معجزة وهمية: النحل وصناعة العسل في القرآن

[ناكامورا]

أُثِيرَ انتباهي نحو مجموعة ادعاءات وَرَدت في كتابٍ للدكتور سامي عامري بعنوان "العلم وحقائقه" تتعلق بالآية 69 من سورة النحل 🐝:

ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

سأُناقشُ بعضها، وأُبرِزُ بعض الإشكالات التي وَرَدت في المَبحث المُتعلّق.



يقول سامي:

النحل يأكل ما سيكون ثمرًا لاحقًا ... باعتبار «الثمرات» منها ما هو وصف لما سيؤول إليه مأكل النحل ... كما يأكل النحل من الزهرة التي ستصير ثمرة

لكن هذا ليس صحيحا تماما، كما أن هذا الوصف غامضٌ ولا يزيد الآية إلا بُعدا عن الدّقّة؛ الفاكهة أو الثمرة هي المبيضُ الناضج للأزهار، أو الجِفت في بعض الأنواع (مثل الأناناس). تحوّلُ مبيضِ الأزهارِ (المُنتجة للرحيق) إلى ثمر يحتاج تلقيحا من الحشرات، وهذا لا يحدث دائما،¹⁵ أحيانا بسبب سرقة الرحيق (أي شربُ رحيق الزهرة دون استقبال مَيْسَمِها لحبوب اللقاح اللازمة لتحويل المبيض إلى ثمرة)، وأحيانا أخرى بسبب عدم حدوث الإخصاب (حتى لو تم التلقيح).¹⁶

من جهة أخرى، يستطيع النحل شرب رحيق أي زهرة، لكنه لا يستطيع شرب عصائر بعض الفواكه كالفواكه الجافّة، ولا يصنع العسل من الفواكه التي تفتقر للسّكر كُلّيا، لذلك الأبلغ أن يُقال بأن النحل يشرب الرحيق، سواء تحول مبيض الزهرة إلى ثمرة أم لم يفعل.

زَعم سامي آيضا أن استعمال القرآن لِلَفظَيْ الأكل والشراب فيه مُوافقةٌ لِقطعيِّ العلم..

(قطعيّ تعني ’لا شكّ فيه‘، وفي هذه العبارة مفارقة طريفة، لأن العلم لا يُقصي الشكوكية، بل هي إحدى سِماتِه الحاسمة التي تنبني عليها المنهجية العلمية¹).

ويقصدُ سامي بكلامه هذا أن النحل يَأكُلُ الثمار (الفواكه)، ثم يُحوّلها داخل بطنه إلى شرابٍ سائل نُسمّيه عَسلاً 🍯، ولإثبات كلامه لَم يَستشهد سامي بأي بحث أو دراسة علمية، إنما نشر صورة حبة خوخ تتغذى عليها بعض النحلات.

- إذن فما الصّحيحُ الدّقيقُ في سلوك النّحل أثناء عملية صنعه للعسل وما مصادره الرئيسية؟

[ناكامورا]

نحلة تشرب رحيقاً.⁵

[ناكامورا]

1. العسلُ يُصنعُ غالباً مِن الرّحيق، وهو سائلٌ حلوٌ تُنتجُه الأزهار لجذبِ النّحل ونَشرِ طَلعِها. وبَعضُه يُصنعُ من المِغثَر، سائلٌ تفرزه بعض الحشرات التي تتغذى على النُسغ.² ³ يُمكن للنحل جمعُ عصائر الفواكه الناضجة والمُفرِطَةِ النُّضج أيضا، لكن هذا لا يَحدث عادةً إلّا في غياب الرّحيق.⁴ وفي أغلب الحالات، لم يكن النحل مسؤولا عن التشققات في الفاكهة، باستثناء بعض أنواع نحل المناطق الاستوائية،¹⁰ الاقتيات على الفواكه هو سلوك غير مألوف بين النحل.¹¹ نُدرة الرحيق تدفع النحل إلى السرقة من مستعمرات النحل الأخرى⁷، تركيز السكر في الرحيق أعلى بكثير من تركيزه في معظم أنواع الفواكه⁸، وتتجاهل المُستعمرة المواقع ذات المكافآت المنخفضة عندما يكون الطعام وفيرًا.⁹

2. العسلُ يُصنع من السوائل الحلوة، والتي يتمّ تخزينها في الحَوْصلة (كيسُ تخزينٍ تستطيع النحلة تفريغه من جهة الفم عند الحاجة)، يوجد صمّام في نهاية الحَوصلة يمنعُ معظمَ محتوياتها السائلة من المرور إلى المِعى المتوسط (حيث يتمّ الهضم).⁶

3. تتم صناعةُ العسل عبر الخُطَىٰ الآتية:

- تبدأ النحلات المُستكشِفة Scouts في البحث عن مصادر غذائية جيدة ومناسبة.
- تُرشدُ النحلات الكشافة باقي النحلات العلّافة foragers إلى مصدر الرحيق وحبوب الطلع عن طريق الرقص.
- تمتص النحلات الرحيق وتُخزّنه في الحوصلة crop، بينما تحمل حبوب الطلع في سُليلة corbicula، أو مكنسة scopa.
- تُفرّغ العلّافةُ الرحيقَ مِن حَوْصلتها بعملية تُسمى القَلس Regurgitation وتمنحه للنحلات المُستقبِلة.
- تظلّ النحلات تتناقل الرحيق فيما بينها بعملية تُسمى Trophallaxis، بينما يتعرّض إلى نشاط إنزيميّ يتحلل فيه السكروز الموجود في الرحيق إلى مركبات أبسط، إضافةً إلى تبخير نسبة كبيرة من الماء فيه في اللسان أو أجزاء الفم.


- تَقلِسُ النحلات الرحيق داخل أقراص الشمع وتُعرّضها لتبخير نهائيّ باستعمال أجنحتها يُخفّض نسبة الماء إلى أقل من 20٪ ثم تَختِمُ القرص بالشمع.

هذا مقطع يوضح الوضعيتان الرئيسيتان اللتان تشربُ بهما النحلة الرحيق

مُناقشة:

بعدَ فَيضِ المعلومات والمصادر العلمية التي استشهدنا بها سابقا، فلنُذكّر بدعوى موافقة القرآن لِـ”قطعيّ العلم“:

حديث القرآن عن الأكل من الثمرات يوحي أن الأكل غيرُ الشراب، وأن الأكل يتحوّل إلى شراب [...] النحل يأكل الثمر؛ فهو يأكل الخوخ والعنب والتين والتفاح وثمر العليق... إذا صار طازجا جدا يسهل التقامه، أو إذا تعفّن فصار لزجا.

هذا الكلامُ لا بُد أن يدفعنا للتساؤل عن الفرق بين الأكل والشراب؛ وأفترضُ أن سامي يعتبر السوائل هي الشراب، بينما الأكل هو المواد الصلبة أو شبه الصلبة التي يتم مضغُها أولا ثمّ ابتلاعها. إذا وافَقَنا على هذا التعريف، فإن النحلَ حشراتٌ تتغذى على السوائل بشكل أساسي، وعندما تُواجه طعاما صلبا (مثل السكر الجاف) فهي تقوم بِلَعقِه وتعريضه للعابها لتحويله إلى شراب سائل تمتصه بَدَلَ مضغه باستعمال التآشير mandibles، كما تبتلع النحلة حبوب اللقاح عادةً بدون قطعها وطحنها باستعمال التآشير، وتكتفي باستعمال هذه الأخيرة في مهام كالدفاع، الحراسة، البناء، التنظيف، النقل..¹³

من جهةٍ أخرى، فلا يجب أن ننسى 3 أمور أساسية ذكرناها سابقا:

1. الرّحيقُ هو الشرابُ الأساسي الذي تمتصه النحلة وتقريبا معظم العسل يُصنع منه.
2. حتى بالنسبة للفواكه، فإن النحلةَ تمتص منها ومن لُبّها عصائرها السّائلة، ولا ”تأكل“ أجزاءها الصّلبة، وهذا لا يحدث بالنسبة لمعظم النحل إلا عند ندرة الرحيق.
3. النّحلات مُقتاتة الفواكه تشربُ أيضا عصائرها، وهي بالمناسبة نادرةٌ، فلم أجد منها إلا نوعين، وأحد هذين النوعين يصل شذوذه إلى استبدال حبوب اللقاح بتناول الجيفة، ما جعلها تُعرف بالنحل النسر.

[ناكامورا]

صورة حقيقية لنحلة علّافة، أ: الحوصلة أو كيس العسل يحتوي الرحيق الذي شربته النحلة، ب: الصمّام الذي يفصل الحوصلة عن بقية الجهاز الهضمي.¹⁴

[ناكامورا]

وآخيرا تقييم الادعاء:

- بناءً على كل ما سبق من الواضح أن استعمال لَفظَيْ الأكل والشراب ليس دَقيقا، فمعظم النحل يشرب الرحيق ليصنع منه شراب العسل، وحتى النحل الشاذ يشرب عصائر الفواكه ليصنع منها شراب العسل، فليس الأمر أن الأكل يتحول إلى شراب، وإنما الشراب الحلو يتعرض لنشاط إنزيميّ، وتُبخَّر منه نسبةٌ كبيرة من المياه ليعطينا شراب العسل اللزج.

- العسلُ هو نتاجُ عمليتين أساسيتين يتعرض لهما الرحيق: النشاط الإنزيمي + التجفيف من المياه. الأول يحدث في الحوصلة (كيس العسل)، بينما الثاني يحدث في فم النحلة وفي خلية العسل، ولا يكتمل نضج العسل ولا يكتسب سِمة مُقاومة التلف الذي تُحدثه الجراثيم إلا بعد ختمه بالشمع داخل الخلية. لذلك ليس من الدّقة أن يُقال ”إن العسل يخرج من بطون النحل“، وإلا فيمكن بالمثل أن يُزعم بأن العسل يخرج من الفم، نظراً لأن نصف عملية صنعه تحدث هناك أيضا.

- يُعابُ أيضا على الدكتور سامي، انتقاؤه للتفسيرات المجازية دون معيار ثابت ولا قرينة واضحة، فهو اختار أن يُعاملَ لفظَيْ الأكل والشراب بالمعنى الحرفيّ للكلمتين، بعد أن أنكر على المُفسّر الشريف الرضي اعتقاده أن ”بطونها“ مجازية يُقصد بها أفواهها، ثم في الآن ذاته عَدَّ كلمةَ "كل" مجازيّةً يُقصد بها الكثرة لا العموم، وعدّ كلمة "الثمرات" مجازية -يُقصد بها زهرة الثمرة- وحرفيةً في نفس الآن.

هذا الرد منقول من قناة القهوجي على التلغرام