شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات الفنون و الآداب > ساحة الشعر و الأدب المكتوب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 07-05-2015, 05:53 AM شاهين غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
شاهين
الأُدُباءْ
الصورة الرمزية شاهين
 

شاهين is on a distinguished road
افتراضي رسائل حب إلى ميلينا" لمحمود شاهين قصص تثير الخيال وتوقظ حوافز القراءة

رسائل حب إلى ميلينا" لمحمود شاهين قصص تثير الخيال وتوقظ حوافز القراءة
نشره webmaster في 05/03/2014

عرض كتاب

Printer-friendly versionSend to friend
د. إبراهيم خليل*

أعترف – أولا- بأنني لم اقرأ من قبل قصصا وروايات، ولا أشعارا ودراسات، لمحمود شاهين، وأعترف ثانيًا بأن هذه القصص (رسائل حب إلى ميلينا) كشفت لي عن عميق جهلي، وطويل غفلتي، عن عالم هذا القاص. فهي في ما تبدو اختيارات من مجموعات نشرت له في السابق، فالقصة الأولى " موتي وقط لوسيان " من قصص مجموعة منشورة بهذا العنوان في رام الله 1998 و قصة " الخُطّار " هي أيضا من قصص المجموعة المنشورة بهذا العنوان في القدس 1979 وقصة " نار البراءة " هي الأخرى من مجموعة قصص بهذا العنوان صدرت عن دار ابن رشد 1979 ولهذا فإن من فاته الاطلاع على كثير من أعمال محمود شاهين يستطيع باطلاعه على هذه الرسائل إلى ميلينا أن يعرف الكثير من عالمه القصصي بصفة عامة.
فمن اللافت للنظر جنوح الكاتب محمود شاهين إلى ضرْبٍ من السرد القصصي نستطيع أن نصفه بالسرد الشعبي، الذي يلتقط فيه بعض ما يتداوله عامة الناس وينسج منه قصة قصيرة لا تخلو من بعض الطول، ومن الحوادث المشوقة، والفكاهة الدارجة، والعامية، ووصف الأشياء وصفا يقوم على توظيف الذاكرة الشعبية. ففي قصة موتي وقط لوسان تشدنا تلك المتتاليات السردية عن الحيوان، عن القطط، الأليف منها والشرس، وعن الأكباش مرداس ودهمان. وعن القطعان والرعاة. ولا تبتعد بنا عن هذه الأجواء قصة " نار البراءة " التي توظف هي الأخرى ما تختزنه الذاكرة الشعبية عن(البَشْعَة) وعن معتقدات خرافية حول صدقية هذه النار التي تظهر البريء من المسيء، فالقصة تنتهي بتجريم علي الخطيب، مع أن جل الحوادث، والقرائن، تؤكـّد براءته ، وأن مليحة أبو الجدايل، وصقر، هما المجرمان الحقيقيان اللذان ينبغي لهما أن يرجما لا عليّ.
ويلح الكاتب على الأجواء الشعبية في تناوله لموضوع سياسي كنكسة الخامس من حزيران 1967. فنزوح وردة في قصة " النهر الخالد " مع عارف الذي يساعد الراغبين في النزوح من الضفة الغربية للشرقية عبر وادي الأردن، يتحول إلى حكاية تتداخل فيها مرويات شعبية تمتلئ بالكثير عن غرائب اللجوء عام1948، وعن أسباب ذلك ،كالقصص المتداولة عن مذابح دير ياسين، وكفر قاسم، وعن أن من هربوا نفذوا بجلودهم، وأنَّ منْ ظلوا سيموا الخسف. وحتى في تتبع الراوي لحكاية وردة وعارف العلي (مهرِّب النازحين) لا يفارقه حشد الحكايات الشعبية المتداولة عن ذلك النهر، وعمن ماتوا غرقا فيه، وهي النهاية المفجعة التي يتوقعها القارئ لوَرْدة. في حين أن طفلها الذي يحلم برؤية أبيه المقيم في عمان شرقي النهر يعلو صراخه ما ما.. ماما.. في نغمة تسدل الستار الحزين على حكاية أشدّ حزنا من الموت.
وفي قصة (الخطّار) يجد القارئ نهاية مشابهة لحسن بن عائشة العلان، الذي غرق هو الآخر في ريعان العمر في البحر الميت في ظروف تتعلق بانكشاف (الخطّار) لدورية الفرسان الذين يكافحون ويمنعون الاتجار بالملح لأجل المصنع الذي أنشأته الحكومة بأموال طائلة، ولهذا يتسلل الخطار ليلا لاستخراج الملح خفية عن أعين الفرسان، ليعودوا به إلى أمكنتهم في القدس، وبيت لحم، والخليل، وما جاورها على الدواب. وهذا الشاب الذي قتل والده في حرب عام 1948 يحاول التخفيف عن والدته، والاحتفاظ بقطعة الأرض الوحيدة المتبقية لهم من ميراث أبيه الشهيد، بالذهاب مع الخطار، رفقة المعلم علي، الذي يعرف المكان جيدًا، ويعرف الطرق حق المعرفة، ولكنه في ظروف لم تكن متوقعة يلقى حتفه، فيعود إلى أمه التي تنتظره بفروغ صبر جثةً هامدةً، على ظهر حمار في قافلة تعود بالكثير من الملح.
وفي الأثناء ،لا يكف الراوي من جهة، والشخوص من جهة أخرى، عن سرد الحكايات التي تحتفظ بها الذاكرة الشعبية عن تلك التجارة. تجارة الملح قبل أن يصبح بضاعة مزجاة في الدكاكين، والبقالات، تباع بأثمان زهيدة لا تستحق القليل من العناء الذي يبذله الخُطّار في تلك الأيام. ومن الذاكرة الشعبية يستوحي محمود شاهين قصة " جسدي بين صبرا وبسمة ". فبطل هذه القصة ينتظر قدوم صديقته بسمة لمنزله الذي تزدان جدرانه بصورٍ كثيرة جدا للشهداء، وقتلى المذابح، وجرحى المعارك والحروب، وبرك الدماء التي تحيط بأشلاء منْ سَقطوا. وهذا شيء اعتاده تمامًا، ولم يعد قادرا على العيش في غير هذا الجو ، إنه- أي هذا الجو- نصف حقيقته. أما صديقته فتعتذر لأنها لا تستطيع مشاركته السرير في مثل هذه الأجواء: أنا آسفة. بيوت قادتكم ليست هكذا. ألا يوجد مكانٌ آخر لديك؟
بهذه العبارة يعيدنا المؤلف إلى الذاكرة الشعبية، التي تتضمن الكثير من الانتقادات الساخرة غير المباشرة لزعماء التنظيمات. بيوت قادتكم ليست هكذا. عبارة تنطلق على لسان تلك المرأة لتذكره بأن مذبحة صبرا، وتل الزعتر، والأياييل السود، وغيرها.. موجودة في ذاكرة الناس المهمَّشين، والمسحوقين، من أمثال محمود، أحد شخوص هذه القصة، في حين أن بيوت القادة ، والزعماء، الذين تزدان صدورهم بالأوسمة، والنياشين، تخلو مما يذكّر بتلك المذابح. ومع ذلك تظل الآمال تداعب خيال هذا السارد ، فلا يمل انتظار بسمة التي يتوقع حضورها بين لحظة وأخرى. حتى إنه حين تذكّر خلو المنزل من علب البيرة، واعتزم الخروج لاستبدال الزجاجات الممتلئة بالفارغة، أمسك، وامتنع عن الذهاب خشية حضورها قبل أن يعود، وعندما فكر في أن يكتب لها رسالة على الباب، تذكَّر أنها من الممكن أن تتصل بواسطة الهاتف، فتظنُّ أنه لا ينتظرها ، وبالتالي تتخذ من عدم انتظاره لها حجَّة لفصم عرى الصداقة. وأخيرًا يستنتج السارد من الانتظار المملّ أنه أصيب بما يشبه الشلل الدماغي، فلم يعد قادرًا على التفكير، ولا يشغله شاغل سوى الموت، وحضور بسمة التي ينتظر. فقد كان يعتقد من البداية أنها الوحيدة التي تستطيع ترميم جسده المتآكل، وتعيد إليه التوازن، وتوقفُ النزيف النفساني الذي يهطلُ من جسده بجل ما فيه من أوردة وشرايين. وتأكيدا لهذه الحال التي بلغها السارد يروي لنا مشهدا يظهر فيه وهو يجالس بسمة على المائدة، ويشجّعها على تناول الطعام، معتذرًا بلباقة المضيف عن زيادة الملح وعن السلطة العجائبية، وعن شبعه هو قبل أن تشبع هي. يتوهَّم ذلك مع أنه يجلس وحيدًا وطبقها على ما كان عليه، لم يمسّ، وكأسها الطافح بالبيرة تعلوهُ الرغوة. ويندهش القارئ عندما يذكر لنا الراوي رنين الهاتف، فيتوقع أن تكون بسمة هي التي تتصل، وإذا بها كلير القادمة من لندن. فتعتذر عن تلبية دعوته لها بالزيارة. ويستأنف توقعاته، وأوهامه، التي يختلط فيها شبح بسمة، وشبح صبرا، والموت الذي ينتظره بلا فائدة.
وفي قصة " لقاء الحبيب " نصٌّ يروي لنا فيه القاص حكاية تداولتها ألسنة الناس في ماضي الزمان، بعد النكبة وبعد النكسة. أعني حكاية العروس التي تفجَعُ بالعريس شهيدًا قبل الزفاف، أو ليلة الزفاف. هكذا يتراءى للقارئ، وهو يقرأ هذه القصة، التي تتزين فيها المرأة، وترتدي ثوبًا مفتوح الصدر يظهر منه العنق، وتبدو الترائب، والطوق الذهبي. وترتدي أيضا دبلة الزواج، وخاتمي الزفاف، والحذاء البنفسجي، والحقيبة البنفسجية، والعطر والياسمين.. وعندما تجتاز الأبواب في اتجاه الحبيب تكتشف أنه جثة هامدة، فقد كانوا اعتقلوه ليلة الزفاف، وسلموه جثة هامدة بعد شهرين، مدعين أنه مات بالسكتة القلبية، على الرغم من أن آثار التعذيب على أنحاء كثيرة من جسده تؤكد أنهم كاذبون، ومجرمون. " جثت على ركبتيها عند رأسه، ووضعت باقة الورد بهدوء، ملست بيدها التراب الرطب، أبتْ دمعتان إلا أنْ تنزلقا على وجنتيها لتعانقا ابتسامتها الطفيفة، فيما كان عطرها الياسميني يتضوع في أرْجاء المقبرة ".
ومن يقرأ هذه القصة (لقاء الحبيب) يتمنّى لو أنَّ الكاتب محمود شاهين كتب قصصه القصيرة كلها بهذه الطريقة، وبهذا الأسْلوب ، فهي من حيث التكثيف لا تحتاج إلى طويل بيان. ومن حيث اللغة امتازتْ عن بقية القصص باللغة الأنيقة، الرشيقة، السلسة، الخالية من(عنف) العاميّة، ومن الاستعمالات الشاذة التي تخدُشُ الذوق، عند بعض من يهتمون بسموّ الأسلوب. ولمحمود شاهين قصة أخرى لطيفة لا تقل جودة عن قصة لقاء الحبيب، وهي قصة " أحباب الله ".
وحتى هذه القصة، التي تقوم على حبكة من اختراع الكاتب، بلا شك، لا تنأى بنا كثيرًا عمَّا في الذاكرة الشعبية من حكايات. فمن الناجين الذين أفلتوا من الموت بعد مذبحة دير ياسين الطفل نبيل، الذي نزح فيمن نزح إلى دمشق عام 1948 فاقدًا هو وأخته الوحيدة أبويه. وعاشا في الشام عيشة المتسوّلين، يبيعان العلكة على أرصفة الشوارع، حتى كان يوم لم يبع فيه نبيل شيئًا من بضاعته الزهيدة تلك ، وتضوّر جوعًا، فأشفقت المرأة التي هي الآن- في زمن الكتابة- على سرير الشفاء بانتظار أن تُجْرى لها عملية جراحية مكلفة جدًا، أشفقت عليه، واشترت له الساندويش، واعطته مصروفا، وأخذته إلى الرجل المحسن (أبو حسن) وألحت عليه أن يجد له ولأخته عملا يفضُلُ عملهما الحالي. وتشاء الظروف، التي يخترعها – في العادة- الخيال الشعبي، أنْ يكون نبيل هو الطبيب الذي يقوم بإجراء العمليّة، فيتعرف عليها أولا بصعوبة بالغة جدًا لطول المدة التي تباعد بين هذه اللحظة، وتلك التي أشفقت فيها عليه، ومنحته ما منحته من أطعمةٍ، ومن نقود، وما قدمتْ له من مساعدة عن طريق رجل الأعمال (أبو حَسَن) الذي لم يكتف بالبحث لنبيل، واخته، عن عمل، ولكنه ساعدهما أيضا في الدراسة.
وكما هي العادة، لجأ محمود شاهين لما يلْجأ إليه الخيال الشعبي دون مبالاة في ما إذا كانت قواعد القصة القصيرة تتقبل ذلك، أو تأباه. فعندما أرادت المرأة استخراج الفواتير لتسديد الحساب، وجدت رسالة قصيرة بانتظارها من عبارات قليلة تذكرها بذلك الطفل نبيل الذي جادت عليه بالسندويش، والمصروف، وتقديمه للمحسن( ابو حسن) ذلك الطفل الذي أصبح بفضل مساعدتها تلك طبيبًا بحجم الدنيا، أصابها الذهول فور قراءة الرسالة القصيرة، وراحت تهتف من أعماقها: نبيل.. حبيبي .. الذي كان ينتظرها في موقع قريب للتأكد من أنها هي. وهكذا تنتهي القصة نهاية سعيدة تذكرنا بنهايات الأفلام الرومانتيكية.. تتعانَق المرأة والطبيب وهو يردّد فرقتنا الأيام يا أماه، ولم أعرف كيف نلتقي.
قد يقول بعض القراء إنّ هذه القصص تقوم على إعادة كتابة حكايات شعبية جرى تداولها على ألسنة الناس، وتعاورها المتحدثون في المجالس، وأنها تعتمد على مفاجآت افتراضية من غير الممكن أن تتوافق وقوانين الفن القصصي الذي هو تخيُّل محض، ولا مكان فيه للحوادث التي يندر وقوعها إلا بنسبة 1 في المليون. بيْد أنَّ امتزاج الخيال الشعبيّ بسرديات محمود شاهين، سمة لافتة في قصصه، مما ينم عن توجّه لديه لإضفاء المفهوم الشعبي على القصة، فهي عنده تشبه النادرة، أو الملحة، أو النكتة، التي لا تخلو أحيانا من الطابع الكوميدي، كقصة مسك وعنبر ، وقصة يوم مولدي، أو من الطابع المأساوي، كقصة لقاء الحبيب، وقصة (الخطار) وقصة (نار البراءة ) وفي النموذجين قسطٌ موفور من الإمتاع الذي يلتهب به خيال القارئ، وتستيقظ عنْده حوافز القراءة.



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
لليهود, الحياه, القراءة, تثير, حوافز, رسائل حب إلى ميلينا, شاهين, وتوقظ, قصص


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإسلام لا يحتاج إلى مارتن لوثر، بل يحتاج إلى كوكو شانيل الأسطورة0 العقيدة الاسلامية ☪ 3 09-09-2022 12:26 PM
" أديب في الجنة " ملحمة روائية فلسفية لمحمود شاهين ! شاهين ساحة الشعر و الأدب المكتوب 1 07-31-2017 12:29 AM
كأنها قصص من الخيال.. هذه أروع الفنادق لعام 2016 ابن دجلة الخير السياحة 0 04-12-2016 05:11 PM
عطلة العائلة المالكة السعودية تثير "استياء" سكان الريفييرا الفرنسية ابن دجلة الخير ساحـة الاعضاء الـعامة ☄ 0 04-11-2016 09:07 AM
دورية "شرطة الشريعة" السلفية تثير المخاوف في ألمانيا المنهج التجريبي العلمي العقيدة الاسلامية ☪ 1 09-09-2014 12:20 PM