَيْف، وزَيْد بن اللُّصيْت، ونعمان بن أوْفَى بن عمرو، وعثمان بن أوفى. وزيد بن اللُّصَيْت، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بسوق بنى قينقاع، وهو الذي قال، حين ضلت ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبرُ السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه الخبر بما قال عدوُّ الله في رحله، ودَلَّ الله، تبارك وتعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم على ناقته: "إن قائلأ قال: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله ما أعلم إلا ما علَّمنى الله، وقد دلّني الله عليها، فهى في هذا الشِّعْب، قد حبستها شجرة بزمامِها، فذهب رجال من المسلمين، فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما وصف.

من العجيب مقدار الفتن بين الفئات المختلفة ليثرب في مرجعهم من تلك الغزوة، فحتى حسان بن ثابت المشهور بأنه شاعر الإسلام ومحمد قال شعرًا ضد القرشيين المهاجرين وحرض ضدهم، وقام أحدهم بضربه وكادت أن تقع فتنة كبيرة، يقول ابن هشام:

قال ابن إسحاق: ثم إن صفوان بن المعطَّل اعترض حسان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما كان يقول فيه، وقد كان حسان قال شعراً مع ذلك يعرِّض بابن المعطل فيه، وبمن أسلم من العرب من مُضر، فقال:

أمسى الجلابيبُ قد عَزُّوا وقد كثروا وابنُ الفُرَيْعة أمسى بَيْضةَ البلدِ (1)
قد ثَكِلَتْ أمُّه مَنْ كنتَ صاحبَه أو كان مُنْتَشِباً في بُرْثن الأسدِ (2)
ما لقَتِيلى الذي أغْدُو فآخُذُه مِن ديةٍ فيه يُعْطَاها ولا قَوَدِ
__________
(1)بيضة البلد: عظيمها وسيدها
(2) فقد يجوز أن يكون قوله: (من) مبتدأ، (وقد ثكلت أمه) في موضع الخبر المقدم عليه، ويجوز أن يكون (من) مفعولا بثكلت، وأضمر قبل الذكر مع اتصال الضمير بالفاعل. والبرثن: يد الأسد مع أصابعه.
ما البحرُ حينَ تَهبُّ الريحُ شاميةً فَيَغْطَئِلُّ ويرْمى العِبر بالزَّبد (2)
يوماً بأغلَب مني حين تُبْصِرنى مِلْغَيْظِ أفْري كفري العارضِ البَرِدِ (3)
أما قُريش فإني لن أسالمَهم حتى يُنيبوا من الغيات للرَّشَدِ
ويتركوا اللاتَ والعُزَّى بمَعْزِلةٍ ويسجدوا كلهم للواحدِ الصمدِ
ويشهدوا أن ما قال الرسولُ لهم حق ويُوفوا بعهدِ الله والوُكُدِ

فاعترضه صفوان بن المعطَّل، فضربه بالسيف، ثم قال، كما حدثني يعقوب بن عُتبة:
تَلَقَّ ذُبابَ السيفِ عني فإنني غلامٌ إذا هُوجيتُ لستُ بشاعرِ

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أنَّ ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطَّل، حين ضرب حسان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة، فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف؛ والله ما أراه إلا قد قتله، قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله؛ قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل، فأطلقه، ثم أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فدعا حسان وصفوان بن المعطَّل؛ فقال ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجانى، فاحتملنى الغضب، فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: أحسن يا حسان، أتَشَوَّهْتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام، ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك، قال: هي لك يا رسول الله.
قال ابن هشام: ويقال: أبعد أن هداكم الله للإسلام.


__________
(2) فيغطئل: يريد: البحر، أي، يهيج ويغتلم، وأصل هذه الكلمة من الغيطلة، وهى الظلمة، وأصلها يغطالُّ مثل يسوادٌ، لكنه همز بالألف لئلا يجتمع ساكنان، والعبر: جانب البحر.
(3) أفري: أقطع. العارض البرد: السحاب الحامل للبرد.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن إبراهيم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بِيرَحَاء، وهي قصر بني حُدَيْلة اليوم بالمدينة، وكانت مالاً لأبى طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان في ضربته وأعطاه سيرين، أمَةً قبطية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان

ويقول الواقدي:

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أُمّهِ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ، وَعِمَادُ الْحَدِيثِ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَعَاصِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: لَمّا قَالَ ابْنُ أُبَىّ مَا قَالَ، وَذَكَرَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ وَجَهْجَا، وَكَانَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَيْنِ يَكْثُرُ عَلَى قَوْمِى، وَقَدْ أَنَزَلْنَا مُحَمّدًا فِى دُورِ كِنَانَةَ وَعِزّهَا وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ جُعَيْلٌ يَرْضَى أَنْ يَسْكُتَ فَلا يَتَكَلّمُ فَصَارَ الْيَوْمَ يَتَكَلّمُ، وَقَوْلُ ابْنِ أُبَىّ أَيْضًا فِى صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ وَمَا رَمَاهُ بِهِ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
أَمْسَى الْجَلابِيبُ قَدْ رَاعُوا وَقَدْ كَثُرُوا

وَابْــــنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَـــدِ
فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ جَاءَ صَفْوَانُ إلَى جُعَيْلِ بْنِ سُرَاقَةَ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا، نَضْرِبُ حَسّانَ فَوَاَللّهِ مَا أَرَادَ غَيْرَك وَغَيْرِى، وَلَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْهُ، فَأَبِى جُعَيْلٌ أَنْ يَذْهَبَ فَقَالَ لَهُ: لا أَفْعَلُ إلاّ أَنْ يَأْمُرَنِى رَسُولُ اللّهِ، وَلا تَفْعَلُ أَنْتَ حَتّى تُؤَامِرَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى ذَلِكَ. فَأَبَى صَفْوَانُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُصْلِتًا السّيْفَ حَتّى ضَرَبَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ فِى نَادِى قَوْمِهِ فَوَثَبَتْ الأَنْصَارُ إلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا - وَكَانَ الّذِى وَلِى ذَلِكَ مِنْهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ - وَأَسَرُوهُ أَسْرًا قَبِيحًا. فَمَرّ بِهِمْ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ أَمِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ وَرِضَائِهِ أَمْ مِنْ أَمْرٍ فَعَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مَا عَلِمَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷. قَالَ: لَقَدْ اجْتَرَأْت، خَلّ عَنْهُ ثُمّ جَاءَ بِهِ وَبِثَابِتٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَسُوقُهُمْ فَأَرَادَ ثَابِتٌ أَنْ يَنْصَرِفَ فَأَبَى عُمَارَةُ حَتّى جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: حَسّانُ يَا رَسُولَ اللّهِ شَهَرَ عَلَىّ السّيْفَ فِى نَادِى قَوْمِى، ثُمّ ضَرَبَنِى لأَنْ أَمَوْتَ وَلا أَرَانِى إلاّ مَيّتًا مِنْ جِرَاحَتِى، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى صَفْوَانَ فَقَالَ: “وَلِمَ ضَرَبْته وَحَمَلْت السّلاحَ عَلَيْهِ”؟ وَتَغَيّظَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِى وَهَجَانِى وَسَفِهَ عَلَىّ وَحَسَدَنِى عَلَى الإِسْلامِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى حَسّانَ فَقَالَ: “أَسَفِهْت عَلَى قَوْمٍ أَسْلَمُوا”؟ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “احْبِسُوا صَفْوَانَ فَإِنْ مَاتَ حَسّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ”.
فَخَرَجُوا بِصَفْوَانَ فَبَلَغَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مَا صَنَعَ صَفْوَانُ، فَخَرَجَ فِى قَوْمِهِ مِنْ الْخَزْرَجِ حَتّى أَتَاهُمْ فَقَالَ: عَمَدْتُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ تُؤْذُونَهُ وَتَهْجُونَهُ بِالشّعْرِ وَتَشْتُمُونَهُ فَغَضِبَ لِمَا قِيلَ لَهُ ثُمّ أَسَرْتُمُوهُ أَقْبَحَ الإِسَارِ وَرَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالُوا: فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ أَمَرَنَا بِحَبْسِهِ، وَقَالَ: “إنْ مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَاقْتُلُوهُ”، قَالَ سَعْدٌ: وَاَللّهِ إنّ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ لَلْعَفْوُ وَلَكِنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَضَى بَيْنَكُمْ بِالْحَقّ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ يَعْنِى لَيُحِبّ أَنْ يَتْرُكَ صَفْوَانَ، وَاَللّهِ لا أَبْرَحُ حَتّى يُطْلَقَ فَقَالَ حَسّانُ: مَا كَانَ لِى مِنْ حَقّ فَهُوَ لَك يَا أَبَا ثَابِتٍ، وَأَبَى قَوْمُهُ فَغَضِبَ قَيْسٌ ابْنُهُ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: عَجَبًا لَكُمْ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ إنّ حَسّان قَدْ تَرَكَ حَقّهُ وَتَأْبَوْنَ أَنْتُمْ مَا ظَنَنْت أَنّ أَحَدًا مِنْ الْخَزْرَجِ يُرِدْ أَبَا ثَابِتٍ فِى أَمْرٍ يَهْوَاهُ، فَاسْتَحْيَا الْقَوْمُ وَأَطْلَقُوهُ مِنْ الْوَثَاقِ فَذَهَبَ بِهِ سَعْدٌ إلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ حُلّةً ثُمّ خَرَجَ صَفْوَانُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلّىَ فِيهِ فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “صَفْوَانُ”؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “مَنْ كَسَاهُ”؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: “كَسَاهُ اللّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ”، ثُمّ كَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لا أُكَلّمُك أَبَدًا إنْ لَمْ تَذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَتَقُولَ: كُلّ حَقّ لِى قِبَلَ صَفْوَانَ فَهُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ.
فَأَقْبَلَ حَسّانُ فِى قَوْمِهِ حَتّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كُلّ حَقّ لِى قِبَلَ صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ فَهُوَ لَك. قَالَ قَدْ أَحْسَنْت وَقَبِلْت ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَرْضًا بَرَاحًا وَهِىَ بَيْرُحَاءُ وَمَا حَوْلَهَا وَسِيرِينَ، وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَائِطًا كَانَ يَجِدُ مَالاً كَثِيرًا عِوَضًا لَهُ مِمّا عَفَا عَنْ حَقّهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَحَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ ابْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنّ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ حَبَسَ صَفْوَانَ، فَلَمّا بَرِئَ حَسّانُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِ، فَقَالَ: “يَا حَسّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَك”، فَقَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بُرَاحًا وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ عِوَضًا.

وفي قصة حديث الإفك والذين افتروا على عائشة بالكلام الباطل واتهامها بخيانة محمد، كان ممن شاركوا في هذا الكلام ونشره حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وابن سلول ومسطح، كما يذكر الواقدي:

×إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ% الآيَةَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى النّاسِ مَسْرُورًا، فَصَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ تَلا عَلَيْهِمْ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِى بَرَاءَةِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَضَرَبَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحَدّ، وَكَانَ الّذِى تَوَلّى كِبَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ، وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمْ يَضْرِبْهُمْ - وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.

ويقول ابن هشام:

ثم خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك، ثم أمر بمِسْطَح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضُربوا حدَّهم.

ويظهر أن هذا الخبر عن تطبيق الحد غير صحيح، فما كان محمد ليستطيع وقتئذٍ أن يجرؤ على جلد ابن سلول وهو القائد الخطير الشأن، ولا أن يجلد حساناً وهو شاعره الحبيب وهو ضعيف عجوز لو جلده فربما مات، ثم إن صفوان كان شج رأسه فكيف يجلده كذلك؟! وحمنة هي أخت زوج محمد زينب!

وقد عاد حسان ليعتذر لعائشة بقوله كما في ابن هشام:

قال حسان بن ثابت - يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها:
حَصانٌ رَزَان ما تُزَنَّ بريبةٍ وتصبحُ غَرْثَى من لحومِ الغَوافلِ (1)
عقيلةُ حَي من لؤى بنِ غالبٍ كِرام المساعي مجدُهم غيرُ زائل
مُهذَّبةٌ قد طَيَّبَ الله خِيمَها وطهَّرها من كلّ سُوءٍ وباطل (1)
فإن كنتُ قد قلتُ الذي قد زَعَمتمُ فلا رفَعَت سَوْطِي إلىَّ أناملى (2)
و كيف ووُدِّى ما حَييتُ ونُصْرتي لآلِ رسولِ الله زَينِ المحافلِ
له رَتَب عالٍ على الناسِ كلِّهم تقاصَرُ عنه سَوْرَةُ المتطاولِ (3)
فإن الذي قد قيلَ ليسَ بلائطٍ ... ولكنه قولُ امرئٍ بى ماحِلِ (4)

(1) حَصان: فعال بفتح الحاء يكثر في أوصاف المؤنث، وفي الأعلام منها، كأنهم قصدوا بتوالي الفتحات مشاكلة خفة اللفظ لخفة المعنى، أي المسمى بهذه الصفات خفيف على النفس، وحصان من الحصن والتحصن، وهو الامتناع على الرجال من نظرهم إليها
(1) الخيم: الطبع.
(2) وقوله، فلا رفعت سوطي إليَّ أناملى: هذا دعاء على نفسه، وفيه تصديق لمن قال: إن حسان لم يجلد في الإفك ولا خاض فيه.
(3) الرتب: ما ارتفع من الأرض وعلا، والرتب أيضا: قوهَ في الشيء وغلظ فيه، والسورة رتبة رفيعة من الشرف مأخوذة اللفظ من سور البناء.
(4) لائط: لاصق، يقال: ما يليط ذلك بفلان، أي: ما يلصق به، ومنه سمي الربا: لياطا، لأنه شبيه بالبيع، وليس ببيع. ماحل: ماض بالنميمة.
(5) أترحوا: من الترح وهو الحزن.

وفي صحيح البخاري:

4146 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ وَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فَقَالَتْ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْعَمَى قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ويقول الواقدي:

فَحَدّثَنِى أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا تَذْكُرُ حَسّانَ إلاّ بِخَيْرٍ، وَلَقَدْ سَمِعَتْ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ يَوْمًا يَسُبّهُ لِمَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَتْ: لا تَسُبّهُ يَا بُنَىّ أَلَيْسَ هُوَ الّذِى يَقُولُ:
فَإِنّ أَبِى وَوَالِــــــدَهُ وَعِرْضــــِى

لِعِـــــرْضِ مُحَمّــــدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
وَحَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى زَيْدٍ الأَنْصَارِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ يُخْبِرُ أَنّهُ سَمِعَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “حَسّانُ حِجَازٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لا يُحِبّهُ مُنَافِقٌ وَلا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ”. وَقَالَ حَسّانُ يَمْدَحُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا:
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَلا رَفَعَتْ سَوْطِى إلَـــىّ أَنَامِلِـــى


حَصَانٌ رَزَانٌ لا تَزْنِ بِرِيبَةٍ
فَإِنْ كَانَ مَـــا قَـــدْ جَــاءَ عَنّـى قُلْته





  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 03:36 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [16]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

معركة الخندق أو الأحزاب
لا يسعنا قول الكثير عن هذه المعركة التي تحالف فيها قبائل عربية عديدة مثل قريش وبني أسد وغطفان والأحابيش ويهود بني قريظة ضد المسلمين في يثرب، يمكننا القول من وجهة نظر معينة أنها عدوان من هؤلاء على مدينة يثرب ومحاولة لاقتحامها ونهبها وتدميرها، لكن لماذا لم يحدث قبل محمد والإسلام أن تحالف مثل كل هذا الجمع الغريب ضد اليثاربية من خزرج وأوس؟! لعل الإجابة هي بسبب استعداء محمد لكل هؤلاء بأفعاله من قطع طريق التجارة وتهديده والنهب والسلب والقتل ولكونه قوة ناشئة جديدة على الساحة وفوضوية ومؤذية، أما في حالة اليهود فمحمد قتل من أشرافهم كقتله سلام بن أبي الحقيق وسنينة وأمره بعد اغتيال كعب بن الأشرف بقتل أي يهودي يجده المسلمين أمامهم، ولدينا أدلة من قصة إجلاء بني قينقاع وقصة محاولة أبي بكر لأخذ أموال من اليهود وضربه فنحاص داخل المعبد اليهودي ومحالات إكراه اليهود على الإسلام (خاصةً أنه لم يكن هناك تشريع الجزية بعد)، فبعد أفعال عنصرية لا إنسانية همجية كهذه قد لا نلوم بني قريظة كثيرًا على نقضهم للعهد المعقود متأخرًا مع محمد! لقد أحسن محمد باتباعه نصيحة سلمان الفارسيّ بحفر خندق يحمي المدينة يثرب من الاقتحام، وبذلك تمكن من صد جيش كان بالتأكيد أكثر من جيشه بكثير! ولنرَ قول الوثنيين العرب عندما اقتحموا ثغرة صغيرة غفل عنها المسلمون في التعميق والتوسعة فعبروها مكرهين الخيول على ذلك وهم يقولون_حسب رواية ابن هشام والواقدي واللفظ له_: وَتَرَكُوا الرّجَالَ مِنْهُمْ خُلُوفًا، يَطْلُبُونَ مُضِيقًا يُرِيدُونَ يَقْتَحِمُونَ خَيْلَهُمْ إلَى النّبِىّ ص وَأَصْحَابِهِ فَانْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ قَدْ أَغْفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يُكْرِهُونَ خَيْلَهُمْ وَيَقُولُونَ: هَذِهِ الْمَكِيدَةُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا وَلا تَكِيدُهَا. قَالُوا: إنّ مَعَهُ رَجُلاً فَارِسِيّا، فَهُوَ الّذِى أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا.



إبادة رجال بني قريظة اليهودية واستعباد نسائها وأطفالها

رغم خيانة بني قريظة للمعاهدة مع محمد، فإنه ليس مقبولاً تبعًا لقواعد التحضر والإنسانية لا الهمجية والقرون الوسطى أن يأمر بإبادة مئات الرجال والمراهقين الذين بالكاد يتحسسون طريقهم إلى الرجولة ولحياة، وسبي وستعباد وبيع وتوزيع مئات النساء والرضع والأطفال كأنهم مواشي أو أملاك، مع نهب كل أملاك وأراضي وبيوت بني قريظة، تلك أخلاق زمن ولَّى، زمن همجية وجاهلية وقسوة، هل هذا العصر الذي يبجله ويحبه المسلمون المعاصرون، ولماذا إذن يشمئزون حينما يرون من يحيي تلك السنن القذرة التي درست وانمحت اليوم بفعل اتحضر كحركات طالبان وداعش حين يمارسون القتل والإبادة ضد الإيزيديين أو المسيحيين أو يستحلون كرامة وأعراض نساء الأسر والمجموعات المؤيدة للنظام السوري أو الغير متبعة للجماعات المتطرفة؟! فلو اتبعوا نفس الحس الإنساني السليم لاشمئزوا كذلك من أفعال محمد وأصحابه ووسَخ تلك الأزمنة القديمة الغبراء، فلنقرأ كيف تعامل هؤلاء مع المنهزم، ولنقرأ عمن يزعمون أنه رحيم وأُرسِل رحمةً للعالمين:

يقول الواقدي_وسأنقل منه لأنه أكمل السياقات وأجلُّها وإلا فالأخبار ذاتها عند ابن هشام والبخاري ومسلم ومسند أحمد_:

فَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمّد بْنُ مَسْلَمَةَ: حَصَرْنَاهُمْ أَشَدّ الْحِصَارِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ غَدَوْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَجَعَلْنَا نَدْنُو مِنْ الْحِصْنِ وَنَرْمِيهِمْ مِنْ كَثَبٍ وَلَزِمْنَا حُصُونَهُمْ فَلَمْ نُفَارِقْهَا حَتّى أَمْسَيْنَا، وَحَضّنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْجِهَادِ وَالصّبْرِ. ثُمّ بِتْنَا عَلَى حُصُونِهِمْ مَا رَجَعْنَا إلَى مُعَسْكَرِنَا حَتّى تَرَكُوا قِتَالَنَا وَأَمْسَكُوا عَنْهُ وَقَالُوا: نُكَلّمُك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَأَنْزَلُوا نَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ÷ سَاعَةً، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ نَنْزِلُ عَلَى مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ بَنُو النّضِيرِ، لَك الأَمْوَالُ وَالْحَلْقَةُ وَتَحْقِنُ دِمَاءَنَا، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلادِكُمْ بِالنّسَاءِ وَالذّرَارِىّ وَلَنَا مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ إلاّ الْحَلْقَةَ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالُوا: فَتَحْقِنُ دِمَاءَنَا وَتُسَلّمُ لَنَا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ وَلا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا حَمَلَتْ الإِبِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا، إلاّ أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِى”.

هكذا لم يرحم محمد من هو أضعف منه من الإبادة واستعباد النساء ككسر للنفوس البشرية ومهانة وتشتيت واستعباد.

وقد أسلم بعض اليهود واتبعوا عقيدة محمد الجديدة ليحموا أنفسهم وأملاكهم ونساءهم وأطفالهم مما حدث لباقي قومهم على يد محمد وأتباعه:

يقول ابن هشام:

قال ابن اسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسَيد بن سَعْية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هَدْل، ليسوا من بني قُريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول الواقدي مع سرده لبعض المزاعم الدينية طبعًا:

فَحَدّثَنِى صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِى مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ ثَعْلَبَةُ وأُسَيْدُ ابْنَا سَعِيّةَ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَمّهُمْ: يَا مَعْشَرَ بَنِى قُرَيْظَةَ، وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا، حَدّثَنَا بِهَا عُلَمَاؤُنَا وَعُلَمَاءُ بَنِى النّضِيرِ، هَذَا أَوّلُهُمْ - يَعْنِى حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ - مَعَ جُبَيْرِ بْنِ الْهَيّبَانِ أَصْدَقُ النّاسِ عِنْدَنَا، هُوَ خَبّرَنَا بِصِفَتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. قَالُوا: لا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ فَلَمّا رَأَى هَؤُلاءِ النّفَرُ إبَاءَهُمْ نَزَلُوا فِى اللّيْلَةِ الّتِى فِى صُبْحِهَا نَزَلَتْ قُرَيْظَةُ، فَأَسْلَمُوا فَأَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

ويقول ابن هشام:
قال ابن إسحاق: وحدثني أيوب بن عبد الرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة أخو بني عدي بن النجار: أن سَلْمَى بنت قيس، أم المنذِر، أخت سليط ابن أخت سليط بن قيس - وكانت احدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد صلَّت معه القبلتين، وبايعته بيعة النساء – سألته رفاعةَ بن سمؤال القُرظي، وكان رجلا قد بلغ، فلاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك، فقالت: يا نبى الله، بأبى أنت وأمي، هَبْ لي رفاعة، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل؛ قال: فوهبه لها، فاستَحْيته.

إن أبا لبابة أحد أصحاب محمد عينه محمد على قتال يهود بني قريظة ومفاوضتهم على الاستسلام بالمداراة ليبيدهم محمد بأقل جهد وتعب ممكن، لكن الرجل واجه صراعًا داخليًا بين المشاعر والقيم الإنسانية النبيلة المسالمة مشاعر الأخوة الإنسانية والرحمة اتجاه قوم كانوا حلفاء قومه الأوس وكانوا جيرانه وعشرة عمره ومن أكل معهم أيامًا في صحنٍ واحد من يهود بني قريظة، وبين إيمانه الأعمى بدين محمد وبالعنف اللاإنساني الدموي الذي يأمر به ويحرض عليه، لذا سنلاحظ في النص التالي تناقض أفعاله فهو يحذر قريظة من نتيجة استسلامهم ثم يندم وينعزل شاعرًا بارتكاب إثم ديني وخيانة فيربط نفسه بإسطوانة (عمود) المسجد حتى يعفو عنه محمد، فيقوم بفعل ذي دلالة وهو تركه داره التي بين قومه الأوس حلفاء أغلب اليهود:

يقول ابن هشام:

قال: ثم أنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعثْ إلينا أبا لُبابة بن عبد المنذر، أخا بني عمرو ابن عوف وكانوا حلفاء الأوس، لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم؛ فلما رأوْه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساءُ والصبيان يبكون في وجهه، فرَقَّ لهم، وقالوا له: يا أبا لُبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقِه، إنه الذبح.
قال أبو لُبابة: فوالله ما زالت قَدَماي من مكانهما حتى عرفتُ أني قد خنت الله ورسولَه صلى الله عليه وسلم. ....إلخ القصة

ويقول الواقدي:

قَالُوا: فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ أَرْسَلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ أَرْسِلْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَحَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ السّائِبِ بْنِ أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُرْسِلَنِى إلَيْهِمْ دَعَانِى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “اذْهَبْ إلَى حُلَفَائِك، فَإِنّهُمْ أَرْسَلُوا إلَيْك مِنْ بَيْنِ الأَوْسِ”.
قَالَ: فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ فَبَهَشُوا إلَىّ، وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ نَحْنُ مَوَالِيك دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ، فَقَامَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، فَقَالَ: أَبَا بَشِيرٍ قَدْ عَلِمْت مَا صَنَعْنَا فِى أَمْرِك وَأَمْرِ قَوْمِك يَوْمَ الْحَدَائِقِ وَبُعَاثٍ، وَكُلّ حَرْبٍ كُنْتُمْ فِيهَا، وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْنَا الْحِصَارُ وَهَلَكْنَا، وَمُحَمّدٌ يَأْبَى يُفَارِقُ حِصْنَنَا حَتّى نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ، فَلَوْ زَالَ عَنّا لَحِقْنَا بِأَرْضِ الشّامِ أَوْ خَيْبَرَ، وَلَمْ نَطَأْ لَهُ حُرّا أَبَدًا، وَلَمْ نُكْثِرْ عَلَيْهِ جَمْعًا أَبَدًا.
قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: أَمّا مَا كَانَ هَذَا مَعَكُمْ فَلا يَدَعُ هَلاكَكُمْ - وَأَشَرْت إلَى حُيَىّ بْنِ أَخْطَبَ، قَالَ كَعْبٌ: هُوَ وَاَللّهِ أَوْرَدَنِى ثُمّ لَمْ يُصْدِرْنِى، فَقَالَ حُيَىّ: فَمَا أَصْنَعُ؟ كُنْت أَطْمَعُ فِى أَمْرِهِ فَلَمّا أَخْطَأَنِى آسَيْتُك بِنَفْسِى، يُصِيبُنِى مَا أَصَابَك. قَالَ كَعْبٌ: وَمَا حَاجَتِى إلَى أَنْ أُقْتَلَ أَنَا وَأَنْتَ وَتُسْبَى ذَرَارِيّنَا؟ قَالَ حُيَىّ: مَلْحَمَةٌ وَبَلاءٌ كُتِبَ عَلَيْنَا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: مَا تَرَى، فَإِنّا قَدْ اخْتَرْنَاك عَلَى غَيْرِك؟ إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلاّ أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ أَفَنَنْزِلُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْزِلُوا - وَأَوْمَأَ إلَى حَلْقِهِ هُوَ الذّبْحُ، قَالَ: فَنَدِمْت فَاسْتَرْجَعْت، فَقَالَ لِى كَعْبٌ: مَا لَك يَا أَبَا لُبَابَةَ؟ فَقُلْت: خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ، فَنَزَلْت وَإِنّ لِحْيَتِى لَمُبْتَلّةٌ مِنْ الدّمُوعِ، وَالنّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِى إلَيْهِمْ، حَتّى أَخَذْت مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا آخَرَ حَتّى جِئْت إلَى الْمَسْجِدِ فَارْتَبَطْت، فَكَانَ ارْتِبَاطِى إلَى الأُسْطُوَانَةِ الْمُخَلّقَةِ الّتِى تُقَالُ أُسْطُوَانَةُ التّوْبَةِ - وَيُقَالُ: لَيْسَ تِلْكَ إنّمَا ارْتَبَطَ إلَى أُسْطُوَانَةٍ كَانَتْ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ÷ وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ -.
وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ - ÷ ذَهَابِى وَمَا صَنَعْت، فَقَالَ: “دَعُوهُ حَتّى يُحْدِثَ اللّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، لَوْ كَانَ جَاءَنِى اسْتَغْفَرْت لَهُ، فَأَمّا إذْ لَمْ يَأْتِنِى وَذَهَبَ فَدَعُوهُ”، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَكُنْت فِى أَمْرٍ عَظِيمٍ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأَذْكُرُ رُؤْيَا رَأَيْتهَا.
فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ خَالِدٍ: قَالَ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: رَأَيْت فِى النّوْمِ وَنَحْنُ مُحَاصِرُو بَنِى قُرَيْظَةَ كَأَنّى فِى حَمْأَةٍ آسِنَةٍ، فَلَمْ أَخْرُجْ مِنْهَا حَتّى كِدْت أَمُوتَ مِنْ رِيحِهَا، ثُمّ أَرَى نَهَرًا جَارِيًا، فَأَرَانِى اغْتَسَلْت مِنْهُ حَتّى اسْتَنْقَيْتُ وَأَرَانِى أَجِدُ رِيحًا طَيّبَةً، فَاسْتَعْبَرَهَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: لَتَدْخُلَنّ فِى أَمْرٍ تَغْتَمّ لَهُ ثُمّ يُفَرّجُ عَنْك، فَكُنْت أَذْكُرُ قَوْلَ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَأَنَا مُرْتَبِطٌ فَأَرْجُو أَنْ تَنْزِلَ تَوْبَتِى.
فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ اسْتَعْمَلَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى قِتَالِهِمْ، فَلَمّا أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَارْتَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ سَبْعًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الّتِى عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ فِى حَرّ شَدِيدٍ لا يَأْكُلُ فِيهِنّ وَلا يَشْرَبُ، وَقَالَ: لا أَزَالُ هَكَذَا حَتّى أُفَارِقَ الدّنْيَا أَوْ يَتُوبَ اللّهُ عَلَىّ.
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى مَا يَسْمَعُ الصّوْتَ مِنْ الْجَهْدِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَنْظُرُ إلَيْهِ بُكْرَةً وَعَشِيّةً، ثُمّ تَابَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَنُودِىَ: إنّ اللّهَ قَدْ تَابَ عَلَيْك، وَأَرْسَلَ النّبِىّ ÷ إلَيْهِ لِيُطْلِقَ عَنْهُ رِبَاطَهُ فَأَبَى أَنْ يُطْلِقَهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِنَفْسِهِ فَأَطْلَقَهُ.
قَالَ الزّهْرِىّ: فَحَدّثَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ÷، قَالَتْ: رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَحِلّ عَنْهُ رِبَاطَهُ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ لَيَرْفَعُ صَوْتَهُ يُكَلّمُهُ وَيُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ، وَمَا يَدْرِى كَثِيرًا مِمّا يَقُولُ مِنْ الْجَهْدِ وَالضّعْفِ.
وَيُقَالُ: مَكَثَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْبُوطًا، وَكَانَتْ ابْنَتُهُ تَأْتِيهِ بِتَمَرَاتٍ لِفِطْرِهِ فَيَلُوكُ مِنْهُنّ وَيَتْرُكُ، وَيَقُولُ: وَاَللّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَسِيغَهَا فَرَقًا أَلاّ تَنْزِلَ تَوْبَتِى، وَتُطْلِقُهُ عِنْدَ وَقْتِ كُلّ صَلاةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ تَوَضّأَ، وَإِلاّ أَعَادَتْ الرّبَاطَ، وَلَقَدْ كَانَ الرّبَاطُ حَزّ فِى ذِرَاعَيْهِ وَكَانَ مِنْ شَعَرٍ وَكَانَ يُدَاوِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ يَبِينُ فِى ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ مَا بَرِئَ، وَقَدْ سَمِعْنَا فِى تَوْبَتِهِ وَجْهًا آخَرَ.
حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ÷ قَالَتْ: إنّ تَوْبَةَ أَبِى لُبَابَةَ نَزَلَتْ فِى بَيْتِى، قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: فَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَضْحَكُ فِى السّحَرِ، فَقُلْت: مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك؟ قَالَ: “تِيبَ عَلَى أَبِى لُبَابَةَ”. قَالَتْ: قُلْت: أُوذِنُهُ بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “مَا شِئْت”. قَالَتْ: فَقُمْت عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، فَقُلْت: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَيْك فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ.
فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لا، حَتّى يَأْتِىَ رَسُولُ اللّهِ، فَيَكُونَ هُوَ الّذِى يُطْلِقُ عَنّى، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الصّبْحِ أَطْلَقَهُ, وَنَزَلَتْ فِى أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: ×وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ% الآيَةَ. وَيُقَال: نَزَلَتْ ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ%.

وَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو لُبَابَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: أَنَا أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِى الّتِى أَصَبْت فِيهَا هَذَا الذّنْبَ، فَأُخْرِجُ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “يُجْزِئُ عَنْك الثّلُثُ”. فَأَخْرَجَ الثّلُثَ وَهَجَرَ أَبُو لُبَابَةَ دَارَ قَوْمِهِ، ثُمّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبِنْ فِى الإِسْلامِ مِنْهُ إلاّ خَيْرٌ حَتّى فَارَقَ الدّنْيَا،

والخبر عن هذه القصة والكثير من تفاصيل إبادة بني قريظة ورد في مسند أحمد بن حنبل:

25097 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ، قَالَتْ:...... فَقَالَتْ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ، قِيلَ لَهُمْ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ . قَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ " فَنَزَلُوا، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ...إلخ الحديث والقصة

الخبر ذاته عند ابن هشام كذلك، و له شاهد من حديث عبد الله بن قتادة، قال: نزلت هذه الآية: (لا تَخُونُوا اللّه والزَسُولَ) [الأنفال: 27] ، قال: سأل أبا لبابة بنَ عبد المنذر بنو قريظة: ما الأمر؟ فأشار إلى حَلْقه: يقول الذبح. وهذا مرسل، أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" (987) (التفسير) ، والطبري في تفسير الآية المذكورة مختصراً. وآخر مرسل كذلك من طريق يونس بن بُكير عن ابن إسحاق، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن معبد بنِ كعب بن مالك. أخرجه البيهقي في "الدلائل" 4/15 ضمن حديث. وثالث من رواية موسى بن عقبة قوله، ضمن قصة غزوة بني قريظة. أخرجه البيهقي في "الدلائل" 4/12-14. والقصة موجودة بأسانيد في كتب التفسير كابن كثير والطبري وأسباب النزول للواحدي.

ولنرَ كيف قام محمد بالاستيلاء ونهب أموال يهود بني قريظة، ووفقًا لمبادئ العدالة فإن عداواتك لقوم وحربك معهم لا تبيح لك سرقتهم ونهبهم، لكن تلك هي قيم زمن الماضي الكريه، يقول الواقدي:

قَالُوا: وَلَمّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ بِأَسْرَاهُمْ فَكُتّفُوا رِبَاطًا، وَجُعِلَ عَلَى كِتَافِهِمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنُحّوا نَاحِيَةً وَأَخْرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ مِنْ الْحُصُونِ فَكَانُوا نَاحِيَةً.

وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلامٍ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِجَمْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَمَا وُجِدَ فِى حُصُونِهِمْ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالأَثَاثِ وَالثّيَابِ.
فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: وُجِدَ فِيهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ سَيْفٍ وَثَلاثُمِائَةِ دِرْعٍ وَأَلْفَا رُمْحٍ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ تُرْسٍ وَحَجَفَةٍ، وَأَخْرَجُوا أَثَاثًا كَثِيرًا، وَآنِيَةً كَثِيرَةً وَوَجَدُوا خَمْرًا وَجِرَارَ سَكَرٍ فَهُرِيقَ ذَلِكَ كُلّهُ وَلَمْ يُخَمّسْ، وَوَجَدُوا مِنْ الْجِمَالِ النّوَاضِحِ عِدّةً وَمِنْ الْمَاشِيَةِ فَجُمِعَ هَذَا كُلّهُ.
حَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: أَنَا كُنْت مِمّنْ كَسَرَ جِرَارَ السّكَرِ يَوْمَئِذٍ.

لقد حاول الأوس وهم أقلية في يثرب مقارنة بعدد الخزرج الأكثر والمهاجرين أن يمنعوا المذبحة بروح إنسانية لا بأس بها خاصة لكون يهود بني قريظة حلفاء قدماء لهم لطالما أحسنوا الحلف معهم وساندوهم بإخلاص في حروب ما قبل الإسلام وقدوم محمد، لكن محمد بمكر ودهاء جعل من يحكم عليهم رجلاً من الأوس متعصبًا دينيًا وموتورًا لإصابته في غزوة الأحزاب الخندق! وحكم عليهم بإبادة الرجال حتى الشيوخ المساكين والمراهقين الذين أنبتوا بالكاد شعور العانات حتى يصعب تمييزهم إن كانوا أطفالاً أم رجالاً، واستعباد النساء اليهوديات العربيات للتملك والتوزيع على الجنود للاستمتاع باغتصابهن وتخديمهن أو بيعهن والتربح من بيع البشر كرقيق، وعند الواقدي:

حَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: وَتَنَحّى رَسُولُ اللّهِ ÷، فَجَلَسَ وَدَنَتْ الأَوْسُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ حُلَفَاؤُنَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ رَأَيْت مَا صَنَعْت بِبَنِى قَيْنُقَاعَ بِالأَمْسِ حُلَفَاءِ ابْنِ أُبَىّ، وَهَبْت لَهُ ثَلاثَمِائَةِ حَاسِرٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ دَارِعٍ، وَقَدْ نَدِمَ حُلَفَاؤُنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ نَقْضِهِمْ الْعَهْدَ فَهَبْهُمْ لَنَا، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ سَاكِتٌ لا يَتَكَلّمُ حَتّى أَكْثَرُوا عَلَيْهِ وَأَلَحّوا وَنَطَقَتْ الأَوْسُ كُلّهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ”؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: “فَذَلِكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ”، وَسَعْدٌ يَوْمَئِذٍ فِى الْمَسْجِدِ فِى خَيْمَةِ كُعَيْبَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَكَانَتْ تُدَاوِى الْجَرْحَى، وَتَلُمّ الشّعَثَ وَتَقُومُ عَلَى الضّائِعِ وَاَلّذِى لا أَحَدَ لَهُ، وَكَانَ لَهَا خَيْمَةٌ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ جَعَلَ سَعْدًا فِيهَا.
فَلَمّا جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحُكْمَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَرَجَتْ الأَوْسُ، حَتّى جَاءُوهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ بِشَنَذَةٍ مِنْ لِيفٍ وَعَلَى الْحِمَارِ قَطِيفَةٌ فَوْقَ الشّنَذَةِ وَخِطَامُهُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ.
فَخَرَجُوا حَوْلَهُ يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَلاّك أَمْرَ مَوَالِيك لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَأَحْسِنْ، فَقَدْ رَأَيْت ابْنَ أُبَىّ وَمَا صَنَعَ فِى حُلَفَائِهِ، وَالضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ يَقُولُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَوَالِيَك، مَوَالِيَك قَدْ مَنَعُوك فِى الْمَوَاطِنِ كُلّهَا، وَاخْتَارُوك عَلَى مَنْ سِوَاك وَرَجَوْا عِيَاذَك، وَلَهُمْ جِمَالٌ وَعِدَدٌ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَحْسِنْ فِى مَوَالِيك وَحُلَفَائِك؛ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يُحِبّ الْبَقِيّةَ نَصَرُوك يَوْمَ الْبُعَاثِ وَالْحَدَائِقِ وَالْمَوَاطِنِ، وَلا تَكُنْ شَرّا مِنْ ابْنِ أُبَىّ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ: وَجَعَلَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، وَإِنّا وَاَللّهِ قَاتَلْنَا بِهِمْ فَقَتَلْنَا، وَعَازَزْنَا بِهِمْ فَعَزَزْنَا قَالُوا: وَسَعْدٌ لا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ سَعْدٌ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَلاّ تَأْخُذَهُ فِى اللّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ.
فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ: وَاقَوْمَاه ثُمّ رَجَعَ الضّحّاكُ إلَى الأَوْسِ فَنَعَى لَهُمْ بَنِى قُرَيْظَةَ، وَقَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ: وَاسُوءَ صَبَاحَاهُ، وَقَالَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ الظّفَرِىّ: ذَهَبَ قَوْمِى آخِرَ الدّهْرِ.
وَأَقْبَلَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَالنّاسُ حَوْلَ رَسُولِ اللّهِ ÷ جُلُوسٌ، فَلَمّا طَلَعَ سَعْدٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ”، فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ يَقُولُونَ فَقُمْنَا لَهُ عَلَى أَرْجُلِنَا صَفّيْنِ، يُحَيّيهِ كُلّ رَجُلٍ مِنّا، حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، وَقَائِلٌ يَقُولُ: إنّمَا عَنَى رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَوْلِهِ: “قُومُوا إلَى سَيّدِكُم” يَعْنِى بِهِ الأَنْصَارَ دُونَ قُرَيْشٍ، قَالَتْ الأَوْسُ الّذِينَ بَقُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ ÷ لِسَعْدٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَلاّك الْحُكْمَ، فَأَحْسِنْ فِيهِمْ وَاذْكُرْ بَلاءَهُمْ عِنْدَك.
فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: أَتَرْضَوْنَ بِحُكْمِى لِبَنِى قُرَيْظَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِك وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنّا، اخْتِيَارًا مِنّا لَك وَرَجَاءَ أَنْ تَمُنّ عَلَيْنَا كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُك فِى حُلَفَائِهِ مِنْ قَيْنُقَاعَ وَأَثَرُنَا عِنْدَك أَثَرُنَا، وَأَحْوَجُ مَا كُنّا الْيَوْمَ إلَى مُجَازَاتِك، فَقَالَ سَعْدٌ: لا آلُوكُمْ جَهْدًا، فَقَالُوا: مَا يَعْنِى بِقَوْلِهِ هَذَا؟ ثُمّ قَالَ: عَلَيْكُمْ عَهْدَ اللّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنّ الْحُكْمَ فِيكُمْ مَا حَكَمْت؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: لِلنّاحِيَةِ الأُخْرَى الّتِى فِيهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهَا إجْلالاً لِرَسُولِ اللّهِ ÷، وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا مِثْلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَمَنْ مَعَهُ نَعَمْ”. قَالَ سَعْدٌ: فَإِنّى أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى، وَتُسْبَى النّسَاءُ وَالذّرّيّةُ وَتُقْسَمُ الأَمْوَالُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَقَدْ حَكَمْت بِحُكْمِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ”.
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِى اللّيْلَةِ الّتِى فِى صُبْحِهَا نَزَلَتْ قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ÷ قَدْ دَعَا، فَقَالَ: “اللّهُمّ إنْ كُنْت أَبْقَيْت مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِى لَهَا، فَإِنّهُ لا قَوْمَ أَحَبّ إلَىّ أَنْ أُقَاتِلَ مِنْ قَوْمٍ كَذّبُوا رَسُولَ اللّهِ، وَآذَوْهُ، وَأَخْرَجُوهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَدْ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا عَنّا وَعَنْهُمْ، فَاجْعَلْهُ لِى شَهَادَةً وَلا تُمِتْنِى حَتّى تُقِرّ عَيْنِى مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ فَأَقَرّ اللّهُ عَيْنَهُ مِنْهُمْ”.
لا تختلف هذه الأخبار عند السيرة لابن هشام والبخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وغيرهم.

ونقرأ عن الأسلوب والتفاصيل البشعة لإبادة البشر وقد كانوا ما بين السبعمئة إلى التسعمئة إنسان:

فَأَمَرَ بِالسّبْىِ فَسِيقُوا إلَى دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ إلَى دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِأَحْمَالِ التّمْرِ فَنُثِرَتْ عَلَيْهِمْ فَبَاتُوا يَكْدُمُونَهَا كَدْمَ الْحُمُرِ وَجَعَلُوا لَيْلَتَهُمْ يَدْرُسُونَ التّوْرَاةَ، وَأَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالثّبَاتِ عَلَى دِينِهِ وَلُزُومِ التّوْرَاةِ.
وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالسّلاحِ وَالأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ وَالثّيَابِ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَأَمَرَ بِالإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَتُرِكَتْ هُنَاكَ تَرْعَى فِى الشّجَرِ، قَالُوا: ثُمّ غَدَا رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى السّوقِ فَأَمَرَ بِخُدُودٍ فَخُدّتْ فِى السّوقِ مَا بَيْنَ مَوْضِعِ دَارِ أَبِى جَهْمٍ الْعَدَوِىّ إلَى أَحْجَارِ الزّيْتِ بِالسّوقِ فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَحْفِرُونَ هُنَاكَ وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَمَعَهُ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَدَعَا بِرِجَالِ بَنِى قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَخْرُجُونَ رَسْلاً رَسْلاً، تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ.
فَقَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ: مَا تَرَى مُحَمّدًا مَا يَصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: مَا يَسُوءُكُمْ وَمَا يَنُوءُكُمْ وَيْلَكُمْ عَلَى كُلّ حَالٍ لا تَعْقِلُونَ أَلا تَرَوْنَ أَنّ الدّاعِىَ لا يَنْزِعُ وَأَنّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنْكُمْ لا يَرْجِعُ؟ هُوَ وَاَللّهِ السّيْفُ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلَى غَيْرِ هَذَا فَأَبَيْتُمْ، قَالُوا: لَيْسَ هَذَا بِحِينِ عِتَابٍ لَوْلا أَنّا كَرِهْنَا أَنْ نُزْرِىَ بِرَأْيِك مَا دَخَلْنَا فِى نَقْضِ الْعَهْدِ الّذِى كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ.
قَالَ حُيَىّ: اُتْرُكُوا مَا تَرَوْنَ مِنْ التّلاوُمِ فَإِنّهُ لا يَرُدّ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَاصْبِرُوا لِلسّيْفِ. فَلَمْ يَزَالُوا يُقْتَلُونَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَكَانَ الّذِينَ يَلُونَ قَتْلَهُمْ عَلِىّ وَالزّبَيْرُ، ثُمّ أُتِىَ بِحُيَىّ بْنِ أَخْطَبَ مَجْمُوعَةٍ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ عَلَيْهِ حُلّةٌ شَقْحِيّةٌ قَدْ لَبِسَهَا لِلْقَتْلِ ثُمّ عَمَدَ إلَيْهَا فَشَقّهَا أُنْمُلَةً لِئَلاّ يَسْلُبَهُ إيّاهَا أَحَدٌ، وَقَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ طَلَعَ: “أَلَمْ يُمَكّنْ اللّهُ مِنْك يَا عَدُوّ اللّهِ”؟ قَالَ: بَلَى وَاَللّهِ مَا لُمْت نَفْسِى فِى عَدَاوَتِك، وَلَقَدْ الْتَمَسْت الْعِزّ فِى مَكَانِهِ وَأَبَى اللّهُ إلاّ أَنْ يُمَكّنَك مِنّى، وَلَقَدْ قَلْقَلْت كُلّ مُقَلْقَلٍ وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلْ اللّهُ يُخْذَلْ.
ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ لا بَأْسَ بِأَمْرِ اللّهِ قَدْرٌ وَكِتَابٌ مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَى بَنِى إسْرَائِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ، ثُمّ أُتِىَ بِغَزّالِ بْنِ سَمَوْأَلٍ، فَقَالَ: “أَلَمْ يُمَكّنْ اللّهُ مِنْك”؟ قَالَ: بَلَى يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَمَرَ بِهِ النّبِىّ ÷ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
ثُمّ أُتِىَ بِنَبّاشِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ جَابَذَ الّذِى جَاءَ بِهِ حَتّى قَاتَلَهُ فَدَقّ الّذِى جَاءَ بِهِ أَنْفَهُ فَأَرْعَفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلّذِى جَاءَ بِهِ: “لِمَ صَنَعْت بِهِ هَذَا؟ أَمَا كَانَ فِى السّيْفِ كِفَايَةٌ”؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ جَابَذَنِى لأَنْ يَهْرُبَ، فَقَالَ: كَذَبَ وَالتّوْرَاةِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَوْ خَلاّنِى مَا تَأَخّرْت عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ قَوْمِى حَتّى أَكُونَ كَأَحَدِهِمْ، قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ وَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ حَتّى يُبْرِدُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ بَقِىَ لا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرّ الشّمْسِ وَحَرّ السّلاحِ - وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا - فَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقَوْهُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ”، فَلَمّا أَبْرَدُوا رَاحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقْتُلُ مَنْ بَقِىَ.

لا تختلف هذه الأخبار عند ابن هشام، ويعود الواقدي ليذكر في سياق منظم قصة إسلام أحد اليهود ليحمي نفسه من القتل مستجيرًا بأسرة عربية كانت تعرفه قديمًا وصادف أن ربتها خالة يثربية لمحمد (فأم محمد كانت من بني النجار اليثاربة):

وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ إحْدَى خَالاتِهِ، وَكَانَتْ قَدْ صَلّتْ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَيْهَا وَإِلَى أَخِيهَا سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَهْلِ الدّارِ وَكَانَ حِينَ حُبِسَ أَرْسَلَ إلَيْهَا أَنْ كَلّمِى مُحَمّدًا فِى تَرْكِى، فَإِنّ لِى بِكُمْ حُرْمَةً وَأَنْتِ إحْدَى أُمّهَاتِهِ فَتَكُونَ لَكُمْ عِنْدِى يَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا لَك يَا أُمّ الْمُنْذِرِ”؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ كَانَ يَغْشَانَا وَلَهُ بِنَا حُرْمَةٌ فَهَبْهُ لِى، وَقَدْ رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَلُوذُ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ هُوَ لَك”، ثُمّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ سَيُصَلّى وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ، فَتَبَسّمَ النّبِىّ ÷، ثُمّ قَالَ: “إنْ يُصَلّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَإِنْ يَثْبُتْ عَلَى دِينِهِ فَهُوَ شَرّ لَهُ”.
قَالَتْ: فَأَسْلَمَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مَوْلَى أُمّ الْمُنْذِرِ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاجْتَنَبَ الدّارَ حَتّى بَلَغَ أُمّ الْمُنْذِرِ ذَلِكَ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ إنّى وَاَللّهِ مَا أَنَا لَك بِمَوْلاةٍ وَلَكِنّى كَلّمْت رَسُولَ اللّهِ فَوَهَبَك لِى، فَحَقَنْت دَمَك وَأَنْتَ عَلَى نَسَبِك، فَكَانَ بَعْدُ يَغْشَاهَا، وَعَادَ إلَى الدّارِ.

ويسرد لنا الواقدي أنه لما كره معظم الأوس قتل حلفائهم، أجبرهم محمد على قتل بقية بني قريظة بأيديهم:

وَجَاءَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَالا: يَا رَسُولِ اللّهِ إنّ الأَوْسَ كَرِهَتْ قَتْلَ بَنِى قُرَيْظَةَ لِمَكَانِ حِلْفِهِمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَرِهَهُ مِنْ الأَوْسِ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ فَمَنْ كَرِهَهُ مِنْ الأَوْسِ لا أَرْضَاهُ اللّهُ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا تُبْقِيَنّ دَارًا مِنْ دُورِ الأَوْسِ إلاّ فَرّقْتهمْ فِيهَا، فَمَنْ سَخِطَ ذَلِكَ فَلا يُرْغِمُ اللّهُ إلاّ أَنْفَهُ فَابْعَثْ إلَى دَارِى أَوّلَ دُورِهِمْ.
فَبَعَثَ إلَى بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ بِاثْنَيْنِ فَضَرَبَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَقَبَةَ أَحَدِهِمَا، وَضَرَبَ أَبُو نَائِلَةَ الآخَرَ، وَبَعَثَ إلَى بَنِى حَارِثَةَ بِاثْنَيْنِ فَضَرَبَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ النّيَارِ رَقَبَةَ أَحَدِهِمَا، وَذَفّفَ عَلَيْهِ مُحَيّصَةُ، وَضَرَبَ الآخَرُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ ذَفّفَ عَلَيْهِ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ.
وَبَعَثَ إلَى بَنِى ظَفَرٍ بِأَسِيرَيْنِ. فَحَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قَتَلَ أَحَدَهُمَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، وَقَتَلَ الآخَرَ نَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ.
قَالَ عَاصِمٌ: وَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُعَاوِىّ، قَالَ: أَرْسَلَ إلَيْنَا - بَنِى مُعَاوِيَةَ - بِأَسِيرَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ، وَقَتَلَ الآخَرَ نُعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ؛ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِىّ.
قَالَ: وَأَرْسَلَ إلَى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِأَسِيرَيْنِ عُقْبَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَخِيهِ وَهْبِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَالآخَرَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ.
وَأَرْسَلَ إلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأُتِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ مَجْمُوعَةٍ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ”؟ قَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، ....إلخ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ”، فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
فَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: لَمّا قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ، وَنَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ، وَغَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ، وَكَعْبَ بْنَ أَسَدٍ وَقَامَ، قَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: “عَلَيْك بِمَنْ بَقِىَ”. فَكَانَ سَعْدٌ يُخْرِجُهُمْ رَسْلاً رَسْلاً يَقْتُلُهُمْ.

لقد ذكر ابن هشام تفاصيل أقل غزارة من تلك وجملاً أقل كمالاً عن قتل أشراف وزعماء اليهود، لكنه تجاهل تفصيلة إجبار محمد للأوس على قتل حلفائهم كاختبار للولاء والإيمان بقتل صحبة عمرهم وحلفائهم المخلصين!

لكنه لديه بعض معلومات مفيدة عن عدد القتلى في تلك المجزرة:

قال ابن اسحاق: ثم استُنزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة من بني النجار، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هى سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث اليهم، فضرب أعناقَهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرْسالاً، وفيهم عدو الله حُيى بن أخطب، وكعب بن أسد، رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة.

ويقول ابن هشام من شعر الوثنيين في رثاء يهود بني قريظة:

فقال جبل بن جوال الثعلبي:
لعَمْرك ما لام ابنُ أخطبَ نفسَه ولكنه من يخذُل الله يُخذلِ
لجاهد حتى أبلغَ النفسَ عذرَها وقلقَل يبغي العزَّ كلَّ مُقلقِلِ

ثم يحكي ابن هشام والواقدي عن قصة المرأة التي كره زوجها اليهوديّ أن تتعرض للسبي والاستعباد والاغتصاب، فحرَّضها بالحيلة على قتل أحد المسلمين فحكموا عليها بالإعدام فكانت سعيدة طيبة النفس لأنها صانت كرامتها ولم تعش مستعبدة بلا حرية ولا كرامة، فيالها من مآسٍ إنسانية وصور تراجيدية، يقول الواقدي:

قَالُوا: وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى النّضِيرِ، يُقَالُ لَهَا: نُبَاتَةُ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ، فَكَانَ يُحِبّهَا وَتُحِبّهُ فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ بَكَتْ إلَيْهِ، وَقَالَتْ: إنّك لَمُفَارِقِى، فَقَالَ: هُوَ وَالتّوْرَاةِ مَا تَرَيْنَ، وَأَنْتِ امْرَأَةٌ فَدَلّى عَلَيْهِمْ هَذِهِ الرّحَى، فَإِنّا لَمْ نَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا بَعْدُ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمّدٌ عَلَيْنَا لا يَقْتُلْ النّسَاءَ، وَإِنّمَا كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُسْبَى، فَأَحَبّ أَنْ تُقْتَلَ بِجُرْمِهَا، وَكَانَتْ فِى حِصْنِ الزّبِيرِ بْنِ بَاطَا، فَدَلّتْ رَحًى فَوْق الْحِصْنِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ رُبّمَا جَلَسُوا تَحْتَ الْحِصْنِ يَسْتَظِلّونَ فِى فَيْنِهِ فَأَطْلَعَتْ الرّحَى، فَلَمّا رَآهَا الْقَوْمُ انْفَضّوا، وَتُدْرِكُ خَلاّدَ بْنَ سُوَيْدٍ فَتَشْدَخُ رَأْسَهُ فَحَذِرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحِصْنِ.
فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الّذِى أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُقْتَلُوا، دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، فَجَعَلَتْ تَضْحَكُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَهِىَ تَقُولُ: سَرَاةُ بَنِى قُرَيْظَةَ يُقْتَلُونَ إذْ سَمِعَتْ صَوْتَ قَائِلٍ يَقُولُ: يَا نُبَاتَةُ، قَالَتْ: أَنَا وَاَللّهِ الّتِى أُدْعَى، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: قَتَلَنِى زَوْجِى - وَكَانَتْ جَارِيَةً حُلْوَةَ الْكَلامِ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَيْفَ قَتَلَك زَوْجُك؟ قَالَتْ: كُنْت فِى حِصْنِ الزّبِيرِ بْنِ بَاطَا، فَأَمَرَنِى فَدَلّيْت رَحًى عَلَى أَصْحَابِ مُحَمّدٍ فَشَدَخَتْ رَأْسَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَمَاتَ، وَأَنَا أُقْتَلُ بِهِ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِهَا، فَقُتِلَتْ بِخَلاّدِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: لا أَنْسَى طَيّبَ نَفْسِ نُبَاتَةَ وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ يَوْمَهُمْ حَتّى قُتِلُوا بِاللّيْلِ عَلَى شُعَلِ السّعَفِ.

هذه القصة يرويها كذلك ابن هشام عن ابن إسحاق، ورواها أحمد بن حنبل عن ابن إسحاق كذلك:

26364 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمْ يَقْتُلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً . قَالَتْ: وَاللهِ إِنَّهَا لَعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي، تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، " وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّوقِ "، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاللهِ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَيْلَكِ، وَمَا لَكِ ؟ قَالَتْ: أُقْتَلُ . قَالَتْ: قُلْتُ: وَلِمَ ؟ قَالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ . قَالَتْ: فَانْطُلِقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: وَاللهِ مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْ طِيبِ نَفْسِهَا، وَكَثْرَةِ ضَحِكِهَا وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ.

إسناده حسن من أجل ابن إسحاق - وهو محمد - وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف. وهو في "السيرة النبوية" لابن هشام 2/242، من حديث أبن إسحاق، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود (2671) ، والحاكم 3/35-36، والبيهقي في "السنن" 9/82، وفي "معرفة السنن" (18018) من طريقين، عن ابن إسحاق، به.

وينفرد الواقدي وهو الأستاذ المؤرخ الأمين وحده بذكر رد فعل الصدمة النفسية للأسيرات اليهوديات لما علمن بإبادة قومهن وأسرهن وأزواجهن وإخوانهن وآبائهن وأقاربهن:

حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ ثُمَامَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ، قَالَ: قُتِلُوا إلَى أَنْ غَابَ الشّفَقُ ثُمّ رُدّ عَلَيْهِمْ التّرَابُ فِى الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مَنْ شُكّ فِيهِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَلَغَ نُظِرَ إلَى مُؤْتَزَرِهِ إنْ كَانَ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْبِتْ طُرِحَ فِى السّبْىِ.
فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانُوا سِتّمِائَةٍ إلاّ عَمْرَو بْنَ السّعْدَى وُجِدَتْ رِمّتُهُ وَنَجَا، قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: خُرُوجُهُ مِنْ الْحِصْنِ أَثْبَتُ.
وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: كَانُوا مَا بَيْنَ سِتّمِائَةٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَحِمَهُ اللّهُ، يَقُولُ: كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، قَالُوا: وَكَانَ نِسَاءُ بَنِى قُرَيْظَةَ حِينَ تَحَوّلُوا فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَفِى دَارِ أُسَامَةَ يَقُلْنَ: عَسَى مُحَمّدٌ أَنْ يَمُنّ عَلَى رِجَالِنَا أَوْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَلَمّا أَصْبَحْنَ وَعَلِمْنَ بِقَتْلِ رِجَالِهِنّ صِحْنَ وَشَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَنَشَرْنَ الشّعُورَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ عَلَى رِجَالِهِنّ فَمَلأْنَ الْمَدِينَةَ.
قَالَ: يَقُولُ الزّبِيرُ بْن بَاطَا: اُسْكُتْنَ فَأَنْتُنّ أَوّلُ مَنْ سُبِىَ مِنْ نِسَاءِ بَنِى إسْرَائِيلَ مُنْذُ كَانَتْ الدّنْيَا؟ وَلا يُرْفَعُ السّبْىُ عَنْهُمْ حَتّى نَلْتَقِىَ نَحْنُ وَأَنْتُنّ، وَإِنْ كَانَ فِى رِجَالِكُنّ خَيْرٌ فَدُوكُنّ فَالْزَمْنَ دِينَ الْيَهُودِ فَعَلَيْهِ نَمُوتُ، وَعَلَيْهِ نَحْيَى.
ويقول ابن هشام عن قتل حتى المراهقين الصغار:

قال ابن اسحاق: وحدثني شُعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن عُمير، عن عطية القرظي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يُقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم وكنتُ غلاما، فوجدوني لم أنبت، فخلوا سبيلي.

وقد ورد في مسند أحمد:

19421 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: " عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَشَكُّوا فِيَّ، فَأَمَرَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَيَّ، هَلْ أَنْبَتُّ بَعْدُ ؟ فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ، فَخَلَّى عَنِّي وَأَلْحَقَنِي بِالسَّبْيِ "

18776 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: " عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ ، خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَخُلِّيَ سَبِيلِي.

قال السندي: عطية القُرَظي، نسبة إلى بني قريظة، لم يعرف اسم أبيه، سكن الكوفة.
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير صحابيه، فلم يرو له سوى أصحاب السنن. سفيان: هو الثوري. أخرجه ابن أبي شيبة 12/384 و539، والترمذي (1584) ، والنسائي في "الكبرى" (8621) ، وابن ماجه (2541) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2189) من طريق وكيع، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: لهذا حديث حسن صحيح، والعمل على لهذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغاً إن لم يعرف احتلامه ولا سنُّه، وهو قول أحمد وإسحاق. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (18743) ، وابن سعد 2/76-77، وأبو داود (4404) ، وأبو عوانة 4/57، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/216، والطبراني في "الكبير" 17/ (428) ، والبيهقي في "السنن" 6/58 و9/63، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/46 من طرق عن سفيان، به. وأخرجه الطيالسي (1284) ، والشافعي في "السنن المأثورة" (653) ، وعبد الرزاق (18742) ، وابن سعد 2/76-77، وأبو داود (4405) ، والنسائي في "المجتبى" 8/92، وفي "الكبرى" (8620) و (7474) ، والدارمي (2464) ، وابن الجارود في "المنتقى" (1045) ، وأبو عوانة 4/56 و57، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/216 و217، وابن قانع في "معجمه" 2/308، وابن حبان (4781) و (4783) و (4788) ، والطبراني 17/ (429-437) ، والحاكم 2/123 و3/35، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/58 و9/63، وفي "السنن الصغير" (2075) ، والمزي في "تهذيب الكمال"20/158 من طرق عن عبد الملك بن عمير، به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وأخرجه الحميدي (889) ، والنسائي في "الكبرى" (8619) ، وأبو عوانة 4/55، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/216 و217، وابن قانع في "معجمه" 2/308- 309، والطبراني 17/ (439) ، والحاكم 2/123 و4/389-390، والبيهقي في "السنن" 6/58 من طريق مجاهد بن جبر، عن عطية القرظي، به. وبعضهم لم يسم عطية، فقالوا: عن رجل من بني قريظة، أو: رجل في مسجد الكوفة. والحديث في مسند أحمد كذلك برقم (19421) و (19422) .وفي الباب عن كثير بن السائب عن ابني قريظة، برقم (19003) .
قال السندي: "فكان من أنبت"، أي: العانة، أي: جعلوا علامة البلوغ شعر العانة، فمن ظهر له قتلوه، ومَنْ لا فلا.

ويقول الواقدي:

حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ ثُمَامَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ، قَالَ: قُتِلُوا إلَى أَنْ غَابَ الشّفَقُ ثُمّ رُدّ عَلَيْهِمْ التّرَابُ فِى الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مَنْ شُكّ فِيهِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَلَغَ نُظِرَ إلَى مُؤْتَزَرِهِ إنْ كَانَ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْبِتْ طُرِحَ فِى السّبْىِ.

وبالإضافة إلى تأكيدنا على قتل محمد وصحبه لكل رجالهم حتى الشيوخ العجائز البؤساء، فها هو مثال من قصة الزبير بن باطا الذي نال عفوًا لأنه كان عفى عن أحد الخزرجيين قبل الإسلام فتوسط هذا له، فآثر القتل لما وجد أن من الخسة أن يحيا وقد قُتِل كل نبلاء قومه وشجعانهم، فقتله المسلمون ببساطة:

يقول الواقدي:

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ، قَالا: كَانَ الزّبِيرُ بْنُ بَاطَا مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَأَتَى ثَابِتٌ الزّبِيرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِى؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِى مِثْلَك؟ قَالَ ثَابِتٌ: إنّ لَك عِنْدِى يَدًا، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِهَا، قَالَ الزّبِيرُ: إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِى الْكَرِيمَ وَأَحْوَجُ مَا كُنْت إلَيْهِ الْيَوْمَ.، فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ كَانَ لِلزّبِيرِ عِنْدِى يَدٌ جَزّ نَاصِيَتِى يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقَالَ: اُذْكُرْ هَذِهِ النّعْمَةَ عِنْدَك، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا فَهَبْهُ لِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَهُوَ لَك”، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: “إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَهَبَك لِى”.
قَالَ الزّبِيرُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لا أَهْلَ وَلا وَلَدَ وَلا مَالَ بِيَثْرِبَ مَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ ÷، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِى وَلَدَهُ، فَأَعْطَاهُ وَلَدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِى مَالَهُ وَأَهْلَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَهْلَهُ فَرَجَعَ إلَى الزّبِيرِ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَعْطَانِى وَلَدَك وَأَهْلَك وَمَالَك.
فَقَالَ الزّبِيرُ: يَا ثَابِتُ أَمّا أَنْتَ، فَقَدْ كَافَأْتنِى وَقَضَيْت بِاَلّذِى عَلَيْك، يَا ثَابِتُ مَا فَعَلَ الّذِى كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ تَتَرَاءَى عَذَارَى الْحَىّ فِى وَجْهِهِ - كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِى؛ سَيّدُ الْحَيّيْنِ كِلَيْهِمَا، يَحْمِلُهُمْ فِى الْحَرْبِ وَيُطْعِمُهُمْ فِى الْمَحَلّ - حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَوّلُ غَادِيَةِ الْيَهُودِ إذَا حَمَلُوا، وَحَامِيَتُهُمْ إذَا وَلّوْا - غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ؟ قَالَ: قُتِلَ.
قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْحُوّلُ الْقُلّبُ الّذِى لا يَؤُمّ جَمَاعَةً إلاّ فَضّهَا وَلا عُقْدَةً إلاّ حَلّهَا - نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ لِوَاءُ الْيَهُودِ فِى الزّحْفِ - وَهْبُ بْنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِى رِفَادَةِ الْيَهُودِ وَأَبُو الأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ مِنْ الْيَهُودِ - عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْعَمْرَانِ اللّذَانِ كَانَا يَلْتَقِيَانِ بِدِرَاسَةِ التّوْرَاةِ؟ قَالَ: قُتِلا.
قَالَ: يَا ثَابِتُ فَمَا خَيْرٌ فِى الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلاءِ أَأَرْجِعُ إلَى دَارٍ كَانُوا فِيهَا حُلُولاً فَأَخْلُدَ فِيهَا بَعْدَهُمْ؟ لا حَاجَةَ لِى فِى ذَلِكَ، فَإِنّى أَسْأَلُك بِيَدِى عِنْدَك إلاّ قَدّمْتنِى إلَى هَذَا الْقَتّالِ الّذِى يَقْتُلُ سَرَاةَ بَنِى قُرَيْظَةَ، ثُمّ يُقَدّمُنِى إلَى مَصَارِعِ قَوْمِى، وَخُذْ سَيْفِى، فَإِنّهُ صَارِمٌ فَاضْرِبْنِى بِهِ ضَرْبَةً وَأَجْهِزْ وَارْفَعْ يَدَك، عَنْ الطّعَامِ وَأَلْصِقْ بِالرّأْسِ وَاخْفِضْ، عَنْ الدّمَاغِ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ لِلْجَسَدِ أَنْ يَبْقَى فِيهِ الْعُنُقُ، يَا ثَابِتُ لا أَصْبِرُ إفْرَاغَ دَلْوٍ مِنْ نَضْحٍ حَتّى أَلْقَى الأَحِبّةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ: وَيْحَك يَا ابْنَ بَاطَا، إنّهُ لَيْسَ إفْرَاغَ دَلْوٍ وَلَكِنّهُ عَذَابٌ أَبَدِىّ، قَالَ: يَا ثَابِتُ، قَدّمْنِى فَاقْتُلْنِى، قَالَ ثَابِتٌ: مَا كُنْت لأَقْتُلَنّك. قَالَ الزّبِيرُ: مَا كُنْت أُبَالِى مَنْ قَتَلَنِى، وَلَكِنْ يَا ثَابِتُ اُنْظُرْ إلَى امْرَأَتِى وَوَلَدِى فَإِنّهُمْ جَزِعُوا مِنْ الْمَوْتِ فَاطْلُبْ إلَى صَاحِبِك أَنْ يُطْلِقَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.
وَأَدْنَاهُ إلَى الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَطَلَبَ ثَابِتٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ ÷ كُلّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ مِنْ السّبَا، وَرَدّ عَلَيْهِمْ الأَمْوَالَ مِنْ النّخْلِ وَالإِبِلِ وَالرّثّةِ إلاّ الْحَلْقَةَ، فَإِنّهُ لَمْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمْ. فَكَانُوا مَعَ آلِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ.

لا تختلف القصة عند ابن هشام عن ابن إسحاق، سوى أن كلام ابن باطا مختصر فيها وغير كامل، وأنه ورد فيها هذا القول الدمث اللطيف المهذب من أبي بكر، وهو سلوك معتاد من أي متدين متطرف: فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله " ألقى الأحبة ". قال: يلقاهم والله في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا.

وقد قام محمد نفسه بالمشاركة في استعباد النساء، فاستعبد امرأة من بني النضير كانت زوجة لأحد القرظيين الذين قتلهم في مجزرته، فهذا هو محمد الذي يحسبه من لايقرؤون مثالاً للطف والرحمة والتحضر والتسامي كالملائكة!

يقول الواقدي:

قَالُوا: وَكَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدٍ مِنْ بَنِى النّضِيرِ مُتَزَوّجَةً فِى بَنِى قُرَيْظَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَفِيّا، وَكَانَتْ جَمِيلَةً فَعَرَضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ تُسْلِمَ فَأَبَتْ إلاّ الْيَهُودِيّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَوَجَدَ فِى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى ابْنِ سَعِيّةَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ سَعِيّةَ: فِدَاك أَبِى وَأُمّى، هِىَ تُسْلِمُ فَخَرَجَ حَتّى جَاءَهَا، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: لا تَتّبِعِى قَوْمَك، فَقَدْ رَأَيْت مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ، فَأَسْلِمِى يَصْطَفِيك رَسُولُ اللّهِ ÷ لِنَفْسِهِ.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ، فَقَالَ: “إنّ هَاتَيْنِ لَنَعْلا ابْنِ سَعِيّةَ يُبَشّرُنِى بِإِسْلامِ رَيْحَانَةَ”، فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسُرّ بِذَلِكَ.
فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْمُعَاوِىّ، قَالَ: أَرْسَلَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَيْتِ سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ أُمّ الْمُنْذِرِ، وَكَانَتْ عِنْدَهَا حَتّى حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمّ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا، فَجَاءَتْ أُمّ الْمُنْذِرِ، فَأَخْبَرَتْ النّبِىّ ÷ فَجَاءَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى مَنْزِلِ أُمّ الْمُنْذِرِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ: “إنْ أَحْبَبْت أُعْتِقُك وَأَتَزَوّجُك فَعَلْتُ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ تَكُونِى فِى مِلْكِى أَطَؤُك بِالْمِلْكِ فَعَلْتُ”، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ أَخَفّ عَلَيْك، وَعَلَىّ أَنْ أَكُونَ فِى مِلْكِك، فَكَانَتْ فِى مِلْكِ النّبِىّ ÷ يَطَؤُهَا حَتّى مَاتَتْ عِنْدَهُ.

اتبعوا معها التخويف والحصار النفسيّ وغسيل المخ حتى اتبعت دين محمد إراحة لنفسها من الاضطهاد والعنف والضغط النفسي.

ذات الخبر يورده ابن هشام بلا اختلاف. وورد بإسناد حسن في تاريخ الطبري ج2 والطبقات الكبرى لابن سعد ج8 وابن كثير في البداية والنهاية ج4 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 24

ولنقرأ كيف تم تقسيم المسروقات المنهوبة، وتوزيع وبيع النساء والأطفال كما يليق بهمج القرون الوسطى، يقول الواقدي:

ذِكْرُ قَسْمِ الْمَغْنَمِ وَبَيْعِهِ
قَالُوا: لَمّا اجْتَمَعَتْ الْمَغَانِمُ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْمَتَاعِ، فَبِيعَ فِيمَنْ يُرِيدُ وَبِيعَ السّبْىُ فِيمَنْ يُرِيدُ، وَقُسِمَتْ النّخْلُ. فَكَانَ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَظَفَرٍ وَحَارِثَةَ وَبَنُو مُعَاوِيَةَ وَهَؤُلاءِ النّبِيتُ لَهُمْ سَهْمٌ. وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمَنْ بَقِىَ مِنْ الأَوْسِ سَهْمًا.
وَكَانَتْ بَنُو النّجّارِ، وَمَازِنٍ وَمَالِكٍ وَذُبْيَانَ وَعَدِىّ سَهْمًا. وَكَانَتْ سَلِمَةُ وَزُرَيْقٌ وَبَلْحَارِثُ بْنُ الْخَزْرَجِ، سَهْمًا. وَكَانَتْ الْخَيْلُ سِتّةً وَثَلاثِينَ فَرَسًا؛ فَكَانَتْ أَوّلَ مَا أُعْلِمَتْ سُهْمَانُ الْخَيْلِ يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ، ثُمّ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ أَيْضًا عُمِلَ فِيهَا مَا عُمِلَ فِى الْمُرَيْسِيعِ. أُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ.
........... وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلاثَةَ آلافٍ وَالْخَيْلُ سِتّةً وَثَلاثِينَ فَرَسًا، فَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَلاثَةِ آلافٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ.

وَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ الْخَيْلُ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ سِتّا وَثَلاثِينَ فَرَسًا، وَقَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثَلاثَةَ أَفْرَاسٍ فَلَمْ يَضْرِبْ إلاّ سَهْمًا وَاحِدًا، وَكَانَتْ السّهْمَانُ ثَلاثَةَ آلافٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا، وَأَسْهَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الأَمْوَالِ فَجُزّئَتْ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ. وَكُتِبَ فِى سَهْمٍ مِنْهَا “لِلّهِ”، وَكَانَتْ السّهْمَانُ يَوْمَئِذٍ بَوَاءً فَخَرَجَتْ السّهْمَانُ وَكَذَلِك الرّثّةُ وَالإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالسّبْىُ. ثُمّ فُضّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ عَلَى النّاسِ وَأَحْذَى النّسَاءَ يَوْمَئِذٍ اللاّتِى حَضَرْنَ الْقِتَالَ وَضَرَبَ لِرَجُلَيْنِ - وَاحِدٍ قُتِلَ وَآخَرَ مَاتَ.
وَأَحْذَى رَسُولُ اللّهِ ÷ نِسَاءً شَهِدْنَ بَنِى قُرَيْظَةَ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنّ - صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأُمّ عُمَارَةَ وَأُمّ سَلِيطٍ وَأُمّ الْعَلاءِ وَالسّمَيْرَاءُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَأُمّ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ.

ويضيف الواقدي واصفًا كيف تم تشتيت وبيع النساء هنا وهناك وتوزيع أربعة الأخماس على الجنود ليصرن ملكاً لهم للجنس أو البيع، والتصرف في الخمس المملوك لمحمد بالبيع للتمويل المالي والتسليح:

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا سُبِىَ بَنُو قُرَيْظَةَ - النّسَاءُ وَالذّرّيّةُ - بَاعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْهُمْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ طَائِفَةً وَبَعَثَ طَائِفَةً إلَى نَجْدٍ، وَبَعَثَ طَائِفَةً إلَى الشّامِ مَعَ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ، يَبِيعُهُمْ وَيَشْتَرِى بِهِمْ سِلاحًا وَخَيْلاً، وَيُقَالُ: بَاعَهُمْ بَيْعًا مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَاقْتَسَمَا فَسَهَمَهُ عُثْمَانُ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَجَعَلَ عُثْمَانُ عَلَى كُلّ مَنْ جَاءَ مِنْ سَبْيِهِمْ شَيْئًا مُوفِيًا، فَكَانَ يُوجَدُ عِنْدَ الْعَجَائِزِ الْمَالُ وَلا يُوجَدُ عِنْدَ الشّوَابّ فَرَبِحَ عُثْمَانُ مَالاً كَثِيرًا - وَسَهَمَ عَبْدُ الرّحْمَنِ - وَذَلِكَ أَنّ عُثْمَانَ صَارَ فِى سَهْمِهِ الْعَجَائِزُ.
وَيُقَالُ: لَمّا قَسَمَ جَعَلَ الشّوَابّ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجَائِزَ عَلَى حِدَةٍ ثُمّ خَيّرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ عُثْمَانَ، فَأَخَذَ عُثْمَانُ الْعَجَائِزَ.
حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ السّبْىُ أَلْفًا مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خُمُسَهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمَغْنَمِ جَزّأَ السّبْىَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ فَأَخَذَ خُمُسًا، فَكَانَ يُعْتِقُ مِنْهُ وَيَهَبُ مِنْهُ وَيُخَدّمُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَ، وَكَذَلِكَ صَنَعَ بِمَا أَصَابَ مِنْ رِثّتِهِمْ قُسِمَتْ قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ وَكَذَلِكَ النّخْلُ عَزَلَ خُمُسَهُ، وَكُلّ ذَلِكَ يُسْهِمُ عَلَيْهِ ÷ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَيَكْتُبُ فِى سَهْمٍ مِنْهَا “لِلّهِ”، ثُمّ يُخْرِجُ السّهْمَ فَحَيْثُ صَارَ سَهْمُهُ أَخَذَهُ وَلَمْ يَتَخَيّرْ. وَصَارَ الْخُمُسُ إلَى مَحْمِيّةِ ابْنِ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ وَهُوَ الّذِى قَسَمَ الْمَغْنَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَانَ يُسْهِمُ وَلا يَتَخَيّرُ.
حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ سَبْىِ بَنِى قُرَيْظَةَ فِى الْقَسْمِ وَالْبَيْعِ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ.
وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَ يَوْمَئِذٍ لا يُفَرّقُ بَيْنَ الأُمّ وَوَلَدِهَا حَتّى يَبْلُغُوا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا بُلُوغُهُمْ؟ قَالَ: “تَحِيضُ الْجَارِيَةُ وَيَحْتَلِمُ الْغُلامُ”.
وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ يَوْمَئِذٍ يُفَرّقُ بَيْن الأُخْتَيْنِ إذَا بَلَغَتَا، وَبَيْنَ الأُمّ وَابْنَتِهَا إذَا بَلَغَتْ وَكَانَتْ الأُمّ تُبَاعُ وَوَلَدُهَا الصّغَارُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَرَبِ، وَمِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَتَيْمَاءَ وَخَيْبَرَ يَخْرُجُونَ بِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْوَلِيدُ صَغِيرًا لَيْسَ مَعَهُ أُمّ لَمْ يُبَعْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلا مِنْ الْيَهُودِ، إلاّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
فَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: ابْتَعْت يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبْىِ ثَلاثَةً امْرَأَةً مَعَهَا ابْنَاهَا، بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَكَانَ ذَلِكَ حَقّى وَحَقّ فَرَسِى مِنْ السّبْىِ وَالأَرْضِ وَالرّثّةِ وَغَيْرِى كَهَيْئَتِى، وَكَانَ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ، لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ.

أما ابن هشام عن ابن إسحاق، فكعادته يكتفي بالقول باستحياء واقتضاب:

قال ابن اسحاق: ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءَهم وأبناءَهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سُهمان الخيل وسُهمان الرجال، وأخرج منها الخُمس، فكان للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان ولفارسه سهم، وللراجل من ليس له فرس، سهم. وكانت الخيل يومَ بني قريظة ستة وثلاثين فرسا، وكان أول فيء وقعت فيه السُّهمان، وأخرج منها الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم، ومضت السُّنة في المغازي. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشْهل بسبي من سبايا بني قُريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحًا.

لنرَ مشهدًا مؤثرًا يوجع النفس لرجل يهوديّ ثريّ طيِّب_على كونه تاجرًا ناجحًا_يقوم بشراء وتحرير بعض سبايا نساء يهود قريظة، انفرد بذكره الواقديّ:

فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ نَجْرَةَ السّاعِدِىّ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَبِيعُ سَبْىَ بَنِى قُرَيْظَةَ فَاشْتَرَى أَبُو الشّحْمِ الْيَهُودِىّ امْرَأَتَيْنِ مَعَ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلاثَةُ أَطْفَالٍ غِلْمَانٍ وَجَوَارٍ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ دِينَارٍ، وَجَعَلَ يَقُولُ أَلَسْتُمْ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ؟ فَتَقُولُ الْمَرْأَتَانِ: لا نُفَارِقُ دِينَ قَوْمِنَا حَتّى نَمُوتَ عَلَيْهِ وَهُنّ يَبْكِينَ.

تبكي المرأتان المسكينتان تأثرًا لما تعرضن له من عنفٍ وسجن وخطف، أو ربما خوفًا وإشفاقًا أن يتعرضن للسبي والاغتصاب والاستعباد والبيع والشراء والمهانة فيؤكدان يهوديتهما لرجل يريد مساعدة من هم على دينه ممن تعرضوا لتلك المأساة الإنسانية، حسنًا فعل الرجل المحسن لكن إن أحسنَّا الظن به بشرفه ونبل أخلاقه في ذلك الزمن السيء لقلنا أنه سيحررهما أو يتزوجهما، لكنه بدوره قد يتخذهما مملوكتين جاريتين له، ولا يمكننا تكهن الأمر. لكن ذلك خير ما كان يمكن حدوثه لو حدث.
وجاء في صحيح البخاري:

4121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ فَقَالَ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ فَقَالَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ

4122 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَهُوَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

لقد اغتنى محمد أكثر بالإضافة إلى كل ما نهبه في الغزوات والحروب المذكورة آنفًا خاصة ضد بني قينقاع وبني النضير، يقول البخاري عن تحسن أحوال محمد نتيجة السرقة والنهب الذي نالمنه حصة الأسد وأثرى:

بَاب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ
3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ

4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَارَبَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ

4120 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ ح و حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتْ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا أَوْ كَمَا قَالَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكِ كَذَا وَتَقُولُ كَلَّا وَاللَّهِ حَتَّى أَعْطَاهَا حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا قَالَ

وانظر البخاري 946 و2813 و 3720وغيرها، وأحمد 25097 و1409 و6367 و11168 و 11680 و13291 غيرها، والأحاديث في مسلم وأحمد لا تضيف جديدًا فلينظرها من أراد.




  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 03:45 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [17]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

غزوة القرطاء

غزْوَةُ الْقُرْطَاءِ
حَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: خَرَجْت فِى عَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ، فَغِبْت تِسْعَ عَشْرَةَ وَقَدِمْت لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا.
حَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَنَسٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِى الْحَدِيثِ، قَالا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِى ثَلاثِينَ رَجُلاً، فِيهِمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ إلَى بَنِى بَكْرِ بْنِ كِلابٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ اللّيْلَ وَيَكْمُنَ النّهَارَ، وَأَنْ يَشُنّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ.
فَكَانَ مُحَمّدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ، حَتّى إذَا كَانَ بِالشّرَبَةِ لَقِىَ ظُعُنًا، فَأَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْأَلُ مَنْ هُمْ، فَذَهَبَ الرّسُولُ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَقَالَ: قَوْمٌ مِنْ مُحَارِبٍ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُ وَحَلّوا وَرَوّحُوا مَاشِيَتَهُمْ، فَأَمْهَلَهُمْ حَتّى إذَا ظَعَنُوا أَغَارَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ نَفَرًا مِنْهُمْ وَهَرَبَ سَائِرُهُمْ فَلَمْ يَطْلُبْ مَنْ هَرَبَ وَاسْتَاقَ نَعَمًا وَشَاءً وَلَمْ يَعْرِضْ لِلظّعُنِ.
ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ يُطْلِعُهُ عَلَى بَنِى بَكْرٍ بَعَثَ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ إلَيْهِمْ فَأَوْفَى عَلَى الْحَاضِرِ، فَأَقَامَ فَلَمّا رَوّحُوا مَاشِيَتَهُمْ وَحَلَبُوا وَعَطّنُوا، جَاءَ إلَى مُحَمّدِ ابْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَخْبَرَهُ فَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَشَنّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةً وَاسْتَاقُوا النّعَمَ وَالشّاءَ ثُمّ انْحَدَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا أَصْبَحَ حِينَ أَصْبَحَ إلاّ بِضَرِيّةَ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ.
ثُمّ حَدَرْنَا النّعَمَ، وَخِفْنَا الطّلَبَ وَطَرَدْنَا الشّاءَ أَشَدّ الطّرْدِ فَكَانَتْ تَجْرِى مَعَنَا كَأَنّهَا الْخَيْلُ حَتّى بَلَغْنَا الْعَدَاسَةَ فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا الشّاءُ بِالرّبَذَةِ فَخَلّفْنَاهُ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِى يَقْصِدُونَ بِهِ وَطُرِدَ النّعَمُ فَقُدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِىّ ÷.
وَكَانَ مُحَمّدٌ يَقُولُ: خَرَجْت مِنْ ضَرِيّةَ، فَمَا رَكِبْت خُطْوَةً حَتّى وَرَدْت بَطْنَ نَخْلٍ، فَقُدِمَ بِالنّعَمِ خَمْسِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ وَالشّاءِ، وَهِىَ ثَلاثَةُ آلافِ شَاةٍ، فَلَمّا قَدِمْنَا خَمّسَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، ثُمّ فَضّ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا بَقِىَ فَعَدَلُوا الْجَزُورَ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ فَأَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ.

كما نرى حرب الكل ضد الكل، همجية مطلقة وغارات للسرقة والنهب، جو مسموم بإقليم صحرواي جدب من الزرع والحضارة والتمدن والأخلاق على نحو نموذجي لإنشاء ديانة قوم متعصبين وإرهابيين عنيفين، أخلاق أعراب وبدو ناهبين.






سَرِيّةُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ إلَى الْغَمْرِ
فِى شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلاً مِنْ بَنِى أَسَدِ ابْنِ خُزَيْمَةَ يُحَدّثُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُكّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ فِى أَرْبَعِينَ رَجُلاً - مِنْهُمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، فَخَرَجَ سَرِيعًا يُغِذّ السّيْرَ وَنَذَرَ الْقَوْمَ فَهَرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ فَنَزَلُوا عَلْيَاءَ بِلادِهِمْ فَانْتَهَى إلَى الْمَاءِ فَوَجَدَ الدّارَ خُلُوفًا، فَبَعَثَ الطّلائِعَ يَطْلُبُونَ خَبَرًا أَوْ يَرَوْنَ أَثَرًا حَدِيثًا، فَرَجَعَ إلَيْهِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ رَأَى أَثَرَ نَعَمٍ قَرِيبًا، فَتَحَمّلُوا فَخَرَجُوا حَتّى يُصِيبُوا رَبِيئَةً لَهُمْ قَدْ نَظَرَ لَيْلَتَهُ يَسْمَعُ الصّوْتَ فَلَمّا أَصْبَحَ نَامَ فَأَخَذُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالُوا: الْخَبَرَ عَنْ النّاسِ، قَالَ: وَأَيْنَ النّاسُ؟ قَدْ لَحِقُوا بِعَلْيَاءِ بِلادِهِمْ قَالُوا: فَالنّعَمُ؟ قَالَ: مَعَهُمْ، فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ، قَالَ: تُؤَمّنُنِى عَلَى دَمِى وَأُطْلِعُك عَلَى نَعَمٍ لِبَنِى عَمّ لَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَسِيرِكُمْ إلَيْهِمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَانْطَلَقُوا مَعَهُ فَخَرَجَ حَتّى أَمْعَنَ وَخَافُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَهُ فِى غَدْرٍ فَقَرّبُوهُ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَتَصْدُقَنّا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك، قَالَ: تَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الظّرَيْبِ. قَالَ: فَأَوْفَوْا عَلَى الظّرَيْبِ فَإِذَا نَعَمٌ رَوَاتِعُ فَأَغَارُوا عَلَيْهِ فَأَصَابُوهُ وَهَرَبَتْ الأَعْرَابُ فِى كُلّ وَجْهٍ وَنَهَى عُكّاشَةُ عَنْ الطّلَبِ وَاسْتَاقُوا مِائَتَىْ بَعِيرٍ فَحَدَرُوهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلُوا الرّجُلَ وَقَدِمُوا عَلَى النّبِىّ ÷ وَلَمْ يُصَبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا.
لم يكن بنو أسد أصحاب ماء الغمر قاموا بأي شيءضد محمد، فهذا عدوان إسلامي مبين جليّ.





سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى ذِى الْقَصّةِ



إلَى بَنِى ثَعْلَبَةَ وَعُوَالٍ فِى رَبِيعٍ الآخِر

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النّبِىّ ÷ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِى عَشَرَةٍ فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً، فَكَمَنَ الْقَوْمُ حَتّى نَامَ وَنَامَ أَصْحَابُهُ فَأَحْدَقُوا بِهِ وَهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ فَمَا شَعَرَ الْقَوْمُ إلاّ بِالنّبْلِ قَدْ خَالَطَتْهُمْ. فَوَثَبَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَعَلَيْهِ الْقَوْسُ فَصَاحَ بِأَصْحَابِهِ السّلاحَ فَوَثَبَ فَتَرَامَوْا سَاعَةً مِنْ اللّيْلِ ثُمّ حَمَلَتْ الأَعْرَابُ بِالرّمَاحِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ثَلاثَةً ثُمّ انْحَازَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ إلَيْهِ فَقَتَلُوا مِنْ الْقَوْمِ رَجُلاً، ثُمّ حَمَلَ الْقَوْمُ فَقَتَلُوا مَنْ بَقِىَ. وَوَقَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَرِيحًا، فَضُرِبَ كَعْبُهُ فَلا يَتَحَرّكُ وَجَرّدُوهُمْ مِنْ الثّيَابِ وَانْطَلَقُوا، فَمَرّ رَجُلٌ عَلَى الْقَتْلَى فَاسْتَرْجَعَ فَلَمّا سَمِعَهُ مُحَمّدٌ تَحَرّكَ لَهُ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَعَرَضَ عَلَى مُحَمّدٍ طَعَامًا وَشَرَابًا وَحَمَلَهُ حَتّى وَرَدَ بِهِ الْمَدِينَةَ.
فَبَعَثَ النّبِىّ ÷ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِى أَرْبَعِينَ رَجُلاً إلَى مَصَارِعِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا وَاسْتَاقَ نَعَمًا ثُمّ رَجَعَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَذَكَرْت هَذِهِ السّرِيّةَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ خَرَجَ فِى عَشَرَةِ نَفَرٍ أَبُو نَائِلَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَنُعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ، وَمُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَحُوَيّصَةُ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَرَجُلانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَرَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقُتِلَ الْمُزَنِيّانِ وَالْغَطَفَانِىّ، وَارْتُثّ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ الْقَتْلَى، قَالَ مُحَمّدٌ: فَلَمّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ نَظَرْت إلَى أَحَدِ النّفَرِ الّذِينَ كَانُوا وَلُوا ضَرْبِى يَوْمَ ذِى الْقَصّةِ فَلَمّا رَآنِى قَالَ: أَسْلَمْت وَجْهِى لِلّهِ فَقُلْت: أَوْلَى.




أعمال نهب وسلب بعضها ينجح والآخر يفشل، في تاريخ مقزز دموي.

سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى ذِى الْقَصّةِ
فِى رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتّ لَيْلَةَ السّبْتِ وَغَابَ لَيْلَتَيْنِ
حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الأَشْجَعِىّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَيْلَةَ وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِيهِ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قَالا: أَجْدَبَتْ بِلادُ بَنِى ثَعْلَبَةَ وَأَنْمَارٍ، وَوَقَعَتْ سَحَابَةٌ بِالْمَرَاضِ إلَى تَغْلَمَيْنِ، فَصَارَتْ بَنُو مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ وَأَنْمَارٍ إلَى تِلْكَ السّحَابَةِ وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يُغِيرُوا عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، وَسَرْحُهُمْ يَوْمَئِذٍ يَرْعَى بِبَطْنِ هَيْقَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِى أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ صَلّوْا صَلاةَ الْمَغْرِبِ فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ يَمْشُونَ حَتّى وَافَوْا ذِى الْقَصّةِ مَعَ عَمَايَةِ الصّبْحِ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا فِى الْجِبَالِ وَأَخَذَ رَجُلاً مِنْهُمْ وَوَجَدَ نَعَمًا مِنْ نَعَمِهِمْ فَاسْتَاقَهُ وَرِثّةً مِنْ مَتَاعٍ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ الرّجُلُ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ خَمّسَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَقَسّمَ مَا بَقِىَ عَلَيْهِمْ.

نعم يسهل على المنتصر أن يزعم ويكتب ما شاء، لكن الحقيقة الواضحة الوحيدة أن المغير والنهاب واللص الوحيد في هذه الحادثة_بغض النظر عن أي مزاعم وادعاآت_هم محمد وأتباعه!












سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْعِيصِ


فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ غَزْوَةِ الْغَابَةِ بَلَغَهُ أَنّ عِيرًا لِقُرَيْشٍ أَقْبَلَتْ مِنْ الشّامِ، فَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِى سَبْعِينَ وَمِائَةِ رَاكِبٍ فَأَخَذُوهَا وَمَا فِيهَا. وَأَخَذُوا يَوْمَئِذٍ فِضّةً كَثِيرَةً لِصَفْوَانَ وَأَسَرُوا نَاسًا مِمّنْ كَانَ فِى الْعِيرِ مَعَهُمْ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ. فَأَمّا أَبُو الْعَاصِ فَلَمْ يَغْدُ أَنْ جَاءَ الْمَدِينَةَ، ثُمّ دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ ÷ سَحَرًا، وَهِىَ امْرَأَتُهُ فَاسْتَجَارَهَا فَأَجَارَتْهُ.

هكذا استمر محمد في قطع الطرق مخالفة كل الأعراف، مثيرًا العداوات مع جيرانه، وهو النهج المحمدي القرآني الذي سيتبعه المسلمون الأصوليون العنصريون دومًا كسياسات لدولهم. سيرد محمد لزوج ابنه الوثني فقط ما كان له ثم سيسلم هذا المذكور وهو أبو العاص.











سَرِيَّة محمد بن مسلمة قِبَلَ نَجْد

سنة 6 فِي الْمحرم مِنْهَا

روى البخاري:
4372 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ورواه مسلم وأحمد وابن هشام، لعل الرجل شعر بأن محمد لديه تنظيم وفكرة قوية لعرب ذلك الزمن فهو أعد أتباعه بأسلوب عسكري منظم حتى في مواعيد الصلوات وطريقة أدائها ليبقوا مستيقظين طوال اليوم قدر الإمكان للحذر من أي هجمات ومتحدين، أو لعله تأثر بحديث محمد ومناخ يثرب المتأسلم وتأثر بترك محمد له بخلاف أخلاق ما قبل الإسلام القاسية بدروها فاعتبر الأمر الطبيعي وهو إطلاقه فضيلة، مع أن الهجوم على نجد وأسر رجل مارّ بها بالصدفة ليس من الفضيلة في شيء بأخلاق التحضر والتمدن والإنسانية، وفي هذه الهمجة على نجدٍ نهب أصحاب محمد بعض الجمال كما نعلم من الواقدي في سرده لغزوة ذي قرد (الغابة):

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَعَلِىّ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ، قَالُوا: كَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ ÷ عِشْرِينَ لِقْحَةً، وَكَانَتْ مِنْ شَتّى، مِنْهَا مَا أَصَابَ فِى ذَاتِ الرّقَاعِ، وَمِنْهَا مَا قَدِمَ بِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ نَجْدٍ، وَكَانَتْ تَرْعَى الْبَيْضَاءَ وَدُونَ الْبَيْضَاءِ، فَأَجْدَبَ مَا هُنَاكَ فَقَرّبُوهَا إلَى الْغَابَةِ، تُصِيبُ مِنْ أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا وَتَغْدُو فِى الشّجَرِ.













سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم

قال محمد بن سعد في الطبقات الكبير:

ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل عن يسارها، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد، فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم عن محله من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للمزنية نفسها وزوجها فقال: بلال بن الحارث في ذلك شعرا:
لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معا

والغزوة ذكرها الواقدي في قائمة مغازيه، وهي نموذج لأعمال النهب والسلب، سيقول المسلمون أن بني سليم كانوا حلفاء قريش وطالما حاربوا محمدًا، لكن هذه مبررات في بيئة مسمومة كغطاء لأعمال النهب والسلب كأسلوب حياة وتكسب غير شريف ولا محمود.






سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ


فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى أَسَامّةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِىّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَنّاحٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ إلَى بَنِى ثَعْلَبَةَ فَخَرَجَ فِى خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، حَتّى إذَا كَانُوا بِالطّرَفِ أَصَابَ نَعَمًا وَشَاءً. وَهَرَبَتْ الأَعْرَابُ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ سَارَ إلَيْهِمْ فَانْحَدَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتّى صَبّحَ الْمَدِينَةَ بِالنّعَمِ وَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ حَتّى أَعْجَزَهُمْ فَقَدِمَ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا. وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ فِيهَا، وَإِنّمَا غَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ.
حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى رُشْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَنْ حَضَرَ السّرِيّةَ قَالَ: أَصَابَهُمْ بَعِيرَانِ أَوْ حِسَابُهُمَا مِنْ الْغَنَمِ فَكَانَ كُلّ بَعِيرٍ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ.

بصرف النظر عن تعليلات المسلمين عن العداوة مع بني ثعلبة، فالسرقة تظل سرقة والنهب يظل نهبًا وإرهابًا!









سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى


فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ

يقول الواقدي:

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى. فَأَقْبَلَ حَتّى كَانَ بِحِسْمَى، فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطّرِيقَ وَأَصَابُوا كُلّ شَيْءٍ مَعَهُ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَدِينَةِ إلاّ بِسَمَلٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدَقّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ هَذَا”؟ فَقَالَ: دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ، قَالَ: “اُدْخُلْ”، فَدَخَلَ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَمّا كَانَ مِنْ هِرَقْلَ حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِ ذَلِكَ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْبَلْت مِنْ عِنْدِهِ حَتّى كُنْت بِحِسْمَى فَأَغَارَ عَلَىّ قَوْمٌ مِنْ جُذَامٍ، فَمَا تَرَكُوا مَعِى شَيْئًا حَتّى أَقْبَلْت بِسَمَلِى، هَذَا الثّوْبَ.
فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا مِنْ سَعْدِ هُذَيْمٍ كَانَ قَدِيمًا يُخْبِرُ، عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ إنّ دِحْيَةَ لَمّا أُصِيبَ - أَصَابَهُ الْهُنَيْدُ بْنُ عَارِضٍ وَابْنُهُ عَارِضُ بْنُ الْهُنَيْدِ: وَكَانَا وَاَللّهِ نَكِدَيْنِ مَشْئُومَيْنِ فَلَمْ يُبْقُوا مَعَهُ شَيْئًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ بَنِى الضّبَيْبِ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ. فَكَانَ فِيمَنْ نَفَرَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ أَبِى جُعَالٍ فِى عَشَرَةِ نَفَرٍ وَكَانَ نُعْمَانُ رَجُلَ الْوَادِى ذَا الْجَلَدِ وَالرّمَايَةِ. فَارْتَمَى النّعْمَانُ وَقُرّةُ بْنُ أَبِى أَصْفَرَ الصّلعِىّ، فَرَمَاهُ قُرّةُ فَأَصَابَ كَعْبَهُ فَأَقْعَدَهُ إلَى الأَرْضِ. ثُمّ انْتَهَضَ النّعْمَانُ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ عَرِيضِ السّرْوَةِ فَقَالَ: خُذْهَا مِنْ الْفَتَى فَخَلّ السّهْمُ فِى رُكْبَتِهِ فَشَنّجَهُ، وَقَعَدَ فَخَلّصُوا لِدِحْيَةَ مَتَاعَهُ فَرَجَعَ بِهِ سَالِمًا إلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ مُوسَى: فَسَمِعْت شَيْخًا آخَرَ يَقُولُ: إنّمَا خَلّصَ مَتَاعَ دِحْيَةَ رَجُلٌ كَانَ صَحِبَهُ مِنْ قُضَاعَةَ، هُوَ الّذِى كَانَ اسْتَنْقَذَ لَهُ كُلّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ رَدّهُ عَلَى دِحْيَةَ، ثُمّ إنّ دِحْيَةَ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِىّ ÷ فَاسْتَسْعَى النّبِىّ ÷ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَأَمَرَ النّبِىّ ÷ بِالْمَسِيرِ فَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَعَهُ.
وَقَدْ كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِىّ قَدِمَ عَلَى النّبِىّ ÷ وَافِدًا، فَأَجَازَهُ النّبِىّ ÷ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمّ سَأَلَ النّبِىّ ÷ أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُ كِتَابًا، فَكَتَبَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى قَوْمِهِ عَامّةً وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ حِزْبِ اللّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَمَنْ ارْتَدّ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ. فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ بِكِتَابِ النّبِىّ ÷ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فَأَجَابُوهُ وَأَسْرَعُوا، وَنَفَذُوا إلَى مُصَابِ دِحْيَةَ الْكَلْبِىّ فَوَجَدُوا أَصْحَابَهُ قَدْ تَفَرّقُوا.
وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ خِلافَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ وَرَدّ مَعَهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِىّ. وَكَانَ زَيْدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ. وَقَدْ اجْتَمَعَتْ غَطَفَانُ كُلّهَا وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلامَات وَبَهْرَاءَ حِينَ جَاءَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ النّبِىّ ÷ حَتّى نَزَلُوا - الرّجَالُ وَرِفَاعَةُ - بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ لَمْ يُعْلَمْ. وَأَقْبَلَ الدّلِيلُ الْعُذْرِىّ بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حَتّى هَجَمَ بِهِمْ فَأَغَارُوا مَعَ الصّبْحِ عَلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ وَمَنْ كَانَ فِى مَحَلّتِهِمْ فَأَصَابُوا مَا وَجَدُوا، وَقَتَلُوا فِيهِمْ فَأَوْجَعُوا، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَأَخَذُوا مِنْ النّعَمِ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمِنْ الشّاءِ خَمْسَةَ آلافِ شَاةٍ وَمِنْ السّبْىِ مِائَةً مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ. وَكَانَ الدّلِيلُ إنّمَا جَاءَ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الأَوْلاجِ، فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ الضّبَيْبُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَكِبُوا، فَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ وَابْنُهُ فَدَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ وَتَوَاصَوْا لا يَتَكَلّمُ أَحَدٌ إلاّ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَلامَةٌ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: قَوَدِى، فَلَمّا طَلَعُوا عَلَى الْعَسْكَرِ طَلَعُوا عَلَى الدّهْمِ مِنْ السّبْىِ وَالنّعَمِ وَالنّسَاءِ وَالأُسَارَى أَقْبَلُوا جَمِيعًا، وَاَلّذِى يَتَكَلّمُ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ يَقُولُ: إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ عَارِضٌ رُمْحَهُ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْـ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: قَوَدِى، فَقَالَ حِبّانُ: مَهْلاً فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ ابْنِ حَارِثَةَ قَالَ لَهُ حِبّانُ: إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. قَالَ لَهُ زَيْدٌ: اقْرَأْ أُمّ الْكِتَابِ وَكَانَ زَيْدٌ إنّمَا يَمْتَحِنُ أَحَدَهُمْ بِأُمّ الْكِتَابِ لا يَزِيدُهُ. فَقَرَأَ حِبّانُ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: نَادُوا فِى الْجَيْشِ إنّهُ قَدْ حَرُمَ عَلَيْنَا مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ بِقِرَاءَةِ أُمّ الْكِتَابِ.
فَرَجَعَ الْقَوْمُ وَنَهَاهُمْ زَيْدٌ أَنْ يَهْبِطُوا وَادِيَهُمْ الّذِى جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِى أَهْلِيهِمْ وَهُمْ فِى رَصَدٍ لِزَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاسْتَمَعُوا حَتّى نَامَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَلَمّا هَدَءُوا وَنَامُوا رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَكَانَ فِى الرّكْبِ فِى تِلْكَ اللّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو أَسَمَاءَ بْنُ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَدِىّ - حَتّى صَبّحُوا رِفَاعَةَ بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ بِحَرّةِ لَيْلَى، فَقَالَ حِبّانُ: إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامٍ أُسَارَى.
فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمُوا عَلَى النّبِىّ ÷ الْمَدِينَةَ - سَارُوا ثَلاثًا - فَابْتَدَاهُمْ رِفَاعَةُ فَدَفَعَ إلَى النّبِىّ ÷ كِتَابَهُ الّذِى كَتَبَ مَعَهُ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ فَقَالَ رِفَاعَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَعْلَمُ لا تُحَرّمُ عَلَيْنَا حَلالاً وَلا تُحِلّ لَنَا حَرَامًا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَىّ هَاتَيْنِ. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ”، قَالَ الْقَوْمُ: فَابْعَثْ مَعَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ رَجُلاً إلَى زَيْدِ ابْنِ حَارِثَةَ، يُخَلّى بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “انْطَلِقْ مَعَهُمْ يَا عَلِىّ” فَقَالَ عَلِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا يُطِيعُنِى زَيْدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَذَا سَيْفِى فَخُذْهُ”، فَأَخَذَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِى بَعِيرٌ أَرْكَبُهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا بَعِيرٌ فَرَكِبَ بَعِيرَ أَحَدِهِمْ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى لَقُوا رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ بَشِيرَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ فَرَدّهَا عَلِىّ عَلَى الْقَوْمِ، وَرَجَعَ رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ مَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ رَدِيفًا حَتّى لَقُوا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بِالْفَحْلَتَيْنِ فَلَقِيَهُ عَلِىّ، وَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُك أَنْ تَرُدّ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ مَا كَانَ بِيَدِك مِنْ أَسِيرٍ أَوْ سَبْىٍ أَوْ مَالٍ.
فَقَالَ زَيْدٌ: عَلامَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ، فَقَالَ عَلِىّ: هَذَا سَيْفُهُ فَعَرَفَ زَيْدٌ السّيْفَ فَنَزَلَ فَصَاحَ بِالنّاسِ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ: مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ سَبْىٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَرُدّهُ فَهَذَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ. فَرَدّ إلَى النّاسِ كُلّ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ حَتّى إنْ كَانُوا لَيَأْخُذُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ تَحْتِ فَخِذِ الرّجُلِ.
حَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ يُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ الدّيلِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت فِى تِلْكَ السّرِيّةِ فَصَارَ لِكُلّ رَجُلٍ سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ وَسَبْعُونَ شَاةً وَيَصِيرُ لَهُ مِنْ السّبْىِ الْمَرْأَةُ وَالْمَرْأَتَانِ فَوَطِئُوا بِالْمِلْكِ بَعْدَ الاسْتِبْرَاءِ حَتّى رَدّ رَسُولُ اللّهِ ÷ ذَلِكَ كُلّهُ إلَى أَهْلِهِ وَكَانَ قَدْ فَرّقَ وَبَاعَ مِنْهُ.

نلاحظ عدم أمانة في رواية كتبة السيرة لغزوة بني جذام، فهناك رواية تفيدنا بأن ما سُرِق من دحية أعاده له مسلم بنو الضبيب بطن من جذيمة، ورواية أخرى أن من أعاد الأشياء رفيق له من قضاعة، ورواية ثالثة أنها لم ترجع له وأنه عاد بسمل مقطع من ثيابه، فهذه من علامات الكذب والمرواغة في عدم سرد القصة بأمانة، والأغلب أن الصحيح هو إحدى القصتين الأوليين عن إرجاع أشيائه له. وبعد فلنرَ الكلمة القوية التي قالها 00 لمحمد: ()، فبسبب نظام الانتقام الجماعي العشائري القبلي السقيم هذا الذي سار محمد على نهجه ككل مناخ بلاده السياسي والعسكري تم نهب ناس على دينه الذي أنشأه مسلمين، بل وقتل بعضهم واستعباد واغتصاب بعض نسائهم المسلمات جديدًا، مع أنهم ليسوا من ارتكب تلك السرقة بل هم أتباعه وحلفاؤه وهناك رواية أنهم انتزعوا مسروقات دحية من الساطين عليه وردوها له! هل هذه أفعال نبيّ مزعوم تنبؤه السماء بالأخبار والمعلومات؟! أين العدالة والحق؟ أليس بالقرآن {لا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى} ؟!













سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل

يقول الواقدي:

سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ

فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنُ قَمّادِينَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: وَتَجَهّزْ فَإِنّى بَاعِثُك فِى سَرِيّةٍ مِنْ يَوْمِك هَذَا، أَوْ مِنْ غَدٍ إنْ شَاءَ اللّهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْت ذَلِكَ فَقُلْت: لأَدْخُلَنّ فَلأُصَلّيَنّ مَعَ النّبِىّ الْغَدَاةَ فَلأَسْمَعَنّ وَصِيّتَهُ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ: فَغَدَوْت فَصَلّيْت فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَنَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَإِذَا رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ مِنْ اللّيْلِ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فَيَدْعُوَهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لِعَبْدِ الرّحْمَنِ مَا خَلّفَك عَنْ أَصْحَابِك”؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَدْ مَضَى أَصْحَابُهُ فِى السّحَرِ فَهُمْ مُعَسْكِرُونَ بِالْجُرْفِ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ: أَحْبَبْت يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِى بِك، وَعَلَىّ ثِيَابُ سَفَرِى، قَالَ: وَعَلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عِمَامَةٌ قَدْ لَفّهَا عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَدَعَاهُ النّبِىّ ÷ فَأَقْعَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَقَضَ عِمَامَتَهُ بِيَدِهِ، ثُمّ عَمّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ فَأَرْخَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْهَا، ثُمّ قَالَ: “هَكَذَا فَاعْتَمّ يَا ابْنَ عَوْفٍ”، قَالَ: وَعَلَى ابْنِ عَوْفٍ السّيْفُ مُتَوَشّحَهُ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُغْزُ بِاسْمِ اللّهِ وَفِى سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لا تَغُلّ وَلا تَغْدِرْ وَلا تَقْتُلْ وَلِيدًا”....إلخ
قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ حَتّى لَحِقَ أَصْحَابَهُ فَسَارَ حَتّى قَدِمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ، فَلَمّا حَلّ بِهَا دَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَمَكَثَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيّامٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلامِ. وَقَدْ كَانُوا أَبَوْا أَوّلَ مَا قَدِمَ يُعْطُونَهُ إلاّ السّيْفَ فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ أَسْلَمَ الأَصْبَغُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِىّ، وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَكَانَ رَأْسَهُمْ. فَكَتَبَ عَبْدُ الرّحْمَنِ إلَى النّبِىّ ÷ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَبَعَثَ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَال لَهُ: رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ وَكَتَبَ يُخْبِرُ النّبِىّ ÷ أَنّهُ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوّجَ فِيهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ النّبِىّ ÷ أَنْ يَتَزَوّجَ بِنْتَ الأَصْبَغِ تُمَاضِرَ. فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ وَبَنَى بِهَا، ثُمّ أَقْبَلَ بِهَا؛ وَهِىَ أُمّ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْفٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنّ النّبِىّ ÷ بَعَثَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ إلَى كَلْبٍ، وَقَالَ: “إنْ اسْتَجَابُوا لَك فَتَزَوّجْ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ أَوْ ابْنَةَ سَيّدِهِمْ”، فَلَمّا قَدِمَ دَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَاسْتَجَابُوا وَأَقَامَ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ. وَتَزَوّجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأَصْبَغِ بْنِ عَمْرٍو مَلِكِهِمْ ثُمّ قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ، وَهِىَ أُمّ أَبِى سَلَمَةَ.

نلاحظ هنا العدوان الواضح على دولة أو دويلة مسيحية دون مبرر، سوى الطمع والنهب والاعتداء، وفرض الهيمنة، وهذه الغزوة ذكرها كذلك ابن إسحاق في السيرة بآخر الجزء الرابع.






















سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم وأم قرفة


جاء في كتاب المغازي للواقدي:

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ

فِى رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِى تِجَارَةٍ إلَى الشّامِ، وَمَعَهُ بَضَائِعُ لأَصْحَابِ النّبِىّ ÷ فَأَخَذَ خُصْيَتَىْ تَيْسٍ فَدَبَغَهُمَا ثُمّ جَعَلَ بَضَائِعَهُمْ فِيهِمَا، ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ دُونَ وَادِى الْقُرَى وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ مِنْ بَنِى بَدْرٍ، فَضَرَبُوهُ وَضَرَبُوا أَصْحَابَهُ حَتّى ظَنّوا أَنْ قَدْ قُتِلُوا، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ ثُمّ اسْتُبِلّ زَيْدٌ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِىّ ÷ فَبَعَثَهُ فِى سَرِيّةٍ، فَقَالَ لَهُمْ: اُكْمُنُوا النّهَارَ وَسِيرُوا اللّيْلَ. فَخَرَجَ بِهِمْ دَلِيلٌ لَهُمْ وَنَذَرَتْ بِهِمْ بَنُو بَدْرٍ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ نَاطُورًا لَهُمْ حِينَ يُصْبِحُونَ فَيَنْظُرُ عَلَى جَبَلٍ لَهُمْ مُشْرِفٍ وَجْهَ الطّرِيقِ الّذِى يَرَوْنَ أَنّهُمْ يَأْتُونَ مِنْهُ فَيَنْظُرُ قَدْرَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَيَقُولُ اسْرَحُوا فَلا بَأْسَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ لَيْلَتَكُمْ، فَلَمّا كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى نَحْوِ مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَأَ بِهِمْ دَلِيلُهُمْ الطّرِيقَ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقًا أُخْرَى حَتّى أَمْسَوْا وَهُمْ عَلَى خَطَأٍ فَعَرَفُوا خَطَأَهُمْ ثُمّ صَمَدُوا لَهُمْ فِى اللّيْلِ حَتّى صَبّحُوهُمْ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ نَهَاهُمْ حَيْثُ انْتَهَوْا عَنْ الطّلَبِ.
قَالَ: ثُمّ وَعَزَ إلَيْهِمْ أَلاّ يَفْتَرِقُوا، وَقَالَ: إذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا، وَأَحَاطُوا بِالْحَاضِرِ ثُمّ كَبّرَ وَكَبّرُوا، فَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ فَطَلَبَ رَجُلاً مِنْهُمْ حَتّى قَتَلَهُ، وَقَدْ أَمْعَنَ فِى طَلَبِهِ وَأَخَذَ جَارِيَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَجَدَهَا فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَأُمّهَا أُمّ قِرْفَةَ وَأُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَغَنِمُوا، وَأَقْبَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَقْبَلَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ بِالْجَارِيَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِىّ ÷ فَذَكَرَ لَهُ جَمَالَهَا، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا؟ قَالَ جَارِيَةٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَجَوْت أَنْ أَفْتَدِىَ بِهَا امْرَأَةً مِنّا مِنْ بَنِى فَزَارَةَ، فَأَعَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا يَسْأَلُهُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا؟ حَتّى عَرَفَ سَلَمَةُ أَنّهُ يُرِيدُهَا فَوَهَبَهَا لَهُ فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ لِحَزْنِ بْنِ أَبِى وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ امْرَأَةً لَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ غَيْرُهَا.
فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ فِى بَيْتِى، فَأَتَى زَيْدٌ فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَجُرّ ثَوْبَهُ عُرْيَانًا، مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهَا، حَتّى اعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ ثُمّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا ظَفّرَهُ اللّهُ.
* * *
ذِكْرُ مَنْ قَتَلَ أُمّ قِرْفَةَ

قَتَلَهَا قَيْسُ بْنُ الْمُحَسّرِ قَتْلاً عَنِيفًا؛ رَبَطَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا حَبْلاً ثُمّ رَبَطَهَا بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَهِىَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ. وَقَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ مَسْعَدَةَ ابْنِ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ.

وجاء في السيرة لابن هشام:

قال ابن إسحاق: فلما قدم زيد بن حارثة آلى أن لا يمس رأسَه غُسل من جنابة حتى يغزوَ بني فَزَارة، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فَزَارة في جيش، ققتلهمِ بوادي القُرى، وأصاب فيهم، وقتل قَيسُ بن المسَحَّر اليَعْمُري مَسْعَدة بنَ حَكَمة بن مالك ابن حُذيفة بن بدر، وأسرَتْ أم قِرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر كانت عجوزا كبيرة عند مالك بن حُذيفة بن بدر، وبنتٌ لها، وعبداللّه بن مَسْعَدة، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحَّر أن يقتل أمَّ قرفة، فقتلها قتلا عنيفاً، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبابن مَسْعَده وكانت بنت أم قِرْفة لسلَمة بن عمرو بن الأكوع، كان هو الذي أصابها، وكانت في بيت شرف من قومها، كانت العرب تقول: " لو كنتِ أعز من أم قرفة ما زدْتِ ". فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة، فوهبها له، فأهداها لخاله حَزْن بن أبي وهب، فولدت له عبد الرحمن بن حَزْن.

نماذج لأعمال استعباد النساء وإهدائهن والمتاجرة بهن، إضافة إلى قتل امرأة عجوز حسب تفاسيرهم لمجرد قولها الشعر تلك القتلة المريعة التعذيبية. لا يوجد أي مبرر في كل الكوكب وتحت السماء لتعذيب إنسان أو ضربه أو التمثيل به أو استعباد البشر.











[IMG]file:///C:\Users\A\AppData\Local\Temp\msohtml1\01\clip_ima ge002.jpg[/IMG]
وفقًا لتشريع الإسلام كانت عورة المرأة المستعبدة (الأمة) من صرتها إلى ركبتها فقط، وهذه الصورة نموذج للكيفية التي كان عليها سوق النخاسة في عصور الظلام، التي يريد البعض إحياءها ويعتبرها عصورًا ذهبية إنسانية!



  رد مع اقتباس
قديم 04-05-2015, 04:01 AM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [18]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

تعذيب بشر من عكل وعرينة ببتر الأطراف والتجويع والتعطيش حتى الموت

جاء في السيرة لابن هشام ج4:

سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يساراً: حدثني بعضُ أهل العلم، عمن حدثه، عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن عبد الرحمن، قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة عبداً يقال له يسار، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء، فقَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كُبَّة من بَجيلة، فاستوبئوا، وطَحِلوا (1)، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها، فخرجوا إليها فلما صحُّوا وانطوت بطونهم، عَدوْا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار، فذبحوه وغرزوا الشوكَ في عينيه، واستاقوا اللقاح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كُرْز بن جابر، فلحقهم، فأتى بهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرْجِعَه من غزوة ذي قَرَد، فقطع أيديَهم وأرجلَهم، وسَملَ أعينهم.

(1) استوبئوا: أصيبوا بالأوبئة. طلحوا: أصيبوا بداء الطحال.

وروى الواقدي:

سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ
لَمّا أُغِيرَ عَلَى لِقَاحِ النّبِىّ ÷ بِذِى الْجَدْرِ فِى شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ، وَهِىَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ.
حَدّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى النّبِىّ ÷ فَأَسْلَمُوا، فَاسْتَوْبَأُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ بِهِمْ النّبِىّ ÷ إلَى لِقَاحِهِ وَكَانَ سَرْحُ الْمُسْلِمِينَ بِذِى الْجَدْرِ فَكَانُوا بِهَا حَتّى صَحّوا وَسَمِنُوا، وَكَانُوا اسْتَأْذَنُوهُ يَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ فَغَدَوْا عَلَى اللّقَاحِ فَاسْتَاقُوهَا، فَيُدْرِكُهُمْ مَوْلَى النّبِىّ ÷ وَمَعَهُ نَفَرٌ فَقَاتَلَهُمْ فَأَخَذُوهُ فَقَطَعُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ فِى لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتّى مَاتَ. وَانْطَلَقُوا بِالسّرْحِ فَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى حِمَارٍ لَهَا حَتّى تَمُرّ بِيَسَارٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَمّا رَأَتْهُ وَمَا بِهِ - وَقَدْ مَاتَ - رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا وَخَبّرَتْهُمْ الْخَبَرَ، فَخَرَجُوا نَحْوَ يَسَارٍ حَتّى جَاءُوا بِهِ إلَى قُبَاءَ مَيّتًا. فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَثَرِهِمْ عِشْرِينَ فَارِسًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْفِهْرِىّ، فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِمْ حَتّى أَدْرَكَهُمْ اللّيْلُ فَبَاتُوا بِالْحَرّةِ وَأَصْبَحُوا فَاغْتَدَوْا لا يَدْرُونَ أَيْنَ يَسْلُكُونَ فَإِذَا هُمْ بِامْرَأَةٍ تَحْمِلُ كَتِفَ بَعِيرٍ فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: مَا هَذَا مَعَك؟ قَالَتْ: مَرَرْت بِقَوْمٍ قَدْ نَحَرُوا بَعِيرًا فَأَعْطَوْنِى، قَالُوا: أَيْنَ هُمْ؟ قَالَتْ: هُمْ بِتِلْكَ الْقِفَارِ مِنْ الْحَرّةِ، إذَا وَافَيْتُمْ عَلَيْهَا رَأَيْتُمْ دُخَانَهُمْ، فَسَارُوا حَتّى أَتَوْهُمْ حِينَ فَرَغُوا مِنْ طَعَامِهِمْ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يَسْتَأْسِرُوا، فَاسْتَأْسَرُوا بِأَجْمَعِهِمْ لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إنْسَانٌ فَرَبَطُوهُمْ وَأَرْدَفُوهُمْ عَلَى الْخَيْلِ حَتّى قَدِمُوا بِهِمْ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالْغَابَةِ، فَخَرَجُوا نَحْوَهُ.
قَالَ خَارِجَةُ: فَحَدّثَنِى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: حَدّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: فَخَرَجْت أَسْعَى فِى آثَارِهِمْ مَعَ الْغِلْمَانِ، حَتّى لَقِىَ بِهِمْ النّبِىّ ÷ بِالزّغَابَةِ بِمَجْمَعِ السّيُولِ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ وَصُلِبُوا هُنَاكَ. قَالَ أَنَسٌ: إنّى لَوَاقِفٌ أَنْظُرُ إلَيْهِمْ.
قَالَ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوَمَه، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمّا قَطَعَ النّبِىّ ÷ أَيْدِى أَصْحَابِ اللّقَاحِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ×إِنّمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتّلُوا أَوْ يُصَلّبُوا أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ% الآيَةَ. قَالَ: فَلَمْ تُسْمَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ.
قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: مَا بَعَثَ النّبِىّ ÷ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا إلاّ نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ.
وَحَدّثَنِى ابْنُ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِسَانًا قَطّ، وَلَمْ يَسْمُلْ عَيْنًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَالرّجْلِ.
وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: أَمِيرُ السّرِيّةِ ابْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ.
حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى، قَالَ: لَمّا ظَفِرُوا بِاللّقَاحِ خَلّفُوا عَلَيْهَا سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، وَمَعَهُ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ، وَكَانَتْ اللّقَاحُ خَمْسَ عَشْرَةَ لِقْحَةً غِزَارًا. فَلَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الزّغَابَةِ وَجَلَسَ فِى الْمَسْجِدِ إذَا اللّقَاحُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَتَفَقّدَ مِنْهَا لِقْحَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْحِنّاءُ، فَقَالَ: “أَىْ سَلَمَةُ أَيْنَ الْحِنّاءُ”؟ قَالَ: نَحَرَهَا الْقَوْمُ وَلَمْ يَنْحَرُوا غَيْرَهَا. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُنْظُرْ مَكَانًا تَرْعَاهَا فِيهِ”. قَالَ: مَا كَانَ أَمْثَلَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ بِذِى الْجَدْرِ، قَالَ: فَرَدّهَا إلَى ذِى الْجَدْرِ، فَكَانَتْ هُنَاكَ وَكَانَ لَبَنُهَا يُرَاحُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ كُلّ لَيْلَةٍ وَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ.

وذكرها في معرض سرده لعمرة القضاء بعد صلح الحديبية:

حَدّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: وَأَشْرَكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِى الْهَدْىِ فَنَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَكَانَ الْهَدْىُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ قَدْ غَنِمَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَغْزُونَ عَلَيْهِ الْمَغَازِىَ، وَكَانَ قَدْ ضُرِبَ فِى لِقَاحِ رَسُولِ اللّهِ ÷ الّتِى اسْتَاقَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَلِقَاحِهِ الّتِى كَانَتْ بِذِى الْجَدْرِ الّتِى كَانَ سَاقَهَا الْعُرَنِيّونَ، وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ نَجِيبًا مَهْرِيّا كَانَ يُرْعَى مَعَ الْهَدْىِ فَشَرَدَ قَبْلَ الْقَضِيّةِ فَلَمْ يَقِفْ، حَتّى انْتَهَى إلَى دَارِ أَبِى جَهْلٍ، وَعَرَفُوهُ وَخَرَجَ فِى أَثَرِهِ عَمْرُو بْنُ عَنَمَةَ السّلَمِىّ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ سُفَهَاءُ مِنْ سُفَهَاءِ مَكّةَ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: ادْفَعُوهُ إلَيْهِ، فَأَعْطَوْا بِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: لَوْلا أَنّا سَمّيْنَاهُ فِى الْهَدْىِ فَعَلْنَا، فَنَحَرَ الْجَمَلَ عَنْ سَبْعَةٍ أَحَدُهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ.

وروى البخاري:

5685 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمْ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ سَلَّامٌ فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا
233 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
3018 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلًا قَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
4192 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ قَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ
6802 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا
6803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا
6804 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِنَا رِسْلًا فَقَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيخُ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
6899 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِي قِلَابَةَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ قَالَ نَقُولُ الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَالَ لِي مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ وَنَصَبَنِي لِلنَّاسِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الْأَجْنَادِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ قَالَ لَا قُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ أَنَّهُ سَرَقَ أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ قَالَ لَا قُلْتُ فَوَاللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ الْقَوْمُ أَوَلَيْسَ قَدْ حَدَّثَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي السَّرَقِ وَسَمَرَ الْأَعْيُنَ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ فَقُلْتُ أَنَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا قَالُوا بَلَى فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا فَجِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا قُلْتُ وَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ فَقُلْتُ أَتَرُدُّ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا عَنْبَسَةُ قَالَ لَا وَلَكِنْ جِئْتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عَاشَ هَذَا الشَّيْخُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
وروى مسلم:

[ 1671 ] وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما عن هشيم واللفظ ليحيى قال أخبرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب وحميد عن أنس بن مالك أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا
[ 1671 ] حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لأبي بكر قال حدثنا بن علية عن حجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة حدثني أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها فقالوا بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا وقال بن الصباح في روايته واطردوا النعم وقال وسمرت أعينهم

[ 1671 ] وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي رجاء مولى أبي قلابة قال قال أبو قلابة حدثنا أنس بن مالك قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها بمعنى حديث حجاج بن أبي عثمان قال وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون

[ 1671 ] وحدثنا الحسن بن أبي شعيب الحراني حدثنا مسكين وهو بن بكير الحراني أخبرنا الأوزاعي ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا محمد بن يوسف عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية نفر من عكل بنحو حديثهم وزاد في الحديث ولم يحسمهم
[ 1671 ] وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير حدثنا سماك بن حرب عن معاوية بن قرة عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة فأسلموا وبايعوه وقد وقع بالمدينة الموم وهو البرسام ثم ذكر نحو حديثهم وزاد وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم

[ 1671 ] حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس ح وحدثنا بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس وفي حديث همام قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رهط من عرينة وفي حديث سعيد من عكل وعرينة بنحو حديثهم

[ 1671 ] وحدثني الفضل بن سهل الأعرج حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس قال إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء

نلاحظ أن الواقدي في كتاب المغازي وتلميذه محمد بن سعد في الطبقات الكبير ينفردان وحدهما بزعم أنهم قطعوا يدي ورجلي الراعي كذلك وينفردان وحدهما بزعم أنهم وضعوا على صلبان (صُلِبوا) وليس تركوا ملقيين على التراب.

تعليقي: لا تتفق تشريعات وأفعال أديان كالإسلام واليهودية حقًا مع جوهر وفلسفة التشريع المدني، فهو يقوم على فكرة إصلاح المجرم وردعه، ليكون فردًا نافعًا في المجتمع ووجود العقاب المتناسب مع المجرم الرادع لمنع تكرار الفعل من المجرم أو الآخرين، فإذا كانوا سرقوا إبله وقتلوا راعيه، فهلا اكتفى بقتلهم قصاصًا لحياة الرجل الراعي، لكن لا...بل قام بسمل أعينهم وتقطيع أطراف أجسادهم بأسلوب تعذيب لا يتفق مع التحضر والإنسانية، ولم يكتفِ بهذا بل وتركهم في الشمس كالديدان حتى ماتوا! فإن قال قائل أنهم سملوا عيني الراعي فإنهم إنما فعلوا ذلك بعد قتله فلم يتعذب، كما قد نفهم من عبارةابن هشام (فذبحوه وغرزوا الشوكَ في عينيه)، وحتى لو افترضنا أنهم فعلوا ذلك أثناء حياته فهلا اكتفى بمعاقبتهم بالمثل، ولو صدقنا الرواية التي عند الواقدي وابن سعد التي نرى أنها ربما كاذبة وللتخفيف والتجميل لعدم ورودها كتبرير في باقي الكتب القديمة كالبخاري ومسلم والمسند والسيرة لابن هشام، فهلا اكتفى ببتر أطرافهم دون تركهم للموت عطشًا وجوعًا، مع التأكيد أن جوهر التشريع المتمدن لا يقول بذلك بل يعاقب بالسجن أو الإعدام وليس التعذيب الجسديّ. ولفظ بعض الأحاديث لم يحسمهم حتى ماتوا أي لم يقطع رقابهم وتركهم يموتون جوعًا وعطشًا وعلى الأغلب العطش سبب رئيسيّ وأسرع للوفاة لمن يعلمون تلك الأمور الطبية، وفعلاً ورد (يستستقون فما سُقُوا حتى ماتوا)، وبعض الرواة كان يكره رواية الحديث لبشاعته وقبحه وقد استعمله الحجاج بن يوسف الثقفي هو وغيره كمبرر هو وسائر جوهر العنف الإسلامي كتبرير لتعذيب المعارضين والمتمردين وقتلهم بطرق بشعة رهيبة، وهذا بفضل الإسلام! ويوجد تناقض غريب في تشريعات الإسلام، فمحمد في عدة مواضع مثل قصته بعد قتل عمه حمزة بن عبد المطلب في أحد وفي ما بعد قصة العرنيين هنا يعود فينهى عن التمثيل و المثلة بالبشر ويحث على الصدقة وهو ما يتعمد بعض الرواة ذكره كأنه يخفف بهذا من بشاعة القصة بشكل ما حسب تصورهم، فهاهنا نرى الإسلام الدين الذي به جميع التعاليم المتسامحة والإرهابية بحيث تختار ما تشاء كما تريد حسب مزاجك، وحسب مقتضى أحوالك، وليس وفقًا لمبدأ أخلاقي رفيع موضوعي ثابت، وفي القرآن ذكر حد المحاربين للإسلام كقطاع الطرق واللصوص وأعداء الديانة هكذا:

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} المائدة: 33-34
















صلح الحديبية في ذي القعدة 6 هـ
وملاحظات بخصوص من قام بنقضه وأشياء أُخَر

يقول الواقدي:

....فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: يَا بُسْرُ مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَرَكْت قَوْمَك، كَعْبَ بْنَ لُؤَىّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَىّ، قَدْ سَمِعُوا بِمَسِيرِك فَفَزِعُوا، وَهَابُوا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ عَنْوَةً وَقَدْ اسْتَنْفَرُوا لَك الأَحَابِيشَ، وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا لَك جِلْدَ النّمُورِ لِيَصُدّوك عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَدْ خَرَجُوا إلَى بَلْدَحٍ وَضَرَبُوا بِهَا الأَبْنِيَةَ وَتَرَكْت عُمّادَهُمْ يُطْعِمُونَ الْجُزُرَ أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ ضَوَى إلَيْهِمْ فِى دُورِهِمْ وَقَدّمُوا الْخَيْلَ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، مِائَتَىْ فَرَسٍ، وَهَذِهِ خَيْلُهُمْ بِالْغَمِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا الْعُيُونَ عَلَى الْجِبَالِ وَوَضَعُوا الأَرْصَادَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلنّاسِ: “هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ بِالْغَمِيمِ”. ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ: “أَمّا بَعْدُ فَكَيْفَ تَرَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فِى هَؤُلاءِ الّذِينَ اسْتَنْفَرُوا إلَىّ مَنْ أَطَاعَهُمْ لِيَصُدّونَا عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمْضِىَ لِوَجْهِنَا إلَى الْبَيْتِ فَمَنْ صَدّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نُخَلّفَ هَؤُلاءِ الّذِينَ اُسْتُنْفِرُوا لَنَا إلَى أَهْلِيهِمْ فَنُصِيبَهُمْ؟ فَإِنْ اتّبَعُونَا اتّبَعْنَا مِنْهُمْ عُنُقٌ يَقْطَعُهَا اللّهُ وَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَحْزُونِينَ مَوْتُورِينَ”.
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ نَرَى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نَمْضِىَ لِوَجْهِنَا فَمَنْ صَدّنَا عَنْ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَإِنّ خَيْلَ قُرَيْشٍ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ”. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَمْ أَرَ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَكَانَتْ مُشَاوَرَتُهُ أَصْحَابَهُ فِى الْحَرْبِ فَقَطْ. قَالَ: فَقَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلا إنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلا إنّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ. وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ سِرْت إلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَك مَا بَقِىَ مِنّا رَجُلٌ.
نرى هنا نوايا محمد كشخص سيكوباتي كما حكم عليه بعض علماء النفس فهو مستعد تمامًا للهجوم على قومه وبلده وسبي واستعباد أطفالهم ونسائهم! والقصة ذكرها البخاري:

4178-4179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ فَقَالَ أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ

ورواه أحمد بن حنبل 18928 ومصنف عبد الرزاق 9720

ونقرأ من كتب التاريخ والحديث، قول محمد حسب البخاري من حديث 2732:

...فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ فَقَالَ بُدَيْلٌ سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ......

ويروي الواقدي:
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، إنّمَا جِئْنَا لِنَطُوفَ بِهَذَا الْبَيْتِ، فَمَنْ صَدّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، وَقُرَيْشٌ قَوْمٌ قَدْ أَضَرّتْ بِهِمْ الْحَرْبُ وَنَهَكَتْهُمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتهمْ مُدّةً يَأْمَنُونَ فِيهَا، وَيُخَلّونَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النّاسِ وَالنّاسُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ أَمْرِى عَلَى النّاسِ كَانُوا بَيْنَ أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ، أَوْ يُقَاتِلُوا وَقَدْ جَمَعُوا وَاَللّهِ لأَجْهَدَنّ عَلَى أَمْرِى هَذَا حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِى، أَوْ يُنْفِذَ اللّهُ أَمْرَهُ فَوَعَى بُدَيْلٌ مَقَالَتَهُ وَرَكِبَ ثُمّ رَكِبُوا إلَى قُرَيْشٍ

وحكاية ابن هشام عن إسحاق مشابهة لكنه يجعل كلام محمد لأحد حلفائه في عسفان ويدعى بشر أو بسر بن سفيان الكلابي:

...فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ويْح قريشا لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خَلَّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش، فوالله لا أزال أجاهدُ على الذي بعثني الله به حتى يظهرَه الله أو تنفردَ هذه السَّالفةُ...

وعند أحمد ن حنبل في حديث رقم 18910 أنه قال هذه الجملة مرتين مرة لابن سفيان الكلابي المذكور، ومرة أخرى لبديل بن ورقاء:

.... قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ، فَخَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعَاهِدُونَ اللهَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدِمُوا إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ، فَإِنْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ وَافِرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، وَاللهِ إِنِّي لَا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ "....

.....فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَقَالَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ لِبُشَيْرِ بْنِ سُفْيَانَ، فَرَجَعُوا إِلَى قُرَيْشٍ....

تدل هذه القصة على عقلية بشعة وعدم استيعاب لفكر التعايش وحرية الاعقاد، بأسلوب إما الإسلام فقط أو الوثنية فقط، أعيش أنا وتموت أنت أو العكس، دون قدرة على تحمل فكرة العيش سويًّا، وهو الجو المسموم الذي نشأ فيه أحد أكثر الأديان عنفًا ودموية وعنصرية على مر تاريخ البشر وخرافاتهم الدينية.

نقرأ في البخاري من حديث 2732:

.... فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ....

ونقرأ في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق:

ثم بعثوا إليه الحُلَيْس بن علقمة أو ابن زَبَّان، وكان يومئذ سيد الأحابيش، وهو أحد بني الحارث بن عبد مَناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قوم يتألَهون، فابعثوا الهدْيَ في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدْيَ يسيل عليه من عُوْض الوادي في قلائده، وقد أكل أوبارَه من طول الحبس عن مَحَله، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى، فقال لهم ذلك. قال: فقالوا له: اجلس، فإنما أنت أعرابىّ لا عِلمَ لك.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن الحُلَيْس غضب عند ذلك وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم. أيصَدُّ عن بيت الله من جاء معظما له! والذي نفس الحُلَيْس بيده، لتُخَلُّنَّ بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنَّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. قال: فقالوا له: مَهْ، كُفَّ عنا يا حُلَيْس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

وحكى القصة أحمد بن حنبل في مسنده من حديث رقم 18910:

.....فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الْحِلْسَ (1) بْنَ عَلْقَمَةَ الْكِنَانِيَّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِشِ (2)، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ " . فَبَعَثُوا الْهَدْيَ، فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عَرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ ، قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ ، رَجَعَ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْظَامًا لِمَا رَأَى، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ رَأَيْتُ مَا لَا يَحِلُّ صَدُّهُ: الْهَدْيَ فِي قَلَائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ . فَقَالُوا: اجْلِسْ، إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ.....

(1) هكذا جاء في النسخ، وضبطه السندي: بكسر فسكون، وجاء في هامش (س) : الحليس، مصغراً. قلنا: وكذلك ضبطه الحافظ في "الفتح" 5/342.
(2) في النسخة (ق) : الأحابيش.

ويروي الواقدي:

...فَبَعَثُوا الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الأَحَابِيشِ - فَلَمّا طَلَعَ الْحُلَيْسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَذَا مِنْ قَوْمٍ يُعَظّمُونَ الْهَدْىَ وَيَتَأَلّهُونَ ابْعَثُوا الْهَدْىَ فِى وَجْهِهِ حَتّى يَرَاهُ”، فَبَعَثُوا الْهَدْىَ فَلَمّا نَظَرَ إلَى الْهَدْىِ يَسِيلُ فِى الْوَادِى عَلَيْهِ الْقَلائِدُ قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ يُرَجّعُ الْحَنِينَ، وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ فِى وَجْهِهِ يُلَبّونَ قَدْ أَقَامُوا نِصْفَ شَهْرٍ قَدْ تَفِلُوا وَشَعِثُوا، رَجَعَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى النّبِىّ ÷ إعْظَامًا لِمَا رَأَى، حَتّى رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: إنّى قَدْ رَأَيْت مَا لا يَحِلّ صَدّهُ رَأَيْت الْهَدْىَ فِى قَلائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مَعْكُوفًا عَنْ مَحِلّهِ وَالرّجَالَ قَدْ تَفِلُوا وَقَمِلُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَذَا الْبَيْتِ، أَمَا وَاَللّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ وَلا عَاقَدْنَاكُمْ عَلَى أَنْ تَصُدّوا عَنْ بَيْتِ اللّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ مُؤَدّيًا لِحَقّهِ وَسَاقَ الْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّهُ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُخَلّنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ، أَوْ لأَنْفِرَنّ بِالأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، قَالُوا: إنّمَا كُلّ مَا رَأَيْت مَكِيدَةٌ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاكْفُفْ عَنّا حَتّى نَأْخُذَ لأَنْفُسِنَا بَعْضَ مَا نَرْضَى بِهِ.

كان عند معظم الوثنيين قصر نظر، فلم يدركوا أن محمدًا بسعيه لدخول مكة معتمرًا يتحايل ليدعي أن الكعبة مكان مقدس إسلامي، ويبدو أنهم لضيق أفقهم لم يطلعوا على نصوص القرآن التي كانت تحفظ شفويًّا وقتئذٍ لدى أتباعه وأنه يزعم بناءه على يد الشخصية الخرافية المقدسة إبراهيم المقدسة لدى اليهود والمسيحيين، والتي لم يكن لها أي صلة بدين الوثنيين في الحقيقة، وكان العرف عند كل وثنيي العرب ألا يمنع أي شخص من زيارة الكعبة باعتبارها بيت الإله الأكبر الله أو هبل، وبيت سائر الآلهة، على اختلاف مذاهبهم من جمهورهم والحمس (قريش وكانت بعض طقوسها وعوائدها غير باقي الناس في الحج) والمحلين (الذين لا يرون حرمة الغارات والنهب في الأشهر العربية الأربعة الحرم كطيء وخثعم وبعض قضاعة)، وعلى اختلاف آلهتم ومذاهبهم وما يحرمونه أو يحلونه وخرافاتهم، لذا عارض بعضهم منع محمد والمسلمين من زيارتها، وهذه هي الللعبة السياسية لمحمد التي لعبها بنجاح، وتركت تأثيرًا حسنًا لأن دخوله مكة بعدها بعام للزيارة بتصريح من وثنييها أوحى بأنه ازداد قوة وشوكة وأقبل الناس من العرب أكثر على دينه، فالناس ولا سيما الجهال يفتنون بالأكثر قوة وقد يرون أن السماء حسب توهماتهم معه وتنصره إضافة إلى إغراآت المال والنهب وسبي النساء.

جاء في القرآن:

{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)} الفتح: 25

من تعليق الواقدي يَقُولُ: حَيْثُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ وَحُبِسَ بِالْحُدَيْبِيَةِ؛

وهذا عجيب، ولم يفطن له كما رأينا بعض الوثنيين، فهؤلاء أتباع ديانة مختلفة جديدة (الإسلام) كانوا يسعون لصنع مطالبات بموضع مقدس وثني وينسج مؤسس دينهم محمد قصة جديدة عنه أنه من بناء إبراهيم، وليس معبدًا وثنيًّا أصيلًا! وهي القصة التي أخذها عن الهاجادة في وضع إبراهيم لأساس الهيكل السليماني في قصة أمر الله له بتقديم ابنه كقربان على جبل المريّا أو صهيون، وربطها محمد ببناء الكعبة كما رأينا من بحثي في الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم.

وروى لنا الواقدي صورة حية من عقلية وسلوكيات أتباع محمد الأائل هؤلاء:

...وَلَمّا الْتَأَمَ الأَمْرُ وَتَقَارَبَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ رَجُلاً يَكْتُبُ الْكِتَابَ بَيْنَهُمْ وَدَعَا أَوْسَ بْنَ خَوْلِىّ يَكْتُبُ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: لا يَكْتُبُ إلاّ أَحَدُ الرّجُلَيْنِ ابْنُ عَمّك عَلِىّ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فَأَمَرَ النّبِىّ ÷ عَلِيّا يَكْتُبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ”. فَقَالَ سُهَيْلٌ: لا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ اُكْتُبْ كَمَا نَكْتُبُ: بِاسْمِك اللّهُمّ، فَضَاقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا: هُوَ الرّحْمَنُ، وَقَالُوا: لا تَكْتُبْ إلاّ الرّحْمَنَ، قَالَ سُهَيْلٌ: إذًا لا أُقَاضِيهِ عَلَى شَىْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ”. فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ أَعْلَمُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ مَا خَالَفْتُك، وَاتّبَعْتُك، أَفَتَرْغَبُ عَنْ اسْمِك، وَاسْمِ أَبِيك مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ؟ فَضَجّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا ضَجّةً هِىَ أَشَدّ مِنْ الأُولَى، حَتّى ارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ وَقَامَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَقُولُونَ: لا نَكْتُب إلاّ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ...

والقصة رواها جزئيًّا البخاري من حديث 2732:

.... مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ....

ورواه أحمد بن حنبل بحديث رقم 18928

....فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ نَظَرَ إلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَخَذَا بِيَدِ الْكَاتِبِ فَأَمْسَكَاهَا، وَقَالا: لا تَكْتُبْ إلاّ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ، وَإِلاّ فَالسّيْفُ بَيْنَنَا عَلامَ نُعْطِى هَذِهِ الدّنِيّةَ فِى دِينِنَا؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَخْفِضُهُمْ وَيُومِئُ بِيَدِهِ إلَيْهِمْ اُسْكُتُوا وَجَعَلَ حُوَيْطِبُ يَتَعَجّبُ مِمّا يَصْنَعُونَ وَيُقْبِلُ عَلَى مِكْرَزِ بْنِ حَفْصٍ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْت قَوْمًا أَحْوَطَ لِدِينِهِمْ مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ”، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِى سُهَيْلٍ حِينَ أَبَى أَنْ يُقِرّ بِالرّحْمَنِ: {قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} الإسراء: 110 فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَاكْتُبْ”....

يعكس هذا مناخ الشمولية الفكرية والهوس الدينيّ فهم يطلبون من غير المؤمن الاعتراف به رسولًا، ثم يقول لك المعاصرون منهم اليوم ديننا دين التسامح، وهم أدرى بتناقض أنفسهم وكذبهم على أنفسهم قبل الآخرين.
المسلمون هم من نقضوا صلح الحديبية وخانوا شروطه

كان نص الصلح من شروطه البند التالي:

حسب رواية ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة:

هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبد الله سُهيلَ بنَ عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرَ سنين يأمنُ فيهنَّ الناسُ ويكفُّ بعضُهم عن بعض، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وإن بيننا عَيْبَةً مكْفُوفة (1)، وأنه لا إِسْلالَ ولا إغْلالَ (2)

(1) عيبة مكفوفة: أي صدور منطوية على ما فيها. لا تَبدي عداوة.
(2) الإسلال: السرقة خفية. الإغلال: الخيانة.

والنص في البخاري:

4180-4181 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ

2711 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرَانِ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ [ص:189] بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، «فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ المُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا»، وَجَاءَتِ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ، لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]،

ويوجد حديث فيه رواية أخرى تدل على تلاعب وعدم أمانة، من حديث 2732:

....فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجِزْهُ لِي قَالَ مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ بَلَى فَافْعَلْ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ....

ومثل هذا الحديث نجده في مسند أحمد بن حنبل رقم 18928

هنا النص اختلف فبدلًا من لفظ أحد، أو لفظ من أت محمدًا، بلفظ (رجل) وهو متعمد لإيجاد ثغرة واهنة تبرر نقضهم للعهد، ومثل هذا التلاعب سنرى ورأينا منه الكثير في سردهم لتاريخ دينهم وحروبهم، وباعتبار المنتصر في زمنهم المظلم كان يبيد خصومه ويكتب التاريخ على هواه ويفي مثالبه وفضائحه، فأوجدوا حديثًا واحدًا من بعضهم محاولًا تبرير الغدر والإسلال، وسوء النوايا، لماذا لم يحتفظوا إلى اليوم بنص تلك المعاهدة، طبعًا لأن هذا من شأنه أن يفضحهم!

ونص الصلح في الواقدي:

...فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَاكْتُبْ”، فَكَتَبَ بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النّاسُ وَيَكْفِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنّهُ لا إسْلالَ، وَلا إغْلالَ، وَأَنّ بَيْننَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِى عَهْدِ مُحَمّدٍ وَعَقْدِهِ فَعَلَ، وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهَا فَعَلَ، وَأَنّهُ مَنْ أَتَى مُحَمّدًا مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ رَدّهُ إلَيْهِ، وَأَنّهُ مَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ لَمْ تَرُدّهُ...

والآن لنر الغدر ونقض العهد الإسلامي المحمدي:

يقول الواقدي:

وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَتَاهُ أَبُو بِصَيْرٍ - وَهُوَ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ حَلِيفُ بَنِى زُهْرَةَ - مُسْلِمًا، قَدْ انْفَلَتَ مِنْ قَوْمِهِ فَسَارَ عَلَى قَدَمَيْهِ سَعْيًا، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ الزّهْرِىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ كِتَابًا، وَبَعَثَا رَجُلاً مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ، اسْتَأْجَرَاهُ بِبَكْرٍ ابْنِ لَبُونٍ - وَهُوَ خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ - وَخَرَجَ مَعَ الْعَامِرِىّ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: كَوْثَرُ وَحَمَلا خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَتَبَا يَذْكُرَانِ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ فَلَمّا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ قَدِمَا بَعْدَ أَبِى بِصَيْرٍ بِثَلاثَةِ أَيّامٍ فَقَالَ خُنَيْسٌ: يَا مُحَمّدُ هَذَا كِتَابٌ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَإِذَا فِيهِ قَدْ عَرَفْت مَا شَارَطْنَاكَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَك، مِنْ رَدّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْك مِنْ أَصْحَابِنَا، فَابْعَثْ إلَيْنَا بِصَاحِبِنَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا بِصَيْرٍ أَنْ يَرْجِعَ مَعَهُمْ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا، فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَرُدّنِى إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِى فِى دِينِى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا أَبَا بِصَيْرٍ إنّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْت، وَلا يَصْلُحُ لَنَا فِى دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا”.
قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَرُدّنِى إلَى الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “انْطَلِقْ يَا أَبَا بِصَيْرٍ، فَإِنّ اللّهَ سَيَجْعَلُ لَك مَخْرَجًا”، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْعَامِرِىّ وَصَاحِبِهِ فَخَرَجَ مَعَهُمَا؛ وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يُسِرّونَ إلَى أَبِى بِصَيْرٍ، يَا أَبَا بِصَيْرٍ أَبْشِرْ فَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك مَخْرَجًا، وَالرّجُلُ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ فَافْعَلْ وَافْعَلْ يَأْمُرُونَهُ بِاَلّذِينَ مَعَهُ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا بِذِى الْحُلَيْفَةِ - انْتَهَوْا إلَيْهَا عِنْدَ صَلاةِ الظّهْرِ - فَدَخَلَ أَبُو بِصَيْرٍ مَسْجِدَ ذِى الْحُلَيْفَةِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ صَلاةَ الْمُسَافِرِ وَمَعَهُ زَادٌ لَهُ يَحْمِلُهُ مِنْ تَمْرٍ، فَمَالَ إلَى أَصْلِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ زَادَهُ فَجَعَلَ يَتَغَدّى، وَقَالَ لِصَاحِبَيْهِ: اُدْنُوَا فَكُلا، فَقَالا: لا حَاجَةَ لَنَا فِى طَعَامِك، فَقَالَ: وَلَكِنْ لَوْ دَعَوْتُمُونِى إلَى طَعَامِكُمْ لأَجَبْتُكُمْ وَأَكَلْت مَعَكُمْ. فَاسْتَحْيِيَا فَدَنَوْا وَوَضَعَا أَيْدِيَهُمَا فِى التّمْرِ مَعَهُ وَقَدّمَا سُفْرَةً لَهُمَا فِيهَا كِسْرٌ فَأَكَلُوا جَمِيعًا، وَآنَسَهُمْ وَعَلّقَ الْعَامِرِىّ بِسَيْفِهِ عَلَى حَجَرٍ فِى الْجِدَارِ، فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ لِلْعَامِرِىّ: يَا أَخَا بَنِى عَامِرٍ مَا اسْمُك؟ فَقَالَ خُنَيْسٌ: قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ جَابِرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَابِرٍ، أَصَارِمٌ سَيْفَك هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْنِيهِ أَنْظُرْ إلَيْهِ إنْ شِئْت، فَنَاوَلَهُ الْعَامِرِىّ وَكَانَ أَقْرَبَ إلَى السّيْفِ مِنْ أَبِى بِصَيْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو بِصَيْرٍ بِقَائِمِ السّيْفِ وَالْعَامِرِىّ مُمْسِكٌ بِالْجَفْنِ فَعَلاهُ بِهِ حَتّى بَرَدَ، وَخَرَجَ كَوْثَرُ هَارِبًا يَعْدُو نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ فِى أَثْرِهِ، فَأَعْجَزَهُ حَتّى سَبَقَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَقُولُ أَبُو بِصَيْرٍ: وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْته لأَسْلَكْته طَرِيقَ صَاحِبِهِ فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ إذْ طَلَعَ الْمَوْلَى يَعْدُو، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: “هَذَا رَجُلٌ قَدْ رَأَى ذُعْرًا”، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَيْحَك، مَا لَك”؟ قَالَ: قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِى، وَأَفْلَتْ مِنْهُ وَلَمْ أَكَدْ وَكَانَ الّذِى حَبَسَ أَبَا بِصَيْرٍ احْتِمَالُ سَلَبِهِمَا عَلَى بَعِيرِهِمَا، فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ قَائِمًا حَتّى طَلَعَ أَبُو بِصَيْرٍ، فَأَنَاخَ الْبَعِيرَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ - سَيْفِ الْعَامِرِىّ - فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ: وَفَتْ ذِمّتُك وَأَدّى اللّهُ عَنْك، وَقَدْ أَسَلّمْتنِى بِيَدِ الْعَدُوّ، وَقَدْ امْتَنَعْت بِدِينِى مِنْ أَنْ أُفْتَنَ وَتَبَغّيْتَ بِى أَنْ أَكْذِبَ بِالْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ”.
وَجَاءَ أَبُو بِصَيْرٍ بِسَلَبِ الْعَامِرِىّ خُنَيْسِ بْنِ جَابِرٍ وَرَحْلِهِ وَسَيْفِهِ، فَقَالَ: خَمّسْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى إذَا خَمّسْته رَأَوْنِى لَمْ أُوَفّ لَهُمْ بِاَلّذِى عَاهَدْتهمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ شَأْنُك بِسَلَبِ صَاحِبِك”، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِكَوْثَرَ: “تَرْجِعُ بِهِ إلَى أَصْحَابِك”، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ قَدْ أَهَمّنِى نَفْسِى، مَا لِى بِهِ قُوّةٌ وَلا يَدَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَبِى بِصَيْرٍ: “اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت”، فَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ حَتّى أَتَى الْعِيصَ، فَنَزَلَ مِنْهُ نَاحِيَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ إلَى الشّامِ، قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: فَخَرَجْت وَمَا مَعِى مِنْ الزّادِ إلاّ كَفّ مِنْ تَمْرٍ فَأَكَلْتهَا ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَكُنْت آتِى السّاحِلَ فَأُصِيبُ حِيتَانًا قَدْ أَلْقَاهَا الْبَحْرُ فَآكُلُهَا، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ قَدْ حُبِسُوا بِمَكّةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَلْحَقُوا بِرَسُولِ اللّهِ ÷ قَوْلُ النّبِىّ ÷ لأَبِى بِصَيْرٍ: “وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ”، فَجَعَلُوا يَتَسَلّلُونَ إلَى أَبِى بِصَيْرٍ.
وَكَانَ الّذِى كَتَبَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمُسْلِمِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ بِالسّاحِلِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ، فَلَمّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ كِتَابُ عُمَرَ جَعَلُوا يُتَسَلّلُونَ رَجُلاً رَجُلاً حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَبِى بِصَيْرٍ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلاً، فَكَانُوا قَدْ ضَيّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ، لا يَظْفَرُونَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ إلاّ قَتَلُوهُ وَلا تَمُرّ عِيرٌ إلاّ اقْتَطَعُوهَا، حَتّى أَحْرَقُوا قُرَيْشًا، لَقَدْ مَرّ رَكْبٌ يُرِيدُونَ الشّامَ مَعَهُمْ ثَلاثُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ هَذَا آخِرُ مَا اقْتَطَعُوا، لَقَدْ أَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا قِيمَتُهُ ثَلاثُونَ دِينَارًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْعَثُوا بِالْخُمُسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ. فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: لا يَقْبَلُهُ رَسُولُ اللّهِ قَدْ جِئْت بِسَلَبِ الْعَامِرِىّ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَقَالَ: إنّى إذَا فَعَلْت هَذَا لَمْ أَفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ.
وَكَانُوا قَدْ أَمّرُوا عَلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ فَكَانَ يُصَلّى بِهِمْ وَيُفَرّضُهُمْ وَيُجَمّعُهُمْ وَهُمْ سَامِعُونَ لَهُ مُطِيعُونَ. فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِى بِصَيْرٍ لِلْعَامِرِىّ اشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاَللّهِ مَا صَالَحْنَا مُحَمّدًا عَلَى هَذَا، قَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ بَرِئَ مُحَمّدٌ مِنْهُ قَدْ أَمْكَنَ صَاحِبُكُمْ فَقَتَلَهُ بِالطّرِيقِ فَمَا عَلَى مُحَمّدٍ فِى هَذَا؟ فَقَالَ سُهَيْلٌ: قَدْ وَاَللّهِ عَرَفْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ أَوْفَى، وَمَا أُوتِينَا إلاّ مِنْ قِبَلِ الرّسُولَيْنِ، قَالَ: فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: وَاَللّهِ لا أُؤَخّرُ ظَهْرِى حَتّى يُودَى هَذَا الرّجُلُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّ هَذَا لَهُوَ السّفَهُ وَاَللّهِ لا يُودَى ثَلاثًا، وَأَنّى قُرَيْشٌ تَدِيهِ وَإِنّمَا بَعَثَتْهُ بَنُو زُهْرَةَ؟ فَقَالَ سُهَيْلٌ: قَدْ وَاَللّهِ صَدَقْت، مَا دِيَتُهُ إلاّ عَلَى بَنِى زُهْرَةَ وَهُمْ بَعَثُوهُ وَلا يُخْرِجُ دِيَتَهُ غَيْرُهُمْ قَصْرَةً لأَنّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ عَقْلِهِ. فَقَالَ الأَخْنَسُ: وَاَللّهِ لا نَدِيهِ مَا قَتَلْنَا وَلا أَمَرْنَا بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ رَجُلٌ مُخَالِفٌ لِدِينِنَا مُتّبِعٌ لِمُحَمّدٍ فَأَرْسَلُوا إلَى مُحَمّدٍ يَدِيهِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لا، مَا عَلَى مُحَمّدٍ دِيَةٌ وَلا غُرْمٌ قَدْ بَرِئَ مُحَمّدٌ مَا كَانَ عَلَى مُحَمّدٍ أَكْثَرُ مِمّا صَنَعَ لَقَدْ أَمْكَنَ الرّسُولَيْنِ مِنْهُ، فَقَالَ الأَخْنَسُ: إنْ وَدَتْهُ قُرَيْشٌ كُلّهَا كَانَتْ زُهْرَةُ بَطْنًا مِنْ قُرَيْشٍ تَدِيهِ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَدِهِ قُرَيْشٌ فَلا نَدِيهِ أَبَدًا، فَلَمْ تَخْرُجْ لَهُ دِيَةٌ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَام الْفَتْحِ....إلخ

فَلَمّا بَلَغَ أَبُو بِصَيْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلَغَ مِنْ الْغَيْظِ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ رَجُلاً، وَكَتَبَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ كِتَابًا يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَلاّ تُدْخِلَ أَبَا بِصَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهِمْ؟ وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَبِى بِصَيْرٍ أَنْ يَقْدَمَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَهُوَ يَمُوتُ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَهُوَ يَمُوتُ فَمَاتَ وَهُوَ فِى يَدَيْهِ فَقَبَرَهُ أَصْحَابُهُ هُنَاكَ وَصَلّوْا عَلَيْهِ وَبَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، فِيهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

وجاء في البخاري من حديث 2732:

......... ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ........

ما نفهمه من هذه القصة وهي موجودة عند ابن هشام كذلك بلا اختلاف ولو أنها مختصرة قليلًا، أن الرجل أبا بصير ظل مع محمد ثلاثة أيام ولم ينفذ شروط المعاهدة، لكونها غير عادلة وتمس أتباعه باضطهاد، لكن لا ننسى أن الاتفاقية تظل واجبة الوفاء بها، ومحمد شرع في نقضها، ثم لما طالبه الوثنيون بها شرع أصحابه_والمسلمون الأصوليون طالما كانوا أهل غدر وشرّ_ يحرِّضون صاحبهم أبا بصير على الغدر ونقض المعاهدة، ثم لما هرب أبو بصير بعد قتله واحدًا من ممسكيه، لم يلتزم محمد بتقييده وتسليمه للآخر، ترى هل لا زلنا نعتقد أن الوثنيين هم من نقضوا صلح الحديبية، ألا تكون هذه سخافة؟! بل الحق أن من نقضها هم المسلمون وأكثر من مرة بطرق استفزازية وكان هدنة لهم فقط للتقوي ونشر الوهم الديني الأحدث بأرض شبه جزيرة العرب. ثم نرى أن محمدًا قال تحريضه بالتلميح وعمر بن الخطاب بلّغه لمسلمي مكة برسالة واضحة تحريضية لهم ليتجمعوا مع أبي بصير لقطع طرق تجارة قريش، تُرى أهذه طريقة المسلمين ومحمد في فهم نص (لا إسلال ولا إغلال) والعمل بها، وهل أنا مخطئ حينما أقول أن محمد وصحبه والمسلمين من أكبر ناقضي العهود وأهل العدوان والتعصب على مر التاريخ، وهي التهمة التي يرمون اليهود بها، وهي صفتهم كذلك مثلما هي صفة لعدوهم اليهوديّ؟!

هناك نماذج كيرة للغدر سنتعرض لها هاهنا من مغازي محمد وصحبه، منها غزوة بني جذام وستأتي، ويبدو أن هذا ديدن المسلمين دومًا، ويقول الطبري في تاريخ الرسل والملوك بأحداث سنة ثلاثين هجرية في موضوع ذكر الخبر عنه عن غزو سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان (من بلاد إيران):

... وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ سَعِيدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ مِرْفَقِهِ، وَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوا الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَلا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلا وَاحِدًا، فَفَتَحُوا الْحِصْنَ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا إِلا رَجُلا وَاحِدًا، وَحَوَى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ.

وهذه القصة أوردها النويريّ في كتابه نهاية الإرب في فنون الأدب ج6، كمثال على الخداع والخيانة والدهاء:

ويقال : إن سعيد بن العاص صالح أهل حصن من حصون فارس على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً ، فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً

نعم كانت الشروط الوثنية غير عادية، تصادر حق الإنسان في حرية العقيدة والتنقل من جهة من يسلم فقط من المكيين، لكن محمدًا قبل شروطهم غير العادلة ليتاح له فترة سلام، لكنه نقض شرطًا منها حينما ترك أبا بصير دون تسليمه ورده، ولتحريضه لمسلمي مكة لإشعال الفتن والنهب وقطع الطريق، ثم عاد فنقض الشرط من المعاهدة مرة أخرى حينما صاغ آية قرآنية تشرع لنقضه بقبول المسلمات إذا هربن وهاجرن إلى يثرب، نعم إن قبولهن حق وعدل بالأصل، لكنه نقض لشروط معاهدته مع المكيين، بالتالي فهو والمسلمون من نقضوا الصلح وليس المكيون الوثنيون!


يقول ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة النبوية:

قال ابن إسحاق: وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيْط في تلك المدة، فخرج أخواها عُمارة والوليد ابنا عقبة، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل. أبى الله ذلك.

قال ابن إسحاق: فحدثني الزهريُّ، عن عروة ابن الزبير، قال: دخلتّ عليه وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة، صاحب الوليد بن عبد الملك، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}.
{وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الممتحنة: 10].
قال: فكتب إليه عروةُ بن الزبير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صَالحَ قريشاً يومَ الحدَيْبية على أن يردَّ عليهم من جاء بغير إذنِ وليه، فلما هاجر النساءُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام، أبي الله أن يرْدَدْنَ إلى المشركين إذا هن امْتحِنَّ بمحنة الإسلام، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبةً في الإِسلام، وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم، إن هم ردوا على المسلمين صداقَ من حُبِسوا عنهم من نسائهم، ذلك حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم. فأمسك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجالَ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن، وأن يردوا عليهم مثلَ الذي يردون عليهم، إن هم فعلوا، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النساءَ كما رد الرجالَ، ولولا الهدنةُ والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء، ولم يرددْ لهنّ صداقا، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.
قال ابن إسحاق: وسألت الزهري عن هذه الآية، وقول الله عز وجل فيها:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا الله الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[الممتحنة: 11] فقال: يقول: إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل الذي يأخذون منكم، فعوضوهم من فىء إن أصبتموه،
ويقول الواقدي:

وَقَالُوا: لا نَعْلَمُ قُرَشِيّةً خَرَجَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً إلَى اللّهِ إلاّ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، كَانَتْ تُحَدّثُ تَقُولُ كُنْت أَخْرُجُ إلَى بَادِيَةٍ لَنَا بِهَا أَهْلِى فَأُقِيمُ فِيهِمْ الثّلاثَ وَالأَرْبَعَ وَهِىَ مِنْ نَاحِيَةِ التّنْعِيمِ - أَوْ قَالَتْ بِالْحِصْحَاصِ - ثُمّ أَرْجِعُ إلَى أَهْلِى فَلا يُنْكِرُونَ ذَهَابِى، حَتّى أَجْمَعْت السّيْرَ فَخَرَجْت يَوْمًا مِنْ مَكّةَ كَأَنّى أُرِيدُ الْبَادِيَةَ الّتِى كُنْت فِيهَا، فَلَمّا رَجَعَ مَنْ تَبِعَنِى خَرَجْت حَتّى انْتَهَيْت إلَى الطّرِيقِ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ فَقُلْت: حَاجَتِى؛ فَمَا مَسْأَلَتُك وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، فَلَمّا ذَكَرَ خُزَاعَةَ اطْمَأْنَنْت إلَيْهِ لِدُخُولِ خُزَاعَةَ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَقْدِهِ، فَقُلْت: إنّى امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أُرِيدُ اللّحُوقَ بِرَسُولِ اللّهِ وَلا عِلْمَ لِى بِالطّرِيقِ، فَقَالَ: أَهْلُ اللّيْلِ وَالنّهَارِ أَنَا صَاحِبُك حَتّى أُورِدَك الْمَدِينَةَ، ثُمّ جَاءَنِى بِبَعِيرٍ فَرَكِبْته، فَكَانَ يَقُودُ بِى الْبَعِيرَ لا وَاَللّهِ مَا يُكَلّمُنِى كَلِمَةً حَتّى إذَا أَنَاخَ الْبَعِيرَ تَنَحّى عَنّى، فَإِذَا نَزَلْت جَاءَ إلَى الْبَعِيرِ فَقَيّدَهُ فِى الشّجِرَةِ وَتَنَحّى عَنّى فِى الشّجَرَةِ، حَتّى إذَا كَانَ الرّوَاحُ جَذَعَ الْبَعِيرُ فَقَرّبَهُ وَوَلّى عَنّى، فَإِذَا رَكِبْته أَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَرَاءَهُ، حَتّى نَنْزِلُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَجَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ فَكَانَتْ تَقُولُ: نِعْمَ الْحَىّ خُزَاعَةُ، قَالَتْ: فَدَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ÷، وَأَنَا مُنْتَقِبَةٌ فَمَا عَرَفْتنِى حَتّى انْتَسَبْت، وَكَشَفْت النّقَابَ فَالْتَزَمَتْنِى وَقَالَتْ هَاجَرْت إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَرُدّنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا رَدّ غَيْرِى مِنْ الرّجَالِ أَبَا جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَأَبَا بِصَيْرٍ وَحَالُ الرّجَالِ يَا أُمّ سَلَمَةَ، لَيْسَ كَحَالِ النّسَاءِ، وَالْقَوْمُ مُصَبّحِى، قَدْ طَالَتْ غِيبَتِى عَنْهُمْ الْيَوْمَ ثَمَانِيّةَ أَيّامٍ مُنْذُ فَارَقْتهمْ فَهُمْ يَبْحَثُونَ قَدْرَ مَا كُنْت أَغِيبُ ثُمّ يَطْلُبُونَنِى، فَإِنْ لَمْ يَجِدُونِى رَحَلُوا إلَىّ فَسَارُوا ثَلاثًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ خَبَرَ أُمّ كُلْثُومٍ، فَرَحّبَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَقَالَتْ أُمّ كُلْثُومٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى فَرَرْت بِدِينِى إلَيْك، فَامْنَعْنِى وَلا تَرُدّنِى إلَيْهِمْ يَفْتِنُونِى وَيُعَذّبُونِى، فَلا صَبْرَ لِى عَلَى الْعَذَابِ إنّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وَضَعْفُ النّسَاءِ إلَى مَا تَعْرِفُ، وَقَدْ رَأَيْتُك رَدَدْت رَجُلَيْنِ إلَى الْمُشْرِكِينَ، حَتّى امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، وَأَنَا امْرَأَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ اللّهَ نَقَضَ الْعَهْدَ فِى النّسَاءِ”، وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِنّ “الْمُمْتَحِنَةَ”.
وَحَكَمَ فِى ذَلِكَ بِحُكْمٍ رَضَوْهُ كُلّهُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَرُدّ مَنْ جَاءَ مِنْ الرّجَالِ وَلا يَرُدّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ النّسَاءِ. وَقَدِمَ أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ الْوَلِيدُ وَعُمَارَةُ ابْنَا عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، فَقَالا: يَا مُحَمّدُ فِلَنَا بِشُرُوطِنَا وَمَا عَاهَدْتنَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: “قَدْ نَقَضَ اللّهُ فَانْصَرَفَا”.
فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: دَخَلْت عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَهُوَ يَكْتُبُ إلَى هُنَيْدٍ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ كَتَبَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} فَكَتَبَ إلَيْهِ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ، فَكَانَ يَرُدّ الرّجَالَ، فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ أَبَى اللّهُ ذَلِكَ أَنْ يَرُدّهُنّ إذَا اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الإِسْلامِ فَزَعَمَتْ أَنّهَا جَاءَتْ رَاغِبَةً فِيهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدّ صَدُقَاتِهِنّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِى يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ إنْ فَعَلُوا، فَقَالَ: ×وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا% وَصَبّحَهَا أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ فَطَلَبَاهَا، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَرُدّهَا إلَيْهِمْ فَرَجَعَا إلَى مَكّةَ، فَأَخْبَرَا قُرَيْشًا.
فَلَمْ يَبْعَثُوا فِى ذَلِكَ أَحَدًا، وَرَضُوا بِأَنْ تُحْبَسَ النّسَاءُ مَا أَنْفَقُوا {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ، فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: فَإِنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَهْلَهُ إلَى الْكُفّارِ فَإِنْ أَتَتْكُمْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ فَأَصَبْتُمْ فَعَوّضُوهُمْ مِمّا أَصَبْتُمْ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ الّتِى أَتَتْكُمْ، فَأَمّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَقَرّوا بِحُكْمِ اللّهِ، وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقِرّوا بِذَلِكَ، وَأَنّ مَا ذَابَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ صَدَاقِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ. {فَآتَوْا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فِى أَيْدِيكُمْ. وَلَسْنَا نَعْلَمُ امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتَتْ زَوْجَهَا بِاللّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إيمَانِهَا، وَلَكِنّهُ حُكْمٌ حَكَمَ اللّهُ بِهِ لأَمْرٍ كَانَ وَاَللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} يَعْنِى مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَطَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى أُمَيّةَ، فَتَزَوّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، وَطَلّقَ عُمَرُ أَيْضًا بِنْتَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيّةَ، فَتَزَوّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَطَلّقَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ الْفِهْرِىّ أُمّ الْحَكَمِ بِنْتَ أَبِى سُفْيَانَ يَوْمئِذٍ، فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثّقَفِىّ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أُمّ الْحَكَمِ.

وروى البخاري:

2712 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ {إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

ويقول محمد متحدثًا كالعادة عن نفسه ورغباته على لسان إلهه الذي هو تجسيد لرغباته، وتضخيم لأناه كما يقول الباحث علي سينا الإيراني الكندي، فيقول محمد بوقاحة يحسد عليها من أعتى الوقحين: إن الله نقض العهد في النساء، وبمعنى آخر هو يقول بطريقة طفولية أنا قررت أن أغدر وأنقض العهد! ثم يحدثنا قرآنهم عن قيمة الوفاء بالعهود! أليس هذا ظريفًا! إله كامل مزعوم ينقض العهود، أي عجز وأي مهزلة كانت تلك وكيف جازت على عقول لا تفكر؟!

ويقول ابن كثير في تفسير القرآن:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)} الممتحنة: 10-11

تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ في ذِكْرُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قريش فكان فيه: على أَنْ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ وَالضَّحَّاكِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمُقَاتِلٍ بن حيان وَالسُّدِّيِّ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصَّصَةً لِلسُّنَّةِ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ وَعَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ السَّلَفِ نَاسِخَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَاءَهُمُ النِّسَاءُ مُهَاجِرَاتٍ أَنْ يَمْتَحِنُوهُنَّ، فَإِنْ عَلِمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا يَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.

..... وقوله تعالى: {ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} أَيْ فِي الصُّلْحِ وَاسْتِثْنَاءِ النِّسَاءِ مِنْهُ وَالْأَمْرُ بِهَذَا كُلِّهِ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُ عباده حكيم في ذلك

أي ناسخة وأي هراء هذا؟! هذه معاهدة وليست حكمًا دينيًّا يقتصر على المسلمين ومن شاؤوا اتباع تهوسات محمد الدينية، وهل كان الوثنيون معتقدين بدين محمد حتى يفرض عليهم نقض العهد معهم على أساس مزاعمه الخرافية المضحكة!

فأين ما نص عليه كتاب المعاهدة من أنه لا إسلال ولا إغلال، الإسلال: السرقة الخفية، والإغلال: الخيانة.

لن يكون أمرًا كبيرًا بعد ذلك ضمن نقض العهد حينما سيأخذ أقارب محمد طفلة قريبة لهم من مكة حينما يقوم بعمرة القضية التي عاهد قريش على أن يقوم بها في العام التالي، نعم نتعاطف مع كل هذا، لكن نقض العهد يظل هو نقض العهد!

روى البخاري:


2699 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا لَا نُقِرُّ بِهَا فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ امْحُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحٌ إِلَّا فِي الْقِرَابِ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا

ورواه أحمد بن حنبل:

770 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن على رضي الله عنه قال: لما خرجنا من مكة اتبعتنا ابنة حمزة تنادى يا عم ويا عم قال فتناولتها بيدها فدفعتها إلى فاطمة رضي الله عنها فقلت دونك ابنة عمك قال فلما قدمنا المدينة اختصمنا فيها أنا وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر ابنة عمى وخالتها عندي يعنى أسماء بنت عميس وقال زيد ابنة أخي وقلت أنا أخذتها وهى ابنة عمى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأما أنت يا علي فمنى وأنا منك وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة قلت يا رسول الله ألا تزوجها قال إنها ابنة أخي من الرضاعة

إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هانئ بن هانئ وهبيرة بن يَريم فقد روى لهما أصحاب السنن، وحديثهما حسن لمتابعة أحدهما للآخر.

931 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، وَهُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ تَبِعَتْهُمْ تُنَادِي: يَا عَمُّ، يَا عَمُّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ فَحَوِّلِيهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي . وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي . فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: " الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ " ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ " وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي " وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا " فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ ؟ فَقَالَ: " إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ "

إسناده حسن. حجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور.

وأخرجه أبو يعلي (526) و (554) وأخرجه الحاكم 3/120، بطوله. وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن سعد 4/36، وابن أبي شيبة 12/105، والبزار (744) ، وابن حبان (7046) وأخرجه أبو داود (2280) وأخرجه أبو يعلي (405) ، والبيهقي 6/8 ، أما أبو يعلى فأورده مختصراً بلفظ: "الخالة بمنزلة الأم". وفي مسند أحمد برقم (857) و (931) و(2040) . وأخرجه بنحوه الحاكم 3/211 وصححه على شرط مسلم، وعنه البيهقي 6/8 وفي الباب عن البراء بن عازب عند ابن أبي شيبة 12/105، والبخاري (2699) ، والترمذي (3765)

وروى الواقدي:


حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: إنّ عُمَارَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأُمّهَا سَلْمَى بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ بِمَكّةَ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَلّمَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: عَلامَ نَتْرُكُ بِنْتَ عَمّنَا يَتِيمَةً بَيْنَ ظَهْرَىْ الْمُشْرِكِينَ؟ فَلَمْ يَنْهَهُ النّبِىّ ÷ عَنْ إخْرَاجِهَا، فَخَرَجَ بِهَا؛ فَتَكَلّمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَانَ وَصِىّ حَمْزَةَ وَكَانَ النّبِىّ ÷ آخَى بَيْنَهُمَا حِينَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ: أَنَا أَحَقّ بِهَا، ابْنَةُ أَخِى فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ جَعْفَرٌ، قَالَ: الْخَالَةُ وَالِدَةٌ وَأَنَا أَحَقّ بِهَا لِمَكَانِ خَالَتِهَا عِنْدِى، أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: أَلا أَرَاكُمْ فِى ابْنَةِ عَمّى، وَأَنَا أَخَرَجْتهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَيْهَا نَسَبٌ دُونِى، وَأَنَا أَحَقّ بِهَا مِنْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ أَمّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَمَوْلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَمّا أَنْتَ يَا عَلِىّ فَأَخِى وَصَاحِبِى، وَأَمّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَتُشْبِهُ خَلْقِى وَخُلُقِى، وَأَنْتَ يَا جَعْفَرُ أَحَقّ بِهَا تَحْتَك خَالَتُهَا، وَلا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلا عَلَى عَمّتِهَا، فَقَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ”. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: فَلَمّا قَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ قَامَ جَعْفَرٌ فَحَجَلَ حَوْلَ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ”؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ النّجَاشِىّ إذَا أَرْضَى أَحَدًا قَامَ فَحَجَلَ حَوْلَهُ، فَقِيلَ لِلنّبِىّ ÷: تَزَوّجْهَا، فَقَالَ: “ابْنَةُ أَخِى مِنْ الرّضَاعَةِ”، فَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ سَلَمَةَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ، فَكَانَ النّبِىّ ÷ يَقُولُ هَلْ جَزَيْت سَلَمَةَ؟.

أما النقض الأكبر الذي قام به المسلمون وحلفاؤهم خزاعة للعهد مع المكيين، ثم زعموا أنه إنما قام به المكيون وبنو بكر حلفاء قريش، فسنتناوله عند الحديث عن فتح أو اجتياح مكة.

مطاردة اللصوص إلى ذي قرد أو الغابة

قال البخاري أنها بعد الحديبية وقبل خيبر بثلاث ليالٍ ووافقه ابن القيم في زاد المعاد، ويشهد له حديث مسند أحمد: 16539 - حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْنَا أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أُبْدِيَهُ مَعَ الْإِبِلِ ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ غَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَتَلَ رَاعِيَهَا وَخَرَجَ يَطْرُدُهَا هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ...إلخ الحديث. ورواه بنحوه مسلم 1807 وابن أبي شيبة 14/533-538، ، وأبو داود (2752) مختصراً، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1867) مختصراً كذلك، وابن حبان (7173) ، والبيهقي في "الدلائل" 4/182-186

يقول الواقدي:

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَعَلِىّ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ، قَالُوا: كَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ ÷ عِشْرِينَ لِقْحَةً، وَكَانَتْ مِنْ شَتّى، مِنْهَا مَا أَصَابَ فِى ذَاتِ الرّقَاعِ، وَمِنْهَا مَا قَدِمَ بِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ نَجْدٍ، وَكَانَتْ تَرْعَى الْبَيْضَاءَ وَدُونَ الْبَيْضَاءِ، فَأَجْدَبَ مَا هُنَاكَ فَقَرّبُوهَا إلَى الْغَابَةِ، تُصِيبُ مِنْ أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا وَتَغْدُو فِى الشّجَرِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: الْغَادِيَةُ تَغْدُو فِى الْعِضَاهِ أُمّ غَيْلانَ وَغَيْرِهَا، وَالْوَاضِعَةُ الإِبِلُ تَرْعَى الْحَمْضَ؛ وَالأَوَارِكُ الّتِى تَرْعَى الأَرَاكَ، فَكَانَ الرّاعِى يَئُوبُ بِلَبَنِهَا كُلّ لَيْلَةٍ عِنْدَ الْمَغْرِبِ.
وَكَانَ أَبُو ذَرّ قَدْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ ÷ إلَى لِقَاحِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى أَخَافُ عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الضّاحِيَةِ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْك، وَنَحْنُ لا نَأْمَنُ مِنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَذَوِيهِ هِىَ فِى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِمْ”، فَأَلَحّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِى، فَلَمّا أَلَحّ عَلَيْهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَكَأَنّى بِك، قَدْ قُتِلَ ابْنُك، وَأُخِذَتْ امْرَأَتُك، وَجِئْت تَتَوَكّأُ عَلَى عَصَاك”. فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ: عَجَبًا لِى إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “لَكَأَنّى بِك”، وَأَنَا أُلِحّ عَلَيْهِ، فَكَانَ وَاَللّهِ عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷.
وَكَانَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: لَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّرْحِ جَعَلَتْ فَرَسِى سَبْحَةً لا تَقِرّ ضَرْبًا بِأَيْدِيهَا وَصَهِيلاً، فَيَقُولُ أَبُو مَعْبَدٍ: وَاَللّهِ إنّ لَهَا شَأْنًا فَنَنْظُرُ آرِيّهَا فَإِذَا هُوَ مَمْلُوءٌ عَلَفًا، فَيَقُولُ: عَطْشَى فَيَعْرِضُ الْمَاءَ عَلَيْهَا فَلا تُرِيدُهُ فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَسْرَجَهَا وَلَبِسَ سِلاحَهُ.
وَخَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَدَخَلَ النّبِىّ ÷ بَيْتَهُ وَرَجَعَ الْمِقْدَادُ إلَى بَيْتِهِ وَفَرَسُهُ لا تَقِرّ، فَوَضَعَ سَرْجَهَا وَسِلاحَهُ وَاضْطَجَعَ وَجَعَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إنّ الْخَيْلَ قَدْ صِيحَ بِهَا، فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ: وَاَللّهِ إنّا لَفِى مَنْزِلِنَا، وَلِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ ÷ قَدْ رُوّحَتْ وَعُطّنَتْ وَحُلِبَتْ عَتَمَتُهَا وَنِمْنَا، فَلَمّا كَانَ فِى اللّيْلِ أَحْدَقَ بِنَا عُيَيْنَةُ فِى أَرْبَعِينَ فَارِسًا، فَصَاحُوا بِنَا وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى رُءُوسِنَا، فَأَشْرَفَ لَهُمْ ابْنِى فَقَتَلُوهُ، وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلاثَةُ نَفَرٍ فَنَجَوْا، وَتَنَحّيْت عَنْهُمْ وَشَغَلَهُمْ عَنّى إطْلاقُ عُقُلِ اللّقَاحِ، ثُمّ صَاحُوا فِى أَدْبَارِهَا، فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَا....إلخ القصة

والقصة وردت في السيرة لابن هشام والبخاري 3041 و4194 ومسلم 1806 و1807 وأحمد 16513 و16539 و61515 وغيره، وفيها القصة الطريفة لسلمة بن الأكوع الذي كان عداء سريعًا جدًا فكان من سوء حظ هؤلاء اللصوص أن صادفوه فاستنقذ منهم نصف الجمال أي عشرة من العشرين حسب الروايات، وانفرد الواقدي بذكر هذه المعلومة الهامة: (في طرف من أطرافهم) هنا نرى خطأ ارتكبه محمد وأتباعه فهم رعوا أنعامهم في موضع يقع داخل حيز وتملك الأعراب طبقًا لأعراف قديمة، وهذا لا يبرر سرقتهم لليثاربة ومحمدبالتأكيد، لكنه يوضح رعي محمد وصحبه لغنمهم على أرض ليست من دولتهم مما صعَّد المشاكل بينهم وعدوهم، وكانت أخلاق الأعراب وكل عرب الجزيرة هي النهب والسرقة، وانتهى الأمر بقتلى من الطرفين الوثني والإسلامي.



  رد مع اقتباس
قديم 04-14-2015, 10:14 PM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [19]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي تابع

غزوة خيبر فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ

ما أن انتهى محمد من صلحه مع وثنيي مكة جبهة عداوته الأخطر، حتى تفرغ للقضاء على القوة الدينية والاقتصادية والعسكرية المنافسة له، ألا وهي اليهود كظاهرة دينية منافسة له ولمشروعه، ويبرر المسلمون اعتداآت محمد وجرائمه ضد اليهود اليثربيين من خيبر بأنهم هم من ساعد وجمع الأحزاب في غزوة الخندق وغيرها من أحداث يروونها، وقد سردنا رأينا المخالف لهذه الأطروحة وعرضنا نماذج من العدوان المحمدي الذي لا يختلف عن العنصرية النازية أو الصهيونية عندما أمر بعد اغتيال كعب بن الأشرف المسلمين بقتل كل من صادفوه من يهود، بحيث صارت التهمة والجناية كونك متبعًا لديانة اليهودية وقصة اقتحام أبي بكر لمعبد يهودي وطلبه مساهمة أو صدقة لحروب محمد ثم اعتدائه بالضرب داخل حرم المعبد للحبر فنحاص لاختلافه معه في النقاش، وحقيقةً فالمطلع على كتبهم الأولى ورسائلهم كنماذج للدعوة لا نرى بها أي نوع من تبادل فكر أو تعارف إنساني بل قاذورات فكرية شمولية...على أي حال، شرع المسلمون يعدون لجريمتهم وبدأ محمد يتقوى على يهود خيبر ويثرب بجمع من أتاه من المتهوسين وقطاع الطرق والمغيرين:

قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِى ذِى الْحَجّةِ تَمَامَ سَنَةَ سِتّ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِى الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَخَرَجَ فِى صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ - وَيُقَالُ خَرَجَ لِهِلالِ رَبِيعٍ الأَوّلِ - إلَى خَيْبَرَ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ بِالتّهَيّؤِ لِلْغَزْوِ فَهُمْ مُجِدّونَ وَتَجَلّبَ مَنْ حَوْلَهُ يَغْزُونَ مَعَهُ وَجَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ رَجَاءَ الْغَنِيمَةِ فَقَالُوا: نَخْرُجُ مَعَك وَقَدْ كَانُوا تَخَلّفُوا عَنْهُ فِى غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَرْجَفُوا بِالنّبِىّ ÷ وَبِالْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: نَخْرُجُ مَعَك إلَى خَيْبَرَ، إنّهَا رِيفُ الْحِجَازِ طَعَامًا وَوَدَكًا وَأَمْوَالاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تَخْرُجُوا مَعِى إلاّ رَاغِبِينَ فِى الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلا”. وَبَعَثَ مُنَادِيًا فَنَادَى: “لا يَخْرُجَنّ مَعَنَا إلاّ رَاغِبٌ فِى الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلا”

أيضًا نجد أن الكثيرين من ق طاع الطرق وشذاذ الآفاق أصحاب الغارات انضموا لمحمد، وهاهو يذكر الواقدي أن الحجاج بن علاط من بني سُلَيْم كان من هؤلاء القُطَّاع:

وَكَانَ الْحَجّاجُ بْنُ عِلاطٍ السّلَمِىّ ثُمّ الْبَهْزِىّ قَدْ خَرَجَ يُغِيرُ فِى بَعْضِ غَارَاتِهِ فَذُكِرَ لَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِخَيْبَرَ فَأَسْلَمَ، وَحَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ أُمّ شَيْبَةَ بِنْتُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أُخْتُ مَصْعَبٍ الْعَبْدِىّ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ الْحَجّاجُ مُكْثِرًا، لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، مَعَادِنُ الذّهَبِ الّتِى بِأَرْضِ بَنِى سُلَيْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِى حَتّى أَذْهَبَ فَآخُذَ مَا لِى عِنْدَ امْرَأَتِى، فَإِنْ عَلِمَتْ بِإِسْلامِى لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا....إلخ

قصة خداع الحجاج بن علاط لقريش وزوجته حتى يستخلص ماله منهم بادعاء أن محمدًا هزم أمام اليهود وأنه يحتاج أمواله لشراء المغانم من اليهود للتجارة مشهورة وهي في مسند أحمد 12409 وفي "مصنف عبد الرزاق" (9771) ، ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد (1288) ، والبزار (1816- كشف الأستار) ، والنسائي في "الكبرى" (8646)، لكنهم لم يخبرونا بوظيفته "الكريمة" كقاطع طريق!

ولما شعر يهود يثرب المدينة بذلك كان ما فعلوه-كما يحكي الواقدي_محاولة منهم لمساندة قومهم، هو:

فَلَمّا تَجَهّزَ النّاسُ إلَى خَيْبَرَ شَقّ ذَلِكَ عَلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِالّذِينَ هُمْ مُوَادِعُونَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَرَفُوا أَنّهُمْ إذَا دَخَلُوا خَيْبَرَ أَهَلَكَ اللّهُ خَيْبَرَ كَمَا أَهَلَكَ بَنِى قَيْنُقَاعَ وَالنّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ. قَالَ: فَلَمّا تَجَهّزْنَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقّ إلاّ لَزِمَهُ، وَكَانَ لأَبِى الشّحْمِ الْيَهُودِىّ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ الأَسْلَمِىّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِى شَعِيرٍ أَخَذَهُ لأَهْلِهِ فَلَزِمَهُ، فَقَالَ: أَجّلْنِى فَإِنّى أَرْجُو أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْك فَأَقْضِيَك حَقّك إنْ شَاءَ اللّهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَ نَبِيّهُ خَيْبَرَ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى حَدْرَدٍ مِمّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا الشّحْمِ إنّا نَخْرُجُ إلَى رِيفِ الْحِجَازِ فِى الطّعَامِ وَالأَمْوَالِ. فَقَالَ أَبُو الشّحْمِ حَسَدًا وَبَغْيًا: تَحْسِبُ أَنّ قِتَالَ خَيْبَرَ مِثْلُ مَا تَلْقَوْنَهُ مِنْ الأَعْرَابِ؟ فِيهَا وَالتّوْرَاةُ عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِى حَدْرَدٍ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ تُخَوّفْنَا بِعَدُوّنَا وَأَنْتَ فِى ذِمّتِنَا وَجِوَارِنَا؟ وَاَللّهِ لأَرْفَعَنّكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا تَسْمَعُ إلَى مَا يَقُولُ هَذَا الْيَهُودِيّ؟ وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ أَبُو الشّحْمِ. فَأَسْكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْئًا، إلاّ أَنّى رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَذَا قَدْ ظَلَمَنِى وَحَبَسَنِى بِحَقّى وَأَخَذَ طَعَامِى قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَعْطِهِ حَقّهُ”، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَخَرَجْت فَبِعْت أَحَدَ ثَوْبَىْ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ وَطَلَبْت بَقِيّةَ حَقّهِ فَقَضَيْته، وَلَبِسْت ثَوْبِى الآخَرَ وَكَانَتْ عَلَىّ عِمَامَةٌ فَاسْتَدْفَأْت بِهَا. وَأَعْطَانِى سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ ثَوْبًا آخَرَ فَخَرَجْت فِى ثَوْبَيْنِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَنَفّلَنِى اللّهُ خَيْرًا، وَغَنِمْت امْرَأَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِى الشّحْمِ قَرَابَةٌ فَبِعْتهَا مِنْهُ بِمَالٍ.

وأبو الشحم هذا على كونه تاجرًا ناجحًا وربما جشعًا محبًّا للربح، كان ذا فضيلة ونبل إنساني وسط كل هذا السرد التاريخيّ الوسخ، وسبق وسارع بشراء ما استطاع من نساء قريظة ليحررهن من سبي المسلمين لهن، أما قصة أن خيبر بها عشرة آلاف جندي يهودي فمحض خرافة وجملة كان يكررها اليهود للتخويف وتبناها المسلمون لتعظيم خستهم بالاعتداء على أقلية بائسة، كما سنرى من بعض الاستدلالات التالية ضمن السياق. ونرى كيف أنهم ككل أهل الزمان الغابر استحلّوا استعباد البشر وبيعهم مقابل مال، وسارع الرجل الفاضل لتحرير قريبته ولعله هو وغيره من الأفاضل حاولوا تحرير ما استطاعوا من نساء عربيات يهوديات مستعبدات مخطوفات. لكن ليس كل من وقت بيده سبية من هؤلاء المسلمين كان سيتركها ويبيعها للأسف! أما أمر محمد لصحابيه برد الدين مع أن مايقوم به من سرقة ونهب لليهود أكثر من ذلك بكثير، فاتقاء للحرج وللمظهر العام أمام العقد الاجتماعيّ غير المكتوب والمعارف عليه، ولو أن محمدًا حطم وكان سيحطم كل العقد الاجتماعي لدرجة توصيته قبل موته بإخراج كل أتباع الأديان الأخرى من شبه جزيرة العرب كما سنرى لاحقًا.

ويحكي الواقدي:

وَجَاءَ أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَنَا نَفَقَةٌ وَلا زَادَ وَلا ثَوْبَ أَخْرُجُ فِيهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ شَقِيقَة سُنْبُلانِيّة، فَبَاعَهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَابْتَاعَ تَمْرًا بِدِرْهَمَيْنِ لَزَادَهُ وَتَرَكَ لأَهْلِهِ نَفَقَةً دِرْهَمَيْنِ وَابْتَاعَ بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى طَرِيقِ خَيْبَرَ فِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إذْ أَبْصَرَ بِرَجُلٍ يَسِيرُ أَمَامَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَبْرُقُ فِى الْقَمَرِ كَأَنّهُ فِى الشّمْسِ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مِنْ هَذَا”؟ فَقِيلَ: أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَدْرَكُوهُ” قَالَ: فَأَدْرَكُونِى فَحَبَسُونِى، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَمَا تَأَخّرَ وَظَنَنْت أَنّهُ قَدْ نَزَلَ فِىّ أَمْرٌ مِنْ السّمَاءِ فَجَعَلْت أَتَذَكّرُ مَا فَعَلْت حَتّى لَحِقَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “مَا لَك تَقْدُمُ النّاسَ لا تَسِيرُ مَعَهُمْ”؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ نَاقَتِى نَجِيبَةٌ، قَالَ: “فَأَيْنَ الشّقِيقَةُ الّتِى كَسَوْتُك”؟ فَقُلْت: بِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوّدَتْ بِدِرْهَمَيْنِ تَمْرًا، وَتَرَكْت لأَهْلِى نَفَقَةِ دِرْهَمَيْنِ وَاشْتَرَيْت بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ ÷، ثُمّ قَالَ: “أَنْتَ وَاَللّهِ يَا أَبَا عَبْسٍ وَأَصْحَابُك مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَئِنْ سَلّمْتُمْ وَعِشْتُمْ قَلِيلاً لَيَكْثُرَنّ زَادَكُمْ وَلَيَكْثُرَنّ مَا تَتْرُكُونَ لأَهْلِيكُمْ وَلَتَكْثُرَنّ دَرَاهِمُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَمَا ذَاكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ”، قَالَ أَبُو عَبْسٍ: فَكَانَ وَاَللّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷.

نعم، لأنها شبعة بعد جوع، يعقبها السعار، وأخلاق العرب والمستعربين ظلت دومًا قائمة على مفهوم الجشع والسلوك المسعور المتوارَث، كأنها لوثة إسلامية ما، هذا أقوله من تعايشي معهم ورؤيتي لحال أغلب رجال أعمالهم ومصانعهم من مكنزي رؤوس الأموال البخلاء على العمال بأي أجور عادلة. وهناك أحاديث لعمر وغيره مشابهة في ذم الأموال والخيرات، وهي أحاديث نكدة مشؤومة تعبر عن زهد وضيق فكر وعدم احتفاء بالحياة، وهكذا هو حال الدينيين وخاصة المسلمين إما يكونون جشعين لا مبالين أو زهادًا فقراء غير ذوي همة أو احتفاء بالحياة. مما يعكس عدم اتزان الشخصية المتدينة.

استعان محمد كثيرًا في هذه الغزوة بالخونة وعديمي الولاء والمبادئ من المستعدين لبيع أي شيء بالمال ليقتحم حصون خيبر، هذا ما يكشفه لنا الواقدي، ففي حديثه عن قسمة النهب والمسروقات أو الغنائم يقول:

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ قُطَيْرٍ الْحَارِثِىّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِعَشَرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ إلَى خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ. وَيُقَالُ: أَحَذَاهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ

وقدم جماعة من اليمن فيهم المدعو أبو هريرة لأول مرة، وانضموا لجيش محمد كذلك، يقول الواقدي:

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ ثَمَانُونَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: رَسُولُ اللّهِ بِخَيْبَرَ، وَهُوَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ، فَقُلْت: لا أَسْمَعُ بِهِ يَنْزِلُ مَكَانًا أَبَدًا إلاّ جِئْته، فَتَحَمّلْنَا حَتّى جِئْنَاهُ بِخَيْبَرَ فَنَجِدُهُ قَدْ فَتَحَ النّطَاةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ، فَأَقَمْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا

وفي موضع آخر يحكي الواقدي:

وَقَدِمَ الدّوْسِيّونَ فِيهِمْ أَبُو هَرِيرَةَ، وَالطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُمْ، وَنَفَرٌ مِنْ الأَشْجَعِيّينَ فَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ فِيهِمْ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ. قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَنَظَرَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إلَى أَبِى هَرِيرَةَ فَقَالَ: أَمّا أَنْتَ فَلا، فَقَالَ أَبُو هَرِيرَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. قَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ: يَا عَجَبَاه لِوَبَرٍ تَدَلّى عَلَيْنَا مِنْ قُدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللّهُ عَلَى يَدَىّ وَلَمْ يُهِنّى عَلَى يَدِهِ.

معاني كلمات: الوبر حيوان صغير بحجم القط أغبر أو أبيض شديد الحباء يوجد بالحجاز، وشبهه به تحقيرًا له، وقدوم ضأن هي ثنية أو جبل السراة بأرض دوس
وقصة قدومه ألمح لها ابن إسحاق:

قال ابن إسحاق: فحدثني ثَوْر بن يزيد، عن سالم، مولى عبد الله بن مُطيع، عن أبي هريرة، قال: فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى...إلخ

وذكرها البخاري 4136 و4237 و4238 و4239 وأبو داوود 2723وفيها قصة مجادلة أبي هريرة مع أبان أمام محمد وذكر أحدها أنه لم يعطهم من الغنائم بسبب احتجاج أبان، وهي القصة والتي ذكرها الواقدي كذلك. بل وقصة قدوم أبي هريرة متزامنًا مع غزو خيبر مشهورة حتى أن علماء الإسلام يستخدمونها للتفرقة بين أشياء كثيرة في التواريخ ومقارناتها للتصحيح والتأكيد.

القصة التي يرويها الواقدي عن عدد العشرة آلاف ليهود خيبر مشكوك فيها كثيرًا، ولنا أدلة من الواقدي نفسه:

وَكَانَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ يَقُولُونَ حِينَ تَجَهّزَ النّبِىّ ÷ إلَى خَيْبَرَ: مَا أَمْنَعُ وَاَللّهِ خَيْبَرَ مِنْكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ خَيْبَرَ وَحُصُونَهَا وَرِجَالَهَا لَرَجَعْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُصَلّوا إلَيْهِمْ حُصُونٌ شَامِخَاتٌ فِى ذُرَى الْجِبَالِ وَالْمَاءُ فِيهَا وَاتِنٌ إنّ بِخَيْبَرَ لأَلْفِ دَارِعٍ مَا كَانَتْ أَسَدٌ وَغَطْفَان يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْعَرَبِ قَاطِبَةً إلاّ بِهِمْ فَأَنْتُمْ تُطِيقُونَ خَيْبَرَ؟ فَجَعَلُوا يُوحَوْنَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ فَيَقُولُ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷: قَدْ وَعَدَهَا اللّهُ نَبِيّهُ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا.

لو أخذنا بهذا الرقم، فإنه سيكون رهانًا جيدًا منا أن نفترض أن اليهود كانوا ألفاً أو ألفين من الرجال القادرين على الحرب على أقصى حد، خاصة لوفرة مالهم وقدرتهم على التسليح والتدريع الجيد.

ومما يدل أيضًا على عدم صحة الرقم المذكور أن الحجاج بن علاط بعد انهزام اليهود لما سافر إلى مكة وخدع القرشيين ليتحصل على أمواله قال لهم زعمًا به كذب منطقي أن اليهود استطاعوا هزيمة محمد وأنهم كانوا قد أتوا بحلفائهم غطفان وأسد:

....فَقُلْت: لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ، كَانُوا قَدْ سَارُوا فِى الْعَرَبِ يَجْمَعُونَ لَهُ الْجَمُوعَ وَجَمَعُوا لَهُ عَشَرَةَ آلافٍ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يَسْمَعْ قَطّ بِمِثْلِهَا...

إذن لو اجتمع كل هؤلاء لكان عددهم هكذا، أما اليهود وحدهم فعددهم قليل.

نلاحظ أن محمدًا أحسن التخطيط فانتصر هو وتبعه:

فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ فَعَمّى اللّهُ عَلَيْهِمْ مَخْرَجَهُ إلاّ بِالظّنّ حَتّى نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَاحَاتِهِمْ لَيْلاً.

أما اليهود فتخبطوا بشكل قد يدل على أن قوتهم كانت أقل عدديًّا من المسلمين، فسواء واجهوا أم تحصّنوا كان الضرر سينالهم:

وَكَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ حَيْثُ أَحَسّوا بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ الْيَهُودِىّ بِأَنْ يُعَسْكِرُوا خَارِجًا مِنْ حُصُونِهِمْ وَيَبْرُزُوا لَهُ فَإِنّى قَدْ رَأَيْت مَنْ سَارَ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُونِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَقَاءٌ بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَبْىٍ وَمِنْهُمْ مِنْ قَتْلِ صَبْرًا. فَقَالَتْ الْيَهُودُ: إنّ حُصُونَنَا هَذِهِ لَيْسَتْ مِثْلَ تِلْكَ هَذِهِ حُصُونٌ مَنِيعَةٌ فِى ذُرَى الْجِبَالِ. فَخَالَفُوهُ وَثَبَتُوا فِى حُصُونِهِمْ فَلَمّا صَبّحَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَعَايَنُوهُ أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ.

وخلال محاصرة ومفاجأة محمد للحصون استخدم مرشدين بدو للطريق:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَلَكَ ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ، ثُمّ أَخَذَ عَلَى الزّغَابَةَ ثُمّ عَلَى نَقْمَى، ثُمّ سَلَكَ الْمُسْتَنَاخَ ثُمّ كَبَسَ الْوَطِيحَ، وَمَعَهُمْ دَلِيلانِ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: حَسِيلُ بْنُ خَارِجَةَ، وَالآخَرُ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ خَرَجَ عَلَى عَصْرٍ وَبِهِ مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّهْبَاءِ.

والوطيح هذا من أكبر حصون خيبر

كانت خطة محمد أن يتوسّط بين غطفان وخيبر، ليمنع غطفان من إمداد اليهود وهو ما يدل على أن عدد جيشه كان لا بأس به أو أن لديه ثقة جيدة بنفسه، وإلا لما غامر بوضع جيشه بين ما قد يشكل فكي كمّاشة عليه، يقول الواقدي:

ثُمّ دَعَا بِالأَدِلاّءِ فَجَاءَ حُسَيْلُ بْنُ خَارِجَةَ الأَشْجَعِىّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ الأَشْجَعِىّ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِحُسَيْلٍ: “امْضِ أَمَامَنَا حَتّى تَأْخُذَنَا صُدُورُ الأَوْدِيَةِ حَتّى نَأْتِىَ خَيْبَرَ مِنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّامِ، فَأَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشّامِ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ”. فَقَالَ حُسَيْلٌ: أَنَا أَسْلُكُ بِك.

وهذا ذكره ابن هشام كذلك بنحو مشابه:

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عِصر، فبُنى له فيها مسجد، ثم على الصَّهْباء، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه حتى نزل بوادٍ يقال له الرَّجيع، فنزل بينهم وبين غَطَفان، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومما يدل على أكذوبة قصة رقم العشرة آلاف، أن محمدًا كان يقظًا للرصد فأمسكت ربيئته برجل كان سيتجسس عليهم لصالح يهود خيبر، فشرع هذا محاولًا نصرة حلفائه وإبراء ذمته الكذب على المسلمين وتكرار أكذوبة العشرة آلاف تلك، وقد كان من أشجع هي بطن من غطفان، ولم يكونوا صالحوا ووادعوا محمدًا بعد:

وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فِى فَوَارِسَ طَلِيعَةٍ فَأَخَذَ عَيْنًا لِلْيَهُودِ مِنْ أَشْجَعَ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَاغٍ أَبْتَغِى أَبْعِرَةً ضَلّتْ لِى، أَنَا عَلَى أَثَرِهَا. قَالَ لَهُ عَبّادٌ: أَلَك عِلْمٌ بِخَيْبَرَ؟ قَالَ: عَهْدِى بِهَا حَدِيثٌ فِيمَ تَسْأَلُنِى عَنْهُ؟ قَالَ: عَنْ الْيَهُودِ. قَالَ: نَعَمْ كَانَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ سَارُوا فِى حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ، فَاسْتَنْفَرُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً فَجَاءُوا مُعَدّينَ مُؤَيّدِينَ بِالْكُرَاعِ وَالسّلاحِ يَقُودُهُمْ عُتْبَةُ بْنُ بَدْرٍ، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِى حُصُونِهِمْ وَفِيهَا عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ وَهُمْ أَهْلُ الْحُصُونِ الّتِى لا تُرَامُ وَسِلاحٌ وَطَعَامٌ كَثِيرٌ لَوْ حُصِرُوا لِسِنِينَ لَكَفَاهُمْ وَمَاءٌ وَاتِنٌ يَشْرَبُونَ فِى حُصُونِهِمْ مَا أَرَى لأَحَدٍ بِهِمْ طَاقَةً، فَرَفَعَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ السّوْطَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَاتٍ، وَقَالَ: مَا أَنْتَ إلاّ عَيْنٌ لَهُمْ اُصْدُقْنِى وَإِلاّ ضَرَبْت عُنُقَك فَقَالَ الأَعْرَابِىّ: أَفَتُؤَمّنّى عَلَى أَنْ أَصْدُقَك؟ قَالَ عَبّادٌ: نَعَمْ، فَقَالَ الأَعْرَابِىّ: الْقَوْمُ مَرْعُوبُونَ مِنْكُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ لِمَا قَدْ صَنَعْتُمْ بِمَنْ كَانَ بِيَثْرِبَ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِنّ يَهُودَ يَثْرِبَ بَعَثُوا ابْنَ عَمّ لِى وَجَدُوهُ بِالْمَدِينَةِ، قَدْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ يَبِيعُهَا، فَبَعَثُوهُ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ يُخْبِرُونَهُ بِقِلّتِكُمْ وَقِلّةِ خَيْلِكُمْ وَسِلاحِكُمْ....إلخ

قَالَ الأَعْرَابِىّ: وَأَنَا أَسْمَعُ كُلّ هَذَا، فَقَالَ لِى كِنَانَةُ: اذْهَبْ مُعْتَرِضًا لِلطّرِيقِ فَإِنّهُمْ لا يَسْتَنْكِرُونَ مَكَانَك، وَاحْرُزْهُمْ لَنَا، وَادْنُ مِنْهُمْ كَالسّائِلِ لَهُمْ مَا تَقْوَى بِهِ ثُمّ أَلْقِ إلَيْهِمْ كَثْرَةَ عَدَدِنَا وَمَادّتِنَا فَإِنّهُمْ لَنْ يَدَعُوا سُؤَالَك، وَعَجّلْ الرّجْعَةَ إلَيْنَا بِخَبَرِهِمْ. فَأَتَى بِهِ عَبّادٌ النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ

نلاحظ جملة القوم مرعوبون وجلون وهي تؤكد وجهة نظري بوجود فارق عددي لصالح المسلمين، ويؤكد ذلك ما ورد بآخر سرد الواقدي فقتلة اليهود بضع وتسعون، وقتلة المسلمين أفراد معدودون فقط، رغم حصون اليهود.

نجد هنا عملية إكراه للجاسوس على الإسلام، وأي مصداقية لاتباع دين بالإجبار؟!
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ عَبّادٌ: جَعَلْت لَهُ الأَمَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمْسِكْهُ مَعَك يَا عَبّادُ فَأَوْثِقْ رِبَاطًا”. فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ عَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى دَاعِيك ثَلاثًا، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ لَمْ يَخْرُجْ الْحَبْلُ عَنْ عُنُقِك إلاّ صَعَدًا”، فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِىّ

نلاحظ أنه قد كان أعراب غطفان أهل خسة، لأن اليهود ناصروهم دومًا، فلما احتاجهم اليهود لم يمدوا لهم يد العون مع أنهم عرضوا مقابلًا لذلك، كأن حلفهم معهم وأياديهم البيضاء من مؤازرة لهم في الماضي لم تكن تكفيهم كدافع والتزام، يقول الواقدي:

وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعَهَا، ثُمّ رَجَعَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: تَرَكْت مُحَمّدًا يُعَبّئُ أَصْحَابَهُ إلَيْكُمْ. فَبَعَثُوا إلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ، فَخَرَجَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فِى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ يَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ سَنَةً.

فزارة أيضًا من بطون غطفان

أيضًا من سمات أفول نجم قوم وارتفاع آخرين، أن تجد المهزومين غافلين غير مستعدين، مع أنه يفترض أن يتنبهوا لنوايا محمد وأتباعه، هذا نرى مثله في فتح محمد العثماني للقسطنطينية، وهنا نقرأ من الواقدي:

وَفَتَحُوا حُصُونَهُمْ مَعَهُمْ الْمَسَاحِى وَالْكَرَازِينُ وَالْمَكَاتِلُ، فَلَمّا نَظَرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ قَالُوا: مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ فَوَلّوْا هَارِبِينَ حَتّى رَجَعُوا إلَى حُصُونِهِمْ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ”

هذه القصة رواها البخاري:
371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ....إلخ الحديث

610 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}

ورواه مسلم :

[ 1365 ] حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأري بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد والله قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا محمد والخميس قال وأصبناها عنوة وجمع السبي...إلخ الحديث

[ 1365 ] وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرارا قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا والخميس قال وأصبناها عنوة

[ 1365 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيناهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤسهم ومكاتلهم ومرورهم فقالوا محمد والخميس قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قال فهزمهم الله عز وجل

ورواه أحمد بن حنبل 12086 و12670 و12671وغيره فنكتفي بما سلف، وذكره ابن هشام وفي لفظه (قالوا: محمد والخميس معه! فأدبروا هُرَّاباً)

ثم يقول الواقدي:

وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَنْزِلَةِ جَعَلَ مَسْجِدًا فَصَلّى إلَيْهِ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ نَافِلَةً. فَثَارَتْ رَاحِلَتُهُ تَجُرّ زِمَامَهَا، فَأُدْرِكَتْ تَوَجّهُ إلَى الصّخْرَةِ لا تُرِيدُ تَرْكَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ” حَتّى بَرَكَتْ عِنْد الصّخْرَةِ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الصّخْرَةِ، وَأَمَرَ بِرَحْلِهِ فَحَطّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالتّحَوّلِ إلَيْهَا، ثُمّ ابْتَنَى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَيْهَا مَسْجِدًا فَهُوَ مَسْجِدُهُمْ الْيَوْمَ. فَلَمّا أَصْبَحَ جَاءَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك، إنّك نَزَلْت مَنْزِلَك هَذَا، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ أَمَرْت بِهِ فَلا نَتَكَلّمُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الرّأْىُ تَكَلّمْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلْ هُوَ الرّأْىُ”. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَنَوْت مِنْ الْحِصْنِ وَنَزَلْت بَيْنَ ظُهْرَىْ النّخْلِ وَالنّزّ مَعَ أَنّ أَهْلَ النّطَاةِ لِى بِهِمْ مَعْرِفَةٌ لَيْسَ قَوْمٌ أَبْعَدَ مَدَى مِنْهُمْ وَلا أَعْدَلَ مِنْهُمْ وَهُمْ مُرْتَفِعُونَ عَلَيْنَا، وَهُوَ أَسْرَعُ لانْحِطَاطِ نَبْلُهُمْ مَعَ أَنّى لا آمَنُ مِنْ بَيَاتِهِمْ يَدْخُلُونَ فِى خَمْرِ النّخْلِ تَحَوّلْ يَا رَسُولَ اللّهِ إلَى مَوْضِعٍ بَرِئَ مِنْ النّزّ وَمِنْ الْوَبَاءِ نَجْعَلْ الْحَرّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَتّى لا يَنَالَنَا نَبْلُهُمْ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: نُقَاتِلهُمْ هَذَا الْيَوْمَ، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: “اُنْظُرْ لَنَا مَنْزِلاً بَعِيدًا مِنْ حُصُونِهِمْ بَرِيئًا مِنْ الْوَبَاءِ نَأْمَنُ فِيهِ بَيَاتَهُمْ”. فَطَافَ مُحَمّدٌ حَتّى انْتَهَى إلَى الرّجِيعِ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ÷ لَيْلاً، فَقَالَ: وَجَدْت لَك مَنْزِلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ”.
وَقَاتَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَهُ ذَلِكَ إلَى اللّيْلِ يُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ، يُقَاتِلُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا. وَحُشِدَتْ الْيَهُودُ يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ: لَوْ تَحَوّلْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إذَا أَمْسَيْنَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَحَوّلْنَا”، وَجَعَلْت نَبْلَ الْيَهُودِ تُخَالِطُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَجَاوَزَهُ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْقُطُونَ نَبْلَهُمْ ثُمّ يَرُدّونَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ،

فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحَوّلَ إلَى الرّجِيعِ، وَخَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْبَيَاتَ فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَبَاتَ فِيهِ، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ يَغْدُو كُلّ يَوْمٍ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ مُتَسَلّحِينَ وَيَتْرُكُ الْعَسْكَرَ بِالرّجِيعِ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ عُثْمَانَ ابْنَ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ يَوْمَهُ إلَى اللّيْلِ، ثُمّ إذَا أَمْسَى رَجَعَ إلَى الرّجِيعِ.

وَكَانَ قَاتَلَ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ أَسْفَلِ النّطَاةِ، ثُمّ عَادَ بَعْدُ فَقَاتَلَهُمْ مِنْ أَعْلاهَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ، وَأَنّ مَنْ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُمِلَ إلَى الْمُعَسْكَرِ فَدُووِىَ، وَإِنْ كَانَ بِهِ انْطِلاقٌ انْطَلَقَ إلَى مُعَسْكَرِ النّبِىّ ÷ وَكَانَ أَوّلَ يَوْمٍ قَاتَلُوا فِيهِ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَمْسُونَ رَجُلاً مِنْ نَبْلِهِمْ فَكَانُوا يُدَاوُونَ مِنْ الْجِرَاحِ

كيف قال أنها مأمورة يعني بأمر إلهيّ، ثم عاد واعترف أنه مجرد رأي له وكان رأيه نكبة على صحبه فجرح منهم خمسون في يوم واحد لمجرد تأخره ذلك اليوم ورغبته في تجربة عدم اتباع نصيحة صاحبه الذي نصحه بابتعاد الجيش عن الحصن لئلا تصيبهم السهام وما يُلقى عليهم!

أيضًا ارتكب محمود بن مسلمة هذه الغلطة:

وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ، وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا شَدِيدَ الْحَرّ وَهُوَ أَوّلُ يَوْمٍ قَاتَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَهْلَ النّطَاةِ، وَبِهَا بَدَأَ فَلَمّا اشْتَدّ الْحَرّ عَلَى مَحْمُودٍ وَعَلَيْهِ أَدَاتُهُ كَامِلَةً جَلَسَ تَحْت حِصْنِ نَاعِم يَبْتَغِى فَيْئَهُ وَهُوَ أَوّلُ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلا يَظُنّ مَحْمُودٌ أَنّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ إنّمَا ظَنّ أَنّ فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا - وَنَاعِمٌ يَهُودِىّ، وَلَهُ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ هَذَا مِنْهَا - فَدَلّى عَلَيْهِ مَرْحَبٌ رَحًى فَأَصَابَ رَأْسَهُ. فَهَشّمَتْ الْبَيْضَةُ رَأْسَهُ حَتّى سَقَطَتْ جِلْدَةِ جَبِينِهِ عَلَى وَجْهِهِ

وهو من قتلى تلك الغزوة بسبب ذلك

نجد مسارعة المسلمين إلى التخريب والتدمير، وهو طبع الأصوليين المسلمين منذ نشؤوا وطالما ظل ديانتهم وظلوا، فقاموا بنفس ما قاموا به في غزوة بني النضير دلالة على الحقد والشر وخبث النفوس، يروي الواقدي:

فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَغْدُو بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَكَانَ شِعَارُهُمْ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْيَهُودَ تَرَى النّخْلَ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلادِهِمْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَطْعِ النّخْلِ، وَوَقَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى قَطْعِهَا حَتّى أَسْرَعُوا فِى الْقَطْعِ فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَكُمْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مُنْجِزٌ مَا وَعَدَك، فَلا تَقْطَعْ النّخْلَ. فَأَمَرَ فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “فَنَهَى عَنْ قَطْعِ النّخْلِ”.
وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: رَأَيْت نَخْلاً بِخَيْبَرَ فِى النّطَاةِ مُقَطّعَةً فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا قَطَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷.
وَحَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِىّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى النّطَاةِ أَرْبَعَمِائَةِ عِذْقٍ وَلَمْ تَقْطَعْ فِى غَيْرِ النّطَاةِ.
فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَنْظُرُ إلَى صَوْرٍ مِنْ كَبِيسٍ قَالَ: أَنَا قَطَعْت هَذَا الصّوْرَ بِيَدِى حَتّى سَمِعْت بِلالاً يُنَادِى عَزْمَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ لا يَقْطَعُ النّخْلَ فَأَمْسَكْنَا.

نجد مسلسلًا من الخيانات من بعض رجال اليهود، يجعلنا نتساءل هل خافوا وتصرفوا بأنانية وأرادوا إنقاذ أنفسهم وأسرهم والتضحية بالباقين، أم كان هناك خلال اجتماعي في مجتمع صغير دينيّ شموليّ كمجتمع يهود خيبر؟! مثل هذا الخلل بوسعي التنبؤ أنه بالتالي سيظهر في المسلمين حينما يتعرضون للشدائد أيضًا ولمن قرأ التاريخ أن يجد أمثلة، وعلى كلٍ نقرأ من الواقدي:

وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ إنّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ نَادَانَا بَعْدَ لَيْلٍ وَنَحْنُ بِالرّجِيعِ أَنَا آمَنُ وَأُبَلّغُكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَابْتَدَرْنَاهُ فَكُنْت أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ. فَأَدْخَلْنَاهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ تَؤُمّنّى وَأَهْلِى عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى عَوْرَةٍ مِنْ عَوْرَاتِ الْيَهُودِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. فَدَلّهُ عَلَى عَوْرَةِ الْيَهُودِ. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ تِلْكَ السّاعَةَ فَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَخَبّرَهُمْ أَنّ الْيَهُودَ قَدْ أَسْلَمَهَا حَلْفَاؤُهَا وَهَرَبُوا، وَأَنّهَا قَدْ تَجَادَلَتْ وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ. قَالَ كَعْبٌ: فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ فَظَفّرَنَا اللّهُ بِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِى النّطَاةِ شَيْءٌ غَيْرَ الذّرّيّةِ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى الشّقّ وَجَدْنَا فِيهِ ذُرّيّةً فَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْيَهُودِىّ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ فِى الشّقّ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَرَأَيْته أَخَذَ بِيَدِ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ.

ثم يحكي الواقدي بعدها مباشرة القصة بشكل آخر قد يكون أصح:

قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُنَاوِبُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِى حِرَاسَةِ اللّيْلِ فِى مَقَامِهِ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ، فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ السّادِسَةُ مِنْ السّبْعِ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَلَى الْعَسْكَرِ فَطَافَ عُمَرُ بِأَصْحَابِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ وَفَرّقَهُمْ أَوْ فَرّقَ مِنْهُمْ فَأُتِىَ بِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ فِى جَوْفِ اللّيْلِ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: اذْهَبْ بِى إلَى نَبِيّكُمْ حَتّى أُكَلّمَهُ فَأَمْسَكَهُ عُمَرُ وَانْتَهَى بِهِ إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَوَجَدَهُ يُصَلّى، فَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَلامَ عُمَرَ فَسَلّمَ وَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ وَدَخَلَ عُمَرُ بِالْيَهُودِىّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلْيَهُودِىّ: “مَا وَرَاءَك وَمَنْ أَنْتَ”؟ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: تَؤُمّنّى يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَأَصْدُقُك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. فَقَالَ الْيَهُودِىّ: خَرَجْت مِنْ حِصْنِ النّطَاةِ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ نِظَامٌ تَرَكْتهمْ يُتَسَلّلُونَ مِنْ الْحِصْنِ فِى هَذِهِ اللّيْلَةِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَأَيْنَ يَذْهَبُونَ”؟ قَالَ: إلَى أَذَلّ مِمّا كَانُوا فِيهِ إلَى الشّقّ، وَقَدْ رُعِبُوا مِنْك حَتّى إنّ أَفْئِدَتَهُمْ لَتَخْفِقُ وَهَذَا حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ السّلاحُ وَالطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَفِيهِ آلَةُ حُصُونِهِمْ الّتِى كَانُوا يُقَاتِلُونَ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا، قَدْ غَيّبُوا ذَلِكَ فِى بَيْتٍ مِنْ حُصُونِهِمْ تَحْتَ الأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَمَا هُوَ”؟ قَالَ: مَنْجَنِيقٌ مُفَكّكَةٌ وَدَبّابَتَانِ وَسِلاحٌ مِنْ دُرُوعٍ وَبَيْضٍ وَسُيُوفٍ فَإِذَا دَخَلْت الْحِصْنَ غَدًا وَأَنْتَ تَدْخُلُهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنْ شَاءَ اللّهُ”، قَالَ الْيَهُودِىّ: إنْ شَاءَ اللّهُ أُوقِفُك عَلَيْهِ فَإِنّهُ لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْيَهُودِ غَيْرِى، وَأُخْرَى قِيلَ مَا هِىَ؟ قَالَ: تَسْتَخْرِجُهُ ثُمّ أَنْصِبُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِ الشّقّ، وَتُدْخِلُ الرّجَالَ تَحْتَ الدّبّابَتَيْنِ فَيَحْفِرُونَ الْحِصْنَ فَتَفْتَحُهُ مِنْ يَوْمِك، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِحِصْنِ الْكَتِيبَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَحْسَبُهُ قَدْ صَدَقَ، قَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ احْقِنْ دَمِى، قَالَ: “أَنْتَ آمِنٌ”، قَالَ: وَلِى زَوْجَةٌ فِى حِصْنِ النّزَارِ فَهَبْهَا لِى، قَالَ: “هِىَ لَك”، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا لِلْيَهُودِ حَوّلُوا ذَرَارِيّهُمْ مِنْ النّطَاةِ”؟ قَالَ: جَرّدُوهَا لِلْمُقَاتِلَةِ وَحَوّلُوا الذّرَارِىّ إلَى الشّقّ وَالْكَتِيبَةِ.
قَالُوا: ثُمّ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الإِسْلامِ فَقَالَ: أَنْظِرْنِى أَيّامًا، فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ غَدَا بِالْمُسْلِمِينَ إلَى النّطَاةِ، فَفَتَحَ اللّهُ الْحِصْنَ، وَاسْتَخْرَجَ مَا كَانَ قَالَ الْيَهُودِىّ فِيهِ، فَأَمَرَ النّبِىّ ÷ بِالْمَنْجَنِيقِ أَنْ تُصْلَحَ وَتُنْصَبَ عَلَى الشّقّ عَلَى حِصْنِ النّزَارِ فَهَيّئُوا، فَمَا رَمَوْا عَلَيْهَا بِحَجَرٍ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ النّزَارِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ انْتَهَى إلَيْهِ حَصَبِ الْحِصْنِ فَسَاخَ فِى الأَرْضِ حَتّى أَخَذَ أَهْلَهُ أَخْذًا، وَأُخْرِجَتْ زَوْجَتُهُ يُقَالُ لَهَا: نُفَيْلَةُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْوَطِيحَ وَسُلالِم أَسْلَمَ الْيَهُودِىّ، ثُمّ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ، وَكَانَ اسْمُهُ سِمَاكَ.

قصة الحصن الذي ساخ في الأرض خرافية طبعًا ولم أقرأها في غير الواقدي، لكن هنا رغم أنه هون المسألة بأنهمم كانوا خرجوا من الحصن على أي حال والرجل أراد أن يصنع صنيعة يحمي بها نفسه وأسرته فحسب، لكن القصة تعود لتصير أسوأ بتطوع الرجل بالكشف عن أسلحة ودبابيين ومنجنيق لليهود وتبرعه بنصبها وتركيبها! إن صحت هذه الحكاية فلنا أن نتعجب من خياتة كهذه ونتساءل أي خلل اجتماعي أو نفسي يؤدي إلى تصرف خسيس مبالغ في الخسة والحقارة كهذا، ثم تقول القصة أنه أسلم أو ادّعى ذلك ليحمي نفسه من هؤلاء المتعصبين، ثم واضح أنه هرب واختفى، غالبًا مع أهله إلى الشام وربما القدس أو سوريا، وبالتأكيد إضافة إلى غرض الهرب فقد شعر بخزي وعار خيانته وأنه غدا رجلًا بلا شرف ولا نبل أسلم قومه لعدو بشع، فأراد أن يرحل إلى مكان لا يعرفه فيه أحد ليبدأ من جديد وينسى خطأه الأثيم الكبير الذي لعله كان مجبَرًا عليه، ونلاحظ أن اسمه سماك اسم عربي تقليدي وكذا معظم أسماء يهود يثرب بل وفي تاريخ المدينة لابن شبة والواقدي نفسه وغيره نرى شعرهم العربي فقد كانوا حجازيين عربًا متوطنين من أبناء البلد. ونلاحظ أن القصة الثانية أصح من الأولى لأن الواقدي ذكر بعد ذلك أن حصن النطاة كان للمقاتلين فقط وخاليًا من النساء والأطفال (الذرية) من الأساس.

نقرأ من الواقدي كذلك أن محمدًا أعطى يهودًا من أسهم تقسيم الغنائم من الأراضي وغيرها، والأغلب أنها مكافأة مقابل خيانات:

فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ الّتِى أَسْهَمَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى النّطَاةِ أَوْ فِى الشّقّ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فَوْضَى لَمْ تُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَلَمْ تُحَدّ وَلَمْ تُقْسَمْ إنّمَا لَهَا رُؤَسَاءُ مُسَمّوْنَ لِكُلّ مِائَةِ رَأْسٍ يُعْرَفُ يُقْسَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَلّتِهَا، فَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ: عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ. وَسَهْمُ بَنِى سَاعِدَةَ وَسَهْمُ بَنِى النّجّارِ لَهُمْ رَأْسٌ وَسَهْمُ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَهْمُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَسَهْمُ بَنِى سَلَمَةَ - وَكَانُوا أَكْثَرَ وَرَأَسَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - وَسَهْمُ عُبَيْدَةَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ،

وفي موضع آخر يقول:

تَسْمِيَةُ سُهْمَانِ الْكَتِيبَةِ
خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَحْدَهُ وَسُلالِم، وَالْجَاسِمَيْنِ وَسَهْمَا النّسَاءِ وَسَهْمَا مَقْسَمٍ - وَكَانَ يَهُودِيّا - وَسَهْمَا عَوَانٍ وَسَهْمُ غِرّيث، وَسَهْمُ نُعَيْمٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا.

وفي موضع ثالث يقول:

وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ جَبَلَة بْنَ جَوّالٍ الثّعْلَبِىّ كُلّ دَاجِنٍ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ أَعْطَاهُ كُلّ دَاجِنٍ فِى النّطَاةِ، وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الْكَتِيبَةِ وَلا مِنْ الشّقّ شَيْئًا.

ولو أن ابن إسحاق يقول أن المعطى شخص آخر:

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، قد أعطى ابن لُقَيْم العَبْسى، حين افتتح خيبر، ما بها من دجاجة أو داجن

وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة:

لقيم الدجاج ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان وقال انه مدح النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر بشعر منه % رميت نطاة من الرسول بفيلق % شهباء ذات مناكب وفقار قال فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم دجاج خيبر عن آخرها فمن حينئذ قيل لقيم الدجاج ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني والمدائني عن صالح بن كيسان قلت قصته مذكور في السيرة لابن إسحاق لكنه قال بن لقيم فيحتمل ان يكون وافق اسمه اسم أبيه

والأمر التراجيدي المأساوي هنا أن المذكور هو جبل بن جوال الثعلبي من قبيلة بني ذبيان العربية وكان من يهود العرب، وله شعر كثير في رثاء يهود بني النضير وبني قريظة عند إسحاق والواقدي ذكرنا بعضه في كتابنا هذا، ومن الواضح أنه خانهم وأنه ممن سهل اقتحام الحصون، ولهذا كافؤوه بدواجن حصن النطاة. ووجدت في كتاب أسد الغابة:

جبلبن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش ابن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان الشاعر الذبياني ثم الثعلبي ذكره ابن إسحاق أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن علي بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال ثم استنزلوا يعني بني قريظة فحبسهم وذكر الحديث في قتلهم وقال فقال جبل بن جوال الثعلبي كذا قال يونس لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل قال وبعض الناس يقول حيي بن أخطب قالها ونسبه هشام بن الكلبي مثل النسب الذي ذكرناه وقال كان يهوديا فأسلم ورثى حيي بن أخطب وقال الدارقطني وأبو نصر وذكراه فقالا له صحبة وهو جبل

ووقع في الإصابة في تمييز الصحابة:

جبل بتفح الجيم الموحدة بن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش بن بخالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان الشاعر الذبياني ثم الثعلبي قال الدار قطني في الؤتلف له صحبة وقال هشام بن الكلبي كان يهوديا مع بني قريظة فأسلم ورثي حيي بن أخطب بأبيات منها % لعمرك مالام بن أخطب نفسه % ولكنه من يخذل الله يخذل وكذا ذكر بن إسحاق في المغازي الأبيات له قال وبعض الناس يقول إنها لحيي بن أخطب نفسه وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام أنه من ذرية الفطيون بن عامر بن ثعلبة وقال المرزباني في معجم الشعراء كان يهوديا فأسلم وهو القائل لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خبير % رميت نطاة من النبي بفيلق % شهباء ذات مناقب وفقار وفي ديوان حسان بن ثابت صنعه أبي سعيد السكري عن بن حبيب قال وقال حسان بن ثابت يجيب جبل بن جوال الثعلبي وكان يهوديا فأسلم بعد على قوله..إلخ

نستطرد فنذكر الفقرة من تاريخ المدينة لابن شبة، وهي عن أحد ابني أبي الحقيق بالذات وهو يعارض شعر النابغة أي يرد عليه بإكمال القافية، لنتيقن من عروبة اليهود الأفاضل أهل الكرم والضيافة ونصرة من تحالفوا معه والوفاء له الذين طردهم وأجلاهم وسباهم محمد، وأكمل عمر عمله بإجلائهم:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنِ ابْنِ غَزِيَّةَ قَالَ: " كَانَتْ لِبَنِي قَيْنُقَاعٍ سُوقٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُومُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَكَانَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الذَّبْحِ إِلَى الْآطَامِ الَّتِي خَلْفَ النَّخْلِ، فَهَبَطَ إِلَيْهَا نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ يُرِيدُهَا، فَأَدْرَكَ الرَّبِيعَ بْنَ أَبِي حَقِيقٍ هَابِطًا مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُهَا، فَتَسَايَرَا، فَلَمَّا أَشْرَفَا عَلَى السُّوقِ سَمِعَا الضَّجَّةَ، وَكَانَتْ سُوقًا عَظِيمَةً يَتَفَاخَرُ النَّاسُ بِهَا، وَيَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، فَحَاصَتْ نَاقَةُ النَّابِغَةِ حِينَ سَمِعَتِ الصَّوْتَ، فَزَجَرَهَا وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
كَادَتْ تَهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي
أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:
[البحر البسيط]
وَالثَّغْرُ مِنْهَا إِذَا مَا أَوْجَسَتْ خَلِقُ
فَقَالَ النَّابِغَةُ:
لَوْلَا أُنَهْنِهُهَا بِالسَّوْطِ لَانْتَزَعَتْ
أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:
مِنِّي الزِّمَامَ وَإِنِّي رَاكِبٌ لَبِقُ
فَقَالَ النَّابِغَةُ:
قَدْ مَلَّتِ الْحَبْسَ بِالْآطَامِ وَاشْتَعَفَتْ
أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:
تُرِيغُ أَوْطَانَهَا لَوْ أَنَّهَا عَلَقُ
فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ تَهْبِطُ السُّوقَ وَتَلْقَى أَهْلَهَا، فَإِنَّكَ سَتَسْمَعُ شِعْرًا لَا تُقَدِّمُ عَلَيْهِ شِعْرًا فَقَالَ: شِعْرُ مَنْ؟ قَالَ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ...إلخ القصة الأدبية الشعرية

يقول الواقدي:

وَكَانَ يَسَارٌ الْحَبَشِىّ - عَبْدًا أَسْوَدَ لِعَامِرٍ الْيَهُودِىّ - فِى غَنَمِ مَوْلاهُ فَلَمّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ يَتَحَصّنُونَ، وَيُقَاتِلُونَ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الّذِى يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِىّ، قَالَ: فَوَقَعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِى نَفْسِهِ فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ مَا تَقُولُ؟ مَا تَدْعُو إلَيْهِ؟ قَالَ: “أَدْعُو إلَى الإِسْلامِ فَأَشْهَدُ أَنّ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”. قَالَ: فَمَا لِى؟ قَالَ: “الْجَنّةُ إنْ ثَبَتّ عَلَى ذَلِكَ”، قَالَ: فَأَسْلَمَ، وَقَالَ: إنّ غَنَمِى هَذِهِ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “أَخْرِجْهَا مِنْ الْعَسْكَرِ، ثُمّ صِحْ بِهَا وَارْمِهَا بِحَصَيَاتٍ، فَإِنّ اللّه عَزّ وَجَلّ سَيُؤَدّى عَنْك أَمَانَتَك”. فَفَعَلَ الْعَبْدُ، فَخَرَجْت الْغَنَمُ إلَى سَيّدِهَا، وَعَلِمَ الْيَهُودِىّ أَنّ عَبْدَهُ قَدْ أَسْلَمَ

ينبغي أن نتأمل هنا، فمنذ هجرة محمد إلى يثرب، وقبل أن يصبح الإسلام هو الدين الإجباري لكل سكان شبه الجزيرة العربية، كان اتباع الإسلام والهرب وسيلة جيدة وربما الوحيدة والمضمونة لتحرير الإنسان لنفسه من قيد الاستعباد الحقير، ولنا أن نتخيل الأمر، وهذه المسأالة تتكرر كثيرًا في سيرة محمد، مثلًا في غزوة ثقيف فيما بعد.

لقد لعب ذلك المستعبد نصيبه ودوره في روليت وقمار الحياة، وكان حظه الخسارة:

وَدَفَعَ رَايَةً إلَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَرَايَةً إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَخَرَجَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ بِالرّايَةِ وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَاحْتُمِلَ فَأُدْخِلَ خِبَاءً مِنْ أخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاطّلَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْخِبَاءِ، فَقَالَ: “لَقَدْ كَرّمَ اللّهُ هَذَا الْعَبْدَ الأَسْوَدَ وَسَاقَهُ إلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ الإِسْلامُ مِنْ نَفْسِهِ حَقّا، قَدْ رَأَيْت عِنْدَ رَأْسِهِ زَوْجَتَيْنِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ”.

هذه القصة رواها ابن إسحاق كذلك مع اختلافات بسيطة في الألفاظ، لكن عنده أنه كان أجيرًا وليس مستعبدًا:

قال ابن إسحاق: وكان من حديث الأسود الراعى، فيما بلغني، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحاصِر لبعض حصون خَيْبر، ومعه غنم له، كان فيها أجيراً لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله، أعرضْ علىَّ الإسلام، فعرضه عليه، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَحْقِرُ أحداً أن يَدْعوه إلى الإسلام، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال: يا رسول الله، إنى كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضربْ في وجوهها، فإنها سترجع إلى رَبِّها - أو كما قال.
فقال الأسود، فأخذ حَفْنة من الحصى، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك أبداً فخرجت مجتمعة، كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت الحِصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتلَه، وما صلَّى للّه صلاةً قطُّ؛ فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُضع خلفَه، وسُجِّيَ بشَمْلَة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله، لم أعرضت عنه؟ قال: إن معه الآن زوجتَه من الحور العين.

وأخرجه الحاكم في المستدرك:

2609 - أخبرني أحمد بن محمد العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يكلم فقال له الرجل : إني قد آمنت بك وبما جئت به فكيف بالغنم يا رسول الله فإنها أمانة وهي للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك ؟ قال : احصب وجوهها ترجع إلى أهلها فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى يها وجوهها فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها ثم تقدم إلى الصف فأصابه سهم فقتله ولم يصل لله سجدة قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخلوه الخباء فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال : لقد حسن إسلام صاحبكم لقد دخلت عليه وأن عنده لزوجتين له من الحور العين

وروايته تدل على أنه كان قد وقع بيد المسلمين فكان مجبورًا وإلا قتلوه على أي حال، وقد رأى أن الأفضل أن يغامر فلعله يظفر بغنيمة على رواية أنه كان أجيرًا أو بحريته وغنيمة على رواية الواقدي بأنه كان مستعبدًا.

وحينئذٍ عند موت الناس بفعل المزاعم الدينية والمطامع والتحريضات لا يجد محمد من تعزيات أمام شفقة الناس وحزنهم إلا الوعود والمواساة الوهمية الخرافية، ليضحي الناس بحيواتهم الوحيدة الحقيقية وحيوات غيرهم في سبيل أوهام وضلالات.
ويبدو أن غطفان مع ذلك حاولوا ولو بشكل واهن متراخٍ غير مهتمّ مساعدة ومعاضدة حلفائهم الخيبريين، فيقول ابن هشام عن ابن إسحاق:

فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهودَ عليه، حتى إذا ساروا مَنْقَلَةً (1) سمِعوا خلفَهم في أموالهم وأهليهم حِسًّا، ظنوا أن القومَ قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابِهم. فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخَلَّوْا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.

منقلة: أي مرحلة من السفر.

ويبدو أن الأمر فيه خدعة من المسلمين، أو تخاذل وتحجج من الغطفانيين.

ويزعم الواقدي برواية مختلفة عن ابن إسحاق، أنهم أتوا خيبر فعلًا ثم انخذلوا عنها، ولو أني لا أثق بالقصة التي عند الواقدي هنا لكثرة تناقضات رواياتها:

قَالُوا: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى مُرّةَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُيَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا فِى الْجَيْشِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ عُيَيْنَةَ مِنْ غَطَفَانَ؛ أَقْبَلَ مَدَدُ الْيَهُودِ، فَنَزَلْنَا بِخَيْبَرَ وَلَمْ نَدْخُلْ حِصْنًا. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ رَأْسُ غَطَفَانَ وَقَائِدُهُمْ أَنْ ارْجِعْ بِمَنْ مَعَك وَلَك نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ هَذِهِ السّنَةَ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى خَيْبَرَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَسْت بِمُسْلِمٍ حَلْفَائِى وَجِيرَانِى، فَأَقَمْنَا فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عُيَيْنَةَ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا، لا نَدْرِى مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - فَإِنّكُمْ قَدْ خُولِفْتُمْ إلَيْهِمْ وَيُقَالُ: إنّهُ لَمّا سَارَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فِيهِمْ حَلَفُوا مَعَهُ وَارْتَأَسَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ فَدَخَلُوا مَعَ الْيَهُودِ فِى حُصُونِ النّطَاةِ قَبْل قُدُومِ رَسُولِ اللّهِ ÷ بِثَلاثَةِ أَيّامٍ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُمْ فِى الْحِصْنِ فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى الْحِصْنِ نَادَاهُمْ إنّى أُرِيدُ أَنْ أُكَلّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ.
فَأَرَادَ عُيَيْنَةُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْحِصْنَ فَقَالَ مَرْحَبٌ: لا تَدْخُلْهُ فَيَرَى خَلَلَ حِصْنِنَا وَيَعْرِفُ نَوَاحِيَهُ الّتِى يُؤْتَى مِنْهَا، وَلَكِنْ تَخْرُجُ إلَيْهِ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ يَدْخُلَ فَيَرَى حَصَانَتَهُ وَيَرَى عَدَدًا كَثِيرًا. فَأَبَى مَرْحَبٌ أَنْ يُدْخِلَهُ فَخَرَجَ عُيَيْنَةُ إلَى بَابِ الْحِصْنِ فَقَالَ سَعْدٌ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْك يَقُولُ: “إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى خَيْبَرَ فَارْجِعُوا وَكُفّوا، فَإِنّ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا فَلَكُمْ تَمْرُ خَيْبَرَ سَنَةً”. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا وَاَللّهِ مَا كُنّا لِنُسَلّمَ حَلْفَاءَنَا لِشَيْءٍ وَإِنّا لَنَعْلَمُ مَا لَك وَلِمَنْ مَعَك بِمَا هَا هُنَا طَاقَةٌ هَؤُلاءِ قَوْمٌ أَهْلُ حُصُونٍ مَنِيعَةٍ وَرِجَالٍ عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ، وَسِلاحٌ، إنْ أَقَمْت هَلَكْت وَمَنْ مَعَك، وَإِنْ أَرَدْت الْقِتَالَ عَجّلُوا عَلَيْك بِالرّجَالِ وَالسّلاحِ، وَلا وَاَللّهِ مَا هَؤُلاءِ كَقُرَيْشٍ قَوْمٌ سَارُوا إلَيْك، إنْ أَصَابُوا غِرّةً مِنْك فَذَاكَ الّذِى أَرَادُوا وَإِلاّ انْصَرَفُوا، وَهَؤُلاءِ يُمَاكِرُونَكَ الْحَرْبَ وَيُطَاوِلُونَك حَتّى تُمْهِلَهُمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَشْهَدُ لَيَحْضُرَنّكَ فِى حِصْنِك هَذَا حَتّى تَطْلُبَ الّذِى كُنّا عَرَضْنَا عَلَيْك، فَلا نُعْطِيك إلاّ السّيْفَ وَقَدْ رَأَيْت يَا عُيَيْنَةُ مِنْ قَدْ حَلَلْنَا بِسَاحَتِهِ مِنْ يَهُودِ يَثْرِبَ، كَيْفَ مَزّقُوا كُلّ مُمَزّقٍ فَرَجَعَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ: وَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّ اللّهَ مُنْجِزٌ لَك مَا وَعَدَك وَمُظْهِرٌ دِينَهُ فَلا تُعْطِ هَذَا الأَعْرَابِىّ تَمْرَةً وَاحِدَةً يَا رَسُولَ اللّهِ لَئِنْ أَخَذَهُ السّيْفُ لَيُسَلّمُنّهُمْ وَلَيُهَرّبْنَ إلَى بِلادِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ فِى الْخَنْدَقِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوَجّهُوا إلَى حِصْنِهِمْ الّذِى فِيهِ غَطَفَانُ، وَذَلِكَ عَشِيّةً، وَهُمْ فِى حِصْنِ نَاعِم، فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “أَنْ أَصْبِحُوا عَلَى رَايَاتِكُمْ عِنْدَ حِصْنِ نَاعِم الّذِى فِيهِ غَطَفَانُ”. قَالَ: فَرُعِبُوا مِنْ ذَلِكَ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَمِعُوا صَائِحًا يَصِيحُ لا يَدْرُونَ مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ الْغَوْثَ، الْغَوْثَ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - لا تُرْبَةَ وَلا مَالَ، قَالَ: فَخَرَجْت غَطَفَانُ عَلَى الصّعْبِ وَالذّلُولِ وَكَال أَمْرًا صَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّهِ، فَلَمّا أَصْبَحُوا أَخْبَرَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ وَهُوَ فِى الْكَتِيبَةِ بِانْصِرَافِهِمْ فَسَقَطَ فِى يَدَيْهِ وَذَلّ وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ وَقَالَ: كُنّا مِنْ هَؤُلاءِ الأَعْرَابِ فِى بَاطِلٍ إنّا سِرْنَا فِيهِمْ فَوَعَدُونَا النّصْرَ وَغَرّونَا، وَلَعَمْرِى لَوْلا مَا وَعَدُونَا مِنْ نَصْرِهِمْ مَا نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْحَرْبِ وَلَمْ نَحْفَظْ كَلامَ سَلاّمِ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ إذْ قَالَ: لا تَسْتَنْصِرُوا بِهَؤُلاءِ الأَعْرَابِ أَبَدًا فَإِنّا قَدْ بَلَوْنَاهُمْ. وَجَلَبَهُمْ لِنَصْرِ بَنِى قُرَيْظَةَ ثُمّ غَرّوهُمْ. فَلَمْ نَرَ عِنْدَهُمْ وَفَاءً لَنَا، وَقَدْ سَارَ فِيهِمْ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ وَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ الصّلْحَ مِنْ مُحَمّدٍ ثُمّ زَحَفَ مُحَمّدٌ إلَى بَنِى قُرَيْظَة َ وَانْكَشَفَتْ غَطَفَانُ رَاجِعَةً إلَى أَهْلِهَا.
قَالُوا: فَلَمّا انْتَهَى الْغَطَفَانِيّونَ إلَى أَهْلِهِمْ بِحَيْفَاءَ وَجَدُوا أَهْلَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فَقَالُوا: هَلْ رَاعَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالُوا: لا وَاَللّهِ، فَقَالُوا: لَقَدْ ظَنَنّا أَنّكُمْ قَدْ غَنِمْتُمْ فَمَا نَرَى مَعَكُمْ غَنِيمَةً وَلا خَيْرًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لأَصْحَابِهِ: هَذَا وَاَللّهِ مِنْ مَكَائِدِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ خَدَعَنَا وَاَللّهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ: بِأَىّ شَىْءٍ؟ قَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا فِى حِصْنِ النّطَاةِ بَعْدَ هَدْأَةٍ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا يَصِيحُ لا نَدْرِى مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - فَلا تُرْبَةَ وَلا مَالٍ

هذه القصة فيها تناقضات فقوله لم يدخلوا حصونهم لو حدث لاستوجب مواجهة والتحامًا مع الجنود المسلمين، وعاد فروى رواية بأنهم دخلوا حصون اليهود، ولم يذكر ابن إسحاق ولا البخاري ولا غيرهما من أئمة الرواة أي دور لغطفان بتلك المعركة، فالأصح أنهم خذلوا أهل خيبر تمامًا ولم يساعدوهم وتركوهم فريسة لإجرام محمد وأتباعه.

وأراد عيينة بن حصن الفزاري العودة لنصرة الخيبريين لكن بعد فوات الأوان، يقول الواقدي:

فَأَقَامَ عُيَيْنَةُ أَيّامًا فِى أَهْلِهِ ثُمّ دَعَا أَصْحَابَهُ لِلْخُرُوجِ إلَى نَصْرِ الْيَهُودِ، فَجَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: يَا عُيَيْنَةُ أَطِعْنِى وَأَقِمْ فِى مَنْزِلِك وَدَعْ نَصْرَ الْيَهُودِ، مَعَ أَنّى لا أَرَاك تَرْجِعُ إلَى خَيْبَرَ إلاّ وَقَدْ فَتَحَهَا مُحَمّدٌ وَلا آمِنْ عَلَيْك. فَأَبَى عُيَيْنَةُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَقَالَ: لا أَسْلَمَ حُلَفَائِى لِشَيْءٍ.

يقول الواقدي ما يؤكد أنها كانت حرب تعصب ديني:

... فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الْيَهُودَ جَاءَهُمْ الشّيْطَانُ فَقَالَ لَهُمْ: إنّ مُحَمّدًا يُقَاتِلُكُمْ عَلَى أَمْوَالِكُمْ نَادَوْهُمْ قُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ثُمّ قَدْ أَحْرَزْتُمْ بِذَلِكَ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ وَحِسَابَكُمْ عَلَى اللّهِ فَنَادَوْهُمْ بِذَلِكَ فَنَادَتْ الْيَهُودُ: إنّا لا نَفْعَلُ وَلا نَتْرُكُ عَهْدَ مُوسَى وَالتّوْرَاةُ بَيْنَنَا”. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارٍ...

سرق محمد تراث اليهود التوراتي والربيني الهاجادي وبنى عليه أساس وجسم دينه، ثم لما رفضوا محاولته لإكراهه لهم على اتباعه كدعم لدعوته الدينية القومية العروبية أبادهم ونفاهم وسبى أطفالهم ونساءهم واستعبدهن.

ويكشف لنا الواقدي، كما لاحظنا بشكل عابر طبيعة التوزيع الإقطاعي للأراضي المنهوبة، فقد وهب محمد بن مسلمة:
فَقَالَ مُحَمّدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ اقْطَعْ لِى عِنْدَ قَبْرِ أَخِى. قَالَ: “لَك حَضَرُ الْفَرَسِ فَإِنْ عَمِلْت فَلَك حُضْرُ فَرَسَيْنِ”.

حضر الفرس: أي مقدار عَدْوه وركضه.

سنتحدث أكثر عن هذا في التالي، وهو نهج استأنفه خلفاء محمد كعمر وعثمان، وهذا يختلف كثيرًا عن تعاليم الإسلام المكي الباكر كما نرى الذي يكره مجرد كنز المال والذهب.

لم يكن المسلمون معهم زاد يكفي لحصار ورباط طويل، ويقول الواقدي:

وَكَانَ حِصْنُ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فِى النّطَاةِ، وَكَانَ حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ الطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْمَتَاعُ وَكَانَ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَكَانَ النّاسُ قَدْ أَقَامُوا أَيّامًا يُقَاتِلُونَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ طَعَامٌ إلاّ الْعَلَفُ. قَالَ مُعَتّبٌ الأَسْلَمِىّ: أَصَابَنَا مَعْشَرَ أَسْلَمَ خَصَاصَةً حِينَ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، وَأَقَمْنَا عَشَرَةَ أَيّامٍ عَلَى حِصْنِ النّطَاةِ لا نَفْتَحُ شَيْئًا فِيهِ طَعَامٌ فَأَجْمَعَتْ أَسْلَمُ أَنْ يُرْسِلُوا أَسَمَاءَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالُوا: ائْتِ مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ فَقُلْ إنّ أَسْلَمَ يُقْرِئُونَك السّلامَ وَيَقُولُونَ: إنّا قَدْ جَهْدَنَا مِنْ الْجَوْعِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ: وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ أَمْرًا بَيْنَ الْعَرَبِ يَصْنَعُونَ فِيهِ هَذَا فَقَالَ هِنْدُ بْنُ حَارِثَةَ: وَاَللّهِ إنّا لَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْبِعْثَةُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِفْتَاحَ الْخَيْرِ، فَجَاءَهُ أَسَمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَسْلَمَ تَقُولُ: إنّا قَدْ جَهِدْنَا مِنْ الْجُوعِ وَالضّعْفِ فَادْعُ اللّهَ لَنَا، فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ: “وَاَللّهِ مَا بِيَدِى مَا أَقْرِيهِمْ”، ثُمّ صَاحَ بِالنّاسِ، فَقَالَ: “اللّهُمّ افْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حِصْنٍ فِيهِ أَكْثَرُهُ طَعَامًا وَأَكْثَرُهُ وَدَكًا”، وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ وَنَدَبَ النّاسَ فَمَا رَجَعْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا الْحِصْنَ - حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ. فَقَالَتْ أُمّ مُطَاعٍ الأَسْلَمِيّة، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى نِسَاءٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْت أَسْلَمَ حِينَ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مَا شَكَوْا مِنْ شِدّةِ الْحَالِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ فَنَهَضُوا، فَرَأَيْت أَسْلَمَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَإِنّ عَلَيْهِ لَخَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ فَمَا غَابَتْ الشّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتّى فَتَحَهُ اللّهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ قِتَالٌ شَدِيدٌ، بَرَزَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ: يُوشَعُ، يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إلَيْهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٌ فَقَتَلَهُ الْحُبَابُ، وَبَرَزَ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: الزّيّالُ فَبَرَزَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ الْغِفَارِىّ فَبَدَرَهُ الْغِفَارِىّ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً عَلَى هَامَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الْغِفَارِىّ، فَقَالَ النّاسُ: بَطَلُ جِهَادِهِ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ: “مَا بَأْسُ بِهِ يُؤْجَرُ وَيُحْمَدُ”.
وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ يُحَدّثُ أَنّهُمْ حَاصَرُوا حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَأَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ تَرْتَعُ وَرَاءَ حِصْنِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مِنْ رَجُلٍ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ”؟ فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَخَرَجْت أَسْعَى مِثْلَ الظّبْىِ فَلَمّا نَظَرَ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ÷ مُوَلّيًا، قَالَ: اللّهُمّ مَتّعْنَا بِهِ فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَ أَوّلُهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَىّ، ثُمّ أَقْبَلْت أَعْدُو كَأَنْ لَيْسَ مَعِى شَىْءٌ حَتّى أَتَيْت بِهِمَا رَسُولَ اللّهِ ÷، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَذُبِحَتَا ثُمّ قَسَمَهُمَا، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ الّذِينَ هُمْ مَعَهُ مُحَاصِرِينَ الْحِصْنَ إلاّ أَكَلَ مِنْهَا

وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ يُحَدّثُ قَالَ: أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ وَنَزَلْنَا خَيْبَرَ زَمَانَ الْبَلَحِ وَهِىَ أَرْضٌ وَخِيمَةٌ حَارّةٌ شَدِيدٌ حُرّهَا. فَبَيْنَا نَحْنُ مُحَاصِرُونَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فَخَرَجَ عِشْرُونَ حِمَارًا مِنْهُ أَوْ ثَلاثُونَ فَلَمْ يَقْدِرْ الْيَهُودُ عَلَى إدْخَالِهَا، وَكَانَ حِصْنُهُمْ لَهُ مَنَعَةٌ فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَانْتَحَرُوهَا، وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَطَبَخُوا لُحُومَهَا فِى الْقُدُورِ وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ وَمَرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ فَأَمَرَ مُنَادِيًا: “إنّ رَسُولَ اللّهِ يَنْهَاكُمْ عَنْ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ - قَالَ: فَكَفَوْا الْقُدُورَ - وَعَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ وَعَنْ كُلّ ذِى نَابٍ وَمِخْلَبٍ”.

.... وَقَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ عَلَى الْحِصْنِ عِدّةً كُلّمَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً حَمَلُوهُ حَتّى يُدْخِلُوهُ الْحِصْنَ. ثُمّ حَمَلَ صَاحِبُ رَايَتِنَا وَحَمَلْنَا مَعَهُ وَأَدْخَلْنَا الْيَهُودَ الْحِصْنَ وَتَبِعْنَاهُمْ فِى جَوْفِهِ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِمْ الْحِصْنَ فَكَأَنّهُمْ غَنَمٌ فَقَتَلْنَا مَنْ أَشْرَفَ لَنَا، وَأَسَرْنَا مِنْهُمْ وَهَرَبُوا فِى كُلّ وَجْهٍ يَرْكَبُونَ الْحَرّةَ يُرِيدُونَ حِصْنَ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ، وَجَعَلْنَا نَدَعُهُمْ يَهْرُبُونَ وَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جُدُرِهِ.....

..... فَوَجَدْنَا وَاَللّهِ مِنْ الأَطْعِمَةِ مَا لَمْ نَظُنّ أَنّهُ هُنَاكَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالسّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزّيْتِ وَالْوَدَكِ. وَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلا تَحْتَمِلُوا”. يَقُولُ: لا تَخْرُجُوا بِهِ إلَى بِلادِكُمْ.
فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ مَقَامَهُمْ طَعَامَهُمْ وَعَلَفَ دَوَابّهِمْ لا يُمْنَعُ أَحَدُ أَنْ يَأْخُذَ حَاجَتَهُ وَلا يُخَمّسُ الطّعَامَ، وَوَجَدُوا فِيهِ مِنْ الْبَزّ وَالآنِيّةِ وَوَجَدُوا خَوَابِىَ السّكَرِ فَأُمِرُوا فَكَسَرُوهَا، فَكَانُوا يَكْسِرُونَهَا حَتّى سَالَ السّكَرُ فِى الْحِصْنِ وَالْخَوَابِى كِبَارٌ لا يُطَاقُ حَمْلُهَا.
وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىّ يَقُولُ: وَجَدْنَا فِيهِ آنِيّةً مِنْ نُحَاسٍ وَفَخّارٍ كَانَتْ الْيَهُودُ تَأْكُلُ فِيهَا وَتَشْرَبُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “اغْسِلُوهَا وَاطْبُخُوا وَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا”. وَقَالَ: “أَسْخِنُوا فِيهَا الْمَاءَ ثُمّ اُطْبُخُوا بَعْدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا”. وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ غَنَمًا كَثِيرًا وَبَقَرًا وَحُمُرًا، وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ آلَةً كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ وَمَنْجَنِيقًا وَدَبّابَاتٍ وَعُدّةً فَنَعْلَمُ أَنّهُمْ قَدْ كَانُوا يَظُنّونَ أَنّ الْحِصَارَ يَكُونُ دَهْرًا....

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ خَرَجَ مِنْ أُطُمٍ مِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الْبَزّ عِشْرُونَ عِكْمًا مَحْزُومَةً مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْيَمَنِ، وَأَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ قَطِيفَةٍ يُقَالُ: قَدِمَ كُلّ رَجُلٍ بِقَطِيفَةٍ عَلَى أَهْلِهِ وَوَجَدُوا عَشَرَةَ أَحْمَالِ خَشَبٍ فَأَمَرَ بِهِ فَأَخْرَجَ مِنْ الْحِصْنِ ثُمّ أَحْرَقَ فَمَكَثَ أَيّامًا يَحْتَرِقُ وَخَوَابِى سَكَرٍ كُسِرَتْ وَزُقَاقُ خَمْرٍ فَأُهْرِيقَتْ

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ وَجَدْنَا فِى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الطّعَامِ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّهُ لا يَكُونُ بِخَيْبَرَ، جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ مَقَامَهُمْ شَهْرًا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ فَيَعْلِفُونَ دَوَابّهُمْ مَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خُمُسٌ وَأُخْرِجُ مِنْ الّبُزُوزِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يُبَاعُ فِى الْمَقْسَمِ؟ وَوُجِدَ فِيهِ خَرْزٌ مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ. فَقِيلَ لَهَا: فَمَنْ الّذِى يَشْتَرِى ذَلِكَ فِى الْمَقْسَمِ؟ قَالَتْ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ الّذِينَ كَانُوا فِى الْكَتِيبَةِ فَآمَنُوا، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الأَعْرَابِ، فَكُلّ هَؤُلاءِ يَشْتَرِى، فَأَمّا مَنْ يَشْتَرِى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّمَا يُحَاسَبُ بِهِ مِمّا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَغْنَمِ.

العِكم: ثوب يبسط ويوضع فيه المتاع كالقفة

أول الأخلاق ألا تهجم على الآخرين لتسرقهم وألا تسرق وتنهب طعامهم لتأكل فذلك يعد مالًا مسروقًا حرامًا وفق القانون الإنساني الاجتماعي، ونلاحظ أنهم سرقوا مخزونات أقمشة قطائف، وكعادتهم في التخريب خربوا وأحرقوا كمية كبيرة من الخشب التي وجدوا أنهم قد لا ينقلونها ففعلوا ذلك لحقدهم وشرهم المغروس بهم وطبيعتهم التخريبية، أحفادهم الروحيون داعش وطالبان دمروا الآثار في العراق وأفغانستان مثلًا. أيضًا نجد فرض شرائعهم على أملاك اليهود التي ينهبونها فما لا يستحلونه كمسلمين قاموا بسكبه وإهداره كالخمور وهي أموال ناس وملكية خاصة تم الاعتداء عليها في الجوهر القانوني للأمر. نلاحظ أن خروج أغنام ودواب من الحصن اليهودي علامة استهتار وإهمال وسوء تخطيط واستهتار منهم وكل هذه هي بوادر انحدار جالية مسكينة شاخت منها العقول وقل وانعدم الإبداع وحسن التدبير، مما عجل بنصر محمد على هؤلاء البؤساء.

وذكر بعض القصة ابن هشام كذلك:

فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعضُ أسْلم: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا، والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينِا من شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شىء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصَّعْب بن مُعاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودَكاً منه.

وبموضع آخر يروي:

قال ابن إسحاق: وحدثني بُرَيدة بن سُفيان الأسلمي، عن بعض رجال بني سَلَمة عن أبي اليَسَر كعب بن عمرو، قال: والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنَهم، ونحن محاصروهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يطعمنا من هذا الغنم؟ قال أبو اليَسَر: فقلت: أنا يا رسول الله؛ قال: فافعلْ؛ قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُولياً قال: اللهم أمتعنا به. قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحِصنَ، فأخذت شاتَيْن من أخراها، فأحتضنتهما تحت يديَّ، ثم أقبلت بهما أشتد، كأنه ليس معى شيء، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذبحوهما فأكلوهما

الظليم: ذكر النعام.

وروى البخاري:

4214 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ»

ويحكيها ابن إسحاق هكذا:

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عبد الله بن مُغَفَّل المُزَنى، قال: أصبت من فىء خيبر جراب شحم، فاحتملته على عاتقى إلى رحلي وأصحابي. قال: فلقيني صاحب المغانم الذي جُعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمَّ هذا نقسمْه بين المسلمين، قال: قلت: لا والله لا أعطيكه، قال: فجعل يجاذبني الجراب. قال: فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: لا أبا لك، خَلِّ بينه وبينه، قال: فأرسله، فانطلقت به إلى رَحْلى وأصحابي، فأكلناه.
سنتحدث عما نهبه أتباع محمد أدناه في الآتي.

وبنظر محمد فإن المعتدين المجرمين مكافؤون بدخول جنته المزعومة، يروي الواقدي:

وَكَانَ ابْنُ الأَكْوَعِ يَقُولُ كُنّا عَلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، أَسْلَمَ بِأَجْمَعِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ حَصَرُوا أَهْلَ الْحِصْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَصَاحِبَ رَايَتِنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخَذَ الرّايَةَ فَغَدَوْنَا مَعَهُ، وَغَدَا عَامِرُ بْنُ سِنَانٍ فَلَقِىَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ، وَبَدَرَهُ الْيَهُودِىّ فَيَضْرِبُ عَامِرًا، قَالَ عَامِرٌ: فَاتّقَيْته بِدَرَقَتِى فَنَبَا سَيْفُ الْيَهُودِىّ عَنْهُ. قَالَ عَامِرٌ: فَأَضْرِبُ رِجْلَ الْيَهُودِىّ فَأَقْطَعُهَا، وَرَجَعَ السّيْفُ عَلَى عَامِرٍ فَأَصَابَهُ ذُبَابُهُ فَنَزَفَ فَمَاتَ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: حَبَطَ عَمَلُهُ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، إنّ لَهُ لأَجْرَيْنِ إنّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ، وَإِنّهُ لَيَعُومُ فِى الْجَنّةِ عَوْمَ الدّعْمُوصِ”.

والقصة رواها أصحاب كتب الحديث ومنهم البخاري:

4196 - .... فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ» قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ»، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: «نَشَأَ بِهَا»

6148 - ......فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: «مَا لَكَ» فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: «مَنْ قَالَهُ؟» قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ»

ورواه مسلم 1802 وأحمد بن حنبل وغيرهم

ذلك الرجل الأعرابي الجشع عيينة بن حصن الفزاري ربما بعد انتهاء المعركة، ينقل لنا الواقدي إن صحت قصته أنه قال كلمة معرّضًا فيها بالمسلمين وسرقتهم لليهود:

قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا نَظَرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ مِنْهُ الطّعَامَ وَالْعَلَفَ وَالْبَزّ قَالَ: مَا أَحَدٌ يَعْلِفُ لَنَا دَوَابّنَا وَيُطْعِمُنَا مِنْ هَذَا الطّعَامِ الضّائِعِ فَقَدْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كِرَامًا فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: لَك الّذِى جَعَلَ لَك رَسُولُ اللّهِ ÷ ذُو الرّقَيْبَةِ، فَاسْكُتْ

وبموضع آخر:

قَالُوا: وَكَانَ أَبُو شُيَيْمٍ الْمُزَنِىّ - قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ - يُحَدّثُ يَقُولُ لَمّا نَفّرْنَا أَهْلَهَا بِحَيْفَاءَ مَعَ عُيَيْنَةَ - قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَارّونَ هَادِئُونَ لَمْ يَهْجُهُمْ هَائِجٌ - رَجَعَ بِنَا عُيَيْنَةُ فَلَمّا كَانَ دُونَ خَيْبَرَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْحُطَامُ عَرّسْنَا مِنْ اللّيْلِ...إلخ قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ فَوَجَدَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَغَنّمَهُ اللّهُ مَا فِيهَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أُعْطِنِى يَا مُحَمّدُ مِمّا غَنِمْت مِنْ حُلَفَائِى فَإِنّى انْصَرَفْت عَنْك وَعَنْ قِتَالِك وَخَذَلْت حُلَفَائِى وَلَمْ أُكْثِرْ عَلَيْك، وَرَجَعْت عَنْك بِأَرْبَعَةِ آلافِ مُقَاتِلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كَذَبْت، وَلَكِنْ الصّيَاحُ الّذِى سَمِعْت أَنَفَرَك إلَى أُهْلِكْ”. قَالَ: أَجْزِنِى يَا مُحَمّدُ، قَالَ: “لَك ذُو الرّقَيْبَةِ”. قَالَ عُيَيْنَةُ: وَمَا ذُو الرّقَيْبَةِ؟....إلخ

وذو الرقيبة جبل من خيبر وهبه محمد كما يروي الواقدي للزعيم الفزاري الغطفاني ليتلهى ويراضى هو وأعرابه بتلك الهبة الغثة من قسمة النهب لعل قومه يرعون أغنامهم عليه، ونلاحظ إجماع شهود الحق من الوثنيين على كرم يهود الحجاز وإحسانهم للضيوف والمحتاجين.

أيضًا كشف لنا الواقدي استمرار مسلسل الخيانات والسلوك الأناني لبعض أفراد يهود خيبر:

قَالَ: وَتَحَوّلَتْ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِم كُلّهَا، وَمِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمِنْ كُلّ حُصُونِ النّطَاةِ، إلَى حِصْنٍ يُقَالُ لَهُ: قُلْعَةُ الزّبَيْرِ، فَزَحَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَحَاصَرَهُمْ وَغَلّقُوا عَلَيْهِمْ حِصْنَهُمْ وَهُوَ حَصِينٌ مَنِيعٌ، وَإِنّمَا هُوَ فِى رَأْسِ قَلْعَةٍ لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَلا الرّجَالُ لِصُعُوبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ وَبَقِيت بَقَايَا لا ذِكْرَ لَهُمْ فِى بَعْضِ حُصُونِ النّطَاةِ، الرّجُلُ وَالرّجُلانِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِإِزَائِهِمْ رِجَالاً يَحْرُسُونَهُمْ لا يَطْلُعُ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ إلاّ قَتَلُوهُ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مُحَاصَرَةِ الّذِينَ فِى قَلْعَةِ الزّبَيْرِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: غَزَالٌ، فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ تُؤَمّنّى عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ وَتَخْرَجُ إلَى أَهْلِ الشّقّ، فَإِنّ أَهْلَ الشّقّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْك؟ قَالَ: فَأَمّنّهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: إنّك لَوْ أَقَمْت شَهْرًا مَا بَالُوا، لَهُمْ دُبُولٌ تَحْتَ الأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللّيْلِ فَيَشْرَبُونَ بِهَا ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْك، وَإِنْ قَطَعْت مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ ضَجّوا، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى دُبُولِهِمْ فَقَطَعَهَا، فَلَمّا قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَشَارِبَهُمْ لَمْ يُطِيقُوا الْمَقَامَ عَلَى الْعَطَشِ، فَخَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ نَفَرٌ وَأُصِيبَ مِنْ الْيَهُودِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَشَرَةٌ، وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النّطَاةِ.

ليس المجال هنا لتفسير فلسفي أو بيولوجي لأنانية وخيانة الإنسان، أعتقد دوكنز في آخر كتابه (أعظم العروض على الأرض) قام بشيء مماثل، لا يسر المرء كثيرًا بتحليله لتلك المسألة على واقعيته، لكنه لا يجعل فعلًا خسيسًا كهذا مبررًا بأية حال. قطع الماء عن اليهود أخرجهم من حصنهم بفعل العطش وتسبب بخسارة سريعة لهم. والدبول جمع دبل وهو الجدول أي نهير الماء.
ثم ضمن حديث الواقدي عن اقتحامهم لمنطقة الشق من خيبر وحصن أبي، بعدما قاتلوا اليهود وقتلوا بعضهم:

وَأَحْجَمُوا عَنْ الْبِرَازِ فَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا، وَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَقَحّمُوا الْجُدُرَ كَأَنّهُمْ الظّبَاءُ حَتّى صَارُوا إلَى حِصْنِ النّزَارِ بِالشّقّ

عندما يقرأ عرب اليوم والشرقيون من المسلمة حال من يقتدون بهم كلصوص مريعين نهبوا ممتلكات غيرهم، ألا يخطر ببالهم أنهم ضُلِّلو بالاقتداء بمثل هذه الشخصيات العنيفة الإجرامية المعتدية؟! المسلمون الطيبون الذي عاشرتهم يقولون لا نقبل أن ندخل على بيوتنا وأولادنا مالًا حرامًا، ألا ندرك أن الأخلاق لا تتجزأ وأنه لا استثناآت ومقاييس ومعايير مزدوجة؟!



  رد مع اقتباس
قديم 04-14-2015, 10:22 PM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [20]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

محمد الذي يعتبرونه قدوة ونموذجًا أعلى، لم يكن هو وصحبه سوى خاطفي سابي نساء وأطفال، ممارسين للاستعباد والخطف والنخاسة، يقول ابن هشام عن ابن إسحاق:
وأصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن صفيةُ بنتُ حُيَىّ بن أخْطَب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيق، وبنتىْ عَمٍّ لها، فاصطفى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صفيةَ لنفسه. وكان دِحْيَة بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتىْ عمها، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين.
يحكي لنا الواقدي تفاصيل عن كيفية سبي صفية بنت حيي زوجة كنانة، هي وفتيات ونساء أخريات، بتفصيل ليس عند غيره:
... حَتّى جَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوا أَهْلَهُ أَخْذًا. وَكَانَتْ فِيهِ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَىّ وَابْنَةُ عَمّهَا. فَكَانَ عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِى اللّحْمِ يَقُولُ شَهِدْت صَفِيّةَ أُخْرِجَتْ وَابْنَةُ عَمّهَا وَصَبِيّاتٌ مِنْ حِصْنِ النّزَارِ فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِصْنَ النّزَارِ بَقِيَتْ حُصُونٌ فِى الشّقّ، فَهَرَبَ أَهْلُهَا مِنْهَا حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَهْلِ الْكَتِيبَةِ وَالْوَطِيحِ وَسُلالِم. وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَقُولُ: وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى حِصْنِ النّزَارِ فَقَالَ: هَذَا آخِرُ حُصُونِ خَيْبَرَ كَانَ فِيهِ قِتَالٌ لَمّا فَتَحْنَا هَذَا الْحِصْنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ قِتَالٌ حَتّى خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ خَيْبَرَ.
فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: قُلْت لِجَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ: كَيْفَ صَارَتْ صَفِيّةُ فِى حِصْنِ النّزَارِ فِى الشّقّ وَحِصْنِ آلِ أَبِى الْحُقَيْقِ بِسُلالِمَ وَلَمْ يَسُبّ فِى حُصُونِ النّطَاةِ مِنْ النّسَاءِ وَالذّرّيّةِ أَحَدٌ وَلا بِالشّقّ إلاّ فِى حِصْنِ النّزَارِ فَإِنّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ ذُرّيّةٌ وَنِسَاءٌ؟ فَقَالَ: إنّ يَهُودَ خَيْبَرَ أَخَرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ إلَى الْكَتِيبَةِ وَفَرّغُوا حِصْنَ النّطَاةِ لِلْمُقَاتِلَةِ فَلَمْ يُسْبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاّ مَنْ كَانَ فِى حِصْنِ النّزَارِ صَفِيّةُ وَابْنَةُ عَمّهَا وَنُسَيّاتٌ مَعَهَا. وَكَانَ كِنَانَةُ قَدْ رَأَى أَنّ حِصْنَ النّزَارِ أَحْصَنُ مَا هُنَالِكَ فَأَخْرَجَهَا فِى اللّيْلَةِ الّتِى تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى صَبِيحَتِهَا إلَى الشّقّ حَتّى أُسِرَتْ وَبِنْتُ عَمّهَا وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ ذَرَارِىّ الْيَهُودِ، وَبِالْكَتِيبَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَمِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْنِ، فَلَمّا صَالَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ أَمِنَ الرّجَالَ وَالذّرّيّةَ وَدَفَعُوا إلَيْهِ الأَمْوَالَ وَالْبَيْضَاءَ وَالصّفْرَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالثّيَابَ إلاّ ثَوْبًا عَلَى إنْسَانٍ، فَلَقَدْ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ حِينَ أَمّنَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُقْبِلُونَ وَيُدْبِرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ لَقَدْ أَنْفَقُوا عَامّةَ الْمَغْنَمِ مِمّا يَشْتَرُونَ مِنْ الثّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَكَانُوا قَدْ غَيّبُوا نَقُودَهُمْ وَعَيْنَ مَالِهِمْ.
... حَتّى أَجْهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللّهُ فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. فَأَرْسَلَ كِنَانَةَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: شَمّاخٌ إلَى النّبِىّ ÷ يَقُولُ: أَنْزِلْ إلَيْك أُكَلّمْك فَلَمّا نَزَلَ شَمّاخٌ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأُتِىَ بِهِ النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ بِرِسَالَةِ كِنَانَةَ، فَأَنْعَمَ لَهُ فَنَزَلَ كِنَانَةُ فِى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَصَالَحَهُ عَلَى مَا صَالَحَهُ فَأَحْلَفَهُ عَلَى مَا أَحْلَفَهُ عَلَيْهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: تِلْكَ الْقِسِىّ وَالسّلاحُ إنّمَا كَانَ لآلِ أَبِى الْحُقَيْقِ جَمَاعَةٌ يُعِيرُونَهُ الْعَرَبَ، وَالْحُلِىّ يَعِيرُونَهُ الْعَرَبَ. ثُمّ يَقُولُ: كَانُوا شَرّ يَهُودِ يَثْرِبَ.
قَالُوا: وَأَرْسَلَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ أَنْزِلْ فَأُكَلّمَك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. قَالَ: فَنَزَلَ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فَصَالَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِى حُصُونِهِمْ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَرَكَ الذّرّيّةَ لَهُمْ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيّهِمْ وَيُخَلّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، أَوْ أَرْضٍ وَعَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ، وَعَلَى الْبَزّ إلاّ ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُمُونِى شَيْئًا”. فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الأَمْوَالِ فَقَبَضَهَا، الأَوّلُ فَالأَوّلُ وَبَعَثَ إلَى الْمَتَاعِ وَالْحَلْقَةِ فَقَبَضَهَا، فَوَجَدَ مِنْ الدّرُوعِ مِائَةَ دِرْعٍ وَمِنْ السّيُوفِ أَرْبَعَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَلْفَ رُمْحٍ وَخَمْسَمِائَةِ قَوْسٍ عَرَبِيّةٍ بِجِعَابِهَا.
فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ عَنْ كَنْزِ آلِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَحُلِىّ مِنْ حُلِيّهِمْ كَانَ يَكُونُ فِى مَسْكِ الْجَمَلِ كَانَ أَسْرَاهُمْ يُعْرَفُ بِهِ، وَكَانَ الْعُرْسُ يَكُونُ بِمَكّةَ فَيَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ الْحُلِىّ الشّهْرَ، فَيَكُونُ فِيهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ الْحُلِىّ يَكُونُ عِنْدَ الأَكَابِرِ فَالأَكَابِرِ مِنْ آلِ أَبِى الْحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنْفَقْنَاهُ فِى حَرْبِنَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكُنّا نَرْفَعُهُ لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَلَمْ تُبْقِ الْحَرْبُ وَاسْتِنْصَارُ الرّجَالِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَحَلَفَا عَلَى ذَلِكَ فَوَكّدَا الأَيْمَانَ وَاجْتَهَدَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَهُمَا: “بَرِئَتْ مِنْكُمَا ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَانَ عِنْدَكُمَا”، قَالا: نَعَمْ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَكُلّ مَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِكُمَا وَأَصَبْت مِنْ دِمَائِكُمَا فَهُوَ حِلّ لِى وَلا ذِمّةَ لَكُمَا”، قَالا: نَعَمْ. وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيّا، وَالزّبِيرَ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَعَشَرَةً مِنْ الْيَهُودِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ فَقَالَ: إنْ كَانَ عِنْدَك مَا يَطْلُبُ مِنْك مُحَمّدٌ أَوْ تَعْلَمُ عِلْمَهُ فَأَعْلِمْهُ فَإِنّك تَأْمَنُ عَلَى دَمِك، وَإِلاّ فَوَاَللّهِ لَيَظْهَرَنّ عَلَيْهِ قَدْ اطّلَعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا لَمْ نَعْلَمْهُ. فَزَبَرَهُ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فَتَنَحّى الْيَهُودِىّ فَقَعَدَ.
ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَلاّمِ بْن أَبِى الْحُقَيْقِ - وَكَانَ رَجُلاً ضَعِيفًا - عَنْ كَنْزِهِمَا، فَقَالَ: لَيْسَ لِى عِلْمٌ غَيْرَ أَنّى قَدْ كُنْت أَرَى كِنَانَةَ كُلّ غَدَاةٍ يَطُوفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ - قَالَ: وَأَشَارَ إلَى خَرِبَةٍ - فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ دَفَنَهُ فَهُوَ فِيهَا. وَكَانَ كِنَانَةُ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ لَمّا ظَهَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى النّطَاةِ أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ - وَكَانَ أَهْلُ النّطَاةِ أَخَذَهُمْ الرّعْبُ - فَذَهَبَ بِمَسْكِ الْجَمْلِ فِيهِ حَلِيّهُمْ فَحَفَرَ لَهُ فِى خَرِبَةٍ لَيْلاً وَلا يَرَاهُ أَحَدٌ، ثُمّ سَوّى عَلَيْهِ التّرَابَ بِالْكَتِيبَةِ وَهِىَ الْخَرِبَةُ الّتِى رَآهُ ثَعْلَبَةُ يَدُورُ بِهَا كُلّ غَدَاةٍ. فَأَرْسَلَ مَعَ ثَعْلَبَةَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ وَنَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى تِلْكَ الْخَرِبَةِ فَحَفَرَ حَيْثُ أَرَاهُ ثَعْلَبَةُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الْكَنْزَ وَيُقَالُ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ دَلّ رَسُولَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَنْزِ، فَلَمّا أُخْرِجَ الْكَنْزُ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الزّبَيْرَ أَنْ يُعَذّبَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ حَتّى يَسْتَخْرِجَ كُلّ مَا عِنْدَهُ، فَعَذّبَهُ الزّبَيْرُ حَتّى جَاءَهُ بِزَنْدٍ يَقْدَحُهُ فِى صَدْرِهِ، ثُمّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَقْتُلُهُ بِأَخِيهِ فَقَتَلَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَمَرَ بِابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ الآخَرِ فَعُذّبَ، ثُمّ دُفِعَ إلَى وُلاةِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَقُتِلَ بِهِ وَيُقَالُ: ضُرِبَ عُنُقُهُ، وَاسْتَحَلّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِذَلِكَ أَمْوَالَهُمَا وَسَبَى ذَرَارِيّهُمَا.
فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ الرّبِيعَةِ بْنِ أَبِى هِلالٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَمّنْ نَظَرَ إلَى مَا فِى مَسْكِ الْجَمْلِ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ حِينَ أُتِىَ بِهِ، فَإِذَا جُلّهُ أَسْوِرَةٌ الذّهَبِ وَدَمَالِجُ الذّهَبِ وَخَلاخِلُ الذّهَبِ وَقِرَطَةُ الذّهَبِ وَنَظْمٌ مِنْ جَوْهَرٍ وَزُمُرّدٍ وَخَوَاتِمُ ذَهَبٍ وَفَتَخٌ بِجَزْعِ ظَفَارِ مُجَزّعٌ بِالذّهَبِ. وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ نِظَامًا مِنْ جَوْهَرٍ فَأَعْطَاهُ بَعْضَ أَهْلِهِ إمّا عَائِشَةُ، أَوْ إحْدَى بَنَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ، فَلَمْ تَمْكُثْ إلاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ حَتّى فَرّقَتْهُ فِى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالأَرَامِلِ فَاشْتَرَى أَبُو الشّحْمِ ذُرَةً مِنْهَا، فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ وَصَارَ إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَنَمْ فَغَدَا فِى السّحَرِ حَتّى أَتَى عَائِشَةَ، وَلَمْ تَكُنْ لَيْلَتَهَا، أَوْ بِنْتَه، فَقَالَ: “رُدّى عَلَىّ النّظَامَ فَإِنّهُ لَيْسَ لِى، وَلا لَك فِيهِ حَقّ”. فَخَبّرَتْهُ كَيْفَ صَنَعْت بِهِ فَحَمْدُ اللّهِ وَانْصَرَفَ.
وَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَىّ تَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ النّظَامُ لِبِنْتِ كِنَانَةَ، وَكَانَتْ صَفِيّةُ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَبَاهَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِىَ إلَى الْكَتِيبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَرْسَلَ بِهَا مَعَ بَلالٍ إلَى رَحْلِهِ، فَمَرّ بِهَا وَبِابْنَةِ عَمّهَا عَلَى الْقَتْلَى، فَصَاحَتْ ابْنَةُ عَمّهَا صِيَاحًا شَدِيدًا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا صَنَعَ بَلالٌ فَقَالَ: “أَذَهَبَتْ مِنْك الرّحْمَةُ”؟ تَمُرّ بِجَارِيَةٍ حَدِيثَةِ السّنّ عَلَى الْقَتْلَى فَقَالَ بَلالٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ ذَلِكَ وَأَحْبَبْت أَنْ تَرَى مَصَارِعَ قَوْمِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لابْنَةِ عَمّ صَفِيّةَ: “مَا هَذَا إلاّ شَيْطَانٌ”. وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ قَدْ نَظَرَ إلَى صَفِيّةَ فَسَأَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَيُقَالُ: إنّهُ وَعَدَهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْىِ خَيْبَرَ، فَأَعْطَاهُ ابْنَةَ عَمّهَا.
هذه التفاصيل البشعة يحكيها كذلك ابن إسحاق، سبي واستعباد للنساء والأطفال، ونهب وسلب، وتعذيب للبشر حتى الموت طمعًا في استحصال أموال، كل أموال العالم أيها الدينيون الإرهابيون لا تساوي عند الإنسانيين المتحضرين لحظة ألم وعذاب إنسان. كذلك كشف لنا الواقدي أن المخبر بمكان الكنز هو ثعلبة الموصوف بعدة مواضع عنده بشيء من ضعف العقل، وانتقاده بجرأة لغباء زعماء اليهود وتسرعهم رغم تلك الإعاقة، في حين لم يكشف لنا ابن إسحاق لشخصيته حينما حكى نفس القصة، أيضًا تعذيب كنانة وأخيه ذكرها ابن إسحاق:
قال ابن إسحاق: ولما افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القَموص، حصن بني أبي الحُقَيق، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حُيى بن أخطب، وبأخرى معها، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود؛ فلما رأتهم التي مع صفية صاحت، وصكت وجهها وحثت الترابَ على رأسها؛ فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعزبوا عني هذه الشيطانة، وأمر بصفية فحيزتْ خلْفَه، وألقى عليها رداءَه؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال، فيما بلغني حين رأى بتلك اليهودية ما رأى: أنُزعتْ منك الرحمة يا بلال، حين تمر بامرأتين على قتلَى رجالهما؟.....
وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع، وكان عنده كَنْز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكونَ يعرف مكانَه، فأتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من يهود، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخَرِبة كل غداة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك؟ قال: نعم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخَرِبة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبي أن يؤديَه، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير ابن العوام، فقال: عذِّبه حتى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزَنْدٍ في صدره، حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مَسْلَمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.
كانت صفية وقعت من نصيب استعباد أحد أتباع محمد هو دحية بن خليفة الكلبي، فذكر أتباعه لمحمد مركزها وجمالها فنزعها منه وتقول بعض الراويات أنه أعطاه بدلًا منها سبع نساء، وهكذا صار البشر بعصور هؤلاء تجارة نخاسة تستبدل بالزيادة والنقص!
روى مسلم:
[ 1365 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيناهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم فقالوا محمد والخميس قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خربت خيبر انا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قال وهزمهم الله عز وجل ووقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها قال وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط والسمن فحصت الأرض أفاحيص وجئ بالأنطاع فوضعت فيها وجئ بالأقط والسمن فشبع الناس قال وقال الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد قالوا إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنه قد تزوجها فلما دنوا من المدينة دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعنا قال فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله صلى الله عليه وسلم وندرت فقام فسترها وقد أشرفت النساء فقلن أبعد الله اليهودية قال قلت يا أبا حمزة أوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي والله لقد وقع
[ 1365 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس ح وحدثني به عبد الله بن هاشم بن حيان واللفظ له حدثنا بهز حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت حدثنا أنس قال صارت صفية لدحية في مقسمه وجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويقولون ما رأينا في السبي مثلها قال فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد ثم دفعها إلى أمي فقال أصلحيها قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر حتي إذا جعلها في ظهره نزل ثم ضرب عليها القبة فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضل زاد فليأتنا به قال فجعل الرجل يجيء بفضل التمر وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك سوادا حيسا فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء قال فقال أنس فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قال فانطلقنا حتي إذا رأينا جدر المدينة هششنا إليها فرفعنا مطينا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته قال وصفية خلفه وقد أردفها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرع وصرعت قال فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها قال فأتيناه فقال لم نضر قال فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها
وروى أحمد بن حنبل كذلك:
12240 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ صَفِيَّةَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، " فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، فَجَعَلَهَا عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ حَتَّى تَهَيَّأَ وَتَعْتَدَّ " - فِيمَا يَعْلَمُ حَمَّادٌ - فَقَالَ النَّاسُ: وَاللهِ مَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَسَرَّاهَا ؟ فَلَمَّا حَمَلَهَا سَتَرَهَا وَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا . " فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ النَّاسُ، وَأَوْضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ، فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَخَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَّتْ مَعَهُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرْنَ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ، وَفَعَلَ بِهَا، وَفَعَلَ . فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا وَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ "
إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/461-462 عن يزيد بن هارون، بهذا الإسناد
13575 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ، وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] "، قَالَ: فَهَزَمَهُمُ اللهُ، قَالَ: وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا وَتُهَيِّئُهَا، وَهِيَ صَفِيَّةُ ابْنَةُ حُيَيٍّ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ، قَالَ: فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ ، وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا، ثُمَّ جِيءَ بِالْأَقِطِ وَالتَّمْرِ وَالسَّمْنِ، فَشَبِعَ النَّاسُ، قَالَ وَقَالَ النَّاسُ: مَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ ؟ فَقَالُوا: إِنْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا حَتَّى قَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ وَدَفَعْنَا، قَالَ: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ ، قَالَ: فَنَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ، قَالَ: فَقَامَ فَسَتَرَهَا، قَالَ: وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِي وَاللهِ لَقَدْ وَقَعَ " ...إلخ
إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن سعد 2/109، ومسلم (87) و (1428) (87 م) و(121) من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد- واقتصر ابن سعد ومسلم في الموضع الثالث على قصة أبي طلحة وقصة خيبر.
13023 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَالَ: " أَصْلِحِيهَا " . قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْقُبَّةَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَأْتِنَا بِهِ " . قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ، وَفَضْلِ السَّوِيقِ ، وَبِفَضْلِ السَّمْنِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيْسِ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: " فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشِشْنَا إِلَيْهَا، فَرَفَعْنَا مَطِيَّنَا ، وَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطِيَّتَهُ ، قَالَ: وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا ، قَالَ: فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَا إِلَيْهَا حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ: " لَمْ نُضَرَّ "، قَالَ: فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ جَوَارِي نِسَائِهِ يَتَرَاءَيْنَهَا وَيَشْمَتْنَ لِصَرْعَتِهَا.
إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان -وهو ابن المغيرة- فمن رجال مسلم. بهز: هو ابن أسد العَمِّي.
ما نستنتجه من سياق البخاري ومسلم وأحمد أن زواجها من محمد كان بالإكراه:
روى البخاري:
5085 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ» فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ «فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ»
4213 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ، وَالمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ»، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلاَلًا بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الحِجَابَ
947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ: {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ - قَالَ: وَالخَمِيسُ الجَيْشُ - فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَتَلَ المُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا " فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ، لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا، فَتَبَسَّمَ
371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " قَالَهَا ثَلاَثًا، قَالَ: وَخَرَجَ القَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالخَمِيسُ - يَعْنِي الجَيْشَ - قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ، فَجَاءَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً»، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، قَالَ: «ادْعُوهُ بِهَا» فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا»، قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ، جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ» وَبَسَطَ نِطَعًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ، قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4200 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، آنْتَ قُلْتَ لِأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ
4211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ح وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو، مَوْلَى المُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ». فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ
وروى نحوه مع زيادة مسلم في صحيحه برقم 1365 وذكرناه أعلاه فلا داعي لتكراره. وأحمد 13575 و13786 و 11992 وغيرهم
وروى الواقدي:
فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ أَصْحَابُهُ: الْيَوْمَ نَعْلَمُ أَزَوْجَةً أَمْ سُرّيّةً فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَسَيُحَجّبُهَا وَإِلاّ فَهِىَ سُرّيّةٌ، فَلَمّا خَرَجَ أَمَرَ بِسِتْرٍ فَسَتَرَتْ بِهِ فَعَرَفَ أَنّى زَوْجَةٌ، ثُمّ قَدِمَ إلَى الْبَعِيرِ وَقَدّمَ فَخِذَهُ لأَضَعَ رِجْلِى عَلَيْهَا، فَأَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَوَضَعْت فَخِذِى عَلَى فَخِذِهِ، ثُمّ رَكِبْت، وَكُنْت أَلْقَى مِنْ أَزْوَاجِهِ يَفْخَرْنَ عَلَىّ يَقُلْنَ: يَا بِنْتَ الْيَهُودِىّ، وَكُنْت أَرَى رَسُولَ اللّهِ ÷ يُلَطّفُ بِى وَيُكْرِمُنِى، فَدَخَلَ عَلَىّ يَوْمًا وَأَنَا أَبْكِى، فَقَالَ: “مَا لَك”؟ فَقُلْت: أَزْوَاجُك يَفْخَرْنَ عَلَىّ وَيَقُلْنَ: يَا بِنْتَ الْيَهُودِىّ، قَالَتْ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ غَضِبَ، ثُمّ قَالَ: “إذَا قَالُوا لَك أَوْ فَاخَرُوك، فَقُولِى: أَبِى هَارُونُ وَعَمّى مُوسَى”.
إذن لم يكن هناك إعلان زواج كما يفعلون وفق عاداتهم مع المرأة الحرة قبل دخول الرجل عليها، ولم يكونوا يعلمون ما سيقرر محمد، فهذا زواج بالإكراه. وقد دخل عليها في طريق الرحلة من خيبر إلى يثرب بمجرد أن مرت عليها عدة حيضة واحدة وهي عدة السبية في التشريع الإسلامي البغيض، دون أي رحمة أو مهلة لصدمتها النفسية بقتل أهلها وزوجها. ولنكرر ما أوردنا من أحاديث عن ذلك:
يروي البخاري:
2235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ»، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ...إلخ الحديث
وروى مسلم:
[ 1365 ] حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأري بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد والله قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا محمد والخميس قال وأصبناها عنوة وجمع السبي فجاءه دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال ادعوه بها قال فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها قال وأعتقها وتزوجها فقال له ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شيء فليجئ به قال وبسط نطعا قال فجعل الرجل يجئ بالأقط وجعل الرجل يجئ بالتمر وجعل الرجل يجئ بالسمن فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقول ابن قيم الجوزية مؤكدًا أنه كان زواجًا دون اختيار منها، في كتابه زاد المعاد:
فصل: فى حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الرجل يعتِقُ أمتَه ويجعل عِتقها صداقَها
ثبت عنه فى "الصحيح": " أنه أعتق صفيَّةَ وجعل عِتْقَها صَدَاقَها". قيل لأنس: ما أَصْدَقَها؟ قال: أَصْدَقَها نَفْسَها وذهبَ إلى جواز ذلك علىُّ ابن أبى طالب، وفعله أنس بن مالك، وهو مذهبُ أعلم التابعين، وسيِّدهم سعيدِ بن المسيِّب، وأبى سلمة بن عبد الرحمن، والحسنِ البَصرى، والزهري، وأحمد، وإسحاق.
وعن أحمد رواية أخرى، أنه لا يَصِحُّ حتى يستأنِفَ نكاحها بإذنها، فإن أبت ذلك، فعليها قيمتُها.
وعنه رواية ثالثة: أنه يُوَكِّلُ رجلاً يزوِّجه إياها.
والصحيح: هو القول الأول الموافق للسنة، وأقوالِ الصحابة والقياس، فإنه كان يمِلك رقبتها، فأزال ملكه عن رقبتها، وأبقى ملكَ المنفعة بعقد النكاح، فهو أولى بالجواز مما لو أعتقها، واستثنى خِدمتها، وقدم تقدَّم تقريرُ ذلك فى غزاة خيبر.
ومما يؤكد لنا أن كل روايات أن زواج جويرية بنت الحارث المصطلقية وصفية بنت حيي بن الأخطب كان باختيارهما كاذبة، أن عمر بن الخطاب كان يريد التفرقة بينهما وبين سائر زوجات محمد في عطاء الدولة، لأنه ارتأى ببساطة أنها صارتا زوجتاه قهرًا لا عن اختيار.
روى عبد الرزاق في مصنفه:
20036 - أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال لما أتي عمر بكنوز كسرى قال له عبد الله بن الأرقم الزهري ألا تجعلها في بيت المال حتى تقسمها قال لا يظلها سقف حتى أمضيها فأمر بها فوضعت في صرح المسجد فباتوا يحرسونها فلما أصبح أمر بها فكشف عنها فرأى فيها من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ منه البصر قال فبكى عمر فقال له عبد الرحمن بن عوف ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن كان هذا ليوم شكر ويوم سرور ويوم فرح فقال عمر كلا إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء ثم قال أنكيل لهم بالصاع أم نحثو فقال علي بل أحثوا لهم ثم دعا حسن بن علي أول الناس فحثا له ثم دعا حسينا ثم أعطى الناس ودون الدواوين وفرض للمهاجرين لكل رجل منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة وللأنصار لكل رجل منهم اربعة آلاف درهم وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم لكل امرأة منهن اثني عشر ألف درهم إلا صفية وجويرية فرض لكل واحدة منهما ستة آلاف درهم
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه:
33537- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لأهل بدر فِي سِتَّةِ آلاَفٍ سِتَّةَ آلاَفٍ , وَفَرَضَ لأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَشْرَةِ آلاَفٍ عَشْرَةَ آلاَفٍ , فَفَضَّلَ عَائِشَةَ بِأَلْفَيْنِ لِحُبِّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا إِلاَّ السَّبِيَّتَيْنِ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ وَجُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَرَضَ لَهما سِتَّةَ آلاَفٍ , وَفَرَضَ لِنِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَلْفٍ أَلْفٍ مِنْهُمْ أُمُّ عَبْدٍ.
وفي مسند البزار بحديث رقم 286 زيادة:
..... فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، اسْتُخْلِفَ عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ فَجَاءَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَقَالَ قَدْ كَانَ لأَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا الْمَالِ رَأْيٌ وَلِي رَأْيٌ آخَرُ ، لاَ أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ ، فَفَضَّلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ ، فَفَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ ، وَمَنْ كَانَ إِسْلاَمُهُ قَبْلَ إِسْلاَمِ أَهْلِ بَدْرٍ فَرَضَ لَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، لِكُلِّ امْرَأَةٍ إِلاَّ صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ فَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سِتَّةَ آلاَفٍ سِتَّةَ آلاَفٍ فَأَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذْنَهَا ، فَقَالَ : إِنَّمَا فُرِضَتْ لَهُنَّ بِالْهِجْرَةِ ، قُلْنَ مَا فُرِضَتْ لَهُنَّ مِنْ أَجْلِ الْهِجْرَةِ إِنَّمَا فُرِضَتْ لَهُنَّ مِنْ مَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنَا مِثْلُ مَكَانِهِنَّ ، فَأَبْصَرَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُنَّ سَوَاءً مِثْلَهُنَّ.....
وبنحو ذلك روى البيهقي في سننه الكبرى برقم 12776
كانت الفتاة الصغيرة حديثة عهد بزواجها، ومحمد وصحبه قتلوا كثيرًا من قومها ومنهم أبوها وزوجها وسبوا واستعبدوا قريباتها، فمن لديه الوقاحة ليزعم أن هذا كان زواجًا باختيارها؟! ويروي ابن إسحاق ما يؤكد ذلك:
قال ابن إسحاق: ولما أعْرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية، بخيبر أو ببعض الطريق، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشَّطتها وأصلحت من أمرِها أمُّ سُلَيْم بنت مِلْحان، أم أنس ابن مالك. فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيِ قبة له، وبات أبو أيوب خالد بن زيد، أخو بني النجار متوشِّحا سيفه، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُطيف بالقبة، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى مكانه قال: ما لك يا أبا أيوب؟ قال: يا رسول الله، خِفْت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجَها وقومَها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخِفْتُها عليك. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني
هل ترون هذا مثالًا لزواج صحيح سليم لا إكراه فيه ذلك الذي يكون فيه الخوف من أن تقتل المرأة المخطوفة المغتصَبة قاتل أهلها ومغتصبها، ألا تفيقون يا قوم أبدًا؟! أين الحس السليم والراقي. وهذه القصة ذكرها الواقدي كذلك وذكرناها بموضع تالٍ أدناه. ويقول كتبة كتب سير الصحابة كأسد الغابة والاستيعاب والإصابة وكذلك في مستدرك الحاكم أن سنها وقت خطفها كان 16 عامًا فقط، وكانت شقراء خضراء العينين، وبعض الحكايات التي نقرأها عنها كبكائها لما مرض جملها أثناء زيارة محمد للحج مع نسائه وخوفها أن يتركوها يدل على طفلة هشة مسكينة.
أما القصة التي يرويها أحمد بن حنبل 12409 و12616 والواقدي من أن محمدًا أقنعها حقًّا بالزواج منه وخيرها بأن تتزوجه أو تعود إلى أهلها فقصة مطعون فيها بما ذكرناه أعلاه من أدلة تدل على كم الإكراه والعنف والاغتصاب والاستعباد الذي تعرضت له تلك الفتاة المسكينة الصغيرة آنذاك، ناهيك عن غسيل المخ والاستحواذ الإسلامي والاضطهاد. وثمة أثر من الحقيقة وواقع ما حدث نكتشفها من الطبقات الكبير لابن سعد في ترجمته لصفية بنت حيي:
فَكَانَ لرسول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيُّ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ. فَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِمَّا اصْطَفَى يَوْمَ خَيْبَرَ. وَعَرَضَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَهَا إِنِ اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَتْ: أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَأَسْلَمَتْ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا.
ويقول الواقدي ما يؤكد أنها فضلت أن تكون زوجة لسيد المسلمين ومدعي نبوتهم باعتباره أفضل خيار متاح لها من أن تكون أمة خادمة مملوكة:
انْصِرَافُ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ خَيْبَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ أَنَسٌ: انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ خَيْبَرَ وَهُوَ يُرِيدُ وَادِىَ الْقُرَى، وَمَعَهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ مِلْحَانَ، وَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ ÷ صَفِيّةَ حَتّى مَرّ بِهَا، فَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ ثُمّ عَرَضَ عَلَيْهَا الإِسْلامَ، فَقَالَ: إنْ تَكُونِى عَلَى دِينِك لَمْ نُكْرِهْك، فَإِنْ اخْتَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ اتّخَذْتُك لِنَفْسِى، قَالَتْ: بَلْ أَخْتَارُ اللّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَأَعْتَقَهَا فَتَزَوّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا، فَلَمّا كَانَ بِالصّهْبَاءِ، قَالَ لأُمّ سُلَيْمٍ: اُنْظُرِى صَاحِبَتَك هَذِهِ فَامْشُطِيهَا وَأَرَادَ أَنْ يُعَرّسَ بِهَا هُنَاكَ فَقَامَتْ أُمّ سُلَيْمٍ - قَالَ أَنَسٌ: وَلَيْسَ مَعَنَا فَسَاطِيطُ وَلا سُرَادِقَاتُ - فَأَخَذْت كِسَائَيْنِ وَعَبَاءَتَيْنِ فَسَتَرَتْ بِهِمَا عَلَيْهَا إلَى شَجَرَةٍ فَمَشَطَتْهَا وَعَطّرَتْهَا، وَأَعْرَسَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ هُنَاكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَمّا خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ، وَقَرّبَ بَعِيرَهَا وَقَدْ سَتَرَهَا النّبِىّ ÷ بِثَوْبِهِ أَدْنَى فَخِذَهُ لِتَضَعَ رِجْلَهَا عَلَيْهِ فَأَبَتْ وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ فَلَمّا بَلَغَ ثِبَارًا أَرَادَ أَنْ يُعَرّسَ بِهَا هُنَاكَ فَأَبَتْ عَلَيْهِ حَتّى وَجَدَ فِى نَفْسِهِ حَتّى بَلَغَ الصّهْبَاءَ فَمَالَ إلَى دَوْمَةٍ هُنَاكَ فَطَاوَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت حَيْنَ أَرَدْت أَنْ أَنْزِلَ بِثِبَارٍ” - وَثِبَارٌ عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ وَالصّهْبَاءُ عَلَى اثْنَىْ عَشَرَ مِيلاً - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ خِفْت عَلَيْك قُرْبَ الْيَهُودِ، فَلَمّا بَعُدْت أَمِنْت، فَزَادَهَا عِنْدَ النّبِىّ ÷ خَيْرًا، وَعَلِمَ أَنّهَا قَدْ صَدّقَتْهُ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مُسَاءَ تِلْكَ اللّيْلَةِ وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا بِالْحَيْسِ وَالسّوِيقِ وَالتّمْرِ وَكَانَ قِصَاعُهُمْ الأَنْطَاعَ قَدْ بَسَطَتْ فَرُئِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَأْكُلُ مَعَهُمْ عَلَى تِلْكَ الأَنْطَاعِ.
قَالُوا: وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ الأَنْصَارِىّ قَرِيبًا مِنْ قُبّتِهِ آخِذًا بِقَائِمِ السّيْفِ حَتّى أَصْبَحَ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بُكْرَةً فَكَبّرَ أَبُو أَيّوبَ فَقَالَ: “مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ”؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَخَلْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ وَكُنْت قَدْ قَتَلْت أَبَاهَا وَإِخْوَتَهَا وَعُمُومَتَهَا وَزَوْجَهَا وَعَامّةَ عَشِيرَتِهَا، فَخِفْت أَنْ تَغْتَالَك. فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا، فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ أَنَزَلَ صَفِيّةَ فِى مَنْزِلِ الْحَارِثَةِ ابْنِ النّعْمَانِ وَانْتَقَلَ حَارِثَةُ عَنْهَا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ يَدًا وَاحِدَةً فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ بَرِيرَةَ إلَى أُمّ سَلَمَةَ تُسَلّمُ عَلَيْهَا - وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِىّ ÷ مَعَ النّبِىّ ÷ فِى غَزْوَةِ خَيْبَرَ - وَتَسْأَلُهَا عَنْ صَفِيّةَ أَظَرِيفَةٌ هِىَ؟ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: مَنْ أَرْسَلَك، عَائِشَةُ؟ فَسَكَتَتْ فَعَرَفَتْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا أَرْسَلَتْهَا، فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: لَعَمْرِى إنّهَا لَظَرِيفَةٌ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَهَا لَمُحِبّ، فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ خَبَرَهَا، فَخَرَجَتْ عَائِشَةُ مُتَنَكّرَةً حَتّى دَخَلَتْ عَلَى صَفِيّةَ وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَنَظَرَتْ إلَيْهَا وَهِىَ مُنْتَقِبَةٌ فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمّا خَرَجَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ كَيْفَ رَأَيْت صَفِيّةَ؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْت طَائِلاً، رَأَيْت يَهُودِيّةً بَيْنَ يَهُودِيّاتٍ - تَعْنِى عَمّاتِهَا وَخَالاتِهَا - وَلَكِنّى قَدْ أُخْبِرْت أَنّك تُحِبّهَا، فَهَذَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ لَوْ كَانَتْ ظَرِيفَةً. قَالَ: يَا عَائِشَةُ لا تَقُولِى هَذَا فَإِنّى عَرَضْت عَلَيْهَا الإِسْلامَ فَأَسْرَعَتْ وَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلامُهَا.
قَالَ: فَرَجَعَتْ عَائِشَةُ فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةَ بِظُرْفِهَا، فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا حَفْصَةُ فَنَظَرَتْ إلَيْهَا ثُمّ رَجَعَتْ إلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إنّهَا لَظَرِيفَةٌ وَمَا هِىَ كَمَا قُلْت.
إذن إضافة إلى التعصب والضغط على أعصابها بأسلوب عنصري شمولي اضطهادي، كان أمامها بصورة اضطرارية إكراهية أن تكون مستعبدة أمة لمحمد وهي التي كانت من سادات قريظة وخيبر، أو أن تكون زوجة حرة ولو اسمًا وشكلًا على شرط أن تتبع إن شكليَّا أو حقيقيًّا ديانة محمد وخرافته بدلًا من الخرافة اليهودية.
روى أحمد بن حنبل:
26866 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي شُمَيْسَةُ، أَوْ سُمَيَّةُ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: هُوَ فِي كِتَابِي سُمَيَّةُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ بِنِسَائِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، نَزَلَ رَجُلٌ، فَسَاقَ بِهِنَّ، فَأَسْرَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَاكَ سَوْقُكَ بِالْقَوَارِيرِ "، يَعْنِي النِّسَاءَ، . فَبَيْنَا هُمْ يَسِيرُونَ، بَرَكَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ جَمَلُهَا، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِهِنَّ ظَهْرًا ، فَبَكَتْ . وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ دُمُوعَهَا بِيَدِهِ، وَجَعَلَتْ تَزْدَادُ بُكَاءً وَهُوَ يَنْهَاهَا، فَلَمَّا أَكْثَرَتْ، زَبَرَهَا وَانْتَهَرَهَا وَأَمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ، فَنَزَلُوا، وَلَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِل. قَالَتْ: فَنَزَلُوا، وَكَانَ يَوْمِي، فَلَمَّا نَزَلُوا، ضُرِبَ خِبَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ فِيهِ، قَالَتْ: فَلَمْ أَدْرِ عَلَامَ أُهْجَمُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: تَعْلَمِينَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَبِيعُ يَوْمِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ أَبَدًا، وَإِنِّي قَدْ وَهَبْتُ يَوْمِي لَكِ عَلَى أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخَذَتْ عَائِشَةُ خِمَارًا لَهَا قَدْ ثَرَدَتْهُ بِزَعْفَرَانٍ ، فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيُذَكِّيَ رِيحَهُ، ثُمَّ لَبِسَتْ ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَتْ طَرَفَ الْخِبَاءِ، فَقَالَ لَهَا: " مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ ؟ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَوْمِكِ " . قَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَقَالَ مَعَ أَهْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّوَاحِ، قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: " يَا زَيْنَبُ، أَفْقِرِي أُخْتَكِ صَفِيَّةَ جَمَلًا "، وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِهِنَّ ظَهْرًا، فَقَالَتْ: أَنَا أُفْقِرُ يَهُودِيَّتَكَ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهَا، فَهَجَرَهَا، فَلَمْ يُكَلِّمْهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَأَيَّامَ مِنًى فِي سَفَرِهِ، حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرَ، فَلَمْ يَأْتِهَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا، وَيَئِسَتْ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَرَأَتْ ظِلَّهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا لَظِلُّ رَجُلٍ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ هَذَا ؟ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ حِينَ دَخَلْتَ عَلَيَّ ؟ قَالَتْ: وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ، وَكَانَتْ تَخْبَؤُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: فُلَانَةُ لَكَ، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَرِيرِ زَيْنَبَ، وَكَانَ قَدْ رُفِعَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَصَابَ أَهْلَهُ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ
25002 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ حَدَّثَنَاثَابِتٌ: عَنْ سُمَيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ، فَاعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ، وَفِي إِبِلِ زَيْنَبَ فَضْلٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بَعِيرًا لِصَفِيَّةَ اعْتَلَّ، فَلَوْ أَعْطَيْتِهَا بَعِيرًا مِنْ إِبِلِكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ، قَالَ: فَتَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، لَا يَأْتِيهَا، قَالَتْ: حَتَّى يَئِسْتُ مِنْهُ، وَحَوَّلْتُ سَرِيرِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا بِنِصْفِ النَّهَارِ، إِذَا أَنَا بِظِلِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ، قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنِيهِ حَمَّادٌ، عَنْ شُمَيْسَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ شُمَيْسَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: بَعْدُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالَ: " وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا قَالَ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ "
ورواه أحمد كذلك في الأرقام 26867 و26250 و24640
وللأمانة الحديث ضعيف الإسناد لجهالة وعدم معرفة سمية أو شميسة المذكور، وإنما ذكرناه كسرد تاريخي لحادثة هامشية فقط، ولا يوجد ما يعيقنا عن استعمالة فعندي أن جهل علمائهم بكونها ثقة في رواياتاهم أم لا، لا يقدح في استعمالنا للحديث، لا سيما أنها على الأقل ليست من وضاعي الحديث المشهورين مثلًا، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 8 / 126 – 127 وأخرجه ابن راهويه (1408) وأخرجه أبو داود (4602) عن موسى بن إسماعيل مختصراً، وابن ماجه (1973) وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8933) والطبراني في "الكبير" 24/ (188) و24 / (187)، وفي "الأوسط" (2630) و(2629) وأورده الهيثمي في "المجمع" 4/323، وقال: رواه أبو داود باختصار، ورواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سمية، روى لها أبو داود وغيره، ولم يجرحها أحد، وبقية رجاله ثقات.
عندما يقع علماء المسلمين في موقع محرج لا مخرج منه إلا بحديث ضعيف الإسناد، يأتون بأسانيده الكثيرة ثم يقولون يتقوى بطرقه وشواهده ويرفعونه لمرتبة التحسين أو الصحة، بالتالي يمكننا بثقة الحكم على الحديث بالصحة لكثرة شواهده، بصرف النظر عن علم توثيق الروايات والحكايات بحكايات! أعني علم الرجال والجرح والتعديل المضحك لكننا مضطرون له لعبًا بقواعدهم والتزاماً بها في نقد الإسلام لأننا نلزمهم بما في نصوصهم المؤمنين المقرين بها فقط. ويوجد جزء من الحديث لكنه لا يصلح كشاهد هنا من البخاري: 6210 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: يَعْنِي النِّسَاء 6211 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لاَ تَكْسِرِ القَوَارِيرَ» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ
كما نرى من روايات مسلم 1365 وأحمد بن حنبل والواقدي فقد كانت زوجات محمد يتحدثن بعنصرية ضد زوجته صفية، فإن الدين الإسلامي الذي أسسه محمد عنصري ومحرض بطبعه على الكراهية فهذا جوهره، إن معايرة والعيب في شخص على أساس دينه أو دينه السابق أو جنسه وقوميته محض عنصرية سخيفة حقيرة، لقد استغللن ذلك ضد ضرتهن لغيرتهن من شبابها وجمالها، هن المتقاسمات المتنافسات المضطرات على رجل واحد عجوز أي محمد، محمد نفسه ما كان ليستطيع منع تلك العنصرية طبيعة وجوهر الديانة القائم على كراهية باقي البشر التي أسسها تمامًا حينما حدث في بيته ذاته ضد من هوى ومالت عاطفه لها. لهذا نجزم أن إسلامها ليس سوى بالإكراه، إذا كان هذ هو الحال وهي تبع دينهم مجبرة فكيف لو قاومت، لم يكن مجتمع كهذا لديه رحابة لوجود تنوع بداخله بأي شكل، لدرجة أنهم لاحقًا نفوا كل أهل الكتاب من شبه جزيرة العرب، مع أن معظم الباقين منهم كانوا في أماكن معزولة كيهود خيبر وفدك ونصارى نجران.
لفت نظري بالصدفة خلال تصفح لبعض كتب التاريخ أن صفية بنت حيي بنبل أخلاق منها حاولت كأرملة لمحمد لها اعتبارها أن تحمي عثمان بن عفان وتتوسط لمنع قتله، سنة 35ه، اللافت للنظر أن غلامها المستعبد (مملوكها أو عبدها) كان اسمه كنانة، حسنًا ربما هي صدفة فقط أنه كان بنفس اسم زوجها القتيل. جاء في كتاب الطبقات لابن سعد:
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا كِنَانَةُ قَالَ: كُنْتُ أَقُودُ بِصَفِيَّةَ لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ فَضَرَبَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا حَتَّى مَالَتْ فَقَالَتْ: رُدُّونِي لا يَفْضَحُنِي هَذَا. قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ وَضَعَتْ خَشَبًا مِنْ مَنْزِلِهَا وَمَنْزِلِ عُثْمَانَ تَنْقُلُ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ. أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ صَفِيَّةَ أَوْصَتْ لِقَرَابَةٍ لَهَا مِنَ الْيَهُودِ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ وَهِشَامٌ أَبُو الوليد الطيالسي عَنْ شُعْبَةَ عَنِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا فَقَالُوا هَذَا وَارِثُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ. فأسلم بعد ما مَاتَتْ فَلَمْ يَرِثْهَا.
وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب:
وروى أسد بن موسى قال حدثنا محمد بن طلحة قال حدثنا كنانة مولى صفية بنت حيى وكان شهد يوم الدار إنه لم ينل محمد بن ابى بكر من دم عثمان بشىء قال محمد بن طلحة فقلت لكنانة فلم قيل إنه قتله قال معاذ الله أن يكون قتله إنما دخل عليه فقال له عثمان يا بن أخى لست بصاحبى وكلمه بكلام فخرج
ووقع في كتب التراجم ومنها كتاب الإصابة:
روينا أن جارية لها أتت عمر فقالت إن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث إليها فسألها عن ذلك فقالت أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها ثم قالت للجارية ما حملك على هذا قالت الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة
وكان محمد يشرعن لأحكام استعباد وسبي النساء، كما سنذكر في باب التعاليم العنصرية وباب إقرار الاستعباد، ونكتفي هنا بقول ابن إسحاق:
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نَجيح، عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن بيع المغانم حتى تُقسم.
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق مولى تُجِيب؛ عن حَنَش الصنْعانى، قال: غزوْنا مع رُوَيْفع بن ثابت الأنصاري المغرب، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها جِرْبة، فقام فينا خطيباً، فقال: يأيها الناس، إنى لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فينا يوم خيبر، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يحل لامرىٍء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرعَ غيره، يعني إتيان الحبالى من السبايا، ولا يحل لامرىٍء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأةً من السبي حتى يستبرئَها، ولا يحل لامرىٍء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يُقسم، ولا يحل لامرىءٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركبَ دابة من فىء المسلمين حتى إذا أعجفها ردَّها فيه، ولا يحل لامرىٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه.
ورواه أحمد 16990 و 16997 عن ابن إسحاق، ولو أنه يجعله قاله في غزوة حنين.
ورواه الواقدي بلفظ مقارب:
وَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمئِذٍ يَقُولُ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَسْقِ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَلا يَبِعْ شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ، حَتّى يَعْلَمَ وَلا يَرْكَبْ دَابّةً مِنْ الْمَغْنَمِ حَتّى إذَا بَرَاهَا رَدّهَا، وَلا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ الْمَغْنَمِ، حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ وَلا يَأْتِ مِنْ السّبْىِ حَتّى تَسْتَبْرِئَ وَتَحِيضَ حَيْضَةً وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى حَتّى تَضَعَ حَمْلَهَا”.
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمئِذٍ عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحّ فَقَالَ: “لِمَنْ هَذِهِ”؟ فَقِيلَ: لِفُلانٍ. قَالَ: “فَلَعَلّهُ يَطَؤُهَا”؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: “كَيْفَ بِوَلَدِهَا يَرِثُهُ، وَلَيْسَ بِابْنِهِ أَوْ يَسْتَرْقِهِ وَهُوَ يَعْدُو فِى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ؟ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَتْبَعُهُ فِى قَبْرِهِ”.
وروى مسلم في صحيحه:
باب تحريم وطء الحامل المسبية
[ 1441 ] وحدثني محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها فقالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له
وروى أحمد بن حنبل:
21703 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً مُجِحًّا عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ أَوْ طَرَفِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَلَّ صَاحِبَهَا يُلِمُّ بِهَا" قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ "
إسناده صحيح على شرط مسلم . وأخرجه الطيالسي (977) ، وابن أبي شيبة 4/371، والدارمي (2478) ، ومسلم (1441) (139) ، وأبو داود (2156) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (1423) ، والحاكم 2/194، والبيهقي 7/449، والبغوي (2395) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد . وعند أبي داود والحاكم: أن النبي رأى المرأة في غزوة
عندما استسلم يهود خيبر استولى محمد على كل أراضيهم وممتلكاتهم، إلا الثياب التي يلبسونها فقط، هذه عملية سرقة وتدمير لجزء من مواطني دولة على أساس ديني وعرقي، في الواقدي:
فَلَمّا صَالَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ أَمِنَ الرّجَالَ وَالذّرّيّةَ وَدَفَعُوا إلَيْهِ الأَمْوَالَ وَالْبَيْضَاءَ وَالصّفْرَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالثّيَابَ إلاّ ثَوْبًا عَلَى إنْسَانٍ
ويقول ابن هشام عن ابن إسحاق:
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلَ خيبر في حصنيهم الوَطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهَلكة، سألوه أن يسيِّرهم وأن يحقن لهم دماءَهم. ففعل. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموالَ كلَّها: الشَّقَّ ونَطاةَ والكَتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين.
....فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يَجْلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
كان سوء تخطيط اليهود وعدم استعدادهم وأخذهم الخطر بالجدية الكافية، ويحتمل تفوق المسلمين عدديًّا، وخذلان الأعراب غطفان حلفائهم لهم عوامل لهزيمتهم والأذى الذي تعرضوا له، يحكي الواقدي:
فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ فَجَعَلَ يَتَدَسّسُ إلَى الْيَهُودِ، وَيَقُولُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا، وَاَللّهِ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يُصِيبُ مُحَمّدًا غَيْرَكُمْ. قُلْت: أَهْلُ الْحُصُونِ وَالْعُدّةِ وَالثّرْوَةِ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَأَنْتُمْ فِى هَذِهِ الْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ، وَهَذَا الطّعَامِ الْكَثِيرِ مَا يُوجَدُ لَهُ آكِلٌ وَالْمَاءُ الْوَاتِنُ، قَالُوا: قَدْ أَرَدْنَا الامْتِنَاعَ فِى قَلْعَةِ الزّبَيْرِ وَلَكِنّ الدّبُولَ قُطِعَتْ عَنّا، وَكَانَ الْحُرّ، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا بَقَاءٌ عَلَى الْعَطَشِ. قَالَ: قَدْ وُلِيتُمْ مِنْ حُصُونِ نَاعِمٍ مُنْهَزِمِينَ حَتّى صِرْتُمْ إلَى حِصْنِ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ.
وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَمّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَيُخْبِرُ، قَالَ: قُتِلَ وَاَللّهِ أَهْلُ الْجَدّ وَالْجَلَدِ لا نِظَامَ لَيَهُودَ بِالْحِجَازِ أَبَدًا، وَيَسْمَعُ سَلامَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَلاّمِ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَكَأَنّمَا يَقُولُونَ: إنّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ مُخْتَلِطٌ فَقَالَ: يَا عُيَيْنَةُ أَنْتَ غَرَرْتهمْ وَخَذَلْتهمْ وَتَرَكْتهمْ وَقِتَالَ مُحَمّدٍ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا صَنَعْت بِبَنِى قُرَيْظَةَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: إنّ مُحَمّدًا كَادَنَا فِى أَهْلِنَا، فَنَفَرْنَا إلَيْهِمْ حَيْثُ سَمِعْنَا الصّرِيخَ وَنَحْنُ نَظُنّ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ خَالَفَ إلَيْهِمْ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا فَكَرَرْنَا إلَيْكُمْ لِنَنْصُرَكُمْ. قَالَ ثَعْلَبَةُ: وَمَنْ بَقِىَ تَنْصُرُهُ؟ قَدْ قُتِلَ مِنْ قُتِلَ وَبَقِىَ مَنْ بَقِىَ فَصَارَ عَبْدًا لِمُحَمّدٍ وَسَبَانَا، وَقَبَضَ الأَمْوَالَ قَالَ: يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ لِعُيَيْنَةَ: لا أَنْتَ نَصَرْت حُلَفَاءَك فَلَمْ يُعِدّوا عَلَيْك حِلْفَنَا وَلا أَنْتَ حَيْثُ وُلّيت - كُنْت أَخَذْت تَمْرَ خَيْبَرَ مِنْ مُحَمّدٍ سَنَةً وَاَللّهِ إنّى لأَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا ظَاهِرًا، لَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ. فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ إلَى أَهْلِهِ يَفْتِلُ يَدَيْهِ
ثعلبة بعدة مواقف بالواقدي على عيبه العقلي كان يعيب بذكاء سوء تخطيط وتسرع زعماء اليهود، وهنا انتقد كذلك سخافة وتخاذل عيينة الفزاري، وكما قلنا خيانة بعض أفراد اليهود والتي أدت إلى قطع الماء عن الحصون فتت في عضدهم كثيرًا. قول الأعرابي لعيينة عن أنه كان أفضل له لو خذل حلفاءه مقابل تمر خيبر لمدة عام يعكس خسة وسوء أخلاق هؤلاء الأعراب الغطفانيين.
تقسيم النهب والمسروقات
يقول الواقدي:
قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَرْوَةَ بْنَ عَمْرٍو الْبِيَاضِىّ وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ فِى حُصُونِ النّطَاةِ وَحُصُونِ الشّقّ وَحُصُونِ الْكَتِيبَةِ، لَمْ يَتْرُكْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكَتِيبَةِ إلاّ ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَجَمَعُوا أَثَاثًا كَبِيرًا وَبَزّا وَقَطَائِفَ وَسِلاحًا كَثِيرًا، وَغَنَمًا وَبَقَرًا، وَطَعَامًا وَأَدَمًا كَثِيرًا، فَأَمّا الطّعَامُ وَالأَدَمُ وَالْعَلَفُ فَلَمْ يُخَمّسْ يَأْخُذُ مِنْهُ النّاسُ حَاجَتَهُمْ وَكَانَ مَنْ احْتَاجَ إلَى سِلاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِ الْمَغْنَمِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَرُدّ ذَلِكَ فِى الْمَغْنَمِ، فَلَمّا اجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلّهُ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَجُزِئَ خَمْسَةَ أَجَزَاء، وَكَتَبَ فِى سَهْمٍ مِنْهَا “اللّهُ” وَسَائِرُ السّهْمَانِ أَغْفَالٌ. فَكَانَ أَوّلَ مَا خَرَجَ سَهْمُ النّبِىّ ÷ لَمْ يُتَخَيّرْ فِى الأَخْمَاسِ، ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبَيْعِ الأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ، فِيمَنْ يُرِيدُ فَجَعَلَ فَرْوَةُ يَبِيعُهَا فِيمَنْ يُرِيدُ فَدَعَا فِيهَا النّبِىّ ÷ بِالْبَرَكَةِ وَقَالَ: “اللّهُمّ أَلْقِ عَلَيْهَا النّفَاقَ”، قَالَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو: فَلَقَدْ رَأَيْت النّاسَ يَتَدَارَكُونَ عَلَىّ وَيَتَوَاثَبُونَ حَتّى نَفَقَ فِى يَوْمَيْنِ وَلَقَدْ كُنْت أَرَى أَنّا لا نَتَخَلّصُ مِنْهُ حِينًا لِكَثْرَتِهِ.
وَكَانَ الْخُمُسُ الّذِى صَارَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَغْنَمِ يُعْطَى مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ اللّهُ مِنْ السّلاحِ وَالْكِسْوَةِ فَأَعْطَى مِنْهُ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ الثّيَابِ وَالْخَرْزِ وَالأَثَاثِ وَأَعْطَى رِجَالاً مِنْ بَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَنِسَاءً وَأَعْطَى الْيَتِيمَ وَالسّائِلَ. وَجَمَعْت يَوْمئِذٍ مَصَاحِفَ فِيهَا التّوْرَاةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ تَطْلُبُهَا، وَتَكَلّمَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ تُرَدّ عَلَيْهِمْ.
أيضًا من ضمن ما نهبوه ذهب كما يكشف لنا قول ابن إسحاق:
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط؛ أنه حُدث عن عبادة بن الصامت، قال: نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبرَ الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالوَرِق العين، وقال: ابتاعوا تبر الذهب بالوَرِق العين، وتبر الفضة بالذهب العين. قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدَنَّى الحصون والأموال.
وروى الواقدي كذلك:
قَالُوا: وَاشْتَرَى يَوْمَ خَيْبَرَ تِبْرًا بِذَهَبٍ جِزَافًا، فَلَهَا عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ يُحَدّثُ، يَقُولُ: أَصَبْت يَوْمئِذٍ قِلادَةً فَبِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَنَانِيرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “بِعْ الذّهَبَ وَزْنًا بِوَزْنٍ”، وَكَانَ فِى الْقِلادَةِ ذَهَبٌ وَغَيْرُهُ فَرَجَعْت فِيهَا، وَاشْتَرَى السّعْدَانُ تِبْرًا بِذَهَبٍ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَرْبَيْتُمَا فَرُدّا وَوَجَدَ رَجُلٌ يَوْمئِذٍ فِى خَرِبَةٍ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ”، فَأَخَذَ مِنْهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ الْخُمُسَ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ.
لقد كان ما حدث عملية سرقة ونهب وإغارة، ثم تقسيم للمسروقات وبيع لبعضها والانتفاع بالباقي. من شريعة الإسلام أن خمس المنهوبات يكون لمحمد وأقاربه كما نص على ذلك القرآن الذي يشرع للنهب والسلب، وذكرنا هذا في باب التعاليم العنصرية، وبعد موت محمد ألغى عمر قاعدة الخمس لآل محمد وهم بنو هاشم وعبد المطلب وأدخله بيت المال، هذا غير شيء يسمى الصفيّ وهو شيء يصطفيه محمد أو قائد المعركة قبل القسمة قد يكون سيفًا أو فتاة مسبية ولا يكون كنزًا أو كمًّا كبيرًا من المسروقات، وذكروا أن صفية كانت صفيَّ محمدد بتلك الغارة.
إذا أردت أن تكرم أو تهدي أحدًا فليكن هذا من مالك وليس من مال الآخرين، فعل الخير المبني على شر هو شر صرف، يروي الواقدي:
حَدّثَنِى عَبْدُ السّلامِ بْنُ مُوسَى بْنِ جُبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْس، قَالَ: خَرَجْت مَعَ النّبِىّ ÷ إلَى خَيْبَرَ وَمَعِى زَوْجَتِى حُبْلَى، فَنُفِسَتْ بِالطّرِيقِ فَأَخْبَرَتْ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ: “انْقَعْ لَهَا تَمْرًا فَإِذَا أَنْعَمَ بَلّهُ فَامْرُثْهُ ثُمّ تَشْرَبُهُ”، فَفَعَلَتْ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، فَلَمّا فَتَحْنَا خَيْبَرَ أَحْذَى النّسَاءَ، وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنّ فَأَحْذَى زَوْجَتِى وَوَلَدِى الّذِى وُلِدَ، قَالَ عَبْدُ السّلامِ: لَسْت أَدْرِى غُلامٌ أَمْ جَارِيَةٌ.
وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أُمّ الْعَلاءِ الأَنْصَارِيّةِ، قَالَتْ: فَأَصَابَنِى ثَلاثُ خَرَزَاتٍ وَكَذَلِك أَصَابَ صَوَاحِبِى، وَأُتِىَ يَوْمئِذٍ بِرِعَاثٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: هَذَا لِبَنَاتِ أَخِى سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِنّ فَرَأَيْت ذَلِكَ الرّعَاثَ عَلَيْهِنّ وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ.
كيفية تقسيم الغنائم والأراضي المستولى عليها:
روى البخاري:
4228 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: «إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ»
وبنحوه في صحيح مسلم 1762
وروى أبو داوود في سننه:
3010 - حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن زكريا حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما . حسن صحيح
وروى أحمد بن حنبل:
4732 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلَّ عَامٍ مِائَةَ وَسْقٍ : ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ " . فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَسَمَ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ يَضْمَنَ لَهُنَّ الْوُسُوقَ كُلَّ عَامٍ، فَاخْتَلَفْنَ، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ أَنْ يُقْطِعَ لَهَا الْأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الْوُسُوقَ، وَكَانَتْ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ مِمَّنِ اخْتَارَ الْوُسُوقَ
إسناده صحيح على شرط الشيخين
16768 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا كَمَا كَانَ يَقْسِمُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ وَعُثْمَانُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْهُ "
16417 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَهُمْ يَذْكُرُونَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ وَصَارَتْ خَيْبَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ ضُعِفَ عَنْ عَمَلِهَا فَدَفَعُوهَا إِلَى الْيَهُودِ يَقُومُونَ عَلَيْهَا وَيُنْفِقُونَ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ مَا خَرَجَ مِنْهَا، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا ، جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ، فَجَعَلَ نِصْفَ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَهْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا، وَجَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ لِمَنْ يَنْزِلُ بِهِ مِنَ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاسِ
وروى مسلم:
[ 1551 ] حدثنا أحمد بن حنبل وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله أخبرني نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع
[ 1551 ] وحدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي وهو بن مسهر أخبرنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع فكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير فلما ولي عمر قسم خيبر خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن الأرض والماء أو يضمن لهن الأوساق كل عام فاختلفن فمنهن من اختار الأرض والماء ومنهن من اختار الأوساق كل عام فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء
[ 1551 ] وحدثنا بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما خرج منها من زرع أو ثمر واقتص الحديث بنحو حديث علي بن مسهر ولم يذكر فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء وقال خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن الأرض ولم يذكر الماء
[ 1551 ] وحدثني أبو الطاهر حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن عبد الله بن عمر قال لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على نصف ما خرج منها من الثمر والزرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم فيها على ذلك ما شئنا ثم ساق الحديث بنحو حديث بن نمير وابن مسهر عن عبيد الله وزاد فيه وكان الثمر يقسم على السهمان من نصف خيبر فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس
[ 1551 ] وحدثنا بن رمح أخبرنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها
[ 1551 ] وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور واللفظ لابن رافع قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين فأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء
وروى البخاري كذلك:
2328 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ، ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ، وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ»، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ «فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ المَاءِ وَالأَرْضِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ»، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الوَسْقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتِ الأَرْضَ
4229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ، فَقَالَ «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» قَالَ جُبَيْرٌ: «وَلَمْ يَقْسِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا»
وروى أبو داوود في سننه:
2978 - حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب قال أخبرني جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب فقلت يارسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة فقال النبي صلى الله عليه و سلم " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد " قال جبير ولم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل [ شيئا ] من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب . قال وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم قال وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه وعثمان بعده . صحيح
ويروي الواقدي:
قُلْت: فَكَمْ كَانَتْ سُهْمَانُ الرّجَالِ؟ قَالَتْ: ابْتَاعَ زَوْجِى غَزِيّةُ بْنُ عَمْرٍو مَتَاعًا بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَنِصْفٍ فَلَمْ يُطَالِبْ بِشَيْءٍ فَظَنَنّا أَنّ هَذِهِ سُهْمَانُ الْفُرْسَانِ - وَكَانَ فَارِسًا - وَبَاعَ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فِى الشّق زَمَنَ عُثْمَانَ بِثَلاثِينَ دِينَارًا.
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ قَادَ فِى خَيْبَرَ ثَلاثَةَ أَفْرَاسٍ لِزَازٍ وَالظّربِ وَالسّكبِ وَكَانَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ قَدْ قَادَ أَفْرَاسًا، وَكَانَ خرَاشُ بْنُ الصّمّةِ قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ عَوْفٍ - أَبُو إِبْرَاهِيمَ بْنِ النّبِىّ ÷ الّذِى أَرْضَعَهُ - قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَكَانَ أَبُو عَمْرو الأَنْصَارِىّ قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ.
قَالَ: فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِكُلّ مَنْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةً لِفَرَسَيْهِ وَسَهْمًا لَهُ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ.
وَيُقَالُ: إِنّهُ لَمْ يُسْهِمْ إِلاّ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَنّهُ أَسْهَمَ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ.
وَيُقَالُ: إِنّهُ عَرّبَ الْعَرَبِىّ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهَجّنَ الْهَجِينَ فَأَسْهَمَ لِلْعَرَبِىّ وَأَلْقَى الْهَجِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ الْهَجِينُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إِنّمَا كَانَتْ الْعرابُ حَتّى كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَفَتَحَ الْعِرَاقَ وَالشّامَ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ ضَرَبَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْخَيْلِ لِنَفْسِهِ إِلاّ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ هُوَ مَعْرُوفٌ سَهْمُ الْفَرَسِ.
وَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى النّطَاةِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسِهِ سَهْمَانِ وَلَهُ سَهْمٌ كَانَ مَعَ عَاصِمِ بْنِ عَدِىّ.
وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة، قَالَ: خَرَجَ سُوِيدُ بْنُ النّعْمَانِ عَلَى فَرَسٍ فَلَمّا نَظَرَ إلَى بُيُوتِ خَيْبَرَ فِى اللّيْلِ، وَقَعَ بِهِ الْفَرَسُ، فَعَطَبَ الْفَرَسُ وَكُسِرَتْ يَدُ سُوَيْد، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتّى فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَهْمَ فَارِسَ.
قَالُوا: وَكَانَتْ الْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ. وَيُقَالُ ثَلاثُمِائَةِ وَمِائَتَانِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، وَكَانَ الّذِى وَلِىَ إحْصَاءَ الْمُسْلِمِينَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَسَمَ النّبِىّ ÷ بَيْنَهُمْ الّذِى غَنِمُوا مِنْ الْمَتَاعِ الّذِى بِيعَ ثُمّ أَحَصَاهُمْ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةِ وَالْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ. فَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُمْ الّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالسّهْمَانِ وَلِخَيْلِهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ لَهَا أَرْبَعُمِائَةِ سَهْمٍ. فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ الّتِى أَسْهَمَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى النّطَاةِ أَوْ فِى الشّقّ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فَوْضَى لَمْ تُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَلَمْ تُحَدّ وَلَمْ تُقْسَمْ إنّمَا لَهَا رُؤَسَاءُ مُسَمّوْنَ لِكُلّ مِائَةِ رَأْسٍ يُعْرَفُ يُقْسَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَلّتِهَا، فَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ: عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ. وَسَهْمُ بَنِى سَاعِدَةَ وَسَهْمُ بَنِى النّجّارِ لَهُمْ رَأْسٌ وَسَهْمُ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَهْمُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَسَهْمُ بَنِى سَلَمَةَ - وَكَانُوا أَكْثَرَ وَرَأَسَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - وَسَهْمُ عُبَيْدَةَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَسَهْمُ أَوْسٍ وَسَهْمُ بَنِى الزّبَيْرِ وَسَهْمُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَهْمُ بِلْحَارِث بْنِ الْخَزْرَجِ، رَأْسُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
وَسَهْمُ بَيَاضَةَ رَأْسُهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَسَهْمُ نَاعِمٍ. فَهَذِهِ ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ فَوْضَى يَقْبِضُ رُؤَسَاؤُهُمْ الْغَلّةُ مِنْهُ ثُمّ يُفِضْ عَلَيْهِمْ وَيَبِيعُ الرّجُلُ سَهْمَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ. وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى غِفَارٍ سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ بِبَعِيرَيْنِ ثُمّ قَالَ لَهُ النّبِىّ ÷: “أَعْلَمُ أَنّ الّذِى آخُذُ مِنْك خَيْرٌ مِنْ الّذِى أُعْطِيك، وَاَلّذِى أُعْطِيك دُونَ الّذِى آخُذُ مِنْك، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ، وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ”، فَأَخَذَ الْغِفَارِىّ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَشْتَرِى مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى سَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ مِائَةٌ وَهُوَ سَهْمٌ أَوْسٍ كَانَ يُسَمّى سَهْمَ اللّفِيفِ حَقّ صَارَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَابْتَاعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ سَهْمِ أَسْلَمَ سُهْمَانًا، وَيُقَالُ: إنّ أَسْلَمَ كَانُوا بَضْعَةً وَسَبْعِينَ وَغِفَارٌ بَضْعَةٌ وَعِشْرِينَ فَكَانُوا مِائَةً وَيُقَالُ: كَانَتْ أَسْلَمُ مِائَةً وَسَبْعِينَ وَغِفَارٌ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ وَهَذَا مِائَتَا سَهْمٍ وَالْقَوْلُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.
..... قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِى الْكَتِيبَةِ، فَقَالَ قَائِلٌ: كَانَتْ لِلنّبِىّ ÷ خَالِصَةً وَلَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ إنّمَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللّهِ ÷.
وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ، عَنْ ابْنِ غُفَيْر، وَمُوسَى بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ. وَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ. وَقَالَ قَائِلٌ: هِىَ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ خَيْبَرَ، مِنْ الشّقّ وَالنّطَاةِ.
وَحَدّثَنِى قُدَامَة بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: كَتَبَ إلَىّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِى خِلافَتِهِ أَنْ افْحَصْ لِى عَنْ الْكَتِيبَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَسَأَلْت عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ فَقَالَتْ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمّا صَالَحَ بَنِى أَبِى الْحُقَيْقِ جَزّأَ النّطَاةَ وَالشّقّ وَالْكَتِيبَةَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ جُزْءًا مِنْهَا، ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَمْسَ بَعَرَاتٍ وَأَعْلَمَ فِى بَعْرَةٍ مِنْهَا، فَجَعَلَهَا لِلّهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ اجْعَلْ سَهْمَك فِى الْكَتِيبَةِ”، فَكَانَ أَوّلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا الّذِى فِيهِ مَكْتُوبٌ عَلَى الْكَتِيبَةِ، فَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ النّبِىّ ÷ وَكَانَتْ السّهْمَانُ أَغْفَالاً لَيْسَ عَلَيْهَا عَلامَاتٌ وَكَانَتْ فَوْضَى لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ.
وَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة، قَالَ: لَمّا خَرَجَ سَهْمُ النّبِىّ ÷ وَكَانَ الشّقّ وَالنّطَاةُ أَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ فَوْضَى.
وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ الْحِمْيَرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ الْكَتِيبَةُ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ÷. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُطْعِمُ مَنْ أَطْعَمَ فِى الْكَتِيبَةِ وَيُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّهَا خُمُسُ النّبِىّ ÷ مِنْ خَيْبَرَ، لأَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمْ يُطْعِمْ مِنْ الشّقّ وَالنّطَاةِ أَحَدًا وَجَعَلَهَا سَهْمَانَا لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ الّتِى أَطْعَمَ فِيهَا. كَانَتْ الْكَتِيبَةُ تُخْرَصُ ثَمَانِيّةُ آلافِ وَسْقٍ تَمْرٍ فَكَانَ لِلْيَهُودِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ وَكَانَ يُزْرَعُ فِى الْكَتِيبَةِ شَعِيرٌ فَكَانَ يَحْصُدُ مِنْهَا ثَلاثَةَ آلافِ صَاعٍ فَكَانَ لِلنّبِىّ ÷ نِصْفُهُ أَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ صَاعٍ شَعِيرٌ، وَكَانَ يَكُونُ فِيهَا نَوًى فَرُبّمَا اجْتَمَعَ أَلْفُ صَاعٍ فَيَكُونُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ نِصْفُهُ فَكُلّ هَذَا قَدْ أَعْطَى مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالنّوَى.
* * *
تَسْمِيَةُ سُهْمَانِ الْكَتِيبَةِ
خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَحْدَهُ وَسُلالِم، وَالْجَاسِمَيْنِ وَسَهْمَا النّسَاءِ وَسَهْمَا مَقْسَمٍ - وَكَانَ يَهُودِيّا - وَسَهْمَا عَوَانٍ وَسَهْمُ غِرّيث، وَسَهْمُ نُعَيْمٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا.
* * *
ذِكْرُ طُعْمِ النّبِىّ ÷ فِى الْكَتِيبَةِ أَزْوَاجَهُ وَغَيْرَهُمْ
أَطْعَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا تَمْرًا وَعِشْرِينَ وَسْقًا شَعِيرًا. وَلِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ مِائَتَىْ وَسْقٍ وَلِفَاطِمَةَ وَعَلِىّ عَلَيْهِمَا السّلامُ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ ثَلاثُمِائَةِ وَسْقٍ وَالشّعِيرُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَسْقًا، لِفَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مِائَتَا وَسْقٍ. وَلأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَعِيرًا وَخَمْسُونَ وَسْقًا نَوًى، وَلأُمّ رِمْثَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسَةُ أَوْسَاقٍ شَعِيرًا، وَلِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرِو خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا شَعِيرًا.



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
محمد, نقد, الإجرامية, الإسلام, الشامل, حروب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
منطق المسلم في نقد الإسلام Iam العقيدة الاسلامية ☪ 83 05-11-2019 03:18 AM
الملائكة المقاتلون في حروب الإسلام FreeMindedMan الأرشيف 14 11-11-2017 09:43 AM
للتحميل: حروب محمد الإجرامية لؤي عشري ساحة الكتب 3 07-23-2016 07:04 PM
مستويات نقد الإسلام فينيق العقيدة الاسلامية ☪ 97 01-30-2016 04:48 AM
مستويات نقد الإسلام بين الجدل والسفسطة الدفاعية أدم علي العقيدة الاسلامية ☪ 24 01-15-2016 03:06 PM