عقوبة الإعدام .. بين التأييد و الرفض

[الوليد]

تعد هذه العقوبة قضية جدلية رائجة في العديد من البلاد، ومن الممكن أن تتغاير المواقف في كل مذهب سياسي أو نطاق ثقافي .فقد إحتدم الجدل في القنوات التلفزية و الإذاعات بين الرافضين لهذه العقوبة بإعتبارها تتنافا مع الحق في الحياة، و المدافعين عن هذه العقوبة من منطق أنها حماية للفرد و المجتمع . فأي الرأيين ياترى الأقرب إلى الصواب ؟

أسباب الرفض:


إن حركة مناهضة عقوبة الإعدام ما فتئت تكبر و تتسع وتعتبر أوروبا هي المنطقة الرائدة في مناهضة الإعدام حيث أن المادة الثانية من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي يمنع تطبيق هذه العقوبة اليوم. و ترى منظمة العفو الدولية أن معظم الدول مؤيدة لإبطال هذه العقوبة مما أتاح للمجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يعطي صوتًا بتأييد صدور قرار غير ملزم لإلغاء عقوبة الإعدام. وتسعى بعض الهيئات الرسمية و الغير الرسمية ك amnesty international لإستقطاب المناوئين لهذه العقوبة وإقناع المسؤولين الحكوميين و السياسيين عبر حملات تحسيسية مبنية على أساس أن هذه العقوبة تتنافى مع الحق في حياة الإنسان و التي لاتعوض. وفي القرن الثاني عشر، كتب دارس القانون "موسى بن ميمون"، وهو يهودي شرقي"إنه من الأفضل أن يتم تبرئة ألفٍ من المذنبين على أن يحكم على إنسان بريء بالإعدام". "وقد جادل أن تنفيذ حكم الإعدام على مجرم دون تأكد مطلق سوف يقود إلى ما هو أسوأ من ذلك وهو التقليل من تحمل عبء الإثبات حتى يصل بنا الحال إلى أن يتم إدانة شخص على هوى القاضي.ثم إن بعض المجرمين يعانون من أمراض نفسية و عقلية أو يكونون تحث تأثير الكحول أو المخدرات الشيء الذي يجعلهم ولو نسبيا غير مسؤولين بشكل كامل على جرائمهم ،نظرا لغياب عنصر الإرادة الواعية .فعوض إعتبار هذه الفئة من الأشخاص مجرمين وجب إيداعهم في مصحات للطب النفسي و العقلي قصد تمتيعهم بالعلاج و إعادة الإدماج في المجتمع .وحتى لو إفترضنا أن هؤلاء الأشخاص مجرمون يشكلون خطرا على المجتمع ، ألا يكفي إيداعهم السجن ؟ فكم من سجين حصل على الماجستير في تخصصات علمية و أدبية بعد أن كان مجرما عاتيا .
لقد طبق تنفيذ حكم الإعدام على المجرمين والخصوم السياسيين في كافة المجتمعات تقريبًا من أجل عقاب الجريمة وقمع المعارضة السياسية.رغم ذلك ما فتئت الجريمة تتفشى وتصير أكثر بشاعة وهذا دليل على عجز المجتمع على إصلاح المنحرفين و المجرمين ليتحول إلى قاتل كما يبين فيكتور هيجو في كتابه "آخر يوم في حياة محكوم بالإعدام ".إن عقوبة الإعدام دليل على عجز الدولة بكل مؤسساتها التعليمية و الإصلاحية فمن سيعوض آلام المحكوم بالإعدام و معاناة أسرته و ذويه خصوصا إن كان بريئا من تهمته ولو كان ذلك في نظر أسرته وهذا في حد داته مشكل قد ينتج عنه فقدان الثقة في القانون ثم الرغبة في القصاص ولو بشكل غير قانوني .


أسباب التأييد :

إلا أنه رغم كل تلك البراهين و الحجج أكثر من 60% من سكان العالم يعيشون في دول تطبق هذه العقوبة. حيث أن الأربعة دول الأكثر سكانًا وهي جمهورية الصين الشعبية والهند والولايات المتحدة وإندونيسيا تطبق عقوبة الإعدام.ويعود سبب إصرار المؤيدين لعقوبة الإعدام لعدة أسباب.فالقول بأن بعض المجرمين يقومون بجرائمهم بسبب مفعول المخدرات و الكحول أو بسبب إضطرابات عقلية أو نفسية أمر خطير :إنه بكل بساطة فقدان تام لتحمل مسؤولية تبعات الحرية الفردية لأنه معلوم أن الحرية تقف في حدود حرية الغير . إذن نهج أسلوب تبرير الأفعال ثم إلقاء المسؤولية على الغير قد يشجع على تفشي الظاهرة بشكل خطير قد يؤدي إلى المس بإستقرار المنظومة القيمية و الإجتماعية للدولة .صحيح أن هناك فئة من الأشخاص الذين إرتكبوا جنايات بسبب إضطرابات نفسية أو عقلية ،يكفي فقط إستشارة أطباء أخصائيين في هذه الأمراض لتحديد ما إذا كان الجاني يستحق الإعدام أم مصحة عقلية .لاكن هناك من المجرمين من يبرهنون على تخطيط دقيق ودهاء بارع في الإسقاط بضحيتهم رغم إدمانهم للمخدرات و الكحول كما هو الحال بالنسبة لبارونات المخدرات و القتلة المستأجرون وغيرهم من المرتزقة .والأدهى من ذلك أنهم صاروا يصرحون بوقاحة بأنهم مرضى و يحتاجون للعلاج ! .
إن عقوبة الإعدام ليست بسالبة لحق الحياة بل هي محافظة على السيرورة الطبيعية للمجتمع فكما هو الحال بالنسبة للعضو المصاب بالسرطان وجب بتره حفاضا على سلامة باقي الأعضاء ،وجب كذلك إعدام كل فرد برهن على وحشية تفوق وحشية السباع في القتل و الرفس وإلا فالواقعة ستصير مألوفة كون المرء على دين خليله ولو كان خليله قد قرر ذبحه بحجة تقديمه قربانا للخالق .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن : هل سيستمر أولائك المدافعون عن إلغاء عقوبة الإعدام على نفس العزيمة و الحماس في حال تعرضت أجمل هدية وهبت لهم سواء كانوا أطفالا أو أحباء للقتل ثم التنكيل الخارج عن كل منطق أو فطرة ؟

إن عقوبة الإعدام لا تتعارض مع قيم الإسلام وقد حددها القرآن بدقة ووضوح ،لذلك فعلماء الدين يرفضونها بشدة إلغاءها في الدول الإسلامية.أما أولائك الذين ترهف مشاعرهم لمعاناة مرتكب أفعال خارجة عن الفطرة التي وهبت بها كل الكائنات الحية حتى لأكثر وحشيتا فيها،فهم أكيد لا يعطون نفس القدر من الرأفة و الإهتمام لمعاناة أسرة الضحية وينسون أن الألم و العذاب جزء من العقوبة .فهل تم تأسيس السجون لتكريم السجناء أم لمعاقبتهم على أفعالهم ؟ ثم ماهي عقوبة سفاح عن إصرار وترصد إن لن تكن الإعفاء من الألم مدى الحياة ؟ حتى يكون عبرة للذين قد تسول لهم نفسهم التطاول على حرية و سعادة الآخرين .ولن يتأتى ذلك إلا إذا أحسوا بالرعب

وجهة نظري الشخصية :


شخصيا أعتقد أن الإشكال الحقيقي يكمن في مدى فاعلية المؤسسات التعليمية و الإصلاحية للدولة ؛كلما كانت الدولة أكثر صرامتا وحزما في الحفاظ على السلامة الجسدية و النفسية لمواطنيها بمحاربة الفقر و الأمية و الهدر المدرسي وحضر تداول المخدرات وفقا لمقولة النبي ص : ما أسكر كثيره فقليله حرام ، لكن رغم ذلك نجد في معضم البلدان الإسلامية عدم تطبيق الشرع في المحلات التي تبيع الخمور بل ومن البلدان التي قننت الزراعة و التعاطي لبعض المخدرات ذات المفعول الخطير على الجهاز العصبي
وبناء عليه فلا أجد من المنطقي تطبيق عقوبة الإعدام بكثرة في بلدان مؤسساتها لا تحترم شريعتها ولا شعبها .
يبقى الحل الأمثل في رأيي يمكن إستلهامه من رواية "البؤساء " لفيكتور هيجو ، حيث أن الفرد بإيثاره وتضحياته في سبيل أخيه الإنسان هو الحل الأنسب

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

صدق الله العظيم

الهوامش :

- كتاب تحظير للمبارياة

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9...AF%D8%A7%D9%85

في موضوعي القادم سأتطرق لموضوع البطالة : كيف يمكن القضاء على البطالة ..
سأستعين كالعادة بفحوى الكتاب زائد نتائج بحثي على الأنترنت ثم وجهة نظري الشخصية ..
إلى ذلكم الحين ..

دمتم بود