![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
عضو برونزي
![]() |
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الأولى ،27 للهجرة)
الطيب آيت حمودة 2010 / 8 / 20 هي فاتحة الغزوات الإسلامية تجاه الشمال الإفريقي ، الذي كان يعرف ب (إفريقية)، وكانت عاصمة إقليمها تعرف ب(سُبَيطلة ) [1]،التي كانت مقرا لحاكم البزنطيين ( جرجير ) ، ووددت فتح صفحة هذه الغزوة باعتبارها مفتاح لما لحقها من الفعل الغزوي ، ولكونها كانت بمشاركة عظيمة للصحابة الكبار الذين أوفدهم الخليفة عثمان خصيصا للمشاركة ، وكان بينهم سبعة ممن يلقبون بعبد الله ، فلهذا اتخذت هذ ه الغزوة إسم غزوة العبادلة . واعتمدت على مصادر ومراجع إسلامية ، سأحاول من خلالها ، استنتاج الغايات الجامحة التي كانت وراء فعل التوسع العربي الإسلامي غربا ، والظروف المؤثرة فيه ، وتحديد معالم موقف الأهالي الأمازيغ الذين كانوا بين فكي الرحى البزنطية والإسلامية ، ومعرفة مدى نجاح المسلمين في احترام تشريعات الجهاد وأوامرها خاصة وأن الكثير من مشاركيها هم من الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم . **عبد الله بن سعد بن أبي سرح يتولى ولاية مصر : هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث ، كان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة ، و كاتبا للوحي ، أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه لدس أرتكبه في كتابة الوحي ، أنزل الله فيه الآية 93 من سورة الأنعام [ 2] وهرب مرتدا، توسط له أخوه عثمان ، فعفى عنه الرسول الأكرم [3] ، تولى بيت خراج مصر في عهد ولاية عمرو بن العاص ، وأدار إنقلابا سياسيا عليه ، وولاه عثمان على مصر سنة 25 للهجرة. لمدة تسع سنين (25/34)، في سنة 27 للهجرة وبعد تشاور مؤكد بين الصحابة في المدينة في أمر الغزو، أمره الخليفة الثالث عثمان بغزو إفريقية مقابل خمس الخمس من خمس الغنيمة نفلا له دون غيره من المسلمين ،[4] بعد أن زوده بجيش جمع للأمر خصيصا شارك فيه بعض من الصحابة ومعهم العبادلة السبع [5]، وسبق للعرب المسلمين في عهد ولاية عمرو بن العاص إخضاع جهات أنطابلس (برقة) اللواتية ، وصالحهم نظير جزية يؤدونها إليه ، وهي دينار على كل حالم[6] وصل عدها ثلاثة عشر ألف دينار جزية ، وإذا لم يقدروا على دفعها فليبيعوا ما أحبوا من أبنائهم في تسديدها ، [7] ، وكان أمازيغ ليبيا ملتزمين بدفع أقساط الجزية إذا جاء وقتها ، يرسلونها للفسطاط دون الحاجة لجابي خراج ، وهو ما يرمز إلى اتقاء الخطر ولو ببيع الولدان وفلذات الأكباد . ** عقبة بن نافع الفهري في استفزازه للأمازيغ وأهالي النوبة : وقد كان عقبة بن نافع الفهري يومها قائدا لسرية كلف بتمشيط المناطق الداخلية الصحراوية في ليبيا ، ويروي ابن عبد الحكم في فتوحه ، دمويته وعنفه ضد أهالي فزان وزويلة وواحات الصحراء بشساعتها ، فقد جذع أذن ملك ودان بعد معاهدته ، وقال له عقبة حتى لا تحارب العرب مرة أخرى كلما تحسست أذنك ، ورغم إجابة ملك وأهالي (جرمة) للإسلام ، إلا أنه عقبة أمشاه راجلا حتى بصق الدم ، فقال لماذا فعلت بي هذا وانا أتيتك طائعا ، فرد عقبة حتى إذا ذكرته لم تحارب العرب ؟ ، وقطع إصبع ملك( كوار) قائلا له إذا نظرت لأصبعك لم تحارب العرب ، كما هاجم مدينة ( خاور) ليلا ودخلها واستباحها لجنده ، قتلا وترويعا وسبيا [8] وسار عقبة في عهد ولاية عبد الله بن سعد لغزو النوبة ، فتصدى لهم النوبيون رميا بالنشاب، وهم بارعون في ذلك ، فأصابوا جند الإسلام بأضرار بالغة بفقإ العيون وإصابة الأجساد،وممن أصيبوا وفقد إحدى عينيه معاوية بن حديج، وهم معرفون ( برماة الحدق) ، ومن غرائب غزو عقبة للنوبة قول أحد الصحابة فيما أورده البلاذري ( إن هؤلاء لا يصلح معهم غير الصلح ، ان سلبهم لقليل ، وإن نكاثيهم لسديدة)[9] وبمقاومتهم فرضوا على المسلمين صلحا يتم بموجبه أن لا يغزو أحد الآخر ، ويؤدي أهل النوبة سبيا منهم كعبيد ، مقابل تقديم العرب لهم قمحا وأرزا وعدسا في كل حول ، وبفضل هذه الهدنة تحسنت العلائق وانفتحت البلاد على المسلمين سلما ، وانتشر الإسلام بلا سيف ، بطيئا زمـنيا ، لكنه متجذرا في النفوس والقلوب، وأنتج ذلك فطاحل علماء نوبيين منهم الإمام( الليث بن سعد) الذي قال عنه الشافعي بأنه أفقه من مالك ، وهو الذي رفض منصب القضاء في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور ، تلك مزية ٌ نسجلها للأسلوب السلمي في ايصال الإسلام للآخرين . ** غزو إفريقية... ومعركة سُبيطلة : تقدم الجيش العربي ، وما انضم إليه من جند المسلمين في الفسطاط ومصر كلها ، والذي بلغ تعداده عشرون ألف جندي بين الفرسان والمشاة ، تحت أمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،الذي يسعى إلى كسب المجد الذي يزيد من هيبته ويعزز من مكانته[10]خرج في مقدمة الجيش صوب إفريقية ، وانظم إليه عقبة فيمن كان معه عند أنطابلس ( برقة ) ، ثم مروا بطرابلس وقتلوا أسرى مركب كان راسيا بها ، وفشلوا في اقتحام المدينة لحصانتها ، وتركوها ، وواصلو السير أماما نحو قابس ، فلم يحاولوا إخضاعها لحصانتها ، وكانت الخطة تشير إلى عدم استنفاذ القوة قبل التصادم مع قوة جرجير( جريجوريوس ، جرجيس ) الذي كان متحصنا بسُبيطلة، واضطر أخيرا للخروج منها لملاقاة الغزاة ، وقد كان في عدته مائة وعشرين ألف مقاتل ،ويبدوا أن هذا العدد الضخم ناتج عن تجمع للروم والأمازيغ والموالين لهما من الحصون القريبة ، وخاف عبد الله بن سعد أن يلقي العرب في مهلكة ،أرسل رسله إلى جرجير يدعوه إلى خصال ثلاثة : ( الإسلام ، الجزية ، القتال) ورفض جريجوريوس تلك الخصال ، وتمنع عن ملاقاة العرب المسلمين في معركة فاصلة فتدور عليه الدائرة كما وقع في الشام ومصر والعراق وبرقة ، لذا كانت تجري مناوشات بين الخصمين دون حسم، وتخمرت في فكر الصحابي عبد الله بن الزبير فكرة أفصح بها لأميره ، تتلخص في مباغتة الروم بعد نهاية المناوشات ، ويكون التعب قد أخذ منهم مأخذا عظيما[11] واخترق عبد الله بن الزبير - ومن معه من الجند الممتازين والذين أختيروا وأعدوا مسبقا للمهمة - صفوف الروم في هجمة كاسحة مفاجئة لموقع البطريق جرجير ، وتمكنوا من قتله ، ( وكان الذي ولي قتله فيما يزعمون عبد الله بن الزبير ) [12]وفُصل رأسه ووضعه على رمح طيف به لبعث الخنوع والفشل في نفوس المقاومين ، وبمقتل الملك جرجير انهزم الروم ومن معهم من الأمازيغ هزيمة نكراء ، وحاولوا الهروب نحو سبيطلة وسبقتهم خيالة العرب إلى باب الحصن ، وأذرعوا فيهم قتلا ، وتقدم جيش المسلمين فحاصروا المدينة حصارا محكما ، وتمكنوا من دخولها عنوة ، وغنموا ما فيها . ولم ينته الأمر هاهُنا ، بل أراد الأمير عبد الله بن سعد استثمار هذا الإنتصار ( فبث جيوشه في البلاد فبلغت قفصة ، فسبوا وغنموا ، وسير عسكرا إلى حصن الأجم وقد احتمى به أهل البلاد ، فحاصره وفتحه على الأمان) [13]. وتناهى إلى سمعه أنباء تشير إلى قيام حشودات في الجهات الشمالية تقصده ، فخاف من الهزمة معها ، خاصة وأنه فقد الكثير من مقدرته الحربية في سبيطلة ، زيادة عن رغبته الجامحة في العودة إلى مركز ولايته في الفسطاط التي طال غيابه عنها لخمس عشرة شهرا ، ومحاولة إسكات التذمرات الناشئة فيها نتيجة السياسة المنحازة لذوي القربى للخليفة عثمان بن عفان ،ونقل ما جمع من من المغانم الكثيرة المجمعة ، كل تلك العوامل ساعدت فيما يبدوا رجوع الغزاة إلى مصر دون استقرار واستعمار ، فهي في ظاهرها تبدوا وكأنها غزوة تأديبية بُعدها مادي أكثر مما هو روحي . ** وللغنائم وقع في نفوس الغزاة العرب . يذكر البلاذري في فتوحه بأن عبيد الله بن سعد بن أبي سرح ( بث سراياه ففرقها على البلاد ، فأصابو غنائم كثيرة واستاقوا من المواشي ما قدروا عليه ، فلما رأى ذلك عظماء إفريقية من البربر ، اجتمعوا فطلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ( ثلاث مائة قنطار من الذهب) ، على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم ، كما صالح البطريق المحلي على [ ألفي ألف دينار وخمس مائة ألف دينار]، ورجع إلى مصر ولم يول على إفريقيا أحدا .)[14) ،ونظرا لكثرة الأحمال وتعدد الأسلاب وتنوعها بما أفاء الله عليه ، فقد اضطر إلى مراسلة نائبه على مصر عقبة بن عامر الجهني ( يأمره بأن يرسل إليه بطرابلس مراكب في البحر لتحمل غنائم المسلمين ، وسار هو وجيشه إلى طرابس حيث وافته بها [15] ، ويذكر ابن الأثير أن سهم الفارس من الغنيمة بلغ ثلاثة آلاف دينار( مثقال) ، وسهم الراجل ألف دينار ( مثقال)[16]وهو ما يساوي (14 كلغ من الذهب للفارس ، وما يقارب 5 كلغ للراجل) ، وذاك ما حفز هرقل القسطنطينية الذي ( أرسل بطريقا إلى إفريقية ، وأمره أن يأخُذ من الأمازيغ مثلما أخذ العرب المسلمون فأبوا عليه)[17]. **قراءات ..و مفارقات تحتاج إلى وزن وتقدير : **وأنا أسجل هذه الحقائق المستقاة من منابعها ومصادرها ، أصيبت بخيبة أمل من الفاعلين ، وارتأيت أن تكون من قول المؤرخين العرب المسلمين أنفسهم، حتى تُقام الحجة على الذين يرون قدسية الغزاة وعدلهم، وتحريرهم للأمم التي بلغوها بحد السيف ، ولا غرو أن الأخطاء إنسانية بالأمس واليوم ، غير أن التمادي في الخطأ بتبريره وإيجاد المخارج له عن طريق تأ ويل مالا يؤول ، هو إصرارعلى الخطأ مصداقا لقوله تعالى( َلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ، إِن تُرِيدُ إِلا أَن تَكُونَ َجبَّاراً فِي الْأَرْضِ ، وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ )[18] [القصص :الآية 9.]. ** آيات الجهاد في عمومها ترسخ قيم جهاد الدفاع ، والإسلام في روحه نابذ ٌ للإعتداء والتهجم على الآخرين، فآياته المكية تصدح بحب الآخر والتسامح معه ، حتى آياته المدنية أولت تأويلا فاسدا ، لأنها نزلت لعلاج قضايا آنية وقعت بعد صلح الحديبية ، ولا يعقل أن يكون لله سبحانه وتعالى بوجهين وجه رحيم، ووجه سقيم ،لعل في عقول بشَرنا البَدوي عوزٌ يحتاج إلى تفعيل لما هو أفيد للإنسانية بلا إكراه وتعد على حرياتها الشخصية الخاصة. ** أن يتولى السلطة رجل صحابي مثل عبد الله بن سعد وأمثاله ، الذين لهم سوابق خطيرة ضد الإسلام، في التدليس ، وصياغة أحاديث الآحاد ، و تفضيل الدنيا ، والمحسوبية التي خلقت نقمة عارمة أدت لثورة أودت بحياة الخليفة الثالث عثمان، على يد الصحابة أنفسهم وبجوار ضريح رسولنا الأكرم في المدينة ، يعد ضربا من ضروب هدم الذات ، وهي تعبير صادق عن مقولة ( على نفسها جنت براقش ). ** سرايا عقبة بن نافع الفهري في بلاد فزان وواحاتها وصحرائها ، وماذكره ابن الحكم من تجاوزات اقترفها، تظهر الوجه الحقيقي الأموي العربي ، الذي حرص منذ البداية على إرساء قدسية عربية ، أكثر من قدسية الإسلام ، ويتضح ذلك في إسراره على ركوع الموالي للعرب وباسم الإسلام، أي جعل العربي هو الجار ، والإسلام هو المجرور ، العربي فرس ، والإسلام عربة ، لهذل تكرر تعبيره ( حتى لا تحارب العرب ؟) . ** أعجبني موقف النوبيين( رُماة الحدق )الذين قهروا الغزاة العرب ، وعلموهم كيف يكون نشر الإسلام بالطرق السلمية لا الحربية ، وحبذا لو استفاد المسلمون من التجربة وعمموها في المناطق التي يريدون ايصال كلمة الحق إليها ،ولكن للأسف كل التوسعات الآتية كانت دموية، وتركت جروحا لم تندمل رغم مرور القرون . ** إسقاط ُ السلطة الزمنية للروم في سبيطلة بقتل جرجير ، و إنهاء الحرب لصالح العرب ، كفيل بالجلوس مع أهالي البلد لمحاورتهم ، وتوضيح منشدهم من الغزو ، وتعليمهم أهداف هذا الدين عن طريق بث الدعاة والأئمة بين جموعهم وبطرق سلمية ، تزيل غشاوة الحدث وجبروته ، غير أن ما وقع هو ملاحقة الأهالي وترويعهم وسبي نسائهم والإستيلاء على ممتلكاتهم ، دون وجود مبرر وجيه لذلك ، وهو ما أجبر الخلقُ على جمع ما ذكر من الذهب أعلاه ، وتسليمه لقائد الحملة لاستبعاد خطرهم عن البلاد ، وهنا يتساءل المرْء عن حسن سجية ، لماذا لم يرفض الصحابي عبد الله بن سعد هذه الغنيمة ؟ ،ولماذا لم يتدخل الصحابة الذين رافقوه للنهي عن منكر ظاهر بقولهم ما جئنا لجمع الذهب ؟ وإنما جئنا لنبلغكم رسالة الرحمن؟ ، وهو ما فعله يوسف ابن تاشفين الأمازيغي ، عند هزمه للقوط في الزلاقة ، قيل له خذ نصيبك من الغنيمة ، فتمنع قائلا ، جئنا لنصرة الإسلام ،ولم نأتي لمغنم دنيوي نصيبه، وذاك ما فعله طارق بن زياد ، وكان سببا في اختلافه مع قائده موسى بن نصير الذي اراد أخذ الغنيمة لنفسه والتباهي بها عند الخلفاء . **الفُرس الساسان، هم أكثر الأمم تفهما لطبائع العرب البدوية لقربهم منهم، ومخالطتهم قبل الإسلام ، فقد الفرس الإسلام ، وما قبلوا الإذعان لمثل هذا الطغيان العربي ، وقد قبلوا تعاليم الإسلام الروحية والإنسانية ، لكنهم رفضوا ما زعمه العرب من تفوق عرقي ، ورفضوا أن يكونوا مصدر رخاء لغيرهم ، فأسموهم الشعوبية ؟ خلاصة . حملة الصحابي عبد الله بن سعد ابن أبي سرح نحو إفريقية ، هي بداية تراجيدية لأول لقاء بين أمتين ، فلم يوفق المسلمون في الإبانة عن وجهم الحليم الرحيم ، بقدر ما أبانوا وجههم الدموي الرجيم ، وأظهرت بأن الغنيمة ، والسبي ، والإستيلاء على الزروع ، هي دوافع قوية لخروج العرب من ربعهم الخالي، نحو أراضي الخصب والنماء في مصر، وفزان، وطرابلس، و إفريقية ، وأظهرت للعالمين أن الغزاة لا يهمهم الإسلام ، قدر ما يهمهم المغنم المحصل الذي نقلوه بحرا لضخامته إلى مركز الولاية بمصر؟؟ . **الهوامش ************************** [1]سُبَيْطِلَة:( بضم أوله وفتح ثانيه وياءٍ مثناة من تحت وطاءٍ مكسورة ولام، مدينة من مُدُن إفريقية وهي كما يزعمون مدينة جرجير الملك الرومي وبينها وبين القيروان سبعون ميلاً) أنظر ياقوت الحموي ، معجم البلدان ن مادة سبيطلة . [2]( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ). [الأنعام : 93.]. [3] الواقدي ، المغازي ، ص 346 . [4] شرح النهج لابن الحديد ج1 ص 67 . [5]عبد الله بن سعد بن ابي سرح،عبد الله بن الزبير بن العوام،عبد الله بن العباس بن عبد المطلب،عبد الله بن مسعود،عبد الله بن جعفر،عبد الله بن عمرو بن العاص،عبد الله بن عمر بن الخطاب. [6] ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ... ، ج1 ص 8. [7] أنظر ابن عبد الحكم ، فتوح افريقية والأندلس ، ص 34، . والبلاذري ، فتوح البلدان ، وابن الأثير في الكامل ، . [8] ابن عبد الحكم ، فتوح مصر و المغرب ، تحقيق عبد المنعم عامر ، القاهرة 2001. [9] البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 332. [10] عبد العزيز سالم، تاريخ المسلمين وآثرهم في الأندلس ص 29. [11]ابن ألأثير ، الكامل في التاريخ ، ج10، ص 43. [12] ابن عبد الحكم ، فتوح مصر والمغرب ن ص 42. [13] ابن ألأثير ، الكامل في التاريخ، ج3 ص44. [14] البلاذري ، فتوح البلدان، ص 92. [15] المالكي ، ، ص 10. [16] ابن الأثير ، الكامل في التاريخ، ص 484.[ المثقال = 4.7 غرام من الذهب تقريبا ،= 14100غرام أي ما يزيدعن 14 كيلوا غرام من الذهب الخالص للفارس الواحد،وما يقارب 5 كلغ من الذهب الخالص للراجل .]. [17] ابن الأثير، المرجع السابق . [18] سورة القصص ، الآية 19. الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الثانية ،45 للهجرة) الطيب آيت حمودة 2010 / 8 / 25 ***بمغادرة العرب لشمال إفريقيا محملين بما أفاء الله عليهم من نعيم الدنيا ومغنمها ، التي نقلت بأسطول خاص من طرابلس نحو مصر( حسب ما ذُكر في الغزوة الأولى ) ، استفاق الأمازيغ على جراحات مثخنة ، فأموالهم نُهبت ، وأرزاقهم بعثرت ، وبناتهم سبيت ، ونقلت شرقا لتباع في أسواق النخاسة ليُضم مالها إلى بيت مال المسلمين ، و اتخاذهن للخدمة والتسري لاستكثار العبيد ، وكان لغزوة عبد الله بن سعد ، وقع خاص لدى عرب الجزيرة حيث انفتحت أعينهم على بلاد الخير والكنوز والمتاع ، فأسالت لعابهم بالمعاودة ، وتنافست عقولهم على غزوها ثانية ، لولا الفتنة الكبرى التي عصفت بديارهم ، وأتت على مقتل الخليفة عثمان ، وانقسام المسلمين إلى فريقين متقاتلين على السلطة بزعامة خصمين من بيت هاشمي واحد ، هما علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأدرك معاوية قيمة البلاد ، وألحقها به مباشرة يولي عليها من يشاء ، بعد انتزاع تبعيتها لوالي مصر خوف استئثار عمر بن العاص بها . ***استعاد البزنطيون مقدراتهم القتالية ، وعادوا إحكامهم السيطرة على أجزاء من إفريقية التي اجتازت مرحلة الفوضى والإضطراب ، فقد غضب الأمبراطور البزنطي ( كنسطانز الثاني)عندما بلغته أنباء الصلح بين العرب والأمازيغ ، فأرسل إليهم بطريقا جديدا يقال له (أوليمة )، ليطالبهم بدفع ( 300 قنطار من الذهب) على نحو ما فعلوه مع العرب ، وعزل البطريق (حباحبة)الذي نصبه الأمازيغ على البلاد للقيام بشؤونهم، فأصبحت بلاد إفريقية مستهدفة و مستباحة ، وحلبة صراع بين خصمين هما العرب والنزنطيين . ** غزوة معاوية بن حديج ( الغزوة الثانية 45 للهجرة). يذكر المؤرخ حسين مؤنس واصفا حالة إفريقية قبل وصول ابن حديج إليها ( بأن نزاعا شديدا بين البزنطيين وأهل أفريقية كان يثير البلاد، ويقسم أهلها شيعا وأحزابا ، وقد أدى النزاع إلى طرد الأفارقة لعامل الأمبراطور البيزنطي فعاد إلى بلاده [1] ، في هذا الوقت بالذات خرج الغزاة العرب بأمرة الصحابي ( معاوية بن حديج السكوني) قاصدا إفريقية بأمر من الخليفة معاوية نفسه ( بعد استتباب الأمرله ، إثرصلح عام الجماعة مع الحسين بن علي عام 41 للهجرة) ، وعدته عشرة آلاف مقاتل ، بينهم عبد الملك بن مروان ، وعبد الله بن الزبير وآخرون..[2].ووصلها وهي نار تضطرم كما يؤكد ابن كثير . **من هو معاوية بن حُديج ..؟؟. إنه معاوية بن حُديج بن جفنة بن قنبر الكندي السكوني ، شهد معركة صفين إلى جانب معاوية ، كان أعور العين ، بسبب نبل أصابها إثر معركة ( دهقلة ) ببلاد النوبة ،له صُحبة ورويات قليلة مع النبي صلى الله عليه سلم ، صالح بين عمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان، بشأن ولاية مصر، بكتاب عليه شهود ، كان عثماني الهوى ، عاقلا ، حازما ،واسع العلم ، مقداما ، قتلَ (محمد بن أبي بكر) والي مصر من قبل علي بن أبي طالب( فضرب عُنقه ، ثم ألقاه في جوف حمار ، وأحرقه بالنار )[3]، كافأه معاوية على خدماته للعرش الأموي ، وعينه وال على مصر . ثم أمره( بتشديد الميم وفتحها) على حملة غزو إفريقية الثانية ، والتي أختلف المؤخون في عددها وتواريخ وقوعها[4] . ** الغزو العربي .... ثانيا ؟؟. *خرج معاوية بن حديج السكوني على رأس جيش ضخم عام 45 للهجرة ، لغزو إفريقيا مجددا ، سار حذو الساحل البحري حتى بلغ جنوب قرطاجة ، وحط بموقع يعرف ب( قمونية ، أو قونية )[5] وهو ليس ببعيد عن المكان الذي أنشئت عليه تيكروان( القيروان) . * أرسل الأمبراطور البيزنطي البطريق ( نجفور ) في ثلاثين ألف مقاتل [6] بعد ان علم بطرد الأمازيغ الأفارقة لعامله ( أوليمة ) ، التقى الجيشان العربي الإسلامي ، والبيزنطي في بسيط ( قمونية ) ، انهزم البنزنطيون عند أول اختبار لهم ، وانسحبوا متحصنين بأسوار بمدينة سوسة البحرية ، تقدمت جيوش العرب المسلمين شمالا فعسكرت قرب ( القرن) [7] وفي المكان قسم معاوية جنده إلى قسمين ، قسم بقيادة عبد الله بن الزبير كلف بملاحقة البزنطيين وإجلائهم عن سوسة ، وقسم بقيادة عبد الملك بن مروان لحصار مدينة ( جلولاء)[8] في حين بقي هو بالقرن ، وأقام بها بناء سماه قيروان ، وحفر آبارا عرفت فيما بعد بآبار ( جُريح)[9]. * نجح عبد الله بن الزبير في تحقيق انتصار مشهود على البزنطيين الذين اضطروا لمغادرة سوسة بحرا ، وحاصر عبد الملك بن مروان ( جلولاء) ردحا من الزمن و لم يوفق في فتحها ، وأثناء تراجعه سقط سور للمدينة سُمع دويهُ، ورُؤي غباره من بعيد ، فاستطلع الأمر، وعاد جيش العرب المسلمين أدراجه للمدينة ( فكان بينهم قتال شديد ،حتى دخلت العرب المدينة عُنوة ، وغشوا أهل المدينة فانكشفوا، واحتوى المسلمون على ما فيها وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية )[10]. * يروي ابن عذارى المراكشي خبر غزو صقلية سنة 46 للهجرة قائلا :(أن معاوية بن حديج أغزى جيشا في البحر إلى صقلية ، في مائتي مركب ، فسبوا وغنموا ، وأقاموا شهرا ،ثم انصرفوا إلى إفريقية بغنائم كثيرة ، ورقيق ، وأصنام منظومة بالجواهر، فاقتسموا فيئهم [11].كما أُرسل رويفع بن ثابت الأنصاري سنة47 للهجرة لغزو جزيرة جربة فأثخن فيها سبيا وقتلا ، ومن آثار كثرة السبايا ، وطأ الجند لهن دون قيد شرعي ،وسلب الغنيمة دون جمعها و دفع خمسها ، وهو ما أدى برويفع التذكير بأحكام وطأ السبايا [12] بقوله :أما أني لا أقول لكم إلا ما سمعتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين : لا يحل لامريء يؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره [13]ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع [14] على امرأة من السبي حتى يستبرئها[15] ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما [16] حتى يقسم [17]. * لم يستكمل معاوية بن حديج غزوه لإفريقية ( تونس الحالية) ، حيث عزله معاوية سنة 48 أو 50 للهجرة ، تاركا مهمة استكمال الغزو لضابط جديد ، من ضباط جبش المشاة الجهادي القتالي الهجومي ، وهو ما نتعرف عنه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى . **فهمُنا للحدث والحادثة .... وقد يكونُ لغيرنا فهمٌ : ***المتتبع لحقائق المبحث ، يستشف بعقله أن غزوة معاوية بن حديج لم يكن فيها أي جديد ، فهي صورة طبق الأصل لسابقتها بالنسبة لأجدادنا الأمازيغ ، نفس الغاية المادية ، نفس العدو ، صراع بين قوتين عظيمين عربية وبيزنطية في بلاد أمازيغية ، ويمكن قراءة الحادث بمنظور ثلاتي الأبعاد : 1)بمنظور محلي أمازيغي ،يرى بأن موطنه تمازغا مهدد من فريقين( عربي ، بيزنطي ) يتنافسان على الظفر به، ليس حبا في أهاليهه ، وإنما حبا فيما يدره من عظيم الخيرات العينية والبشرية عليهما ، فهم كانوا محاربين أشاوس ضد البزنطيين الذين تقلص نفوذهم وانكمش في مدن الشمال الساحلية ، وبحلول العرب المسلمين ، أصبحوا بين نارين أحلاهما حارقة محرقة ، فوقفوا حائرين بين الأمرين ، حتى الغزاة الجدد لم يظهروا صفات القبول والإستساغة ، فأدركوا بحدسهم عن جهل ، أن هذه الديانة التي تقتل الناس ، وتعتدي على النسوان والبنات ،وتفرض الجزية بوجوه لا حق فيها ، هي اسوأ مما عايشوه أيام الجبروت الروماني البزنطي ، فتخمرت في أذهانهم أن هؤلاء العربان لم يأتوا إلا كمستعمرين سابقين ، كل ما في الأمر أنهم لبسوا جلباب الإسلام ، ونحن لم نرى فيه وجهه الحليم قدر مشاهدتنا الرؤوس تقطع بدون وازع أخلاقي ولا ديني وباسم ما يُعرف بالجهاد ؟؟؟، وهم في قرارة أنفسهم يريدون فهم لغز هذا الدين الجديد ؟؟، والغزاة للإسف لم يحاولوا فهم الآخر ، أو تبليغ محتوى هذا الدين بالسبل ( أدع لسبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )، فتلك غيبت واستبدلت ( وجادلهم بالتي هي أخشن)، ولا غرو أن التجاوزات المسجلة في ( جلولاء) و(جربة) و(صقلية) ، تشير إلى أن القوم يتبعون طريقة ( أسرق واهرب) ، فالمدينة الواحدة قد تهاجم عدة مرات ، وتسلب ، وباسم الجهاد الشرعي ؟ الذي يذكر صراحة كيفيات التعامل مع أهل الذمة والكفار ، في فترات الحرب والسلم ، ويشير أن الإنسان مخير ، لا مجبر في المعتقد الديني . 2) بمنظور رومي بيزنطي ، فهم يرون بأنهم أحق بإفريقية من غيرهم ، فهم ورثة أمبراطورية روما ، والمقاومة التي يبدونها هي حرب دفاع واسترداد، أو حرب دينية مقدسة ، بين ديانة سبق لها وانتشرت بين الأهالي ، وديانة جديدة وافدة مجهولة المبتغى ، وانهزاماتهم المتكررة في مواقع شتى مع المسلمين العرب ، جعلتهم أكثر تشبثا ، لولا أن عاصمتهم القسطنطينية باتت مستهدفة أكثر من ذي قبل . 3) بمنظور عربي مسلم ، فهم يتمسكون بأفضلية الجهاد ،دون الخوص في مفهومه وأبعاده الروحية ، فهم لقمة سائغة في يد قادتهم الذين باعوا أنفسهم لسلطة زمنية اتخذت من الإسلام شعارا بلا أفعال ، ففهموا الإسلام بوجه مغاير لحقيقته ، وحولوه إلى دين قتل وترهيب وإكراه ، واختفت معاني ( لكم دينكم ولي دين )[18]،(.. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.. ) [19]، ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً، أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يكونوا مؤمنين[20]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ، فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً[21] ...الخ من الآيات الدالة عكس ما فعله العرب المسلمون عندنا في غزوهم ، والذين تنافسوا على متاع الدنيا بأخذ معاوية بن حديج النصف بعد الخمس من مغانم إفريقية [22] ، كما تنافر واختلف مع قائده (عبد الملك بن مروان) بشأن توزيغ مغنم [ جلولاء] بين رغبة عبدالملك توزيعها على جنده خالصة ، بينما يرى حديج توزيعها على كل جند الغزو بالتساوي [23] ،وهو ما يظهر بجلاء الطابع المادي للغزو وبالتالي الفجوة العميقة بين أوامر الدين الإلهي ، وبين تطبيق الغزاة لها . *** تعرض بلاد شمال افريقيا بعمومها ، وإفريقية بخصوصها للغزو أدخلها في دوامة الخضوع والتمرد ، وانقسم إلى ثلاثة أفواج متباينة ، قسم ساير البزنطيين وتعايش معهم ، وقسم آخر تفاعل مع العرب المسلمين لتشابه في الهوى والمعيشة والسلوك ، وقسم ثالث آثر المسالمة ، قابعا في مناطقه ينظر شزرا وعن ترقب وحيطة للصراع القائم .، فالتواجد الأجنبي أدخل البلاد في الإنقسام والتشظي يصعب معالجته ، لأن معالم الوطنية اختفت لصالح قناعات جديدة ، وهو ما يترآى حاليا بصدق في خريطة تقسيم المجتمع الأمازيغي . *** تشاء الصدف أن يلتقي على تراب شمال إفريقيا شخصان ، سيكون لهما شأن في التاريخ الإسلامي ، وهما عبد الملك بن مروان، الذي سيصبح خليفة للدولة الأموية ، وعبد الله بن الزبير الذي استقل بالحجاز كخليفة مناوئا قويا لدولة بني أمية ، وتحولت صداقتهما إلى التطاحن والمنافسة ، انتهت ، بضرب الحجاج لمكة بالمنجنيق ، وقطع رأسه ، وإرسلهُ إلى الخليفة عبد الملك ، أما جثته فقد صلبت عند مدخل الحرم لترعيب الناس. الخلاصة: مفصل القول أن الحملة الثانية لمعاوية بن حُديج السكوني لعام 45 للهجرة ، تحمل في طبعها صفات الأولى في شراستها وعنفها ضد الأهالي العزل ،وتتعداها بحيث أنها لم تحترم المصالحة التي دفع بموجبها الأمازيغ 300قنطار من الذهب الخالص ، وعادوا الكرة لأخذ المزيد ، كما تفطنوا بأن بقاءهم يستدعي تأسيس قيروان على شاكلة ( الكوفة) و(الفسطاط ) ، لجعله منطلقا لغزواتهم المقبلة ، وهو ما يعني بدايات الإنغراس العربي في افريقية باسم الإسلام ، بعد أن أدرك الخليفة يقينا بأن بقاء مصر وإفريقية ولاية واحدة يشل العزائم ، وسعى إلى تعيين قادة الغزو بنفسه لإشعارهم بأن الخير ليس وراءهم في مصر ، وإنما أمامهم في إفريقية التي يجب الإنغراس فيها لضمان عروبة المكان . هوامش المبحث ****************** [1] حسين مؤنس ، فتح العرب للمغرب ، ص 115. [2]ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ... ج1ص16. [3] ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج6ص86. [4]الزركلي ، الأعلام ..ص 1175. [5] ابن عبد الحكم ، فتوح مصر والمغرب ، ص 58. [6] ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج3 ص 45. [7] ابن عبد الحكم ، فتوح مصر والمغرب ، ص 58. [8] ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ، ج1، ص 16. [9] المالكي ، ص 19. [10]الحميري ، كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار ، ص 166. [11] ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ..ج 1 ص 18. [12] إشارات عن وجود تجاوزات الإغتصاب في حق السبايا بالجملة ، مع وجود سرقات في المغنم . [13]زرع غيره ، مباضعة ملك غيره ، يعني اتيان الحبالى . [14] يقع على امرأة ، يجامعها . [15] يستبرئها ، لا يجامعها من هي في منابه أ وحصته ألا بعد شهر أو حيضة . [16] مغنما ، شيئا ومقدارا من الغنيمة . [17]يُقسم ، من الغانمين ويخرج الخمس مما غنم . [18]سورة الكافرون ، الآية 6. [19] سورة الكهف ، الآية19. [20] سورة يونس الآية 99. [21] سورة النساء ، الآية 94. [22] ابن عبد الحكم ، فتوح مصر والمغرب ، ص 192. [23] حسين مؤنس ، فتح العرب للمغرب ص .126،124. ، نقلا عن الباجي في خلاصته النقية . |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
عضو برونزي
![]() |
الغزو العربي لشمال إفريقيا( الغزوة الثالثة، 50 للهجرة )
الطيب آيت حمودة 2010 / 8 / 28 بانصراف الغزاة عن الديار الإفريقية بعزل معاوية بن حديج الأعور ، صدر أمر من الخليفة بتعيين عقبة بن نافع الفهري أميرا على غزو جديد ، وعُهد إليه مهمة السير غربا عل رأس جيش جديد قوامه عشرة آلاف تمرس على القتال والقتل منذ تواجده في برقة وطرابلس من صحراء ليبيا ، ولعل في الغزو المتجدد استراتيجية جديدة في قتال الكفار ، خاصة وأن الخليفة معاوية بن أبي سفيان نبه قادة جنده أن الخير ليس فيما تركوه وراءهم ، وإنما الخير كله فيما سيجدونه أمامهم من بسيط الأرض في بلاد الأمازيغ . ** من هو عقبة بن نافع : تذكر المراجع أنه عقبة بن نافع الفهري(1ق.هج/63 هج) بن عبد القيس الفهري الأموي ، من قبيلة عنزة من بني ربيعة بن عدنان ، ولد قبل الهجرة ،وله قرابة مع عمرو بن العاص من جهة الأم ( ابن خالته ) ، وقد عرف في التاريخ الإسلامي بفاتح إفريقية ، وتولى أمر غزوها مرتين ، مرة أولى في عهد الخليفة معاوية بين 50و55 للهجرة ، وثانية في عهد يزيد بن معاوية بين سنتي 62 و 64 للهجرة ، وسنتناول في هذا المبحث إمارته الأولى التي دامت خمس سنوات . **سوابق طافحة بالتعدي ... وباسم الإسلام ؟؟ ظهرت مواهب الرجل القتاليه في غزو النوبة ، التي رجع منها ميؤسا ، لشدة المقاومة لتي أبداها (رماة الحدق) الذين عوروا بنبالهم المُحكمة التسديد الكثير من الجند الغازي وأصابوهم بالعور ، ومنهم معاوية بن حديج ، ولاه ابن خالته عمرو بن العاص مهمة غزو بلاد أنطابلس ( برقة ) ثم طرابلس بغرض حماية الحدود الغربية للدولة الإسلامية ، وكان له فيها صولات وجولات أشار إليها ابن عبد الحكم في فتوحه : *قدم ( عقبة بن نافع) ودان فافتتحها ، وأخذ ملكهم فجدع أذنه فقال : لماذا فعلت هذا بي ، وقد عاهدتني ؟ ،فقال عقبة : فعلت هذا بك أدبا لك ، فإذا مسست أذنك ذكرته ، فلم تحارب العرب . (هكذا) . ومن ودان سار إلى (جرمة) وهي مدينة فزان العظمى ، فدعاهم إلى الإسلام فأجابوا ، .... وخرج ملكهم يريد عقبة ، وأرسل عقبة خيلا حالت بين ملكهم وبين موكبه ، فأمشوه راجلا حتى أتى عقبة وقد لغب ( التعب والإعياء) ، وكان ناعما ، فجعل يبصق الدم ، فقال له : لم فعلت هذا وقد أتيتك طائعا ؟ فقال عقبة : إذا ذكرته لم تحارب العرب .وفرض عليهم ثلاثمائة عبد وستين عبدا ، ووجه عقبة الرجل من يومه ذلك إلى الشرق . ..... فمضى عقبة فاتحا فوصل قصور ( كوار) فافتتحها حتى وصل أقصاها وفيه ملكُها ، فأخذه وقطع إصبَعه ، فقال لمَا فعلتَ هذا بي ، قال أدبا لك ، إذا أنت نظرت إلى إصبعك لم تحارب العرب . وفرض عليهم ثلاثمائة عبدا وستين عبدا . ثم رجع إلى خاور( فشل في حصارها سابقا)، من غير طريقه التي كان أقبل منها، فلم يشعروا به حتى طرقهم ليلا ، فوجدهم مطمئنين قد تمهدوا في أسرابهم ، فاستباح ما في المدينة من ذرياتهم وأموالهم ، وقتل مقاتلهم.[1] وبخضوع تلك الجهات بتقديمها فروض الولا ء للغزاة ، بعد مصالحتهم على جزية يؤدونها ( وهي دينار على كل حالم)[2] ، كانوا يؤدونها إذا جاء وقتها بانتظام دون الحاجة إلى جابي خراج[3] ،وإذا عجزوا عن دفعها فليبيعوا ما أحبوا من أبنائهم ونسائهم لتسديدها ، [4]. وما قيل على لسان هؤلاء المؤرخين يشير إلى نزوع عقبة بن نافع لأسلوب جهاد الطلب ، وهو ما ساهم في ترويضه على القتل ، وأكسبه مراسا في اخضاع الأمازيغ عن طريق الإكراه والترهيب . *** عقبة يغزو إفريقية.... من جديد ؟ : ساح عقبة بن نافع بجيشه المشكل من فرقته المرابطة ببرقة وسرت ، مضافا إليها المدد الذي أرسله معاوية إليه المقدر (بعشرة آلاف فارس) ، مع جماعة من أمازيغ قبيلة لواتة الذين حسن إسلامهم ، مرفوقا بأربعة من القادة المشهورين وهم بسر بن أبي أرطأة الفهري ، شريك بن سمي المرادي، عمر بن علي القرشي ، وزهير بن قيس البلوبي، فسار غربا .( وجانب الطريق الأعظم وأخذ إلى أرض مزانة ، فافتتح قصرا بها ،ثم مضى إلى ( صفر ) فافتتح قلاعها وقصورها ، ثم بَعث خيلا إلى غدامس ، فلما انصرفت إليه خيله سار إلى قفصة فافتتحها ، وافتتح قصطيلية [5]، ولم يكن أهل افريقية يتوقعون مجيء العرب إذ ذاك ، فلم يتخذوا الحذر ، ولم يلجأوا إلى حصونهم كما عهدناهم في الغزوات السابقة ، فدَهَمهُم عُقبة وأصاب منهم كثيرا ، فافتتحها ووضع السيف حتى أفنى بها من النصارى[6]وتلك إشارات كافية توضح أن التوسع سياسي أكثر منه ديني ، لأن الدين لا يُؤتى أكله بالسبل العنيفة الجارحة ، وإنما بأسلوب المسايسة والملاينة ، والقدوة والعدل والرحمة ، والمؤرخون لم يشيروا إلى مبلغ مجاهدة الكلمة والقدوة والمثل ، بقدر ما أشاروا إلى أساليب الترويع ، وقطع الرؤوس، وتمزيق الأسر وتفقيرها (ووضع فيهم السيف حتى أفنى الخلق ؟) ، فلا أثر للتمهيدات الطويلة التي ينغرس فيها الإسلام بين الأهالي عن طواعية وفهم وتبصر وبصيرة ، حتى أن الإختيارات الثلاث ( إسلام ، جزية ، حرب ) التي يشاع أنها عادلة ،يبدوا أنها مجحفة وبلا معنى ، في حق من لا يعرفون شيئا عن هذا الدين ، فكيف يقبلون بعقيدة يجهلونها ، والمثل يقول من جهل شيئا عاداه ، وحتى الجزية هي نوع من أنواع الإكراه والإذلال ، وكثيرا ما يتخلصُ منها الذمي بإشهاره الإسلام تقية ، تهربا من القتل والتصغير(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ،وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ ،وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ، حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [7]. *** عقبة يؤسس القيروان . كانت فكرة الإستقرار تراود الغزاة منذ غزوة معاوية بن حديح الذي اتخذ من موقع[القرن] مقرا له إلى حين ، وبتأليب من الخليفة نفسه الذي يرى المكان بمنظور سياسي نفعي أكثرمما هو ديني ، وقد أدرك عقبة بن نافع أن ثبات الإسلام في إفريقية يتطلب إنشاء قاعدة عربية إسلامية ( يكون بها عسكر المسلمين العرب، وأهلهم وأموالهم ، ليأمنوا من ثورة تكون من أهل البلاد [8]، ويُفهم من هذا رغبة ٌ في تحقيق نواة الإستيطان العربي بتبريرات إسلامية ، وهو ما يُظهر مدى التداخل بين نية العقيدة ، ونية السياسة ، فنية العقيدة هدفها زيادة عدد المسلمين ، ونية السياسة هي إبادة أمة أو الإستحواذ عليها وعلى مقدراتها بجعلها تابعة ، برسم سياسة نشر العربان أكثر مما هي نشر الإسلام ،ويُمكن أن نتوقع وجود تجمعات عربية قامت ببناء دورها ، تماما كما فعلوا سابقا في الفسطاط ، فاختطت كل عشيرة حيها الخاص حول الجامع ، واتخذت الكثير من الساحات والطرق أسماء هذه العشائر، مثل رحبة القرشيين ، ورحبة الأنصار ، ورحبة بني دراج ، ودرب الهذلي ، وحارة يحصب ، فقد سبق للفنيقيين تأسيس قرطاجة (تونس)وتنافحوا مع الأمازيغ وأنتجوا دولة قوية كانت مناوئة عتيدة لأقوى دولة في العصر القديم ، لكن بالسبل السلمية لا الدموية ، وقد برر عقبة بناءة لمدينة القيروان قائلا: ( إن إفريقية إذا دخلها [ إمام] أجابوه إلى الإسلام ، فإذا خرج منها رجع من كان أجاب منهم لدين الله إلى الكفر، فأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة تكون عز الإسلام إلى آخر الدهر [9]وهذا اعتراف ضمني أن الإيمان الصحيح لن يتأتى بالسبل القسرية ، وإنما بجهاد آخر قد لا يكون للعرب فيه نفع مادي ، كالجهاد التعليمي والدعوي ، وإعطاء القدوة بالفعل والتطبيق وليس بالقول ، فإفريقية لم يدخلها [إمام] وإنما دخلها قادة جند قساة غلاظ شداد، لا يصلحون لنشر الإسلام بقدر ما يصلحون لتنفيذ أجندة سياسية متفق عليها في دمشق ، ( وكانت القيروان في بداية نشأتها قاعدة حربية ، ومركزا توجه منه الغزوات على جبال أوراس المواجهة) [10]، ويذكر ابن الأثير عرضا أن عقبة أثناء عمارته للمدينة ( يبعث السرايا فتغير وتنهب ، ودخل كثير من البربر في الإسلام ، واتسعت خطة المسلمين ، وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان ، وآمنوا واطمأنوا على المقام ، فثبت الإسلام فيها) ،(وزعموا أن القيروان رابعة الثلاثة ، مكة، والمدينة، وبيت المقدس)[11]. *** القيروان ... وما أحاط بها من أساطير . المتتبع لرويات بناء القيروان يستشف منها البعد المخيالي ، ويكتشف فيه مدى المزج بين الحقيقة والخيال في بناء أسطورة سهلة التصديق من ذوي العقول الساذجة الذين تغذوا بالفكر الباطني والجبري ، ليسهل قيدههم وقيادتهم ، بالرغم من أن الإسلام محرض على إعمال العقل الذي ورد ذكره في القرآن في 49 آية باللفظ ،وما يقارب 300 آية مرادفة لمعناه .. فمناداة عقبة للوحوش للرحيل وإخلاء المكان ، وما أحاط به من زيادة ونقصان بين الرواة، هو موضوع استهجان لدى الدارسين كحسين مؤنس [12] الذي وصف الخبر وأحاطه بنوع من الباطنية المتصوفة ، كما أن سعد زغلول يذكر (عندما تلتهم النيران بعض الغابات ، فتتفزع حيواناتها ، وقد يفر بعضها وهو مشتعل ، فيتسبب في زيادة الرقعة المنكوبة بالحريق ، وهذا ما نظنه تفسيرا مقبولا لأصل الأسطورة [13]. وكيف لعقبة الخوف من إحراق بهائم الغابة ، وسيفه البتار حصد الآلاف من بني البشر ، منذ أن وطأت قدماه بلاد الأمازيغ ، أم أن آية (... وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[14] معطلة غير عاملة . وباختلاف المسلمين على تحديد اتجاه قبلة جامع القيروان ، نزل وحي في منام عقبة مفاده أن يأخذ لواءً، يرشقهُ حيث ينتهي التكبير الذي لا يسمعه إلا هو ، وأحيطت الحادثة بقدسية تشبه كثيرا قصص الأساطير ، ناهيك عن انبجاس الماء تحت قدمي فرس عقبة ، وكثير من الكرامات ، التي لا شك أن محمد ابن تومرت قد قلد بعضها في رسم معالم غيبية لشخصيته المهدوية ، ويبدوا أن انشغال عقبة في بناء القيروان وتعميرها لمدة خمس سنوات أفرزا شُحا في الموارد والغنائم ، وهو ما تنبه إليه معاوية بتوجيه من مسلمة بن مخلد الأنصاري ،الذي كان يطمح ضم المغرب ومصر في ولا ية واحدة ، وقد يكون لإشاعة الخوف من استقلال عقبة بإفريقية دورٌ في عزله عام 55 للهجرة ، وإسناد شؤونها لوالى مصرمسلمة بن مخلد الأنصاري لحين من الدهر . خلاصة : إن غزوة عقبة بن نافع التي أداها باقتدار ، والتي خط من خلالها مستقبل المكان الإسلامي ببنائه القيروان ، القيروان الذي أصبح مركزا عسكريا في تحقيق التوسع وانجاز الغارات على الجوار ، قد يكون فيه معنيان ، معنى توسع اقليمي مغنمي دنيوي ، وآخر عقدي ظهر خافتا كامنا يحمله المؤمنون الصادقون ، الذين لا تهمهم بهارج الدنيا ، قدر اهتمامهم بإيصال الدين السمح بوجهه الطهور المليح ، وذاك ما نلمسه في شخصية أخرى قادمة إن شاء الله . الهوامش***************** [1]ابن عبد الحكم ، فتوح مصر والمغرب ، ص264. [2].ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ... ، ج1 ص 8. [3]. أنظر ابن عبد الحكم ، فتوح افريقية والأندلس ، ص 34، . والبلاذري ، فتوح البلدان ، وابن الأثير في الكامل [4] البلاذري. فتوح البلدان ، ص233 .(عليكم ان تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية ). [5] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب .ص 64. [6] النويري ، نهاية الإرب ص 68. [7] سورة التوبة ، الآية 29. [8] ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج3 ص 231. [9] ابن عذارى المراكشي ، البيان ... ج1 ، ص 19. [10] حسين مؤنس ، فجر الأندلس ، ص 39. [11] الدباغ ، معالم الإيمان ، ج1 ص 8. [12] حسين مؤنس ، فتح العرب للمغرب ، ص 136. [13] سعد زغلول عبد الحميد ، فتح العرب للمغرب بين الحقيقة التاريخية والأسطورة الشعبية ، ص20. [14] آخر الآية 151 ، من سورة الأنعام . الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة ) الطيب آيت حمودة 2010 / 8 / 30 كثيرمن العظماء طَمس ذكرُهم الزمن وتناسهم ، لأنهم لا يملكون سندا عنصريا ، يروج لفعلهم ولو أنهم قاموا بجلائل الأعمال ، ومن هؤلاء الذين يكاد الزمن ينساهم ، وإذا ذكروا فيذكرون من باب أنهم خلفية للحدث والحديث ، أو يذكرون كتبع لغيرهم جُحدا لجهدهم ، فالمؤرخ العربي يمارس غالبا سياسة الكيل بمكيالين ، وسياسة الإنتقاء بأبشع المظاهر ، فهو يمد الخبر ويقصره ، يفيض في الحوادث أو يبترها ، مسايرة لرغبات أولياء الأمر وإن زاغوا وتجبروا ، وهو الإخفاء الذي طال شخصية أبو المهاجر دينار ، الذي لا يردُ إلا مقرونا بعقبة بن نافع الفهري ؟ ** من هو أبو المهاجر دينار ..؟؟؟. لم نعثر على كبير أثر حول أرومة الرجل ، ولا شخصيته ، فقد أغفلته كتب التراجم لأنه ليس بصاحب ولا تابع ولا عربي ، كل ما في الأمر أنه مولى ( أعجمي ) ،عاش في فترة الفتنة الكبرى ، وما لحقها من انقسام مريع في صفوف المسلمين بين تابع للخليفة علي بن أبي طالب وناقم عليه ، ويبدوا أنه كان من جملة الدائرين في فلك الناقمين ، وفلك أوليائهم المخلصين ، أتباع معاوية وكل الدائرين حوله . فأبو المهاجر دينار هو مولى ( مسلمة بن مخلد الأنصاري ) الذي جمع ولاية المغرب ومصر في ولا ية واحدة ، وهو الذي أقنع الخليفة معاوية بتنحية عقبة الفهري لأسباب مسكوت عنها، وجعل المهاجر دينار محلهُ أميرا على إفريقية والمغرب كله لذكائه وفطنته ، ( وأنه صبر علينا في غير ولاية ، ولا كبير ميل ، فنحن نحب أن نكافيه )[1] ،وامتدت إمارته لها لسبع سنين كاملة (من 55إلى 62 هجرية)، وهو أقل فاتحي إفريقية ذكرا وأيسرهم لفتا لانتباه المؤرخين ، رغم ضخامة الجهد وخطورته، حسب رأي المؤرخ حسين مؤنس . ويذكر ابن الأثير( استعمل مسلمة على إفريقية مولى له يقال له أبو المهاجر، فقدم إفريقية ، وأساء عزل عقبة واستخف به ) [2] وقد بالغ المؤرخون في استنكار العزل ، والإستخفاف بعقبة ، ولعل لوالي مصر دور في توجيه أميره للفعل ، لسابقة بينهما لا نعلمُها ، كل ما في الأمر أن أبا المهاجر طبق أوامر ولي نعمته دون الخوض في أسبابها . *** غزوة أبا المهاجر دينار.. وتأسيس ( تيكروان). وصل أبو المهاجر دينار قادما من مصر ، على رأس جيش لانعرف عن عدده وعدته شيئا ، وقد يكون سكوت المؤرخين عن ذلك مرده وجود نسبة كبيرة من جيشه من غير العرب ، وبوصوله أساء عزل عقبة وسجنه ، لعل في ذلك شيء من تعليمات مسلمة مخلد الأنصاري الذي أنكر الأمر ، المهم أن سراح عقبة أُطلق بعد تدخل الخليفة معاوية في الأمر ، وغادر القيروان باتجداه دمشق مرورا بمصر ، ويذكر المؤرخون أن أبا المهاجر كره النزول بقيروان عقبة ، فبنى لجنده مدينة جديدة بالقرب منه ، باسم امازيغي قح سماها ( تيكيروان ) قد يكون الغرض منها اكتساب الشهرة والمجد ،أو تأويلات من قبيل خوفه من تمرد عرب القيروان ضده ، ولا يعقل تصديق أمر إخلاء القيروان ، أوإخلائها وتدميرها خاصة وأن المالكي يؤكد بقوله ( قد عاد وسكن القيروان بعد رجوعه من حملته على تلمسان[3].فكل ما كان يريده هو احترام الإنسان والمكان ، بتسميته القيروان ب ( تيكيروان)، وبإدراكة أن الغاية هي الإنسان الأمازيغي الذي هو المبتغى في نشر الإسلام . .. أبو المهاجر دينار ...أول الداخلين للمغرب الأوسط ( الجزائر). **كثيرمن القبائل الأمازيغية هجرت قراها نتيجة المد العربي ، وتأسيس القيروان زمن عقبة ، واتخذوا منطقة أوراس ملاذا آمنا لهم ولأسرهم ، وتجمع ثان للبرانس بين تيهرت ووهران ،الذين تكتلوا تحت أمرة ملكهم وزعيمهم آكسل( كسيلة) القائد المسيحي القوي لقبائل ( أوربة )[4]، ولا يستبعد أن تكون العلاقة بينهم وبين البزنطيين قائمة على المصاهرة ،و المصالحة وتبادل المنافع خاصة وأن البزنطيين هم أكثر المشترين للبضائع الأمازيغية ، وكان المهاجر دينار على علم بالأمر ، وسرعان ما قاد غزوا مركزا باتجاه تلمسان ، وكان في ذلك ( أول أمير مسلم ، وطئت خيلة المغرب الأوسط )في خطة استبعدت التصادم مع المدن الواقعة في خط سيره ، لعله يريد في ذلك اقتصاد الجهد والوقت ، والإحتفاظ على مقدرات الجيش ، وببلوغه تلمسان ، اصطدم بقوة كسيلة الأوربي ، دون إفصاح المصادر عن طبيعة المعركة وسيرها وصيرورتها ، كل ما ذُكر هو استسلام آكسل ، واعتناقه للإسلام بعد أن عومل معاملة حسنة من قبل المهاجر دينار ، وقد رافقه في طريق العودة إلى القيروان ،ويكون قد شاركه في غزواته اللاحقة ، ولم تفصح المصادر عن أساليب المهاجر في جلب أنصار جدد للإسلام سلما ، وقد يكون للصلح العادل ، و المعاملة القدوة ،دورهما في استمالة كسيلة وقبائل البرانس للإسلام ، وبأعداد لم يكن المؤرخ العربي يتوقعها ، وهو مدرك حقا لأهمية التعاون الأمازيغي العربي في إرساء سفينة عقيدة الإسلام في الشمال الإفريقي[5] ، وهي الغاية التي سعى إلى ترجمتها عن طريق إنشاء جيش أمازيغي مسلم على نطاق واسع ، وهي السياسة التي تنبه إليها قادة الغزوات المتأخرة، مثل موسى بن نصير الذي جند جيشا أمازيغيا بقيادة امازيغية زاد تعدادها عن الأثني عشرة ألفا ، كُلف فيما بعد بغزو الأندلس في بداية العشرية الأخيرة من القرن الأول الهجري ، وهو ما يتوافق مع ما ذكره المالكي بقوله ..( ثم أن أبا المهاجر صالح بربر إفريقية ، وفيهم كسيلة ، (الأوربي)، وأحسن إليه ، وصالح عجم إفريقية ،وخرج بجيوشه نحو الغرب ، ففتح كل ما مر عليه ، حتى انتهى إلى العيون المعروفة بأبي المهاجر نحو تلمسان ، ولم يستخلف على القيروان أحدا ، ولم يبق بها إلا شيوخ ونساء، ثم رجع إليها وقام بها [6]. ** اففتح أبو المهاجر المذكور مدينة ( ميلة الجزائرية) وكانت إقامته فيها وبضواحيها من بلاد كتامة نحوا من سنتين[7] وأسس بها ثاني مساجد الإسلام بها بعد جامع عقبة بالقيروان ، والذي لا زال قائما لحد الآن يطلق عليه محليا اسم مسجد ( سيدي غانم) ، ويبدو أنه بني على أنقاض كنيسة وهو ما عرضه لحفريات نتيجتها عبث الإستعمار الفرنسي بأجزائه ومكوناته ،ولا شك أن دور المهاجر دينار كبير في استمالة قبائل كتامة الصنهاجية للإسلام دون خدوش ولا إراقة دماء ، كما هاجم و حاصر قرطاجة عام 59 للهجرة ، وأرسل قائده حنش الصنعاني لغزو جزيرة شريك ، الواقعة بين مدينتي تونس وسوسة ، واستمر في الحصار والقتال حتى عقدوا معه صلحا أخلوا بموجبه جزيرة ( شريك) للمسلمين ، مقابل رفع الحصار على قرطاجة[8] ويتضح أن هذه السياسة الجديدة التي انتهجها أبو المهاجر دينار لم يستسغها الخليفة الجديد ( يزيد بن معاوية ) لطول حصار قرطاج دون احتلالها ، واستهجان أساليب اللين التي استعملها في جلب إسلام الأمازيغ عن طرق المؤلفة قلوبهم ، واختفاء المنافع التي تعودت عليها دار الخلافة من تحف المغرب وسبيها ومغنمها وفيئها ، وهي أمور سهلت التخلي عن أبي المهاجر دينار الذي فقد سندا قويا بعزل مسلمة بن مخلد الأنصاري عن ولاية مصر والمغرب ، وبذلك عادت أجندة القوة والجبروت في التعامل مع الأمازيغ من جديد ، وعادت ريمة لعادتها القديمة . *** في غزوة وإمارة أبا المهاجر دينار ....عبرة. المتتبع لما أورده المؤرخون رغم شحه ، يكتشف أن أبا المهاجر دينار عرف كيف يتعامل مع أجدادنا الأمازيغ ، وأدرك أن العنف والإرهاب ليسا سبيلا صحيحا لنشر الإسلام،وأثبت ذلك في دنيا الواقع ، ووضحت سياسته أن السيف لا يجدي نفعا في العمل الدعوي وجلب الناس للمعتقد ، وقد برهن عن ذلك في استمالته للآكسل ومن وراءه من قبائل البرانس ، وبفضله انتشر الإسلام في ربوع المغرب الأوسط سلميا ، فلم تشر كتب التاريخ لتجاوزات تذكر ، فلا سبي ، ولا غنائم جائرة ، ولا قتل عمدي للفارين كما وقع في الغزو السابق ، وهو الذي كان ناصحا أمينا لخلفه وخصمه عقبة بن نافع الذي وضعه رهن القيد وبالحديد ، عندما لا حظ تجاوزاته وعنفه وعنصريته ضد آكسل المسلم ألأمازيغي مثله ، قائلا له :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب ، وأنت تعمد إلى رجل جبار في قوله ، في دار عزه ، قريب بالشرك فتفسد قلبه )[9] ، فهو متميز بأفعاله ، طبق فعليا إقامة المسلمين في الديار على عكس سابقيه الذين يعودون بما أفاء الله عليهم باتجاه فسطاط مصر ، وهو من تعامل وفق ما يرتضيه الشرع في نشر الإسلام ، وهو من تنبه أن نجاح الإسلام في إفريقية ، يستدعي مشاركة أهاليه في الجندية . *** كلمات يجب أن تقال : * وأنا أبحث عن أفعال الرجل وخصوصياته وأخطائه ، تبين لي أن أبا المهاجر دينار يُعد صفوة لمن سبقوه من الغزاة المسلمين ، فهو لم يلتجيء للقوة إلا عند الحاجة ، وأدرك بحدسه و قوة شكيمته ، وايمانه العميق أن ما يكتسب بالسياسة والليونة واحترام الآخر، أفضل بكثير مما يؤتى عن طريق القتل والترويع والسبي والإحتقار الذي طال الموالي العجم ، ولا غرو أن أعجميته وملا حظاته وتجربته الحياتية ، هي التي وفرت له هذا الفهم المتسامح، والعجيب أن ذكرهُ قل ، وأن اسمه أفلَ ، ولا يذكره العربانُ إلا عرضًا ومن منطلق تقديس غاز سبقه ولحقه ،هو عقبة بن نافع الفهري ،فلا ندري للأمر تفسيرا ، وقد يكون لعجمة الأول وعروبة الثاني دور في ذلك ، أو أن السياسة التي انتهجها أفرزت عيوب خصمه ، وأبانت مبلغ الخطأ الذي وقع فيه عقبة تعاملا مع المسلمين الجدد، الذي يحتاج الى دراية ومقدرة على الضم والجلب ، وليس التنفير والطرد ،مصداقا لقوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ،وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ،فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ،وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [10]. * فلو كان الميزان هو نشر الإسلام، وأن الغاية هي ايصال الإيمان لقلوب الأمازيغ ، لما كانت الحاجة لجبش عرمرم ، ولا لغزوات متتالية تأتي على الأخضر واليابس ، تبيد العرق ، وتقطع النسل ، وتستبدل أرومة أمازيغية ، بأخرى عربية وافدة ، كان الأجدى هو انتهاج سياسة كالتي انتهجها المهاجر دينار في نشر الإسلام عن طريق الإقناع والحوار ، غير ان سياسته لم تكن لتعجب الخلافة في دمشق ، فهم يرون قيمة إفريقية ، من قيمة ما تدره عليهم من نعيم الخيرات ، وكثير من الجواري الحسان ، والعسل المصفى ، وسخال الضان العسلية الألوان ، فلا يهمهم دخول أو خروج الأمازيغ من الإسلام ، بل قل أن بقاءهم على الكفر هو أنفع لأن حربهم ، والسبي منهم ، يكون مستباحا ومشروعا . * لو كنت قادرا على قلب الميزان ، لنصبت تمثالين واحد لأبي المهاجر دينار ، وآخر للآكسل الشهيد ، واحللتهما محل صنم عقبة بن نافع ببطحاء بسكرة الذي اقامه العربان ومن سايرهم من ذوي السلطان ، لأن الأولان خدما الإسلام واحدثا لحمة حب بين المسلمين جميعهم دون عنصرية ، والثاني كان جبارا يسعى الى ترجمة جبروت الدولة الأموية العضوض في دنيا الواقع وعلى أرض سكانها مسلمون قبل غزوه . * بعض من ذوينا أصابه العمي البصري ، واتلاف كلي لبصيرته ، فأصبح يرى الدنيء مقدسا ، والمقدس دنيئا ، فسارع الخُطى في تقديساته ، وأنشأ مزارا لعقبة في سيدي عقبة ، بعد مرور أزيد من خمسة قرون عن وفاته ، على شاكلة ما فعلوه في المغرب ، بتكوين ضريحين لأدريس الأكبر ، والأصغر ،بعد مرور قرون عن وفاتهما ، وهو ما يظهر الطابع الاستحواذي وبعث الفتنة ، والغريب أن ما يحاربونه في الحجاز من تهديم القبور وطمس معالمها ، واعتبار زيارة قبر الرسول من المنكرات ، والتفكير حتى في إزاله معلمه من المدينه ، فهو مباح عندنا ،ومستساغ، فقد أقاموا ضريحا للمعتمد بن عباد في( أغمات) واعتبروه مظلوما لأنه شاعر رومانسي وعربي ؟ ، وأقاموا تمثالا لعقبة في بسكرة ، ليذكرونا بالدماء التي أسالها غدقا ،والتجاوزات التي اقترفها ، في تحقيق المطامح السياسة لا الدينية لدولة الأمويين ، لأن الدين داسوه برقاعهم النتنة ، بقتالهم لآل البيت وهجوماتهم المتكررة على الحرمين المكي والمدني ، والذين لم يرتدعوا بقول الرحمن: َ(لا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ،إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ،وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[11] الخلاصة : قد يصف البعض ما قلناه تحاملا على مقدسات ، وما هو كذلك ، لأن تقديرنا هو أن الأفعال المقترفة لا قدسية فيها ، فهي توزن بميزان الخير والشر ، وبرآى عقلية لا نقلية ، و بمنظور تاريخي لا ديني ، فالمهم هو الوصول الى الحقائق وتفسيرها وفك رموزها وطلاسمها ورؤيتها بالطريقة التي وقعت ، وبنظرات محلية ، وبعيوننا لا بعيون غيرنا ، وليس بالطريقة التي يريد البعض أن تقع بعد أن صبغوها بألوان زائفة ، وأحاطوها بقدسية منافقة، ولا عيب في تشريح الأخطاء ونقدها ، وإنما العيب أن نبقى نفكر بطريقة الأولين رغم ما نلاحظه من عوز في الطرح والسرد والطمس المقصود ، لكل فعل يساعد على محاربة التوهمات الزائفة المغروسة في عقولنا الباطنة ، ويظفي إلى غاية ، ندرك من خلالها الفروق الجوهرية بين المجد الحقيقي والمجد المزيف ، أي ما يعرف بالفرق بين المجد والممجد . هوامش الغزوة الرابعة ********************* [1]ابن عبد الحكم ، فتوح مصر والمغرب ، ص 197. [2] ابن الأثير ، أسد الغابة ...ج3 ص، 184. [3] المالكي ج1 ص21. معالم الإيمان ج1 ص46. [4] ابن خلدون ، ج6 ، ص 216. [5]المرجع السابق ، ص 297. [6]المالكي ، رياض النفوس ، ص 7. [7]أبو المحاسن ، النجوم الزاهرة ، ج1، ص 157. [8] نفس المصدر ، ص،152. [9]ابن خلدون ، العبر ... ج6 ص146. [10] سورة آل عمران ، الاية 159. [11] سورة العنكبوت ،الآية 46 . |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
عضو برونزي
![]() |
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
الطيب آيت حمودة 2010 / 9 / 3 الغزوة الخامسة هي ردة فعل أموية إذ ( ولي يزيد بن معاوية على بلاد إفريقية والمغرب كله ، عقبة بن نافع الفهري ، وهي ولا يته الثانية على إفريقية ) [1] وحاول عقبة الإنتقام من خصمه أبا المهاجر دينار ، وإن كانت فترة حكمه قصيرة في مدتها(64/62) هجرية ، إلا أنها مليئة بالأحداث الجسام ، وأبانت عن خطأ استراتيجي واضح المعالم ، فما أن حط عقبة رحاله بالقيروان حتى عمد إلى تكبيل أبا المهاجر بالحديد ،وصادر ما معه من أموال ، وحتى صديقه آكسل الأمازيغي المسلم لم يشفع له إسلامه ، وهو الأجدر بالمعاملة الأحسن ، لأنه من المؤلفة قلوبهم ،وملكٌ لقومه ، وخرب تيكيروان ، وأعاد لقيروانه الساكنة والحياة ، ومن هنا يتضح أن عقبة بن نافع كان شاكيا وحريصا على رغبة الرجوع لقيادة الغزو في شمال إفريقيا ، وقدم وهو يحملُ في ذهنه دهماء الإنتقام ، والتعويض عما فاته من التوسع حتى يكون صاحب شارة الإمتياز أكثر من خصمه المهاجر دينار . قدم عقبة إلى إفريقية والقيروان ومعه جيش عدته خمسة عشر ألفا ، من بينهم 25 رجلا من صحابة الرسول ،،زيادة عن الجيش الذي ورثه عن المهاجر دينار ، ويمكن تتبع نشاط عقبة في غزوه ، بداية من خروجه من القيروان ، ومقتله في تهودة ، وقراءة النتائج المتوخاة عن حملته الطويلة المستوحاة من أقوال المؤرخين الذين درسوا الظاهرة العُقبية فيما سيأتي . *** غزو وإساءة .... و بلا منتهى .... اتضح أن عقبة أحس بنقيصة ارتكبها في غزوته الأولى ، وهي ركونُه لبناء القيروان ، دون توسع يذكر ، وتعويضا عن ذلك جاء هذه المرة مشحونا برغبة جامحة لغزو كامل بلاد المغرب ومسحه ، لعل ذلك سيشفع له لدى الخليفة الأموي الدموي يزيد بن معاموية ، لهذا انطلق في غزوه من القيروان ومعه جيش كبير ، شارك فيه الأمازيغ من أوربة البرانس ، وسار باتجاه (باغايا) بعد أن ترك حامية من المسلمين تعدادها ستة آلاف مقاتل ، بقيادة زهير بن قيس البلوي بالقيروان ، مرورا ( بمسيلة ) وصولا إلى تيهرت التي خاض بها معركة قوية ضد الأمازيغ ومن ناصرهم من البزنطيين ،وفي ( بغايا) أساء عقبة لآكسل وأهانه بأن أمره بسلخ الغنم ، فقال له آكسل ، ( أصلح الله الأمير ، هؤلاء فتياني وغلماني يكفونني ، فنهره عقبة قائلا : قم ؟؟ ، فقام كسيلة مغضبا ....) قال أبو المهاجر لعقبة ( أصلح الله ألأمير ، ما هذا الذي صنعت ؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب ،كالأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن ، وأنت تجيء إلى رجل هو خيار قومه في دار عزه ، قريب عهد بالكفر ، فتفسد قلبه )[2] ويبدو أن آكسل(كسيلة) أدرك نوايا عقبة ولاحظ الفرق بين معاملة المهاجر ومعاملة عقبة للأمازيغ ، فأدرك أن الحل هو الإفلات من القيد ، ففر من المعسكر واعتصم بجبال أوراس ، وبدأ في تكوين نواة مقاومة ضد خصمه عقبة . استمر عقبة زاحفا غربا ، غازيا للقرى والمدن ، يقتل بلا رحمة ،ولم تسلم من سيفه حتى القبائل التي سبق وأن أشهر ت إسلامها ، مثل قبائل أوربة ، فعند بلوغه طنجة ، نصحه ابو المهاجر دينار بعدم التعرض لقبائل أوربة البرنسية المسلمة ،لأنها أسلمت بإسلام كسيلة ، وليس هناك ما يدعوا إلى غزوها ، (فأبى عقبة أن ينتصح) ، ولعل هذا سببا كافيا لكسيلة للخروج عليه وترصده في الطريق، وتوالت الهزائم عل الأمازيغ ،وكثر فيهم القتل على أيدي المسلمين ، ورغبة منه في زيادة التوسع ترك أهل افريقية متحصنين بحصونهم ، وأوغل في الغرب يقتل ويأسر امة بعد أمة ، وطائفة بعد طائفة[3] ،ودلهُ يوليان على مواطن الأمازيغ فيما وراء جبال الأطلس ، فهزمهم هزيمة نكراء ، وطاردهم حتى درعة ، فقاتلهم قتالا عنيفا لم يشهد الأمازيغ مثل عنفه وشدته ، (ولما بلغ الماء بطن فرسه رفع يديه إلى السماء وقال : يارب لولا أن البحر منعني ، لمضيت في البلاد إلى مسلك القرنين مدافعا عن دينك ، مقاتلا من كفر بك )[4]، وأثناء رجوعه عن طريق الصحراء ترصد له آكسل في تهودة ، واقتتلا مبارزة ، وفيها قتل عقبة ومن معه ، ولم يسلم إلا القلة القليلة فداهم صاحب قفصة ، وبعث بهم إلى القيروان . ( فأنقلبت إفريقية نارا ، وعظم البلاء على المسلمين ) [5] ، وبمقتل عقبة في تهودة أنقلبت انتصارات المسلمين إلى هزيمة ، وأصبح القيروان مهددا ، ويذكر المؤرخون أن زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان أصابه هلع وخوف ، وطلب أحدهم الإنسحاب إلى مصر قائلا ( يا معشر المسلمين ، من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني ، )[6] فاتبعه الناس ، فنزلوا ببرقة ليبيا مرابطون في انتظار ما ستسفر عنه مشاورات الخليفة عبد الملك بن مروان، وتقدم آكسل بجيشه نحو القيروان فسأله أهلهُ الآمان ، فأجابهم إلى ذلك ، (ودخل القيروان في 64 للهجرة ، وجلس في قصر الإمارة أميرا على المسلمين الأمازيغ ، ومن بقي في القيروان من العرب) ، وبذلك خرجت إفريقية من يد العرب بعد جهد غزو دام أربعين عاما ، غير أن الإسلام باق في صفوف الأمازيغ ومنهم آكسل ، فهي معارك قومية أكثر منها معارك دينية. *** المتتبع لسلسلة المقالات حول الغزو العربي لشمال افريقيا لا شك وأن أمورا ارتسمت في ذهنه ، وأن أفكارا ترسخت في وجدانه ، ولا بأس من قراءة متأنية لوقائع غزوة عقبة بن نافع الفهري الثانية( 64/62 هجرية) ،وتبيان الفروق الجوهرية بين مفهومي الفتح والغزو . 1) الغزو يعني استعمال القوة والسيف في اخضاع الناس والمجتمعات ، ويذكره المعجم الوسيط ب( السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره )، هدفه عند بعض المسلمين ، نشر الإسلام وتطهير الأرض من الكفر والكافرين ؟؟ وقد عُرفت الأفعال الجهادية في عهد الرسل بالغزو أو الغزوات ، فكانت غزوة أحد ، وغزوة حنين ، وتبوك....وكلها غزوات أريقت فيها دماء ، باستثناء فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة الذي كان عملا سلميا فهو فتح أكثر منه غزو بحيث كان الشعار ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )، فكلما قال البعض بأنه فتح إسلامي مبين ، قلنا( لا) بل إنه غزو عربي مشين . 2)الفتح هو مصطلح مهذب وعاطفي للإحتلال ،وهو تخفيف من وقع وهول الغزو ، غير أنه غير صادق ، فهو حاضر حيث يتم تبليغ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويختفي ويتنحى، تاركا مكانه لمصطلح (الغزو) عند الإحتكام للسيف وإراقة الدماء ، والأصل في الفتوح هو تبليغ الدين بالسبل السلمية ، ومن هنا فكل الفعل العربي الإسلامي في شمال افريقيا، منذ الغزوة الأولى هو فعل هجومي ( جهاد الطلب )، أستعملت فيه القوة والقتل والسبي ، فهو غزو أكثر منه فتح ، والقتال ليس وسيلة مثلى لنشر الإسلام ، أو لإخضاع الناس والمجتمعات لسلطان المسلمين ، و يفترض في المسلم مهما كان الحال أن لا يبدأ بالقتال . 3) من هنا يتبين أن غزوة عقبة الثانية أجهضت فعل العرب المسلمين على مدار الأربعين سنة الفائتة ،وأعادته إلى نقطت الصفر، لأنه تبنى جهاد الطلب دون ضوابطه ، فهو غاز أعمته العنصرية، وهو طالبُ حق لكنه أخطأه ، فقد أهدر جهد أبا المهاجر دينار السلمي كلية ، وأظهر وجها سلبيا للإسلام، في التعامل مع المؤلفة قلوبهم ، من قبائل البرانس ، وذاك ما سبب انقلابا في موقف الأمازيغ من مرحبين إلى مقاومين . 4) موت عقبة في تهودة ،وتراجع العرب المسلمين نحو الشرق ( برقة ) خوفا من تنامي خطر الأمازيغ بقيادة آكسل ، لا يعني انهيار الإسلام في تمازغا ، قدر ما يعني انهيار جبروت عروبي باسم الإسلام ،فالإسلام بقي محصنا في قبائل بترية من نفوسة ومصمودة وزناتة ، وقد سبق ( لصولات بن وزمار) المغراوي الأمازيغي منذ عهد الخليفة عثمان أن بحث عن الإسلام في منبعه ،وهي رسالة مفادها أننا في حاجة إلى الإسلام الحقيقي ، ولسنا بحاجة إلى حُراسه . 5) غزوات عقبة بن نافع الفهري في المغرب الأوسط ، وإقليم السوس ، هي غزوات فيها استعراض للقوة دون غاية تذكر، يحاصر مدينة أو قرية منقضا، يقتل ويسبي ويغنم ، ويترك في نفوس الناس ذكرا سيئا عن الإسلام الذي يجهلونه ، وإنما عرفوه من أفعال عقبة ومن معه ، دون ترسيخ قيم ثابتة معلومة في المكان ، ويغادر باتجاه أماكن أخرى لإعادة الإنقضاض عليها ، فلم يكن نشر الإسلام غاية واضحة في ذهنه ، فإن كان يطلب ذلك فقد أخطأ السبيل ، لأن نشر الإسلام يستلزم خطة وأسلوب ، كالتعرف على أهل البلد ، وعرض الإسلام ، والتخيير ، كما فعل أبا المهاجر دينار ، فهو لم يكن من أصحاب السياسات المرسومة المدبرة ، ولا الغايات البعيدة ، قدر ما وهو ولي صالح ، لا تدبير له ، وإنما يمضي في سبيل الله متوكلا عليه ، يدك قلاع المشركين ، ويلتمس الشهادة في سبيل ذلك ، ذاك ما يتضح من خلال خطبه الوعظية البعيدة عن رسم خطط القتال وأبعاده ومراميه ، فهو واعظ ديني أكثر منه قائد حملة للفتح الإسلامي . 6) فلو استكمل عقبة بن نافع خطة أبا المهاجر دينار السلمية مع آكسل( كسيلة)، لكان مقتصدا في الجهد والوقت ، فجسارته في الغزو ، هي التي كانت سببا في خسارة حلف الأمازيغ ، وانقلابهم من حلفاء إلى أعداء ، فاصبح المسلمون في نظر الأمازيغ بفعلته هم طلاب مغنم ودماء ، أي أنهم يحبون الحرب والسبي والتجارة بالبشر ، وكأن رزقهم تحت ظلال رماحهم ، وأنهم أُمروا لقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله . 7) حياة عقبة الجهادية تناولتها الألسن بالزيادة ، وأضافت لها تلوينات وخوارق لا يقبلها إلا السذج ، تلك التلوينات هي التي أثارت الدهشة والإعجاب لتترسخ في العقل الباطن ، وذاك ما فعله وشجعه الأتراك عندنا فيما بعد ، وظهرت القباب والأولياء تباعا ، واستمر الحال في عهد فرنسا ، لأن الفكر فيه تخدير للأمة ، وفيه مصالح تُجنى على حساب المجتمعات المخدرة النائمة . خلاصة القول أن غزوة عقبة بن نافع الفهري الثانية والأخيرة...، كانت انتكاسة كبرى لجهود المسلمين السابقة ، وإجهاض لجهد أبي المهاجر دينار السلمي في نشر الإسلام ، و إهدارٌ للأربعين سنة من التواصل ، فأعاد عقبة الجُهد إلى نقطة الصفر، بخروج العرب المسلمين من إفريقية باتجاه (برقة)، لفترة زادت عن خمس سنوات ، كان فيها آكسل ( كسيلة ) سيد للموقف في إفريقية دون اضطراب يذكر ، في وقت كانت الخلافة الأموية بدمشق تحشد حشودها استعدادا لاسترجاع ما فقدته ، عبر حملات وغزوات أخرى جديدة متجددة . الهوامش ********************** [1] ابن عذارى المراكشي ، البيان ...ج1 ص 23. [2] نفس المصدر السابق ، ج1 ص 29. [3]نفس المصدر السابق ج1 ، ص 26. [4] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب ص 72. [5] المالكي ، رياض النفوس، ص 28. [6] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب .. ص 70 الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السادسة ، 69 للهجرة) الطيب آيت حمودة 2010 / 9 / 5 اضطرب الحال في المشرق ، وانشغل بنو أمية في إخماد ثورة عبد الله بن الزبير في الحجاز، والتجأ عبد الملك بن مروان تكليف سيفه البتار.. ( الحجاج بن يوسف الثقفي) لإخماد ثورته ، فحاصر مكة وضربها بالمنجنيق ، وحز رأس عبد الله بن الزبير قرب أستار الكعبة ، وأرسله سريعا للخليفة بدمشق، يبشره بالإنتصار ، ليضاف رأسه إلى رؤوس المناوئين للدولة داخل خزانة خاصة داخل القصر تعرف (بخزانة الرؤوس) ، وبهذا النجاح تفرغ الخليفة للجبهة الغربية ، التي مني فيها جيش العرب بضربة قاصمة أعادته إلى الصفر ،وأخرجته من إفريقيا مدحورا ، بتراجع جندالعرب المسلمين مفزعوين أمام تقدم آكسل بجيشه نحو القيروان، فغادروها مكرهين باتجاه (برقة ) ، في انتظار المدد الذي لم يصلهم إلا بعد خمس سنين ، وبعد استتباب الأمر للخليفة عبد الملك المرواني . **من هو زهير بن قيس البلوي : يتسب الى ( بلى) وهي قبيلة قضاعة أبو شداد ، فيقال زهير بن قيس البلوي ، صحابي ، شارك في فتح مصر أيام عمرو بن العاص ، وكان ملازما لعقبة بن نافع ، الذي استخلفه على القيروان في حملته الثانية على إفريقية ، انسحب من القيروان بعد مقتل عقبة في تاهودة ، وأقام ببرقة ليبيا في انتظار أوامر الخلافة الأموية مدة خمس سنوات ،عينه الخليفة على إمارة إفريقية لغزوها والإنتقام من آكسل قائلا ( لا يصلح للطلب بثأر عقبة بن نافع من المشركين إلا من هو مثله ، وأعرف الناس بسيرته ، وأولاهم بطلب ثأره )[1] خاض معركة ناجحة ضد ( آكسل ) ، وتراجع إلى الشرق لأسباب مجهولة ، واصطدم أثناء تراجعه قاصدا مصر مع البزنطيين قرب برقة ، فقتل ودفن هناك مع كثير من أصحابه . **الغزوة السادسة ... أو غزوة الإنتقام. *لم أكن أتوقع بأن العرب المسلمين يبلغ بهم التهور إلى معالجة الخطأ بالخطأ ، أي أن يكون الإنتقام من ( آكسل ) الأمازيغي المسلم بتجهيزجيش ضخم من الأمازيغ المسلمين يقدر بألفي مقاتل [2] ومعهم العرب الوافدين والمقيمين في برقة ، وأمده الخليفةُ ُ زهيرًا بالخيل والرجال والأموال ، وحشد إليه وجوه العرب ، فوفدت القوات عليه تباعا ، وكان الإستعداد عظيما ، وانطلقت الحملة لغزو جديد متجدد مرورا بنفس المسلك الذي سبق وأن مرت عليه الغزوات السابقة ، قرب السواحل ، وتخلف وراء زهير في برقة ، عدد من العرب ( أصحاب الذراري والأثقال ) ، تخلفوا هناك ليروا مايكون من أمر زهير مع آكسل (كسيلة) ، فإن انتصر مضوا إلى إفريقية ، وإلا فهم على مقرب من مصر ، سهل عليهم إدراكها في حالة الهزيمة ، أفضى زهير إلى القيروان وعسكر بجواره دون أن يدخُله ، وقد يكون ذلك خوفا من كمين مرتقب ، ويبدوا أن البزنطيين المرابطين في بعض الثغور البحرية الشمالية كانوا ينتظرون ما ستسفر عليه المواجهة بين آكسل وزهير ، فمهما كانت نتيجتها فهي تخدمهم ، لأنها سبيل للتخلص من الإثنين . * لما علم آكسل بتقدم الجيش العربي والإسلامي نحوه لقتاله ، شاور قيادته قائلا :( قد رأيت أن أرحل إلى ( ممش) فأنزلها ، فإن بالقيروان خلقا كثيرا من المسلمين ، ولهم علينا عهد فلا نغدر بهم ،ونخاف إن قاتلنا زهيرا أن سيثبت هؤلاء من ورائنا ،فإذا نزلنا ( ممش)أمناهم وقاتلنا زهيرا ، فإن ظفرنا بهم تبعناهم إلى طرابلس وقطعنا أثرهم من إفريقية ، وإن ظفروا بنا تعلقنا بالجبال ونجونا ، فأجابوه لذلك ، ورحل إلى ممش) [3] ويتضح من قول آكسل أنه في حالة دفاع شرعي وهو مسلم ، مصداقا لقوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [4]، فهي حرابة أكثر منها جهاد في سبيل الله ، والتحم الجيشان في ممش المذكورة ( قرب قصر عبيدة ) ، واشتد القتال ، وكثر القتل في الجانبين ، وانجلت الحرب عن قتل كسيلة ( آكسل ) وجماعة من أصحابه ، وانهزم من بقي منهم ، فتبعهم الجبش العربي الإسلامي ، فقتلوا من أدركوه ، فذهب رجال البربر ( الأمازيغ) وأشرافهم وملوكهم في هذه الوقعة ، وعاد زهير إلى القيروان [5] ، وهذه المعركة خاضها الأمازيغ دون الروم ، ويذكر المالكي بأن ( العرب تمادت في طلبهم حتى سقوا خيلهم من ملويه) [6] ، أي أن هناك مطاردة لفلول الأمازيغ الفارين حتى حدود نهر ملوية ، وهذا الإنهزام كان شديد الأثر على الأمازيغ ،( ففي هذه الوقعة ( المعركة ) ذُل البربر ( الأمازيغ) وفنيت فرسانهم ورجالهم ، وخفت شوكتهم ) [7] وأصيبت العامة برعب كبير فلجأوا للإحتماء بالحصون والقلاع ، وهو ما يطابق ما تأثر له العرب بعد مقتل عقبة ومن معه في تهودة ، وفي كلتا الموقعتين سقط رجال أشراف ما كان ليسقطوا لو كان تغليب الحكمة وتطبيق أوامر الرحمن ، في حسن التعامل مع أهالي الأوطان التي تم غزوها . * الحقائق المستقاة من أقوال المؤرخين تشير أن غزوة زهير بن قيس البلوي سنة 69 للهجرة ، هي غزوة من أجل رد الإعتبار للعرب، وهي موجهة بقصد الإنتقام من قتلة عقبة بن نافع ، فغاياتها دنيوية ، وصراع سلطوي سياسي ، بعيد كل البعد عن الدين ، وقد يكون من ورائها أهداف تأتي عرضا كاسترجاع النفوذ على القيروان ، واسترجاع مواقع كانت تحت قبضة العرب المسلمين، وأفضل تسمية لها هي غزوة الإنتقام . *نجحت الحملة في تقسيم الأمازيغ الى فئتين ، فئة مسلمة رفعت السيف ضد الفئة الكافرة ، فتغلبت قيم الدين على قيم المواطنة ، فأصبح الأمازيغي المسلم يقاتل الأمازيغي الكافر، وهو ما يعني تمزيق الوحدة الوطنية بظهور قيم هواياتية جديدة على مسرح الأحداث ، تستبدل قيما راسخة في حب الوطن ، بقيم جديدة هي الحب في الله .... وهو ما خلق تذبذبا في الرأي وانقساما في المجتمع بين أمازيغ الشمال ( البرانس ) وأمازيغ الجنوب ( البتر) ، وإن كان كلاهما تبادلا مهمة مقاومة الغزو العربي بقيادة آكسل البرنسي ، وديهيا أو ( تيهيا) البترية لحين ، وهو ما يشير إليه المستشرق بروكلمان بقوله ( يتحتم على المسلم الأمازيغي أن يعلن العداوة على غير المسلمين( من قومه) باعتبار ذلك واجب ديني [8]. * بُعد نشر الإسلام اختفى كلية من أجندة الدولة الأموية ، وإن ظهر فهو يظهر ثانويا باهتا ، والحملة بقيادة زهير وحسب ما ذكره المؤرخ العربي نفسه ، لم تكن هادفة لإدخال المزيد من الأمازيغ في الديانة الإسلامية ، وإنما لترهيبهم وتمزيق وحدتهم ، وإخضاعهم لقوة السيف بملاحقتهم حتى حدود نهر ملوية للإنتقام من قتلة عقبة وأصحابه ، وقد وصموا الإسلام ولوثوه بإهانات جديدة بأن جعلوه ديانة انتقام لا ديانة تسامح . *السؤال المحير في هذه الحملة هو :لماذا تراجع زهير بن قيس البلوي بجيشه نحو مصر بمجرد الإنتقام من آكسل ( كسيلة) وتشتيت جمعه في موقعة ( ممش) ، هل قتل كسيلة هو الهدف والغاية ؟ أم نشر الإسلام على نطاق أوسع في بلاد تامازغا ؟ أم أن التراجع يخفي وراءه تفسيرات أخرى ،منها الخوف من رفاهية وبذخ القيروان التي ستدفع زهيرا الى حياة الدعة والرفاهية أو قد تخلق له طموحا لتولي الولاية انتزاعا ، وهو القائل ( إنما قدمت للجهاد ، واخاف أن أميل إلى الدنيا فأهلك ، وكان عابد زاهدا )[9] فالرجل التقي الورع الذي جاء للجهاد في سبيل الله ، لم يبق أمامه بعد انجاز المهمة التي أوكلت إليه سوى الرجوع إلى مصر ؟ ، أو قد يكون خلافه مع والي مصر عبد العزيز بن مروان أخ الخليفة عبد الملك ضلعٌ في تراجعه بهذه السرعة ؟ ، أوقد يكون الخوف من ردة فعل أمازيغية جديدة ، قد تنتهي به إلى هلاك ،شبيه بهلاك صحبه عقبة ؟ ، إن هذه التساؤلات والتصورات قد تكون صحيحة في جوانب منها ، وقد تكون مجرد قراءات بدون معنى ، المهم أن المؤرخين لم يظهروا العلة ، وأن الفعل لا يتطابق مع حلم الدولة الأموية في الإنغراس السريع في القيروان ، لا تخاذها مركزا لانطلاق حملات الإغارة على بلاد الأمازيغ ، ولا يتجاوب مع الغاية الأساس في نشر الإسلام بالسبل السلمية ، كما فعل المهاجر دينار ، خاصة وأنه مؤهل بتقواه وورعه وتابعيته بأن يكون داع للديانة المسالمة في ربوع إفريقية ، فلو كان يبتغي الجهاد الحقيقيى، لبقي رابضا في القيروان مرسلا للفقهاء لمناطق الجوار ، ليعلم الناس مكنونات الإسلام بأبعاده ومراميه ، ودعواته للإخاء والتجانس والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ، فجهاد السيف متروك للدفاع لا الهجوم ، ذاك هو الجهاد الأكبر في تقدير الكثير من دعاة الحق والحقيقة . نافلة القول أن غزوة زهير بن قيس البلوي لعام 69 هجرية لأفريقية ، كانت قصيرة في مدتها ، كبيرة في قتالها وقتلها ،لا تختلف عن سابقتها ، أحدثت نكبة في صفوف المواطنين الأمازيغ الذين انصاعوا لفكر قتال ذويهم ، فتحول الدين عندهم من مصدر محبة ، إلى مصدر تنافر وتناكر وتقاتل ، فأصبح المواطنون الأمازيغ بين نيران العداوة الخارجية مستلهمون ، وما حققه زهير من انتصار لا يحسبُ نصرا للإسلام ،بقدر ما يحسب انتصارا للعربان ، الذين جعلوا للحملة غاية هي الانتقام ، وما وقع ويقع وهو تفنيد لغرس غُرس فينا من باب التعاطف يقول : أن الإسلام انتشر بيننا سلما لا كرها ، والتاريخ بشواهده يقول ( ما من بلد دخلها الغزاة العرب إلا وانتفضت عليهم مرة أو مرات ...) ؟ ويورد الطبري كثير من الشواهد الدالة عن ذلك في تاريخه ، ولعل في الإرتدادات والإنتفاضات المتكررة، ما يسفهُ خرافة انتشار الإسلام سلما في شمال إفريقيا . المراجع والهوامش *************************. [1] النويري ، نهاية الإرب ..، ص 73. [2] المالكي ، رياض النفوس ، ص9. [3] ابن الأثير ، أسد الغابة ، ج4 ، ص 44. [4]سورةالبقرة ، الآية 190. [5] النويري ، نهاية الإرب ، ص73. [6] المالكي ، رياض النفوس ، ص 10. [7]ابن خلدون ، العبر.... ج6 ، ص 142. [8]كارل بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 78. [9] ابن الأثير ، أسد الغابة ، ج4 ، ص 44. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [4] |
|
عضو برونزي
![]() |
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة السابعة، 74 للهجرة)
الطيب آيت حمودة 2010 / 9 / 8 بمقتل زهير بن قيس البلوي في انطابلس( برقة)على يد البزنطيين ، ارتدت ورجعت جهود العرب المسلمين في غزوهم لشمالنا الإفريقي إلى نقطة الصفر ، فقد فقدوا السيطرة على إفريقية مجددا لخمس سنوات أخرى ، وعادوا إلى حالتهم الأولى كما كانوا قبل غزوة عبد الله بن ابي سرح لعام27 للهجرة ، وهو ما فتح أبواب التفكير للإنتقام من الأمازيغ ، الذين استبسلوا في المقاو مة والدفاع عن أرضهم وعرضهم ، وغدت ( برقة ) مركزا لاستقطاب العرب الفارين من إفريقية في غالب الأزمان . ***حسان بن النعمان .... وغزوة سابعة باسم الإسلام . هو حسان بن النعمان بن عدي بن بكر بن مغيث بن عمر و بن مزيقيا بن عامر بن الأزد ( أزدي) ، ولاه الخليفة عبد الملك بن مروان على إمارة إفريقية بعد إقامة بمصر ، ولقبوه ( بالشيخ الأمين )و( كان أول أمير شامي يدخل إفريقية أيام الأمويين )[1] وأطلق يده في أموالها بقوله (إني قد اطلقت يدك في أموال مصر ، فاعط من معك ، ومن ورد عليك ، واعط الناسَ ، واخرج إلى بلاد افريقية على بركة الله وعونه ..)[2] ، وهو مايعني تعبئة عامة ، وشراء الذمم بالمال بالإغداق للمشاركة في الغزو وهي طبيعة معروفة لدى سلاطين الدولة الأموية ، كيف لا وأولهم معاوية هو القائل : ( إما أن ترضع معنا ، وإما أن ترتدع عنا )[3]، وقد تخيرهُ الخليفة ُ عبد الملك لإتمام فتح افريقية التي استعصى أمرها وطال الجهد فيها ردحا من الزمن زاد عن الخمسين سنة ونيفا دون أن ينتهي إلى نتيجة حاسمة كما وقع في مناطق أخرى كمصر والشام . *سار حسان إلى إفريقية مسرعا لإعادة غزوها مجددا سنة 74 للهجرة [4] على رأس جيش جرار قوامه أربعين ألف ( فلم يدخل افريقية قط جيش مثله ) [5] وانضم إليه عدد آخر من المسلمين الأمازيغ بقيادة هلال بن ثروان اللواتي ، فسار حسان بهذا الجيش العرمرم نحو قرطاجنة فنزل بالقرب منها في مكان يعرف ب ( ترشيش) الموضع الحالي لمدينة تونس العاصمة ، وقدر حسان الإيقاع بالروم ، وحاصر مدينة قرطاجنة حصارا شديدا من جهة البر ، ودخلها عنوة بعد فرار معظم من كان بها عبر المراكب بحرا ، وتعرض من بقي منهم لسيوف العرب المسلمين ، (وخرب المدينة حتى صارت كأمس الغابر)[6]، اتجه بعدها إلى ( صطفورة ) غرب قرطاجنة لقتال الأمازيغ ومن معهم من البزنطيين ، وسحقهما سحقا وحمل ( عليهم اعنة خيله ، فما ترك من بلادهم موضعا إلا وطئه )، ثم انساح جهة القيروان لإراحة جنده ، ريثما يجهزعلى مواقع أخرى تتطلب الغزو والإبادة . *** حسان و ديهيا ( الكاهنة) ... في مواجهة .. سأل حسان جماعة من مسلمي الأمازيغ قائلا ( دلوني على أعظم من بقي من ملوك إفريقية ؟ ، فدلوه على امرأة تملك البربر تعرف ( بالكاهنة )، وجميع من بإفريقية من الروم منها خائفون ، وجميع البربر لها مطيعون .. )[7] سأل عنها لبدأ قتالها والهجوم على ديارها عن سابق إصرار وترصد ، كأنه لم يقرأ قوله تعالى :(فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم، وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا).[النساء:9 ]، إنها ( ديهيا ) أو( تيهيا ) كما يسميها أهلها ، هذه الشخصية التي أحاطها مؤرخوا العرب بشتى الأوصاف القدحية ، فجعلوها وثنية عابدة لصنم تحمله في ترحالها ، أو أنها يهودية ، وصاغوا لها عمرا مديدا ، وألبسوها لباس الكهنة والسحر ، وأنها قارئة الغيب ، ثم حاولوا اخضاعها لإديولجية التبعية بأمرها لولديها الإستسلام للعرب ، ونسجوا سيناريو محبك الإخراج بشأن المؤخاة بين ولدي ديهيا ، والسجين العربي خالد بن يزيد ،وقوٌلُوهَا مقولةً مفبركة ( فقد صرتم إخوة)[8] كل ذلك لترسيخ قناعتين في ألباب المتلقي، أولها دونية الملكة ودناءتها ، ثانيها رسم هالة من الرغبة في الإنضواء في الجنسية الجديدة(العربيةالإسلامية ) باعتبارها مخرجا آمنا ، ولو على حساب القيم التراثية المحلية ، وهي أساليب طالما روجها المنتصر ضد المنهزم . * فديهيا هي بنت ماتية ،بن تيفان ، ملكة أوراس ، وقومها من جراوة ملوك البتر وزعمائهم ، تزعمت المقاومة الأمازيغية البترية ضد الغزاة العرب ، سار إليها حسان في جيش كثيف لم يسبق أن رأته أفريقية سابقا ، والتقيا قرب ( مسكيانة )[9] عام 75 للهجرة رجاحة ،وثبت الأمازيغُ في المعركة رغم قلتهم ، وتحمسوا تحمسا وطنيا زائدا ،فدارت الدائرة على العرب المسلمين ومن معهم ، ويصف ابن عذارى المعركة قائلا : ( فلما أصبح الصبح التقى الجمعان وصبرا الفريقان ،صبرا لم ينسبه أحد إلى بعضه فضلا عن كله،إلى أن انهزم حسان بن النعمان ومن معه من المسلمين الشجعان ، وقتلت الكاهنة العرب قتلا ذريعا ، وأسرت ثمانين ( 80) رجلا من أعيان أصحابه ، وسمي ذلك الوادي ( وادي العذاري )، واتبعته الكاهنة حتى خرج من عمل قابس )[10]ولاحقت فلوله حتى أخرجته من حدود إفريقية كلها . وسجل لها التاريخ موقفا مشرفا ومتسامحا تجاه ساكنة القيروان المسلمين ، فلم تهاجم المدينة، ولم تجعلها عاصمة لها كما فعل ( آكسل قبلها) الذي اتخذها عاصمة له بعد آمان لآهاليها ، وذاك قمة في التسامح مع الغير ، وبذلك برهنت (ديهيا ) عن حس إنساني قل مثيله في ذلك الزمان ، خاصة وأنها كافرة ، وهي مدركة بأنها ليست ضد الدين الجديد ، وإنما ضد الجبروت الغطرسة العربية ، التي أغارت على البلاد وقهرت العباد باسم تأويل فاسد لآيات الرحمن ، وبرهنت ثانية عن حسها الوطني بقولها ان الملوك يموتون و لا يستسلمون ، وهما صفتان لهما وزنهما وتقديرهما في ميزان المواطنة ، وهو ما حذا بأمازيغ أوراس تشييد معلم لها ( تمثال ) أقاموه لها في عرينها وموطنها ( ببغايا) من ولاية خنشلة المجاهدة ، في حين برهن أسيرها ( خالد بن يزيد) عن لؤم وخيانة لمن أحسن إليه ، فقدم استخبارات جوسسية لقائده عن مقدرات ديهيا القتالية ، وهو ما حفز حسان الرجوع مجددا بعد حشود أخرى، لغزو افريقية من جديد بذريعة الإنتقام . *** غزوة ثانية لحسان .....أو غزوة رد الإعتبار لجيش لم يدخل إفريقية مثله قط . بتراجع حسان نحو ضواحي برقة قابعا في قصوره ، ويذكر ابن عبد الحكم قائلا :(أفلت حسان ونفذ من مكانه إلى أنطابلس ، فنزل قصورا بحيز برقة ، فسميت قصور حسان ،)[11] التي بنيت كثكنات عسكرية لإيواء جند الغزو ، واستمر بقاءه هناك لخمس سنين كاملة [12] ينتظر المدد من الخليفة بدمشق ، والنظر في الأخبار التي ترده تباعا من جاسوسه ( خالد بن يزيد ) الذي أكرمته ( ديهيا ) وتبنته بعد أن أطلقت سراح أصحابه ، لكنه أبان عن لؤم فضربها بخنجر الخيانة ، بتقديم أسرار عسكرية لخصومها في الحرب ، وحرصت وهي الحريصة على فهم أسباب الغزو العربي من أفواه أسراها ، لأنها لم تكن تعلم شيئا عن هذا الدين ، وأدركت من خلال ما عرفته مع حدسها أن العرب ( ما يكادون ينزلون البلاد حتى تتوجه همتهم إلى المدائن ، والنواحي العامرة ، يبذلون وسعهم في الإستيلاء عليها ، فإذا تم لهم ذلك ، انقضوا على الخيرات والنفائس فانتهبوها ولم يخلفوا من ورائهم شيئا ، ثم ينصرفون بعد ذلك عن إفريقية كأنما يأتون لهذا وحده )[13] وهو ما دعاها إلى القول لذويها لما رأت ابطاء العرب عنها ،( إن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن، والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي ، فلا نرى لكم إلى خراب بلاد إفريقية كلها حتى ييأس منها العرب ، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر ، فوجهت قومها يقطعون الشجر ، ويهدمون الحصون ، فذكروا أن إفريقيا كانت ظلا واحدا )[14] ولعل في النظرة الموضوعية ما يسقط تهمة إحراق (ديهيا)للمزارع والأشجار وتخريب المدائن ، فالأمر فيه مبالغة وزيادة ، فالتاريخ لم يحدثنا عن مجاعات كانت سببها هذا الحرق العمدي لخيرات البلاد وأرزاق العباد ، فهي تدخل ضمن ما يسمى الحرب النفسية ضد الأمازيغ لتشويه أعمال هذه الملكة الوطنية التي دفعت بإخلاص عن بلادها . * تهيأت فرص النجاح لحسان بن النعمان ، فزحف ثانية بجيشه الكبير على ( ديهيا ) في معقلها الذي غادرته لملاقاة الغزاة ، فالتقى الجمعان ( قرب قابس ) التونسية ، انتهت الواقعة بهزيمة (ديهيا) فتشتت جيشها ، وفرت بعد الهزيمة تريد جبال أوراس ، فطاردها حسان مرارا حتى قضى عليها عند بئر حمل اسمها ( بئر الكاهنة ) ، وبمقتلها اختفت مظاهر المقاومة وخلى الجو للعرب المسلمين ، فلم يبق سوى انهاء التواجد البزنطي من قرطاجنة ووضع معالم بناء مدينة عربية اسلامية جديدة ثانية بعد القيروان تحمل اسم تونس . * إن غزوة حسان بن النعمان الثانية في 82 للهجرة ، تعد من أنجح الغزوات العربية لأنها تمكنت من تشبث العرب بالبلاد ، ورغبتهم الأكيدة في جعلها جزءا من الأمبراطورية العربية الإسلامية عن طريق استحداث إصلاحات في الجانب الإدري والمالي ، وتأسيس دار لصناعة السفن ، وهو ما يعني دخول شمال افريقيا حضرة الخلافة الإسلامية ، وبسبب خلافات بين حسان ،والوالي الأموي على مصر( عبد العزيز بن مروان ) الذي ضيق عليه لخلاف بينهما حول غنائم وتحف افريقية ، فقد تم عزله عن الولاية عام 85 للهجرة ، قائلا ( لا أولي لبني أمية أبدا)[15]. مفصل القول أن حملة حسان بن النعمان بضخامة جندها تعني حربا غير متكفائة بين غزاة مدججين بأسلحة ، حرفتهم القتال والقتل ، ضد( تيهيا ) الملكة المسالمة ، التي لولا هجوم العربان عليها لما تحركت ولما قاومت ، ويمكن وصف مقاومتها بالوطنية الخالصة ، فإذا كان حسان حارب لدينه ، فإن( ديهيا ) حاربت لأرضها ، وكلاهما أخلص لدوافعه ، وما استنتجه خلال بحثي المتواضع أن الأمازيغ لم يكونوا يوما ضد الدين الإسلامي وانتشاره بينهم ، وإنما كانوا ضد الأساليب المستعملة في إيصاله إليهم ، فلم يحدثنا التاريخ أن الأمازيغ أهانوا أو عذبوا أو أكرهوا مسلما من ذويهم لدينه ، على عكس العرب الذين طبقوا آية السيف بأبشع صورها ، فأبانوا وجها سلبيا للإسلام ، وهو ما أخر انتشاره في ربوع (تامزغا ) إلى أزيد من سبعين سنة ، عرفت البلاد فيه كرا وفرا لم يكن في الحسبان . المراجع والهوامش********************** [1] المالكي ، رياض النفوس ، ص 11. [2] ابن عذارى المراكشي ، البيان ...ص 34. [3] أبو حيان التوحيدي ، الإمتاع والمؤانسة. [4] لم يتفق مؤرخوا العرب على تاريخ واحد لغزوة حسان بن النعمان، والراجح أنها في 74هجرية .. [5]ابن الأثير ، أسد الغابة ...ج3 ، ص 113. [6] ابن عذار المراكشي البيان ، ج1، ص35. [7] ابن الأثير ، اسد الغابة ، ج4 ، ص 143.ابن عذارى المراكشي ، البيان ،ج1، ص 20. [8] المالكي ، رياض النفوس ص 34. [9] اختلاف كبير بين المؤرخين في تحديد موقع المعركة واسمها ، يذكره ابن عبد الحكم ( بنهر البلاء )، والبكري ( بمسكيانة )، وابن الأثير ( نهر نيني). . [10] ابن عذارى المراكشي ، البيان الغرب ، ج1، ص 21/20. [11] ابن عبد الحكم ن فتوح المغرب .. ص 57. [12] ابن عذارى المراكشي البيان ....،ج1، ص 36. [13] حسين مؤنس ، فتح العرب للمغرب ، ص 251. [14] النويري ، نهاية الإرب ص 75، ابن عذارى في بيانه . [15] ابن عذارى ، البيان ، ج1، ص 39. الغزو العربي لشمال إفريقيا ، ( الغزوة الثامنة، 85 للهجرة) . الطيب آيت حمودة 2010 / 9 / 12 موسى بن نصير .... سلطان السبي ( 85 للهجرة ). **وأنا أراجع معلوماتي على وقائع حصلت في بلادنا ،أيام الغزو العربي ، وجدت أن غزوة موسى بن نصير متفردة في زمنها لكونها تتويج لما سبقها ، ومتفردة لكونها فيصل بين بقايا الكفر وشيوع الإسلام ، فهي انتقال البلاد من حالة دار الحرب إلى دار الإسلام ، ومتفردة لأنها أقترفت من الجرم ما لم يكن في الحسبان، وهو ما يجعلني حائرا في أسلوب المواجهة أأجعله نمطيا كسوابقه أساير فيه المدد المعرفي ، أم أحيد عنه لأن ما أريد الإفصاح عنه لا يتطلب ذلك الزخم المعرفي ، وفي كلتا الحالتين لن يكون القول مرضيا ولن تكون الأحكام مستساغة ،لأن رضاية الناس غاية لا تدرك ، ولأن ألباب عبادنا سبق وأن ملئت وأُتخمت بنفائس التزوير والنفاق والكذب ، التي تحولت بمرور الزمن وبالتكرار إلى حقائق ثابتة يصعب محوُها أو استبدالها بما هو أصح وأصدق. **غزوة موسى بن نصير التي دامت أزيد من عشر سنين (95/85)،هي مكملة لما سبقها في استجلاب الأمازيغ للإسلام سلما أوكرها ، وسار موسى بن نصير من مصر تجاه افريقية دون إمدادات من الشام ،مرفوقا ومصحوبا ببعض المتطوعين من رجال القبائل العربية هناك [1] . وحضي بتأييد بسر بن أرطأة ، وأولاد عقبة بن نافع ( أبو عبيدة ، عياض ، عثمان ) وطارق بن زياد ، ومحاط بأبنائه الخمسة ( عبد العزيز ، مروان ، عبد الله ، عبد الأعلى ، عبد الملك .) [2] ، وأهم أسلوب ابتدع في عهد حسان واستكمل في عهد موسى هو( أسلوب الرهن) ، فعند غزو قبيلة أو مدينة وينهزم أهاليها أمام الجبروت العسكري العربي الذي يقتل ويسبي بما لا يرحم ، يلتجأ أكابر القوم إلى طلب الأمان والصلح ، فيشترط الغزاة رهائن منهم ومن شبابهم وأكابرهم(... فرغبوا في الصلح منه ، فوجه رؤساءهم إلى موسى بن نصير ، فقبض رهونهم ..)[3] ، يحتفظ بهم كضمان للخضوع ، ويقتلون في حالة مقاومة أهاليهم للعرب المسلمين ، وبهذا الأسلوب أجبر الخلق على الخضوع ، لأن تمردهم يعني موت أبنائهم المرهونين عند العرب ؟ وبهذا تمكن موسى بن نصير من إخضاع الأمازيغ لإرادته ، وكون من هؤلاء الرهائن جيشا أمازيغيا مسلما بنفس صفات مكونيهم ، ولعب هؤلاء دور الأساس في إسلام ذويهم ، كما كانوا اليد الطولى في غزو بلاد فاندالوسيا بجيش عرمرم، تشكلت نواته منذ أيام حسان بن النعمان واستكملت في عهد ولاية موسى بن نصير الذي أمَّر طارق بن زياد الأمازيغي على الجيش المرابط في طانجة بتعداد 12 ألفا وهو الذي سيكون رأس حربة في غزو الأندلس لا حقا . ** فموسى بن نصير حسب المراكشي في بيانه أنه من لخم ، وأنه ابن لعبد الرحمن بن زيد ، كان مرافقا مخلصا لعبد العزيز بن مروان في استخلاص مصر من يد علي بن ابي طالب وضمها لبني أمية ، ونظرا لولائه كُلف بغزو قبرص ورودس ، له سوابق خطيرة في احتجاز الأموال لنفسه ،عندما كان واليا على البصرة ، فلولا صديقه عبد العزيز لقتل ، فهو الذي أصلح حاله ،وأشفع له عند أخيه عبد الملك بن مروان ، وجعله وزيرا على مصر ، ثم عينه واليا على المغرب بعد عزله لحسان بن النعمان.، واستمرت مدة ولايته عليها أزيد من عشر سنوات قضاها في الغزو والسبي ، ونُسجت حوله هالة من التقديس والعظمة في نظر من يماثلونه في التوجه ، والذين سجلوا له مناقب لا يحصيها العد ، فهو الذي رد الخطر البزنطي من البحر، ومنع التواصل بين بزنطي الداخل والخارج بنقلهم نحو الداخل لمراقبة فعالياتهم ، ( كان ينقل العجم من الأقاصي إلى الأداني )[4]، نشًّط البحرية وأرسل (عياش بن أخيل) لغزو صقلية وعاد بغنائم وفيرة [5] وبعث بنفيس المغنم إلى صديقه ورفيق دربه عبد العزيز بن مروان ، وإلى خليفته عبد الملك لرد الجميل على تعيينه ، وإثبات مقدرته على السلب والكسب ، ليظهرَ بمظهر أفضل مما ظهر به الحجاج بن يوسف عندهم ، ناهيك عن غزو الأندلس التي ، التي أضافت إليه طموح التفكير في فتح القسطنطينية من الغرب ، لولا منع الخليفة الوليد لمغامرته ، وبذلك أراد تكرار تجربة حنبعل القرطاجي في غزوه لروما عبورا للألب ,وأكتفي بهذه الإشارات لأن بطون الكتب متخمة بتبيان الجانب المنير دون المظلم ، هذا الأخير الذي يحتاج إلى وقفات ووزن وتقدير . ** الغوص في أفعال الرجل ، ورؤيته بمنظور محلي ، وبعيون أمازيغية لا عيون مشرقية عربية ، يظهر حقيقة الجناية في حقنا وحق ذوينا وهويتنا التي سلخوها بوجه لاحق فيه وباسم الإسلام ، والإسلام يقول( َيا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [6]، فقد أفرد المؤرخون صفحات طوال عراض لأفعاله المشينة ، وأسختصرُ بعض المقتنيات منها على ( سبيل المثال لا الحصر ) في الاتي : 1)وقال الليث بن سعد: إن موسى بن نصير بعث ابنه مروان على جيشٍ، فأصاب من السبي مائة ألفٍ، وبعث ابن أخيه في جيشٍ فأصاب من السبي مائة ألفٍ أخرى، فقيل لليث: من هم? قال: البربر، فلما جاء كتابه بذلك، قال الناس: إن ابن نصير والله أحمق، من أين له أربعون ألفاً يبعث بهم إلى أمير المؤمنين في الخمس? فبلغه ذلك فقال: ليبعثوا من يقبض لهم أربعين ألفاً، فبلغ الخمس يومئذ ستين ألف رأس [7] 2)وكتب ( طارق بن زياد) إلى موسى بن نصير بالفتح، فحسده موسى على الإنفراد بهذا الفتح العظيم، وكتب (موسى بن نصير )إلى الوليد يبشره بالفتح وينسبه إلى نفسه، وكتب إلى طارق يتوعده لكونه دخل بغير أمره، ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحقه، وسار مسرعاً بجيوشه، ودخل الأندلس ومعه حبيب بن أبي عبيدة الفهري، فتلقاه طارق وقال: إنما أنا مولاك، وهذا الفتح لك،وأقام موسى بن نصير غازياً وجامعاً للأموال نحو سنتين، وقبض على طارق.)[8]. 3)قال ابن قتيبة : فتح موسى بن نصير سَجُومة وقتل ملوكها ، وأمر أولاد عقبة (عثمان ،وعياض ، وأبا عبدة) أن يأخذوا حقهم من قاتل أبيهم ، فقتلوا من أهل سجُومة ستمائة (600) رجل من كبارهم .[9]وهو أسلوب استخدمته فرنسا بقتل أبرياء من عائلات المجاهدين ، انتقاما لقتلاها في المعارك. 4) و ذكروا أن موسى أرسل عياش بن أخيل الى هوارة و زناتة في ألف فارس فأغار عليهم و قتلهم و سباهم ، فبلغ سبيهم خمسة آلاف رأس ، و كان عليهم رجل منهم يقال له كمامون ، فبعث به إلى عبد العزيز في وجوه الأسرى، فقتله عند البركة التي عند قرية عقبة فسميت بركة كمامون.[10]. 5): و ذكروا أن موسى بن نصير كتب إلى عبد العزيز بن مروان بمصر يخبره بالذي فتح الله عليه ،وأمكن له ، و يعلمه أن الخمس بلغ ثلاثين ألفا ، و كان ذلك وهما من الكاتب ،فلما قرأ عبد العزيز الكتاب ،دعا الكاتب و قال له :ويحك ! اقرا هذاالكتاب ، فلما قرأه قال هذا وهم من الكاتب فراجعه ،فكتب إليه عبد العزيز :انه بلغني كتابك و تذكُر فيه أنه قد بلغ خمس ما أفاه الله عليك ثلاثين ألف رأس ،فاستكثرت ذلك ، وظننت أن ذلك وهم من الكاتب ،فاكتب إلي بعد ذلك على حقيقة ، واحذر الوهم ,فلما قدم الكتاب على موسى كتب إليه ، بلغني أن الأمير أبقاه الله يذكر أنه استكثر ما جاءه من العدة التي أفاه الله علي ،وأنه ظن أن ذلك وهمٌ من الكاتب، فقد كان ذلك وهما على ما ظنه الأمير ، الخمس أيها الأمير ستون ألفا حقا ثابتا بلا وهم .قال : فلما أتى الكتاب إلى عبد العزيز و قرأه ملأه سرورا.[11] 6)و ذكروا أن الجواسيس أتوا موسى بن نصير فقالوا له : إن صنهاجة بغرة منهم و غفلة ،وأن إبلهم تنتج و لا يستطيعون براحا ،فأغار عليهم بأربعة آلاف من أهل الديوان و ألفين من المتطوعة و من قبائل البربر (التي دخلت في الاسلام و انضمت للجيش ) ،و خلف عياشا على أثقال المسلمين و عيالهم بظبية في ألفي فارس , و على مقدمة موسى عياض بن عقبة ,و على ميمنته المغيرة بن أبي بردة ،و على ميسرته زعة بن ابي مدرك ،فسار موسى حتى غشى صنهاجة و من كان معها من قبائل البربر و هم لا يشعرون ،فقتلهم قتل الفناء ، فبلغ سبيهم يومئذ مئة ألف رأس ، ومن الإبل و البقر والغنم والخيل و الحرث والثياب مالا يحصى ، ثم انصرف قافلا إلى القيروان.[12] 7) ( ..ثم ان عبد الله بن مرة قام بطالعة أهل مصر على موسى في سنة تسع و ثمانين ،فعقد له موسى على بحر افريقية ،فأصاب سردانية ، و افتتح مدائنها ، وبلغ سبيها ثلاثة آلاف رأس ,سوى الذهب و الفضة ...)[13]. 8)وغنم ( موسى بن نصير ) أموالا كثيرةً جزيلةً، ومن الذهب والجواهر النفيسة شيئا لا يحصى ولا يعد، وأما الآلات والمتاع والدواب فشيء لا يدرى ما هو وسبى من الغلمان الحسان والنساء الحسان شيئا كثيرا، حتى قيل أنه لم يسلب أحد مثله من الأعداء، ....، وكان إذا سار إلى مكان تحمل الأموال معه على العجل لكثرتها وعجز الدواب عنها [14] **السؤال المحير هو لماذا تغافل المسلمون على تطبيق آيات الجهاد دون حصافة وتأويل يناسب المواقف التي اعترضتهم ؟؟، فمن باب العدل أن يعاملَ العربُ المسلمون أهالي البلاد المفتوحة بمثل ما عوملوا به أثناء كفرهم ، فكفارهم هم الذين اعتدوا على المسلمين قتلا وتعذيبا وتغريما وتهجيرا ،وليس العكس ، وآيات الجهاد في سورتي ( التوبة )و(محمد) و(البقرة ) نزلت في حقهم معاملة بالمثل أو رد فعل إلاهي ضد جبروتهم ،َ(قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )[15]، وشتان بين الجهادين الدفاعي والهجومي ، فالأمازيغ لم يحتكوا بالإسلام ولم يعرفوه ، ولم يحاربوه ، بالطريقة التي فعلها عرب قريش ، فكان الأجدى الدعوة للإسلام بينهم سلما وبالتي هي أحسن ،وإعطاء وقت مناسب للنظر والفهم ، عن طريق إرسال الدعاة إليهم ، والإتصاف بالمثل العليا لجلبهم، وإثبات نواهي الرحمن وعطفه ورحماته في دنيا الواقع تطبيقا وممارسة من قبل الغزاة ، تماما كان يفعل الرسول الأكرم مع الكفار الذين أحاطوا به ، أو كما فعل صحابته الكبار ، وفي قصة الخليفة عمر رضي الله عنه مع المرأة اليهودية أسطع دليل عن ذلك[16] ، لأن العرب هم كانوا في الأصل كفرة فجرة مثل الأمازيغ أو أشد ، مصداقا لقوله تعالى( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ، كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ، فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا)[17]، والأمازيغ لم يهاجموا الإسلام في أرضه و دياره ، كل ما فعلوه هو الدفاع المشروع عن بلادهم وأراضيهم وأرزاقهم وعيالهم ضد جبروت سياسي أموي أشد ظلما من جبروت الوندال والبزنطيين ، لأنه اتخذ من الإسلام غطاء لتحقيق طموحه ومآربه في التوسع والكسب الحرام . **أحدثت غزوات موسى بن نصير هلعا ورعبا في نفوس الأمازيغ ، فأخذوا يستأمنون العرب على أنفسهم ويستسلمون تدريجيا لهم ، وبذلك نجح في اخضاع المغرب كله باستثناء سبتة المنيعة ، وهو في ذلك كله مهتمٌ بما كان يجنيه من مغانم وسبايا ، ولم يكن يحفل بما تتركه هذه الغزوات العنيفة القاتلة في نفوس المواطنين الأصليين ، وبذلك تأصل الحقد ، ونمت الكراهية للعرب في نفوس الأمازيغ ،خاصة بعد أن (سكنها كل فظ غليظ من الأعراب ، يحرج بجفائه الأحنف ويغيظ ، لا جرم أنهم يقرؤون القرآن والتنزيل ، ويوالون المنفض بالجميل )[18] وقد أخطأ موسى بن نصير التقدير وعجز عن فهم بعض من الخصائص فيهم ، فهم في حقيقتهم أقبلوا على الإسلام حبا في المساواة لا طلبا للإستعباد ، وهم جنس غضوب ومحارب ، لا يختلف كثيرا عن العرب في طبائعه، فلهذا وجد فيهم العربُ عداوة أشد مما لقوه في مواطن أخرى عند الفرس أوالروم ، لهذا انقلبوا بعد إسلامهم إلى صفوف المعارضة بتبني الفكر الخارجي ( الصفري والإباضي ) لعله يكون مخرجا منصفا في حقهم . ** فغزوة موسى بن نصير ، هي غزوة الأسلاب والسبايا ، فيذكر المؤرخون العرب أن سباياه زادت عن ثلاثمائة ألف رأس ( 300 ألف ) ، فكانت بلادنا آنذاك مصدرا أساسيا لجلب العبيد الذين زودوا أسواق النخاسة المشرقية بأصناف شتى من بناتنا اللواتي سقن قهرا نحو المشرق ، وتنافس الأمراء والخلفاء على شرائها لاستخدمها في العمل الإجتماعي والتسري لترقيتهن إلى ( أم ولد ) في حالة الإنجاب من سيدهن ، وتروي المرويات أن 34 من أصل 37 من خلفاء العباسيين أمهاتم سبايا و من أصول غير عربية ، ولكم أن تتصوروا المعاناة التي يتعرض لهن هؤلاء النسوة ، وباسم الإسلام الذي يدعوا إلى تجفيف منابع الرق ؟ والعجيب في الأمر أن بعض الأمازيغ المسلمين شاركوا إخوانهم العرب في الجرم ، من باب التماهي والإقتداء ، فكانوا تلامذة نجباء للعرب في تغليب أخوة الإيمان على أخوة الأوطان ، لترسيخ قيم دينية بين صفوفهم تدعوا إلى تفضيل العرب وبوس أيديهم وأرجلهم ،وهو ما وفر للعرب المسلمين قوة إضافية جعلوها رأس حربة غامروا بها في غزو الأندلس، ثم التحقوا بهم لجني المكاسب المادية والمعنوية لصالحهم حسب ما يشير إليه المؤرخ ( دوزي)،بقوله : "( أما موسى وأصحابه العرب، فلم يعملوا أي شيء غير جني ثمار انتصار طارق والاثنا عشر ألف بربري على جيش القوط[19]. **عاد موسى بن نصير نحو الشرق ومعه مولاه طارق بن زياد بعد أن نصب ولديه على ولايتي الأندلس والمغرب ، وبعد أن أتم له غزو( أكثر الأندلس ، و رجع إلى إفريقية وله نيفٌ وستون سنةً، وهو راكب على بغلٍ اسمه كوكب ،وهو يجر الدنيا بين يديه جراً، أمر بالعجل تجر أوقار الذهب والجواهر والتيجان والثياب الفاخرة ومائدة سليمان، ، وأخذ معه مائةً من رؤوس البربر، ومائة وعشرين من الملوك وأولادهم، وقدم مصر في أبهةٍ عظيمة[ 20]. مهما ذكرنا وقلنا ، فإن ما نقوله لا يمثل سوى قطرة من بحر التظلمات التي أقترفت في حق الأمازيغ ، الذي كان نقلهم للعدوة الأخرى ( الأندلس) نوع من التنفيس والإلهاء ، وصرف الأنظار على ما يقع في شمال افريقيا من تجاوز ، أو إلهاء بانتصارات ألهبت النفوس ، أفادت العرب أكثر من القائمين بفعل التوسع ، وهو ما أورث البلاد سلسلة متشابكة من المشاكسات والغارات والغزوات المشرقية ، التي جوبهت بمقاومة عنيفة ، تلاه إقبال على الإسلام ، أو إدبار عنه ، تبعا لسياسة قادة الغزو المبهمة ،التي لم تفصح عن حقيقتها : أهي نشر للدين ؟؟ أم حب السيطرة ،وشهوة الغزو والمغنم ، وكثرة السبي ، ؟؟ ، فكانت البلاد بذلك مصرعا للتجاذب شابه الإستعطاف والإكراه والتعسف ، قابله التحدي والعناد بين أقوام وافدة تظهر سيفا ودما ، وتنشد إسلاما ؟ ، وأخرى أصلية أصيلة تنشد الأمن والحرية ، وهم الذين فهموا بعضا من تعاليم الإسلام بعد كبير عناء ، وأدركوا بعد لأي ، بأن ما يطبقه الغزاة من جور وتعد هو سياسة أموية مقرفة ، لا علاقة لها بالدين الحنيف ، فاقتنعوا بالإسلام واستعدوا لمقارعة الجبروت الأموي تحت خيمته لا خارجها ، بفكر خارجي ( صفري وإباضي) معارض وافد وجد ضالته بين الأجداد لتشابه في الهوى والمطمح . المراجع والهوامش ******************** [1]المقري التلمساني ، نفح الطيب ج1 ص 250 [2] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب ...ص 205. [3] ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ،ج1 ص 42. [4] ابن خلدون ، العبر ، ج 4 ص 220. [5]ابن عذارى المراكشي ، البيان المغرب ، ج1 ص 42. [6] سورة الحجرات ، الآية 13. [7] الذهبي ، تاريخ الإسلام ، ص779. ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، ص 229. [8] المصدر السابق ، ص728. [9] ابن عذارى المراكشي ، البيان ..ج1،ص 41. 10]،[11][12]،[13]ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة ، باب موسى بن نصير . [14] ابن كثير ، البداية والنهاية ،باب موسى بن نصير. [15] سوة البقرة ، الآية190. [16] قصة اليهودية التي شكت للخليفة عمر عوزها، أكرمها من بيت المال وساومها بدعوتها للإسلام ، فقالت : أما هذا فلا يا أمير المؤمنين ؟ ، فندم عمر على دعوتها ، وكلما تذكر يردد ، يوما ن يؤرقان عمر دائما ، يوم الحديبية ، وقصة اليهودية . [17] سورة النساء ، الآية 94. [18]الرحالة العبدري البلنسي ، الرحلة المغربية. [19]دوزي، تاريخ إسبانيا الإسلامية، الترجمة العربية، ج1، ص: 156. [20]الذهبي ، تاريخ الإسلام ، ص 778. |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [5] |
|
عضو برونزي
![]() |
الغزو العربي لشمال إفريقيا ( أرقام ودلائل )
الطيب آيت حمودة 2010 / 9 / 14 ارتأيت جمع المشتت من المعرفة ، وبناء فكرة مجملة على موضوع الغزو العربي لشمال إفريقيا ، قصد قراءته قراءة موضوعية وفق منظور أفقي وعمودي ، قد نصل من خلاله معا إلى استنتاجات تظفي على الموضوع أبعادا جديدة ، ولكي يتسنى ذلك لا بد من حصر القيم المعرفية وتجميعها في أفكار ، وبالأفكار نبني علائق وتعميمات وقد نصل في الأخير إلى استخلاص عبر نتوكأ عليها حينا ، أونسترشد بها مستقبلا لوزن مقدراتنا وقيمنا الذاتية التي تحتاج فعلا إلى تثمين وتقويم. ***أرقام مبهمة..... لكنها ناطقة : 1) الإعتقاد الذي رسخه العربان ، ومن سايرهم من ذوي العرفان ، أن الفتح الإسلامي لبلاد المغرب تم سلما وبضربة واحدة قاصمة حاسمة، ومارسوا الطمس والإخفاء قدر الإمكان قصد التمكين لأنفسهم وذويهم، وكثيرا ما قالوا بأن الإسلام نشروه سلما بين الأمازيغ ، وما جاءوا إلا محررين وناشرين لديانة رحيمة تدعوا للإخاء والتسامح والمحبة ، وأثبت التاريخ عكس ذلك كله . 2) استمرت عملة غزو إفريقية مدة طويلة قدرها المؤرخون بأزيد من سبعين سنة ( 70 سنة ) أي من 25 هجرية إلى غاية نهاية ولاية موسى بن نصير عام 95 للهجرة ، في حين أنها لم يزد غزو مصر عن عامين ، والشام عن سبع سنين ، فالغزو العربي للشام ومصر كان فاصلا في سنواته الأولى في حين تأخر عندنا لأسباب مختالفة كنا قد تعرضنا لبعضها خلال معالجة الغزوات الثمانية المرصدة . 3) الغزوات العربية الإسلامية الثمانية لبلاد ( تمازغا). حدثت في عهد حكم ستة من الخلفاء ، راشدي واحد ( عثمان بن عفان)، وخمسة من خلفاء بني أمية ( معاوية بن أبي سفيان ، يزيد بن معاوية ، عبد الملك بن مروان ، الوليد بن عبد الملك ، سليمان بن عبد الملك ) ، وتتابع ثمانية من أمراء الجند سميت عادة الغزوات بأسمائهم ، هم ( عبد الله بن أبي سرح 27 للهجرة ، معاوية بن حديج 45 للهجرة ، عقبة بن نافع على فترتين 50 هجرية و62 هجرية ، أبا المهاجر دينار ، 55 هجرية ، زهير بن قيس البلوي 69 للهجرة ، حسان بن النعمان 74 للهجرة ، موسى بن نصير 85 للهجرة . 4) وظف الغزاة عددا هائلا من الجند النظامي والمتطوعة ، ومن الفرسان الخيالة والمشاة ، قد تصل ترسانتهم الإجمالية إلى ما لا يكفيها العد ، والمؤرخ العربي يتلاعب غالبا بالأرقام ، فيجعل العدو دائما متفوق على العرب المسلمين من حيث العدد بعشر مرات غالبا ، ألف ضد عشرة الآف ، عشرة الآف ضد مائة ألف ... فالأرقام غير مضبوطة والتواريخ لا تطابق فيما بينها غالبا ، وأكثر الغزوات تعدادا في جندها حسب المصادر ، غزوة حسان بن النعمان لغرض محو هزيمة زهير بن قيس البلوي ، والقضاء على مقاومة ديهيا ، بلغ تعدادها أزيد من أربعين ألفا من جند الشام ، وبمجرد نهاية الغزو يتبخر الجند عائدا إلى المشرق أو أنطابلس ، حتى القيروان لم تكن معسكرا حقيقيا إلا ما بعد حسان بن النعمان وهزمه لديهيا البترية ، فاستقرار جند العرب المسلمين بالقيروان خلال الحملتين الأخيرتين بدأ فعليا زمن حسان، وتطور في عهد ولاية موسى بن نصير خاصة بعد خلق قاعدة متقدمة بطانجة تولى القيادة فيها طارق بن زياد. 5)غادر الغزاة إفريقية وانسحبوا منها كلية ، خلال الغزوتان الأولى والثانية ، لأن قادة الغزوتين جاءوا للإرتزاق من مغانم افريقيا ، وأنساهم ذلك بُعد نشر الإسلام ، فمجرد ما ينتهي الإنتهاب ويتضخم المُجمّعُ من السبيي والمغانم العينية ، يزداد خوف العربان من هجمات مرتدة قد تضيعُ عليهم ما جمعوه ، فلهذا يسرعون الخطى للعودة بما أفاء الله عليهم من خيرات إفريقيا وأنعامها وأسلابها ، وتراجع العرب ثلاث مرات كرها ، بعد مقتل عقبة ، حيث فروا من القيروان باتجاه أنطابلس بليبيا ، ونفسه تكرر بعد مقتل زهير بن قيس البلوي على يد البزنطيين ، وكذا انهزام حسان بن النعمان الذي لا حقته ديهيا حتى حدود إفريقية الشرقية. ومن هنا يتضح بأن العرب المسلمين ارتدوا نحو الشرق خمس مرات ، فكانت القيروان بلا معنى إلى غاية زمن حسان في حملته الثانية ، وموسى بن نصير الذي استقر العرب المسلمون فيها بقوة ، أما قبلها فكانت المدينة مربضا للأهالي المسلمين بمختلف ألوانهم ونحلهم دون الجند . 6) تبعية إفريقيا تأرجحت بين التبعية لوالي مصر ثلاث مرات ، ( عبد الله بن سعد ، ابن مخلد الأنصاري ، عمر بن عبد العزيز) وإلى الخلافة الأموية المباشرة حيث يتكفل الخليفة نفسه بتعيين وعزل أمراء الغزوات على إفريقية ، تعيين الخليفة معاوية بن ابي سفيان لمعاوية بن حديج ، و عقبة بن نافع في عهدته الأولى ، و تعيين الخليفة يزيد بن معاوية لعقبة ثانية بعد عزل أبي الهاجر دينار ، وعبد الملك بن مروان يعين زهير بن قيس البلوي ، ثم حسان بن النعمان . 7) كثيرا ما ساءت العلاقات بين والي مصر عبد العزيز بن مروان ، شقيق الخليفة عبد الملك ،وقادة الغزو في إفريقية ، فالوالي كان ينشد الهيمنة على هذه الولاية الجديدة لما تدره من منافع ، وهو ما أحدث تصادمات مع أمراء الغزو ، واتضح ذلك جليا في عهد زهير بن قيس البلوي ، وعهد حسان بن النعمان . بحيث أن الكثير من أنعام إفريقيا ومغانمها وسبيها يُسلب جزء مهم منه في مصر قبل وصوله إلى دار الخلافة في دمشق بجمركة مسبقة (حقوق المرور) ،ويذكر التاريخ أن حسان بن النعمان مرر القطع الفضية مخفية في قرب الماء ، لضمان وصولها وإيصالها لخليفته عبد الملك بن مروان . 8) الغزوات العربية الموجهة لغزو شمال إفريقيا تباينت في أهدافها وإن تشابهت في أساليبها ، التي طبعها القهر والتقتيل والسبي والنهب لخيرات البلاد ، فالأولى منها كانت تبحث على المغانم على طريقة ( أسلب واهرب ) ، وأخرى انتقامية خالصة كالتي قادها زهير بن قيس البلوي للقضاء على آكسل قاتل عقبة بن نافع في تهودة ، أو حملتا حسان للقضاء على ديهيا البترية المقاومة الشهمة للوافدين باسم الإسلام والإسلام من أفعالهم بريء، أما الغزوتين الأخيرتين ففيهما نفحات مما يعرف في التاريخ بالغزو الإستيطاني ، أي التمكين للوافدين على حساب الأهالي المحليين . 9)أطول الغزوات زمنا ، وأكثرها تأثيرا هي الغزوة الأخيرة ( غزوة موسى بن نصير ) التي استمرت زهاء العشر سنوات ، (95/85) ، فهي فعلا غزوة التحكم في زمام الأمر ، وغزوة الإستقرار النهائي ، وإخضاع الأمازيغ للإمر الواقع ، وتجنيدهم كمرتزقة لخدمة أجندة الدولة الأموية العسكرية التوسعية في القضاء على جيوب المقومة الأمازيغية بالإخضاع القسري والترهيب والقتال ، أو أسلوب الرهن في حالات الخضوع وطلب الصفح ، لضمان الهدوء وعدم التفكير في التمرد على الأوضاع . 10) الغزوات العربية لشمال افريقيا كانت تصادم عسكري ، فلا أثر فيه للحضارة والدين ، فكل ماكان هو غزو وسلب ونهب وقتل ثم تراجع عن المكان دون أثر يذكر ، فلا تأثير ولا تأثر ، فالعلامات الدالة على نشر الإسلام غائبة تماما إلا ماندر ( غزوة أبا المهاجر دينار ) ولا ذكرلها في المصادر والمراجع المعتمدة ، فالجهد كله موجه للقتل والقتال والمغانم والسبي ، فلا فقهاء ، ولا دعوة صريحة ، ولا لقاءات سلمية حميمية بين المسلمين والكفار لإفهامهم فحوى هذا الدين الجديد . *** مدلولات لها معنى ..... وبلا عاطفة. إن هذه الأرقام المرصدة ، والمقارنات المعقودة ، قد تصل بنا إلى دلائل مستفزة ، قد لا يقبلها بعضنا لانغراس قناعات في وجدانه يصعب انمحاؤها أو التنكر لها، ولو هي من سقيم الفكر ، ونحن لسنا هنا للإنتقاص من عظمة الإسلام ولا من تعاليمه المتسامحة الرحيمة ، وإنما الغرض تبيان الخطأ البشري وسعيه الدؤووب لجعل الدين خاضعا له ، خادما طيعا طائعا لمساعيه الدنيوية ولو هي دنيئة ، وقراءتُنا للفعل لن تقبل من الكثيرين لأنها شذت عن قراءات سابقة مطبلة ومؤيدة ، جعلت من المدنس مقدسا ، ومن المقدس مدنسا ، فكل من خالف المنهج ولو بالدليل والبرهان يعد شاذا وناقص دين ، كما أن أقوالنا لا يجب أن تحسب بأنها ضد الأجناس ،وإنما هي موجهة للأفعال التي قام بها البشر الذي لا عصمة له ، وكثيرا ما أحاط الناس أنفسهم بسياج قدسي كاذب لحماية أنفسهم من زلات الزمان ، وهو ما سنستخلصه من الأرقام الصماء المتحولة إلى ناطقة . *المشرق والمغرب .. تصادم أم تفاعل ؟ استقراء التفاعلات القائمة بين مجتمعين مشرقي يحمل دينا جديدا بأبعاد عقدية واجتماعية وانسانية وحضارية ، ووسيلته هي الجهاد الهجومي بأسلوبه القتالي الدموي شعاره مستخلص من القرآن بفهم نكوصي وتأويل فاسد لقوله تعالى في الآية 29 من سورة التوبة : [قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدي وهم صاغرون ]. وآيات أخريات شبيهة كالخامسة من سورة التوبة القائلة [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ]، ولا غرو أن هاتين الآيتين وأمثالهما نزلتا لعلاج أوضاع آنية في زمنها ومكانها ، وهي مرصدة للجهاد الدفاعي ضد كفار قريش الذين اعتدوا على المسلمين وقهروا الإسلام في بدايات ظهوره وانتشاره ، ولا يمكن التذرع بهما لقهر الأمم الأخرى البعيدة عن محيط إرهاصات ظهور الإسلام وتفاعلاته المتسنجة داخل شبه جزيرة العرب ، فالأمم البعيدة كما هو الشأن بالنسبة للأمازيغ ، إيصال الإسلام إليها يحتاج إلى جهاد حضاري ، وثقافي ، وعاطفي ، تتغلب فيه القدوة والمثل الأعلى ، فهو جهاد شاق صعب المنال لكنه مضمون الفوائد ، غير أن الغزاة أساءوا التقدير، وأولوا آيات الرحمن حسب طبائعم وبدويتهم ، وانتهجوا أساليب إسالة الدم بما يشيب له الولدان ، و هو ما أورث المجتمع المغاربي ردات وتسنجات لا زلنا نعيش آثارها إلى يومنا هذا ، وهو الذي كان تواقا للحرية ، ميالا لقبول الدين الجديد منذ صولات بن وزمار المغراوي الزناتي الذي كلفه الخليفة عثمان بن عفان بتولى نشر الإسلام بين قومه، لو عرف العرب المسلمون الغزاة كيفية إيصاله لهم ؟؟ . * مفاهيم خاطئة .... بدلالات عكسية . مفاهيم الفتح والغزو عند بعض العربان تستخدم بالمقلوب ،[ فالفتح] بالتعبير البسيط هي عملية ايصال الإسلام لغيرنا بالطرق السلمية فلا إكراه ولا ترهيب ، ولا قتل ، ولا حجز ، ولا دماء تراق ، كل الأمر يتم عن طريق الإقناع والحجة ، والجدال بالتي هي أحسن ، أو عن طريق الإقتداء والتقدير والإعجاب بصفات تظهر في تعاملات الداعية ، وهو ما كان في انتشار الإسلام في أقاصي آسيا من الملايو إلى جاوة وسومطرة وأجزاء أخرى من الفليبين . أما[ الغزو] فهو ايصال الإسلام الى ذوينا أو غيرنا بأساليب الإكراه والقتال ، وقد يصل حد القتل ، وما يرافق ذلك من تعد مقرف على النفس البشرية إذلالا وتصغيرا واحتقارا واستعباد ا تحت قناع العبودية والسبي وحتى الجزية فهم يقدمونها صاغرون . الإسلام وصل إلى أجدادنا في شمال افريقيا على مدار سبعين سنة من الزمن ، استعملت فيه القوة ، وخضع من خضع ، وقاوم من قاوم، وسالت أودية من الدماء عبر أزيد من ثمان غزوات ، سقط من الجانبين الكثير من الأنفس البشرية لا نعلم هل هي في الجنة أم النار ؟ فهل ما وقع فعلا ينطبق عليه تسمية [الفتح ] ؟ أم أن المقصد هو تخفيف من صدمة [الغزو] وترقيقها ، أوتحسين لصورته ؟ القاريء الحصيف والمؤرخ النزيه يسمى الأسماء بمسمياتها مهما كانت قاسية ومستهجنة ، فحروب الرسول سميت غزوات ، وحروبهم في شمال إفريقيا أطلقوا عليها الفتح الإسلامي ؟، فالمؤرخ الجزائري مبارك الميلي صاحب كتاب تاريخ الجزائر القديم والحديث يذكر الفعل بالغزو العربي لشمال إفريقيا ، تلك حقيقة شئنا أم أبينا . * غزو الأعراب لشمال إفريقيا فعل سياسي وليس ديني . المتتبع لسلسلة تموجات الغزو يكتشف بأن وراء الفعل سياسة دنيوية ، فالغزاة كانوا معينين في الغالب من خلفاء أو ولاة سياسيين لا يحملون من الإسلام إلا الشعار، فدولة بني أمية كلها بخلفائها وأمرائها وقادتها ( باستثناء عهد عمر بن عبد العزيز )كانت دولة دنيوية همها التوسع وكسب المنافع الدنيوية والجاه ، ولم تجعل نشر الإسلام في أجندتها إلا عرضا ، وأمراء الجند حريصون على تلبية أطماع دار الخلافة من نفائس البلاد المتوسع عليها ، لأنها بقاءهم في مناصبهم مرهون بما يرسلونه بعد أن ينهبوه من أهاليه ، ولهذا لا يمكن تجريم الإسلام باسم هؤلاء الذين أساءوا للإسلام أكثر مما نفعوه ، فعندما تسلب الحقوق من أصحابها ، ويجبر الأمازيغي على بيع أبنائه ، لتسديد الجزية لينعم المشرقي برغد العيش ، وتوزع الدنانير الذهبية بينهم بالقفاف والصاع ، فذاك يدعوا إلى التأمل والتفكير للبحث عن مكمن الخطأ ، هل في الإسلام نفسه أم في المسلم الذي لم يسعفه مخه فهم تأويل آيات الرحمن بما يليق ، خاصة وأنها نزلت بلغتهم وبلسان عربي مبين . * التاريخ سجل الزمن ... الحقائق فيه هي المقدسة . التاريخ لا يعير كبير اهتمام للمقدس الديني ، فالإمام الطبري رغم ورعه وتقواه ، ذكر في كتابه ( تاريخ الرسل والملوك ) حقائق تاريخية عن المسلمين يندى لها الجبين ، ولا يمكننا القول أنه ناقص دين ، فالأحداث دونت وروجت في الكتب ، فالعارف والمطلع مدرك لذلك ، أما المستنكر والمستهجن عن جهالة وجهل ، والذي يلتجأ أحيانا إلى السب ورمي الناس بتهم باطلة فذاك مرده أنه ناقص علم بما قيل ، فالحادثة الواحدة قد تنتابها تفسيرات متنوعة بتنوع المفسرين لها ، لكن الحادثة تبقى كما هي دون تغيير . * تمزق المجتمع الأمازيغي .... بين مؤمن وكافر . بدخول العرب المسلمين عدوة المغرب المعروف آنذاك باسم (إفريقية) ، تشتت المجتمع المغاربي ، بين مسلم كافر ، فالمسلم اتصف بصفات العرب ولبس لباسهم ، وتجند في صفوفهم لضرب إخوانه في الوطن ، ومهما كانوا فهم من الموالي العجم ، فهذا مولى عقبة ، وذاك مولى زهير ، وآخر مولى حسان ، والمولى في العرف العربي دونية و تبعية معنوية ، فكل ما يفعلونه من خير ينسب لسيدهم ، فطارق بن زياد مولى موسى بن نصير ، فبالمفهوم العروبي غزو الأندلس ينسب لموسى بن نصير العربي ، وليس لطارق بن زياد الأمازيغي ، فطارق ذراع لوليه ، وفي حالة الإساءة أو الفشل أو الخسران ، فإن تلك الإساءة واللوم تحسب على المولى وليس على سيده ، أما الباقي من الأمازيغ فهم غير مؤمنين يجوز فيهم القتل والإسترقاق والإستعباد ، فلا خيار سوى أن تكون مثلهم وطوع بنانهم ، وإلا فستطبق عليك آية السيف بأقسى صورها ، ولا يقبل العرب الندية أبدا وإنما يقبلون الدونية والركع السجود، وبذلك استبعدت القيم الوطنية تاركة مكانها للقيم الدينية ، فأصبح مقياس الإيمان والكفر هو ديدن المجتمع ، وتسارعت أقوامنا للبحث في متنفس لها في أرومة العرب ، فعُبدت أسماؤهم وحُمدت تشبها بالمنتصرين ، وكثير منهم ادعى النسب الشريف على شاكلة أبو مسلم الخرساني وابن تومرت ماضيا ، والقذافي حاليا . * جوهر الغزو ... نشر الإسلام أم الغنيمة و نشر العربان . كل ما أفقهه أن المسلمين مطالبون بنشر الإسلام بالطرق المنصوص عليها شرعا داخل بلاد العرب وخارجها ، وبالطرق السلمية ، ويبدوا أن هذا السلم عمل شاق ومتعب لا فائدة ترتجى منه ، فعمدوا إلى امتشاق السيوف حنينا لماضيهم البدوي وغزواتهم فيما بينهم ، فزحفوا على الجوار فانتصروا ، والإنتصار مشجع على الإستمرار ، وبالإنتصار تدفقت جراء الغنيمة سيول من الأموال ، قيل أن الثراء المغنوم أدى ببعضهم شراء الجارية بوزنها ذهبا ؟ فيذكر المؤرخ العربي أن عبد الله بن سعد في غزوته لأفريقيا عام 27 للهجرة صالحه الأمازيغ على مغادرة بلادهم دون رجعة ، بذهب وزنه قدر بثلاث مائة قنطار ، فكان سهم الفارس العربي منها 15 كلغ ذهبا خالصا والجندي الماشي أخذ مايقارب 5 كلغ ( راجع معلومات الغزوة الأولى 27 للهجرة )، فيبدوا أن العرب المسلمين عندما وصلت جيوشهم مشارف إفريقية بهتوا حائرين ، وقد يكونوا وضعهم شبيها بما أورده الشاعر العراقي إليا أبو ماضي قائلا : جئت لا أعلم من أ ين ؟ ولكني أتيت ، ولقد أبصرت طريقا قدامي فمشيت، وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت ، كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري ؟؟؟. فكانت أفعالهم تخالف معتقدهم ، ففي الأول غزو ونهب وسلب ، ثم رجوع بلا فعل ينبؤ بأنهم جاءوا لتغيير معتقدات فاسدة ، ونشر بديل لها بين جموع البشر ، لأن استراتيجية الفعل الأول تختلف حتما عن استراتيجية الفعل الثاني ، فلوا قصدوا نشر الإسلام لكانت مقدمتهم جموع الدعاة والفقهاء وأهل الخير ، ولكانت أياديهم تحمل المصاحف العثمانية لتوزيعها على الناس بعد ايمانهم وتعليمهم ، ولركبوا الناقة بدل الحصان ، ولأرسلوا دعاتهم على عجل لكل بقاع إفريقية يعرفون بدينهم ..... غير أن السيف سبق العذل، أو سبق السيف العذل كما يقول المثل العربي . فقد أغوتهم الدنيا بطرائفها فاستحوذوا على البلاد وجلبوا إليها في حملات متتابعة اليمنية والقيسية ، فاستبدلوا نهج نشر الإسلام بمنهج جديد هو نشر العربان في شمال إفريقيا ، ما دام هناك عبادٌ لهم قابلية الإستعباد حسب رأي مالك بني نبي . * الحقائق المغيبة ... سلاح لإصلاح المعوج . كثيرا ما يقال بأن النبش في التاريخ مدعاة للفتنة ، وأنه عفا الله عم سلف ، وأن من الحقائق ما يجب إخفاؤه عمد ا، حتى لا يصاب المجتمع بصدمة ونكسة ، تقديري أن الأخطاء وسوء النية يجب كشفهما ، لأن التاريخ بحدين ، وهو لا يرحم ، فما أخفي قد بان واتضح ، والهدف من تبيانها وكشف المستور منها أو عرضها بطرق مغايرة هو اثبات بأن النظر بعين واحدة عمل قاصر ، وأن كشف الأخطاء وإدراك نتائجها يبعث على تجنب الوقوع في نفس الخطأ ، فتغييب الرأي الأمازيغي في كتابة تاريخه مجلبة للضرر ، وتقصير للنظر ، فلولا ابن خلدون لما كان لنا تاريخ ، وإن كان فهو بتصور غيرنا لا تصورنا ، فالأسبان لهم مؤرخون أفذاذ صاغوا التاريخ الأندلسي بعقليتهم لا بعقلية العربان ، وكان مسلمهم ( ابن القوطية ) نسبة إلى القوط مقارع ومصدر مهم لرؤية رأي الأسبان فيما وقع في بلادهم ، إلا نحن ، إمعية مفرطة ، وببغائية مقلدة ، ولو قلنا فإن أقوالنا تصطدم بجدار صد من ذوينا مؤدلج منذ 14 قرنا ، يجعلنا من الكفرة الفجرة ، ويعجبني قول ابن حزم مغتاظا من الشرق وهو يقول( أنا الشمس في جو العلـوم مـنـيرة ، ولكن عيبي أن مطلعي الـغـرب )، فالمشرق والمغرب صراع قديم جديد ، وما نذكره ليس رأيا شخصيا مستقلا ، وإنما هو نابع من قرءات عدة ومن مصادر موثوقة مشرقية إسلامية عربية اللسان والهوى لا تغريب فيها ، لكنها بمنظور مغاربي ، نازع لإبراز الذات المغيبة ، وكشف الطموسات المقترفة التي استعملت فيها كل أساليب الدس والخداع والنفاق ، في تغليب قوم على أقوام بوجه لا حق فيه . مفصل القول أن حركية الغزو العربي الإسلامي لشمال أفريقيا بتعدد غزواتها الثمانية ، وطول مدتها ( 70 سنة) ، لا يمكن أن تكون فتحا بقدر ما كانت غزو مبينا ، وكل الشواهد دالة على سوء التقدير في فتحها على لسان مؤرخين كبار ، واتضحت مدى ارتجالية الفعل ومدى فداحة الأخطاء المرتكبة المتكررة على الدوام ، فالأخطاء التي ارتكبها الغزاة في الحملة الأولى تكررت تباعا في الغزوات الموالية ، ولم تشذ عنها سوى حملة أبا المهاجر دينار نسبيا، التي كانت متميزة في عملها على نشر الإسلام على أوسع نطاق بين قبائل البرانس ، وهو ما يدعونا إلى طرح سؤال صريح هو : هل الأخطاء المرتكبة أيام الغزو العربي لشمال إفريقيا هي من تعاليم القرآن ؟؟ ، أم أنها من نسج الفقهاء بتأويل فاسد لآيات الجهاد بمرجعية عربية جاهلية ؟؟ أم أن قادة الغزو لم يكونوا في مستوى ايصال الإسلام إلى لأمم الأخرى دون تشويه لأهدافه ومراميه ؟؟ فالخطأ موجود لا محالة ، لكن تحديد المخطيء يحتاج إلى معرفة وإدراك وشجاعة أكبر ، فالأمم الغريبة تزن الإسلام بأفعالنا وليس بأقوالنا ونوايانا ، فهم حاليا يحكمون على الإسلام من خلال أفعال المسلمين في الصومال وأفغانستان والسودان وجنايات الطالبان وشباب الإسلام وبوكو حرام . |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [6] |
|
زائر
|
مرحبا يا غالي
موضوع غزوات شمال افريقية موضوع مهم جدا. لكن لو امكن بالراحة علينا و تلخص لنا الموضوع تحياتي. |
|
|
|
رقم الموضوع : [7] |
|
زائر
|
لم يجد المسلمون صعوبة بالغة في كل غزواتهم للبدان الاخرى بقدر ما وجدوها عند محاولة غزوهم لشمال افريقيا نتيجة المقاومة العنيفة للامازيغ
و تعتبر شمال افريقيا ايضا المنطقة الوحيدة التي استمرت بها معارك المسلمين لاجل اقتحامها زهاء عقود من الزمن لكنهم بعد ذلك ارتكبوا جرائم فظيعة في حق العزل المسالمين و نهبوا اموالهم و مواشيهم لانه لم يكن همهم الاول نشر الاسلام بل نهب و سلب اكبر قدر ممكن من الغنائم |
|
|
|
رقم الموضوع : [8] | |
|
زائر
|
اقتباس:
تحياتي. |
|
|
|
|
رقم الموضوع : [9] | |
|
عضو عامل
![]() |
اقتباس:
هذا البحث جيّد جدّا، و به مادّة علميّة مكثّفة، لولا أنّ كاتبه متخصّص في مَكْيَجَة النصوص! |
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [10] | |
|
عضو عامل
![]() |
اقتباس:
|
|
|
|
||
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| آية, إسلام, أفريقيا, الغربي, العضو, الطيب, دموية |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| شريط التعليق على مناظرة العضو Skeptic مع العضو Muhammed | مُنْشقّ | ساحة المناظرات | 103 | 08-18-2017 05:15 AM |
| الملحد الطيب | فكر حرفكر حر | العقيدة الاسلامية ☪ | 8 | 11-19-2016 09:18 PM |
| أصنام العقل العربي | ابن دجلة الخير | حول الإيمان والفكر الحُر ☮ | 0 | 03-14-2016 09:13 AM |
| كتاب الغزو العربي لشمال افريقية أحمد الزهد | امير الملحدين | ساحة الكتب | 1 | 01-09-2016 02:27 PM |
| نبذة من غزو العربي لشمال افريقيا . | طارق | العقيدة الاسلامية ☪ | 1 | 07-30-2015 12:07 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond