شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 08-12-2021, 10:46 PM الشيخ وسام اسبر غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
الشيخ وسام اسبر
موقوف
 

الشيخ وسام اسبر is on a distinguished road
افتراضي نقد نظرية التطور إسلاميا - السيد محمد باقر السيستاني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجنا بهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فيما يلي سلسلة من 10 حلقات حول نقد نظرية التطور، من تقريرات دروس اية الله السيد محمد باقر السيستاني التي القاها قبل عدة سنوات ( في 1437 هـ ) بعنوان منهج التثبت في شأن الدين، والتي أصبحت كتابا من 8 أجزاء، وكان من ضمنها هذه الحلقات حول نقد نظرية التطور، باسلوب حيادي وموضوعي.

وليس المقصود من نقد النظرية هو تفنيدها، بل شرح أبعاد هذه النظريّة وبيان مستوى ثبوتها وتوضيح أنّها بطرحها المطلق -الذي يتضمّن إرجاع جميع الكائنات الحيّة من نباتات وحيوانات إلى أصل واحد- لا تزيد على النظريّة التي تحتمل الخطأ والصواب.



  رد مع اقتباس
قديم 08-12-2021, 10:49 PM الشيخ وسام اسبر غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
الشيخ وسام اسبر
موقوف
 

الشيخ وسام اسبر is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة 1: دليل التنوع الأحيائي والأبعاد الدينية والاخلاقية لنظرية التطور ومستواها العلمي:


التنوّع الأحيائيّ في الكائنات الحيّة، والاحتجاج به:

يمثّل التنوّع الأحيائيّ حجّة على وجود الخالق، وللاحتجاج بهذا التنوّع تقريران:

التقرير الأول : ينظر إلى إيداع مبادئ هذا التطوّر في المادّة باتّصافها بخصائص تكون قابلة معها للاتّصاف بالحياة، ثمّ في نمط الحياة التي وُجدت فيها.

ومبنى هذا التقرير: أنّ مطلق تطوّرات المادّة وتشكّلاتها تمثّل استعدادات وقابليّات كامنة فيها بحسب تكوينها، بحيث لو كان هذا التكوين على وجه آخر لم تصلح معه لطروّ تلك التنوّعات والأشكال عليها.
فالمادّة ليست حالة بسيطة على ما يُتراءى في بادئ النظر للإنسان ؛ بل هي حالة معقّدة وبديعة كما يتمثّل ذلك طوراً من خلال مكوّناتها وتركيبها على الوجه الذي تبيّن في علمَي الكيمياء والفيزياء في العصر الحديث، وطوراً من خلال ما يتمثّل من قابليّاتها في تبلوراتها وتطوّراتها، مثل: حملها للحياة النباتيّة والحيوانيّة بتنوّعاتها.


خارطة تبين اهم 35 نقطة للتنوع البيولوجي على الارض

وعليه: يكون في وجود المادّة بهذا التعقيد والنظم دلالة على وجود الخالق كوجه من وجوه حجّة النظم على وجود الخالق .

التقرير الثاني : يبتني على ضرورة إيجاد هذا التنوّع بنحوٍ مباشر من قبل الخالق بناءً على أنّه فعل خارق ليس له أيّ عامل طبيعيّ محتمَل.. وعليه: يكون وجود كلّ نوع من الحيوانات والنباتات حجّة مباشرة على وجود الخالق.

ويقع في مقابل هذا التقرير نظريّة التطوّر الأحيائيّ، حيث أنّها تفسّر هذا التنوّع على أسس طبيعيّة..

وعليه: لا يكون وجود كلّ نوع حيّ من أنواع النباتات والحيوانات حالة خارقة لابدّ من إسنادها إلى فاعل غير مادّيّ؛ بل تكون الحياة بعد ابتدائها في خليّة واحدة أو عدّة خلايا قد تطوّرت تدريجيّاً بفعل العوامل الطبيعيّة المختلفة وأدّت إلى كلّ هذا التنوّع الأحيائيّ والنباتيّ والحيوانيّ.

ومنهج البحث حول التطوّر الأحيائيّ يتألّف من مقدّمة وأبحاث ثلاثة :

أمّا المدخل : فهو يشتمل على مقدّمات:

1- أبعاد النظريّة الدينيّة والأخلاقيّة.

2- الخلاف حول النظريّة ومستوى ثبوتها.

3- توضيح النظريّة وأجزائها وتطوّرها.

4- بيان نوع التطوّر المنظور فيها وهو- التطوّر الكبير - وهو يشتمل على بيان انقسام التطوّر إلى صغير وكبير.

والبحث الأوّل: في مدى تماسك النظريّة عقلاً في حدّ نفسها، ويشتمل على مدى إمكانيّة إنتاج الطفرة العشوائيّة لحالات معقّدة وكفاية مدّة الحياة في الأرض لوقوع الطفرات المطلوبة وصعوبة ولادة الجوانب النفسيّة والإدراكيّة من التغييرات الكيميائيّة والفيزيائيّة.

والبحث الثاني : في مدى قيام الدليل المباشر على هذه النظريّة أو عدمها، والمراد بالدليل المباشر ملاحظة وقوع التطوّر في حالات مشهودة بالملاحظة أو التجربة أو عدم وقوعه في مظانّه.

وسوف نتحدّث فيه عن مدى إمكانيّة التطوّر النوعيّ الكبير على أساس الحالات المشهودة التي هي من قبيل التطوّر الصغير.

والبحث الثالث: في الشواهد غير المباشرة على هذه النظريّة وعلى خلافها ،ويتضمّن ذكر الحالات التي فُسّرت بهذه النظريّة، مثل: التشابه الجينيّ، واختصاص مجموعة من الكائنات المتشابهة برقعة جغرافيّة معزولة، وغير ذلك .

وينبغي أن يتثبّت الناظر في الموضوع قبل البتّ بالاستنتاج بنفيٍ أو إثباتٍ حتّى إنّهاء البحث والتأمّل الجامع منه في مضامينه.

مدخل البحث : أبعاد هذه النظريّة الثلاثة: الألوهيّة والدينيّة والأخلاقيّة :

أمّا مدخل البحث فهو يشتمل كما ذكرنا على مقدّمات:

المقدّمة الأولى: في ذكر أبعاد هذه النظريّة: ولهذه النظريّة أبعاد ثلاثة:

البعد الأوّل : البعد الألوهيّ : وهو دور نظريّة خلق التنوّع الأحيائيّ في إثبات الخالق، وهذا الدور مهمّ لكنّه ليس ضروريّاً؛ لأنّ أدلّة وجود الخالق لا تنحصر بالتنوّع الأحيائيّ، ففي أصل الكون وكذا في ظاهرة الحياة- وفق أرجح النظريّتيّن في نشأتها - وفي نظم الكون والكائنات الحيّة وغيرها أيضاً دلالة واضحة على وجود الخالق، كما أنّ في التنوّع الأحيائيّ نفسه تمثيلاً لإبداع الخالق وصنعه بالتقرير الأوّل المتقدّم، فالكون كلّه والحياة كلّها مشهد لعظمة الله وصنعته إن كان بنحوٍ مباشر أو من خلال سنن سنّها وقوانيّ قنّنها.

البعد الثاني : البعد الدينيّ : ونعني به: مدى انسجام هذه النظريّة مع ما جاء في الدين.

والواقع: أنه لا منافاة لأصل نظريّة نشأة التنوّع الأحيائيّ وفق السنن الطبيعيّة مع أصول الدين وقواعده العامّة؛ لأنّ الدين لا يتضمّن إسناد الكائنات إلى الله سبحانه على نحوٍ ينفي دخالة السنن الطبيعيّة في وجودها وإن ظنّ ذلك بعض أهل الدين بحسب معلوماتهم ؛ بل تُعتبر تلك السنن أكثر دلالةً على قدرة الخالق في كيفيّة تنمية شيء حتّى يتطوّر إلى شيء مختلف عنه، فهو { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } (1) و { وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْد موتها} (2) ، كما أنّ خلق الكائنات من خلال القوانيّن والسنن التي طُبعت عليها لا ينافي عنايته في خلقها وفق المنظور الدينيّ؛ وذلك:

أولا : أنّ بقاء الأشياء واتّجاهها - بحسب الدين - كلّه بمددٍ دائم من الله سبحانه، فلا استقلال لها في وجودها؛ بل هي بحاجة إلى فيضه وإمداده دائماً .

وثانيا : أنّ عناية الله سبحانه بشيء ليست على حدّ عناية الإنسان في اقتضائها الاقتران بالمعنى به أو القرب منه؛ لأنّ قيمة الزمن في المنظور الإلهيّ غير قيمته في المنظور الإنسانيّ الذي يعيش لفترة محدودة، وقد جاء في القرآن الكريم: { وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مما تَعُدُّون} (3) ومن ثَمّ تكون من عناية الله سبحانه بخلق الكائنات أن يخلق الأشياء من أوّل تكوينها بما يودع فيها من وجوه القابليّات والاستعدادات بما يمهّد لسوقها إلى مسار معيّن ونتاج منظور؛ ومن ثَمّ جاء في القرآن الكريم أنّه تعالى خلق السماوات والأرض تدريجاً وخلق كلّ الكائنات الحيّة وغيرها من مادّة سابقة وجعل من الماء كلّ شيء حيّ وبدأ خلق الإنسان من طين .

وإنّما نقطة المنافاة بين هذه النظريّة وما جاء في الدين أنّ الدين {وفق الفهم السائد عند أهل العلم به } يتضمّن خلق الإنسان من قِبَل الله سبحانه مباشرةً وبعناية خاصّة، بينما لازم هذه النظريّة أن يكون الإنسان قد وُجد بالتطوّرعن الحيوانات.

علماً أنّ نظريّة الخلق المباشر للإنسان يُعدّ بحسب الفهم المذكور من أصول المضامين الدينيّة الواردة في الكتب المقدّسة في الأديان الإبراهيميّة كلّها وليس ممَّا ورد في نصٍّ مفرد في بعضها نظير ما ورد في التوراة من خلق السماء والأرض في بضعة آلاف سنة حتّى يحتمل كونه تفصيلاً وشرحاً أُضيف من قِبَل رجال الدين في العصور الأولى.

وهناك بين أهل الدين مَن ذهب إلى أنّ النصوص الدينيّة لا تقتضي خلق الله سبحانه للإنسان مباشرةً من الطين ؛ بل هي تحتمل بشيء من التأويل الذي تتقبّله النصوص الدينيّة - لاسيّما في حديثها عن العوالم والمواضيع الغامضة - أن يكون المراد بها خلقه للإنسان من خلال أسباب طبيعيّة كما هو حال صنائعه من الكائنات غير الحيّة في هذا العالم الطبيعيّ .

نعم، لا شكّ في دلالتها على عنايته تعالى بخلق الإنسان، وهو لا ينافي البناء على نشأة الإنسان من خلال نظريّة التطوّر؛ لأنّ التطوّر سنّة من سنن الله تعالى في الحياة.

نظرية التطوير او التصميم الذكي :
وذهب آخرون من أهل الدين إلى أنّ الله سبحانه قد خلق الكائنات الحيّة فعلاً؛ ولكنّه من خلال آليّة الطفرة الجينيّة في الكائنات الحيّة، فالطفرة المولّدة للتطوّر ليست حالة طبيعيّة طرأت فيها على أساس عوامل مادّيّة اتّفاقيّة؛ بل كانت موجَّهة من قِبَل الله سبحانه، كما قد يُقال بمثله في خلقه سبحانه لعيسى (ع) من أمّه مريم الطاهرة (ع)، ومِمَّا يحتجّ به هؤلاء أنّ مدّة نشأة الحياة في الأرض لا تكفي لنشأة الكائنات الحيّة من خلال الطفرة الجينيّة، وتُسمّى هذه النظريّة بنظريّة المصمّم الذكيّ أو بنظريّة التطوير.


مايكل بيهي رائد حجة التعقيد غير القابل للاختزال وهو اول من استخدم مصطلح التصميم الذكي وهو في حقيقته اعادة صياغة للدليل الغائي بطريقة علمية.

وقد يحتمل بعض أهل الدين تماميّة نظريّة التطوّر في حقّ غير الإنسان من الكائنات الحيّة، من جهة عدم الدليل الدينيّ النافي لها في شأن غير الإنسان.

وينطلق بعض هذه الآراء من أنّ ثقل الدين في مجموع شواهده الفطريّة وأدلّته التاريُيّة هو بدرجة كبيرة لا يصحّ منطقيّاً رفع اليد عنه بحالٍ؛ بل يتعيّن تأويل نصوصه التي تعطي معانٍ لا يصحّ بحسب المعطيات الموثوقة البناء عليها .

البعد الثالث : البعد الأخلاقيّ والقانونيّ والاجتماعيّ: لقد كانت لهذه النظريّة آثار أخلاقيّة في أوساط علماء الطبيعة وفلاسفة الغرب بما ينعكس بطبيعة الحال فيما يتفرّع على الأخلاق في مجال القانون والاجتماع والسياسة:

فقد رتّب جماعة من القائلين بهذه النظريّة - رتبوا - عليها وهن نظريّة الأخلاق الفاضلة والنبيلة في شأن حقيقة الأخلاق الإنسانيّة واعتقدوا أنّها تقوّي نظريّة حاكميّة الغرائز والمصالح الأنانيّة على السلوك الإنسانيّ.

وذلك (أولا) : بالنظر إلى الجزء الأوّل من هذه النظريّة، وهو: أصل الإنسان، فإنّ هذا الجزء يقتضي أنّ الإنسان من نسل الحيوانات التي هي بدورها إفراز مادّيّ للطبيعة، وقد كان الأب الأقرب إليه حيوان مشترك بينه وبين القرد - والذي هو بطبيعة الحال أقرب إلى القرد - واستعدادات الإنسان وصفاته ليست إلّا صفات متطوّرة لتكيّفه مع البيئة وحفاظه على نفسه وعلى نوعه.



في عام 2008 تم انتاج الفيلم الوثائقي (مطرودون ، غير مسموح بالذكاء) الذي تكلم عن القمع الذي تعرض له العلماء للتخلي عن فكرة التصميم الذكي وربط الفيلم بين النازية (الفاشية) وبين نظرية التطور. وحظي هذا الفيلم باقبال منقطع النظير. من هنا رابط الفلم.

وعليه: فإنّ أخلاقيّات الإنسان ليست إلّا أدوات لجلب المنافع والمصالح المادّيّة ولكن بشكل أكثر تطوّراً، ومن البعيد حينئذٍ أن يُدّعى أنّ أخلاق الإنسان ذات أبعاد روحيّة ومعنويّة وتضحويّة ومؤشّرة على معانٍ مثاليّة وسامية؛ بل ذلك أشبه بالتخيّلات الأدبيّة من الإنسان؛ إذ المادّة الطبيعيّة لا تفرز بتغييرات فيزيائيّة بحتة شيئاً مختلفاً عنها ومبايناً معها، كما أنّ السبب الموجب للتطوّر وهو التكيّف مع البيئة استجابةً لضغوطها لن يؤدّي إلى وجود قيم لا علاقة لها بالتكيّف المفترض، ولا يمكن أن تكون استجابةً لها.

و(ثانيا) بالنظر إلى الجزء الثاني من النظريّة وهو الانتخاب الطبيعيّ ، وذلك أنّ القانون الصحيح للحياة هو السنن التاريخيَّة التي تجري الحياة عليها، وإذا كانت سنّة الحياة على الانتخاب الطبيعيّ وبقاء من يكون أقوى وأقدر على تسخير الطبيعة والتكيّف مع الحياة فإنّ السلوك المنطقيّ الصحيح للإنسان هو مكافحة الإنسان للبقاء بأيّة وسيلة يتمكّن منها ولو اقتضى ذلك إزالة الآخرين من أفراد وقوميّات وشعوب وكائنات أخرى ليكون الغالب على الطبيعة والوارث لها.

وقد قيل إنّ سلوكيّات دمويّة كثيرة في أوروبّا، والاتحاد السوفيتيّ ، والمستعمرات الأوروبّيّة، ومن جملتها سلوك النازيين في الحرب العالميّة الأولى كانت متأثّرةً بهذه النظريّة في بُعدها الاجتماعيّ.

هذا، وقد اعتبر جمع ممن أنكر هذه النظريّة تأثيرها السلبيّ على الأخلاق شاهداً على تضعيفها، لأنّ قيمة السلوك النبيل للإنسان بديهة وجدانيّة لعامّة العقلاء، وجميع قيم العالم المتحضّر المعاصر تُبنى على هذا الأصل المهمّ، فلا معنى لإنكارها.

هذا، ولكن جماعة آخرون من القائلين بنظريّة التطوّر لم يقبلوا بهذه النظرة إلى الأخلاق والاجتماع تفريعاً عليها وقالوا إنّ هذه النظريّة لا تفنّد القبول بالأخلاق الفاضلة والنبيلة ولا تدعو إلى الغرائزيّة والأنانيّة، فهذه تفريعات غير صحيحة عليها؛ لأنّ هذه النظريّة ناظرة إلى تفسير النشأة الطبيعيّة للإنسان، وهي لا تحدد بالضّرورة اللياقات الأخلاقيّة للإنسان، فلا مانع من الإذعان بأنّ الأخلاق الفاضلة هي السلوك اللائق بالإنسان أيّاً كانت نشأته، كما أنّ السير الطبيعيّ للحياة لا يستبطن بالضّرورة الاتجاه الصحيح فيها للإنسان فإنّ اتّجاه الإنسان لا يتحدّد بقوانين الطبيعة كما زعمت الماركسيّة في المجال الاقتصاديّ ؛ بل بالقيم المزروعة في باطن الإنسان وضميره الرائع.

ويزداد ذلك وضوحاً إذا اعترف المرء بوجود الخالق وتقبّل أصل الدين وتنبؤاته عن بقاء الإنسان مرهوناً بأعماله بعد هذه الحياة وإن كان الخالق قد أراد وجود الإنسان وفق مسيرة طبيعيّة للكون والحياة.

ويمكن القول: إنّ البناء على هذه النظريّة في نشأة الإنسان لا تشجّع الأخلاق النبيلة في الإنسان؛ بل قد تستتبع إيحاءات مثبّطة على البعد الروحيّ والمعنويّ في الإنسان من جهة النشأة المفترضة له عن الحيوانات.

لكن يقع الكلام في أنّه هل يبلغ ذلك إلى حدّ المواجهة مع مقتضيات الوجدان والضمير الإنسانيّ أو لا، فإن كان يبلغ هذا المستوى حقّاً كان الأخذ بالقضاء الوجدانيّ هو الموقف السليم بطبيعة الحال وفق الرؤية العقلانيّة التي عليها جمهور الناس من اعتبار القيم النبيلة من جملة الثوابت التي لا يصحّ للإنسان الراشد رفع اليد عنها.


المقدّمة الثانية : للبحث عن نظريّة التطوّر في ذكر الخلاف حولها وفي مستواها العلميّ.

إنّ هناك خلافات ثلاثة حول هذه النظريّة:

الخلاف الأوّل : في أصل ثبوتها، حيث أنّ فيه قولان:

القول الأوّل : ترجيح هذه النظريّة والاقتناع بها وهو الموقف الأشهر بين علماء الطبيعة وفلاسفة الغرب، وهؤلاء فيهم من لا يؤمن بالإله وبالدين أصلاً، كما أنّ فيهم من يؤمن بالإله فحسب ولا يؤمن بالدين، ومنهم من يؤمن بالدين أيضاً، ويرى أنّ ما جاء في التراث الدينيّ من خلق الإنسان أمر متشابه يحتمل التأويل، وليس في عدم القبول به ما يوجب رفض الدين بالنظر إلى ثقل مجموع أدلّة الدين.

القول الثاني : عدم ثبوتها، وهو موقف جمع كثير من العلماء ولاسيّما في الولايات المتّحدة ، وهؤلاء منهم مَن كان عدم اقتناعه بها مبنيّاً على أساس إيمانيّ من جهة الاعتقاد بأنّ الدين ينفي هذه النظريّة لما تقدّم، كما أنّ هناك مَن استبعد هذه النظريّة على أساس علميّ بالنظر إلى أنّ علم الجينات إلى الآن لم يصل إلى تّجويز وقوع طفرات جينيّة بحجم يوجب تنوّع الكائنات، أو على أساس تاريخيّ من جهة عدم وفاء المؤشّرات التاريخيّة على وجود كائنات متسلسلة ومتدرّجة بالمقدار الكافي، أو على أساس فلسفيّ من جهة استبعاد نشأة ظاهرة العلم والوعي والاختيار من المادّة ونشاطها الفيزيائيّ البحت.

الخلاف الثاني: في أنّ التطوّر نظريّة أو حقيقة :
وهو خلاف وقع بيّ المرجّحين لهذه النظريّة في تقييم مستواها؛ فهل هي لم تزل نظريّة ذات شواهد أم هي حقيقة علميّة ثابتة لا يرقى إليها الشكّ . ومن الفرق بين الوجهين أنّ النظريّة يمكن أن تكون خاطئة في المنظور العلميّ وتكون الشواهد المفترضة عليها في حقيقتها ذات تفسير آخر، وإن تراءى منها وفق المعرفة المتاحة كونها من ملامح تلك النظريّة؛ بل كانت ذا قدرة تفسيريّة مناسبة لها، نظير ما قيل من أنّ نظريّة نيوتن في الجاذبيّة لم تزل تفسّر معظم الظواهر رغم العدول عنها بنظريّة آينشتاين بعدها.

والشائع في كلمات العلماء المتخصّصين التعبير عن التطوّر والانتخاب الطبيعيّ بالنظريّة، ولكن مال بعض الباحثين الذين تطرّقوا لها أو تصدّوا لشرحها إلى أنّ التعبير عنها بالنظريّة إنّما هي بالمعنى العامّ وليس بالمعنى الخاصّ المقابل للحقيقة كي يعني أنّها لم تبلغ درجة الحقيقة، ومن الباحثين(4) من فصّل في شأنها فقال إنّها في المرحلة الأولى التي أبداها داروين كانت نظريّة ذات شواهد فحسب؛ ولكنّها في المرحلة الثانية أصبحت حقيقة لكثرة الشواهد عليها في مقابل النظريّة البديلة وهي نظريّة الخلق.

لكنّه(5) أكّد على أنّه لا يعني بالحقيقة ما لن يدحض أبداً؛ لأنّ كلّ الحقائق العلميّة هي مؤقّتة خاضعة للتعديل في ضوء الأدلّة الجديدة، ومن الممكن أن يظهر معطى جديد أنّ التطوّر خطأ.

والواقع: أنّ الأمر في ذلك يتفرّع بعض الشيء على مدى اعتماد القول بهذه النظريّة على استبعاد نظريّة الخلق أو لا.

وذلك: أنّ الذي يظهر من كلام جماعة مِمّن رجّح أنّها حقيقة أنّ هذا الترجيح يستمدّ جانباً من زخمه من استبعادٍ مطلقٍ لنظريّة الخلق، فكأنّ هذا الاستبعاد متمّم للشواهد المذكورة عليها.

كما يقول أحدهم مثلاً في معرض حديثه عن استبعاد نشأة السمات المعقّدة والتغييرات الكبيرة عن التطوّر وفق آليّة الانتخاب الطبيعيّ: "لكن أوّلاً يجب أن نسأل: ما هي النظريّة البديلة؟ إنّنا لا نعلم أيّ عمليّة طبيعيّة أخرى يمكنها بناء تكيّف معقّد، أكثر من البدائل المقترحة شيوعاً يأخذنا إلى مجال فوق الطبيعة. هذا بالتأكيد هو مذهب الخلقيّة، المعروف في تجسّدده الأخير بالتصميم الذكيّ، يقترح مؤيدوا التصميم الذكيّ أن مصمّماً فوق طبيعيّ قد تدخّل في أوقات كثيرة خلال تاريخ الحياة، سواء بجلب التكيّفات المعقّدة إلى الوجود لحظيّاً التي لا يستطيع الانتخاب الطبيعيّ زعماً صنعها، أو إنتاج (طفرات معجزيّة) لا يمكن أن تحدث بالصدفة. بشكلٍ رئيسي : فإنّ التصميم الذكيّ فرضيّة غير عمليّة؛ لأنّها تَحتوي على نطاق واسع على ادّعاءات غير قابلة للاختبار. فكيف كمثالٍ يمكننا تحديد ما إذا كانت الطفرات حوادث بحتة في نسخ الحمض النوويّ أو أُريدَ أن تأتي إلى الوجود من قبل خالق؟ لكنّنا نستطيع الاستمرار في السؤال ما إذا كانت هناك تكيّفات لا يمكن أن تكون قد بُنيت بالانتخاب، مِمَّا يتطلّب حينئذٍ التفكير في آلية أخرى " (6) انتهى كلامه.

ويُلاحَظ: أنّ ما ذُكر في وجه هذا الاستبعاد لنظريّة الخلق من عدم صلوحها للاختبار ليس واضحاً؛ لأنّ حقّانيّة الفكرة ليست مرهونة بخضوعها للتجربة والاختبار، وإنّما التجربة هي أحد السبل الموضوعيّة للتحقّق حول الشيء، والسبيل الآخر لها مبادئ عقليّة بديهيّة كالتي تبتني عليها دلالة الكون ونظمه على وجود خالق عاقل مدبّر، وسوف يأتي زيادة إيضاح لهذا المعنى لاحقاً عند ذكر شواهد نظريّة التطوّر وحججها، حيث يُعَدّ هذا الاستبعاد من جملتها.

ولكنّ الشاهد في ذكر هذا الكلام فعلاً ابتناء البتّ بالنظريّة على استبعاد نظريّة الخلق.

وفي هذه الحالة: فإنّ من الطبيعيّ أن يختلف وصف النظريّة باختلاف المصادرات المسبقة المفترضة في شأن وجود خالق للكون أو لا؟ على وجوه أربعة :

1- فهناك من ينظر إلى الموضوع بعد افتراض وجود خالق عاقل ومدبّر وذكيّ للكون والحياة، وذلك من منطلق ثبوت هذا الخالق من جهة أنّه التفسير المنحصر لوجود الكون، كما أنّه التفسير الراجح لوجود الحياة، وهو أيضاً تفسير قوانين الكون ونظامه؛ بل تفسير القوانين التي تجري عليها الكائنات الحيّة في وجودها وبقائها.

وعليه : من الجائز أن يكون هذا الأمر أيضاً هو تفسير أساس التنوّع الأحيائيّ؛ لأنّ هذا الأمر لا يعني تدخّل الخالق بنحوٍ مباشرٍ في تفاصيل شؤون الطبيعة؛ بل قد يكون جزءاً من تدخّل الخالق في إرساء مشهد الكون والحياة، كما هو الحال في الموارد الأخرى المذكورة.

وعلى هذا الأساس يكون من الطبيعيّ أن لا يعتبر نظريّة التطوّر الأحيائيّ من قبيل القوانين والحقائق العلميّة التي لا شكّ فيها بالشواهد المذكورة لها التي لا ترقى إلى درجة الملاحظة المباشرة لوقوع التطوّر في الطبيعة أو بالعوامل الصناعيّة؛ بل لا تزيد على أنّها تفسّر جملة من الأسئلة العلميّة والظواهر المتشابهة، والتي ربّما أمكن تفسير بعضها، مثل: ظاهرة تشابه الكائنات الحيّة أو بعض التدرّج الملحوظ لها في الوجود بأنّ ذلك هو النظام الذي اختاره الخالق لإيجادها.

2- وهناك من ينظر إلى الموضوع بعد البناء على ثبوت الإله وعلى ثبوت حقّانيّة الدين لاستبداه (7) ثبوت الرسالة الإلهيّة ومعاجزها ويبني أيضاً على أنّ نشأة الإنسان بالخلق أمر يقينيّ وقطعيّ في الدين ولا يحتمل تأويلاً.

وعلى هذا الأساس لا يزيد نظريّة التطوّر عن فرضيّة مقترحة أو رأي لجمع من علماء الطبيعة.

3- وهناك مَن ينظر إلى الموضوع على أساس إنكار وجود خالق للكون والحياة، أو استبعاده تماماً ، أو استبعاد دور الخالق في أيّة حالة متجدّدة في الكون استبعاداً مطلقاً ، ويرى أنّ المفروض تفسير أيّ ظاهرة في عالم الطبيعة بالأسباب الطبيعيّة.

فعلى هذا الأساس يمكن أن يقتنع الباحث بكون التطوّر حقيقة لا لأجل حجم إثباتها الذي تمثّله الشواهد المذكورة فحسب؛ بل لأنّ المرتكزات المفترَضة تقتضي أنّ أصل حدوث هذا التنوّع بسبب طبيعيّ ينبغي أن يُعدّ في نفسه حقيقةً ثابتة، حتّى مع غضّ النظر عن الشواهد المذكورة على هذه النظريّة من جهة أنّ حدوث ظاهرة الحياة على الكون أمر ثابت، والمفروض استبعاد أيّ عامل غير طبيعيّ في شأن الكون والكائنات، فلا يبقى هناك أيّ سبب آخر غير السبب الطبيعيّ، وليس هناك سبب محتمل إلّا نشأة الأنواع بالتطوّر التدريجيّ، وزوال بعضها بالانتخاب الطبيعيّ.

4- وقد يكون هناك من ينظر إلى الموضوع من غير مصادرة مسبقة، فهو لا ينطلق في بحثه من يقين بوجود خالق مؤثر في وجود الكون ونظمه، أو بوحي إلى الإنسان يتمثّل في الأديان كما لا ينطلق من استبعاد وجود الخالق وحقّانيّة الدين أيضاً، فهو يجوّز كلا الجانبين من غير ترجيح قويّ لأحد الاتّجاهين.

ففي هذه الحالة يتبيّن مستوى ثقل النظريّة في حدّ ذاتها بعد استبعاد العوامل الخارجيّة في شأنها تماماً(8)

والراجح في الموضوع بعد ما تيسّر من التأمّل في شأنه وشواهده : أنّ التطوّر لا يزيد على النظريّة في علم الأحياء، ولا يرقى إلى درجة الحقيقة والقانون في مستوى ثبوتها العلميّ. وللنظريّات العلميّة مستويات متعدّدة في درجة إثباتها بحسب حجم الشواهد عليها، ومستوى نظريّة التطوّر مرهون بملاحظة حجم تلك الشواهد في البحث الآتي.

وبهذا التفصيل يظهر أنّ اعتبار هذه النظريّة فرضيّةً ورأياً أو نظريّةً أو حقيقة لا تبتني على إبهامٍ في تعريف هذه المصطلحات حتى نحتاج إلى عرضها وبسطها كما فعل غير واحد من الباحثين في الموضوع ؛ بل يتفرّع بعض الشيء على تلك المصادرات المسبقة وعدمها.

المبالغة في عدّ هذه النظريّة من أصول علم الأحياء الحديث :

الخلاف الثالث : في أنّ نظريّة التطوّر على تقدير ثبوتها هل هي قاعدة أحيائيّة اعتياديّة، أو تُعتبر أصلاً لعلم الأحياء الحديث. فربّما وُصفت هذه النظريّة في كلمات بعض الباحثين بأنّها أصل لعلم الأحياء الحديث.

والصحيح: أنّ هذه النظريّة لا تعدو أن تكون نظريّة تاريخية في نشأة التنوّع الأحيائيّ يمكن أن تفسّر بعض الأسئلة التاريخية والعامّة بشأن الأحياء، ولا يصحّ توصيفها بأنّها أصل علم الأحياء الحديث.

فإنّ المعنى الفنّيّ للأصل هو ما تبتني عليه جملة من القوانين والقواعد والنظريّات العلميّة، وهذا لا ينطبق على نظريّة التطوّر؛ لأنّها لا تزيد على توصيف تاريخي لنشأة الكائنات.

قوانين أحيائيّة ذات علاقة بنظريّة التطوّر من غير ابتناء عليها :

وإنّما الحقيقة التي هي أصل علم الأحياء الحديث بفروعه المختلفة المرتبطة بدورها مع سائر العلوم الطبيعيّة، مثل: علوم الطبّ والوراثة هي قوانين أخرى ذات علاقة بنظريّة التطوّر؛ بمعنى: أنّ هذه النظريّة تُعتبر تعليلاً أو امتداداً لها، فيوجب ذلك إسراء هذا الوصف إليها، ولنذكر لذلك أمثلةً ثلاثة:

وحدة النظام المادّيّ للحياة :

المثال الأوّل : وحدة النظام المادّيّ للحياة من حيث مكوّنات الخليّة الحيّة ونظام تركيبها وفاعليّتها ونشاطها وعوارضها.


مقارنة بين كروموسوم 2 بشري وكروموسومي 2a و 2b في الشمبانزي.

فهذه القاعدة في غاية الأهمّيّة؛ لأنّها تبيّن كيفيّة تفرّع الكائنات عن شجرة الحياة وتتيح المقارنة الجينية بينها برصد نقاط الاشتراك والفرق والتشابه في ذواتها وأوصافها وعوارضها، ويتيح الانتفاع بالمعلومات والتجارب التي تُّرى على بعضها في شأن بعضها الآخر، كما هو الحال في التجارب المختبريّة للموادّ والأدوية على الحيوانات المختبريّة، مثل: ذباب الفاكهة، وفأرة البيوت، حيث يُنتفع بها في شأن الإنسان والحيوان، كما يُنتفع بالمعلومات المستحصلة في كلٍّ من الطبّ البيطريّ والطب الإنسانيّ في شأن الفرع الآخر.

ومن المعلوم أنّ هذه القاعدة هي ثابتة على كلّ حالٍ سواء كانت الكائنات الحيّة ترجع تاريخياً إلى أصل واحد كما تقول نظريّة التطوّر أو لا؛ ولكن اعتاد العلماء في علم الأحياء وسائر العلوم ذات العلاقة معه في توصيفهم التعليليّ لهذه القاعدة أن يذكروا أنّها تنشأ عن رجوع كلّ الكائنات الحيّة إلى أصلٍ واحد، فترجع الخصال المشتركة إلى الوراثة عن أصل مشترك بينها، كما يقولون مثل ذلك في وصف الظواهر الناشئة عن الوراثة في سائر الموارد.

قاعدة التطوّر الصغير :

والمثال الثاني: هو قاعدة التطوّر الصغير في الكائنات الحيّة.

فهذه القاعدة أيضاً من أهمّ قواعد علم الأحياء الحديث والعلوم ذات العلاقة معاً؛ لأنّها تبيّن دور العوامل المختلفة في التطوّرات المشهودة للكائنات الحيّة وصفاتها وعوارضها، مثل: تطوّر الإنسان إلى أقوام وملل مختلفة في أوصافهم وخصائصهم، وتطوّر الميكروبات تدريجاً ضدّ العقاقير التي تكافَح بها، وتطوّر الخلايا الحيّة ضدّ السموم وتكيّفها مع الظروف الصعبة؛ ومن ثَمّ اعتاد علماء الطبيعة والأحياء والطبّ وغيرها على توصيفهم التعليليّ لخصائص الكائن الحيّ على ما حدث للأجيال السابقة منها، فيقولون مثلا في علوم الطبّ: إنّ الإنسان بحاجة في ضمان صحّته إلى رياضيات بدنيّة خاصّة؛ لأنّ آباءنا خلال آلاف الأجيال كانوا يعيشون على النمط الخاصّ الموجب لتكيّف بدن الإنسان على القيام بتلك النشاطات الخاصّة.
من أمثلة التطور الصغير الأفعى المقلمة التي طورت مناعة للسم تيدرودوتاكسين الموجود في فرائسها من البرمائيات.

ورغم أنّ قاعدة التطوّر الصغير داخل النوع الواحد لا تعني ثبوت قاعدة التطوّر الكبير الرابط بين الأنواع فإنّ الاسلوب الشائع عند العلماء في تلك العلوم اعتبار كلتا القاعدتين من باب واحد وإسناد جميع المعلومات المتعلّقة بقاعدة التطوّر الصغير إلى أصل قاعدة التطوّر الأحيائيّ، رغم تصريح بعضهم في مقام تفصيل الحديث في التطوّر الأحيائيّ إلى صعوبة الانتقال من وقوع التطوّر الصغير إلى ترجيح التطوّر الكبير.

قاعدة ملاءمة الكائنات مع بيئتها :

المثال الثالث : ظاهرة ملاءمة الكائنات الحيّة مع بيئتها وظروفها، وهي معروفة باسم تكيّف الكائن الحيّ مع بيئته.

وهذه الملاءمة ظاهرة مشهودة بوضوح في آلاف الموارد في النباتات والحيوانات، حيث يلاحَظ بدراسة خصائص هذه الكائنات ملاءمتها مع بيئتها في جهات كثيرة بما يؤدّي إلى الحفاظ عليها وبقاء نوعها ومقاومتها للضغوط البيئيّة التي تعيش فيها، فالنباتات الصحراويّة مثلا متكيّفة مع ظروف الصحراء من قلّة الماء ومقاومة الحرارة، من خلال اختزانّا للماء لمدّة أطول بما لا نشهده في النباتات الأخرى، وتلك حالة معروفة قديماً حتّى قال الإمام علي عليه السلام في كلامٍ له في نهج البلاغة: (وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِب، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الاقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ . أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أصلب عودا والروائع الخَضِرة أرق جلودا ، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً) (9).
كما أنّ الحيوانات الصحراويّة مثل الجمل أيضاً تَحتمل الظروف القاسية في تحصيل الطعام والشراب بما لا تَحتمله سائر الحيوانات.

وتُقسم ملاءمة الكائن الحيّ مع ظروفه إلى ثلاثة أقسام مترابطة :

1- ملاءمة جسديّة وعضويّة، مثل: اختلاف الطيور في طول مناقيرها، حيث أنّ مناقير بعضها أطول من بعض من جهة حاجة البعض إلى منقار طويل لاستخراج غذائها من الأزهار. ووجود حوافز للخيل تتلاءم مع الجري السّيع. وملاءمة لون الحيوانات مع لون بيئتها تخفّياً من الأعداء، كما في كثيرٍ من الحشرات وفي الأسماك المرجانيّة والضفادع والحيوانات الصحراويّة بل جملة من النباتات أيضاً. ووجود طبقة سميكة من الدهن تحت جلد بعض الحيوانات في المناطق الباردة لحمايتها من البرد.

2- ملاءمة وظيفيّة فسيولوجيّة، حيث نجد أنّ الكائنات الحيّة من خلال النشاطات الكيميائيّة الحيويّة داخل جسمها تقوم بأمور مناسبة مع بيئتها، مثل: إفراز الغدد العرقيّة في جسم الإنسان لمواجهة ارتفاع الحرارة، وتغيُّر لون الحرباء عند طروّ الخطر عليها.

3- ملاءمة سلوكيّة، حيث نلاحظ أنّ الكائنات الحيّة تقدر على سلوكيّات ملائمة لها، مثل: انحناء النباتات تّجاه الضوء، وامتداد جذور بعض النباتات لمسافات طويلة بحثاً عن الماء، واختباء بعض الحيوانات في النهار والخروج ليلاً للبحث عن الطعام حذراً من الأعداء، وما إلى ذلك.

وبذلك يظهر: أنّ ظاهرة ملاءمة كثير من خصائص الكائن الحيّ مع حاجاته في بيئته أمر مشهود بشكلٍ واسعٍ للغاية؛ مِّما يصحّ أن تُعَدّ معه أمراً يقينيّاً، ففي كلّ كائنٍ حيٍّ يجد الباحث عند تأمّل خصاله بالمقارنة مع خصائص بيئته ملاءمة بينهما في جهات كثيرة. وقد أصبح ذلك جزءاً توصيفيّاً لكلّ كائن حيّ في علم الأحياء المعاصر؛ ومن ثَمّ يصحّ أن تُعَدّ هذه الصفة من أهمّ الخصال الملحوظة المطّردة في أصلها في الكائنات الحيّة.

ومن المعلوم أنّ هذه الحالة أيضاً ثابتة في نفسها، بغضّ النظر عن أن يكون ذلك جزءاً من خلقتها أم تكيُّفاً لاحقاً لوجودها على سبيل التطوّر الأحيائيّ؛ ولكن اعتاد العلماء على افتراض حدوث هذه الملاءمة من خلال تطوّر طارئ على الكائن حفاظاً على نفسها وتكيُّفاً مع بيئتها وإن لم يكن هناك أيّ دليل على حدوثها؛ ومن ثَمّ يعبّرون عن هذه الملاءمة بالتكيّف، وقد يحتجّ بعض العلماء على حدوث بعض هذه الخصائص بأنّ للحيوان والنبات أصناف أخرى لا يبعد أن ترجع جميعاً إلى أصل واحد وهي غير متّصفة بهذه الخصائص، علماً أنّ ذلك على تقدير حدوثه فهو من قبيل التطوّر الصغير لا الكبير.

فهذه أمثلة ثلاثة لقواعد تُعدّ من أصول علم الأحياء والعلوم المختلفة المتعلّقة به لا تبتني على قاعدة التطوّر الأحيائيّ؛ ولكنّ التلقّي الشائع عند العلماء الجاري على قبول هذه القاعدة والانطلاق منها في تفسير القواعد المسلَّمة واعتبارها امتداداً لهذه القاعدة يوجب انطباعاً لدى الباحث بأنّ هذه النظريّة هي أصل علم الأحياء الحديث.. وهذا قول لا يخلو عن مزج بين القواعد المتناسبة بشيء من المسامحة والتوسّع في التعبير.

يتبع في الحلقة الثانية ..
_______________

الهوامش:
1- يونس: 31 .
2- الروم: 24 .
3- الحج: 47 .
4- لاحظ: لماذا النشوء والارتقاء حقيقة: 32 .
5- لماذا النشوء والارتقاء حقيقة: 31 .
6- لماذا النشوء والتطوّر حقيقة: 147 .
7- استبداه : من البداهة
8- يلاحَظ أنّه ليس المقصود بهذا الكلام أن تدَّخل تلك العوامل في شأن الموقف النهائيّ من هذه النظريّة أمر غير منطقيّ وموضوعيّ؛ إذ من الطبيعيّ تأثُّر تقييم كلّ حدث بملابسات من هذا القبيل؛ ولكنّ المراد إيجاد مقياس للنظر إلى ذات النظريّة من خلال شواهدها ومؤشّراتها وغضّ النظر عن المؤشّرات الخارجيّة مِّما يتعلّق بأمر وجود الخالق وحقّانيّة الدين .
9- نهج البلاغة، ط صالح: 418 ، الكتاب 45 .



  رد مع اقتباس
قديم 08-14-2021, 07:12 PM الشيخ وسام اسبر غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [3]
الشيخ وسام اسبر
موقوف
 

الشيخ وسام اسبر is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة 2 – توضيح النظرية من جهة توقفها على الطفرة الجينية وانقسامها الى التطور الكبير والتطور الصغير والفرق بينهما:

المقدّمة الثالثة لتحقيق نظريّة التطوّر : في توضيحها .


إنّ مضمون هذه النظريّة - على الإجمال – (1) : أنّ الحياة قد تطوّرت على الأرض تدريجيّاً من نوع بدائيّ واحد ربّما جزيء ناسخ لنفسه والذي عاش أكثر من (3، 5) مليار سنة مضت، ثمّ تفرّع خلال الزمن، منتجاً أنواعاً متنوّعةً وجديدةً كثيرة، وآلية معظم التغيّر التطوّريّ (2) هي الانتخاب الطبيعيّ، وهذا التطوّر الكبير إنّما حدث بالتدريج في فترة طويلة من خلال مئات أو آلاف بل ملايين الأجيال.
ويعبَّر عن هذه النظريّة : طوراً بالتطوّر الأحيائيّ وطوراً بالانتخاب الطبيعيّ وطوراً ثالثاً بالتطوّر من خلال الانتخاب الطبيعيّ.
وينبغي مزيد توضيح هذه النظريّة بذكر أجزاء هذه النظريّة وتطوّر تقريرها بعد داروين وبيان مثالٍ لها.

اشتمال النظريّة على جزأين منفصلين: حدوث التطوّر، وبقاء بعض الأنواع دون بعض بالانتخاب الطبيعيّ

من أمثلة الانتخاب الطبيعي :

رسم داروين التوضيحي لاختلاف أشكال
مناقير الشرشوريات التي تعيش في جزر غالاباغوس، والتي تتضمن ثلاثة عشر نوعاً على درجة كبيرة من القرابة، ويختلفون فيما بينهم اختلافاً واضحاً من حيث أشكال مناقيرهم. المنقار الخاص بكل نوع متكيف على الغذاء المفضل لديه، مما يشير إلى أنَّ أشكال المناقير تطورت بفعل
الإصطفاء الطبيعي.

أولا : أنّ من الممكن القول بأنّ هذه النظريّة تحتوي على جزأين منفصلين ومستقلّين :
1- حدوث التنوّع في الكائنات الحيّة؛ بمعنى: حدوث أنواع جديدة ذات صفات وإمكانات مختلفة عن الكائن الأوّل تساعد الكائن على البقاء، وهذا الجزء هو الذي ينبغي أن نصفه بالتطوّر؛ لأنّه يوجب حدوث طور آخر.
والموجب لحدوث التطوّر هو الضغوط التي يواجهها الكائن الحيّ في بيئته ممّا يؤدّي إلى حركته في اتّجاه التكيّف مع تلك البيئة، فيكتسب إمكانات جديدة جسديّة وفسيولوجيّة وسلوكيّة، يؤدّي إلى تقدّمه في سلّم التطوّر تدريجاً حتّى تتباعد النماذج المشتركة في الأصل وتكوّن أنواعاً لنفسها.
2- بقاء بعض الأنواع على قيد الحياة دون بعض، وهذا ما ينبغي أن يسمّى بالانتخاب الطبيعيّ بالنظر إلى أنّ ظروف الحياة تسمح ببقاء بعض الأنواع، وهو ما استطاع من التكيّف مع البيئة بنحو أفضل، بينما ينقرض بعضها الآخر، وهو ما لم يستطع التكيّف معه فانقرض في تلك البيئة القاسية التي عاش فيها. ويمكن أن نعبّر عنه بالتطوّر أيضاً بالنظر إلى تغيّر واقع ما هو موجود على الأرض تدريجاً بغياب بعض الأنواع وبقاء بعضها الآخر.
ويلاحَظ: أنّ هذا الجزء من النظريّة ضروريّ فيها وذلك :
1- لأنّه يساعد على تحقّق التنوّع من خلال التطوّر لأنّه ينتج تراكم التطوّرات في كائن واحد، فيؤدّي إلى حدوث كائن مباين مع الكائن الأوّل.
2- أنّه يدفع عن التطوّر استبعاداً أوّليّاً واضحاً، وهو أنّ لازم التطوّر وجود حلقات متسلسلة منتظمة منذ الكائنات البدائيّة إلى الكائنات النهائيّة وهو ما لا نجده خارجاً؛ بل الواقع في الخارج في حالات كثيرة وجود كائنات حيّة متباعدة، فكان هناك حاجة في رفع هذا الإشكال بطرح أنّ العوامل الطبيعيّة هي التي أبقت قسماً من الكائنات الحيّة وأفنت قسماً آخر لكون القسم الأوّل أكثر تكيّفاً مع الطبيعة من القسم الآخر.

سبب حدوث التطوّر هو الطفرة الجينيّة
ثانيا : لقد كان التقرير الأوّل لنظريّة التطوّر عند نشأتها لدى داروين خالياً عن بيان الأساس المادّيّ الداخليّ للتطوّر في الكائن الحيّ وهو الجزء الأوّل من النظريّة ، من جهة عدم تبيّن الواقع المادّيّ للحياة؛ إذ لم يكن قد نشأ علم الأحياء الجينيّ بعد، ولم يتم اكتشاف اعتماد الحياة على الحمض النوويّ والريبيّ في الخليّة الحيّة.
وبعد نشأة هذا العلم تبيّن أنّه لابدّ في تطوّر الكائن من تغيّر في أصغر وحدة حيويّة وهي الخليّة من خلال طفرة في الجينات المكوّنة لها.
بيان ذلك : أنّه قد تبيّن في العصر الحديث أنّ الكائنات الحيّة كلّها رغم التفاوت الفاحش بينها إلّا أنّه ليس هناك فارق جوهريّ بينها في نشأتها، فهذه الكائنات كلّها تتألّف من حروف أربعة جينيّة متكرّرة تختلف تراكيبها بحسبها، حيث تولّد وجوه التركيب بينها وعدد الحروف المكوّنة لها ملايين الحالات المحتملة وتمثّل الكائنات الحيّة الموجودة كلّها جملة من تلك الحالات.

ومن ثَمّ يصحّ القول إنّ مَثَل الحروف الجينيّة المكوّنة للكائنات الحيّة مَثَل الجُمل المتعدّدة في اللغة، حيث أنّ جميع تلك الجُمل تتألّف من حروف معدودة؛ ولكن تختلف تلك الجمل في معانيها في أثر اختلاف في ترتيب تلك الحروف.
ويمكن تشبيهها أيضاً بالأبنية المختلفة، حيث أنّ تلك الأبنية تتألّف من موادّ محدّدة للبناء، إلّا أنّها تختلف بين دار ومدرسة ومستشفى ومصنع وسوق وغير ذلك في أثر اختلاف في كيفيّة وضع تلك الموادّ؛ فالكائنات الحيّة هي على نفس المنوال، فهي جميعاً تتألّف من حروف جينيّة أربعة ذات ترتيبات مختلفة بحسبها مرتبطة فيما بينها بروابط هيدروجينيّة ينشأ عن نموّ كلّ مجموعة متّسقة منها كائن خاصّ.
وعلى ضوء هذه المعلومات تبيّن أنّ حدوث تطوّر في الكائن الحيّ يتوقّف على حدوث تغييرات جينيّة في الخلايا الجنسيّة للكائن الحيوانيّ مثلا بحذف جين أو زيادته أو استبداله أو تغيّر موضعه وهي ما يُعبَّر عنها بالطفرة الجينيّة، وذلك لكي يولّد نموّ تلك الجينات كائناً مختلفاً.
ولكن مع ذلك لم يؤدّ هذا الاكتشاف إلى تفنيد نظريّة التطوّر بالنظر إلى ما تبيّن من أنّ وقوع الطفرة في الجينات أمر جائز وواقع على الإجمال ، فهي على سبيل المثال تفسِّر التباين في ألوان عيون البشر، وفصائل الدماء، والكثير من تبايننا وتباين الأنواع الأخرى في الطول والوزن والكيمياء الحيويّة وصفات أخرى لا تحصى.
وبناءً على ذلك: حدث تقرير جديد لجزء التطوّر في هذه النظريّة، وقيل : إنّ معنى التطوّر الأحيائيّ أن يتعرّض الكائن لتغيّرات جينيّة عبر العوامل البيئيّة التي تتعرّض له عبر الزمن؛ وبذلك يمكن للنوع أن يتطوّر من خلال أجيال كثيرة إلى شيء مختلف تماماً، وهذه الاختلافات تقوم على التغيّرات في الحمض النوويّ منزوع الأكسجين )دنا(، والتي تنشأ كطفرات في الجينات.
وبناءً على هذا التقرير : فإنّ مرجع الانتخاب الطبيعيّ الذي هو الجزء الثاني من النظريّة إلى أنّه متى تباين الأفراد في نوعٍ جينيّاً أحدهم عن الآخر، وكان بعض هذه الاختلافات يؤثّر على قدرة الفرد على البقاء والتكاثر في بيئته، ففي الجيل التالي سيكون للجينات المؤدّية إلى بقاء وتكاثر أعلى نسخ أكثر مقارنةً بالجينات التي ليست جيّدة هكذا، وبمرور الزمن ستصير المجموعة تدريجيّاً متلائمة مع بيئاتها أكثر فأكثر بسبب نشوء طفرات وراثيّة مفيدة وانتشارها في المجموعة، بينما الطفرات الضارّة تستأصل. وآخراً تنتج هذه العمليّة كائنات متكيّفة جدّاً مع مواطنها وأساليب حياتها.

مثال للتطوّر في الكائنات الحيّة
ثالثا : وكمثال للتطوّر في الكائنات الحيّة وفق هذا التقرير أوضح بعض الباحثين(3) كيفيّة مساعدة الانتخاب الطبيعيّ للفئران البّريّة الفاتحة التي تعيش على الكثبان الرمليّة الشاحبة لساحل خليج فلوريدا، فهناك ثلاثة أشياء ضروريّة لصنع تكيّف بالانتخاب الطبيعيّ فيها:
1- ينبغي للمجموعة السكّانيّة المستهِلّة أن تكون متغايرة(4)؛ بمعنى :
أن تُظهِر الفئران في مجموعة سكّانيّة بعض الاختلاف في ألوان فرائهم، وإلّا لن يمكن أن تتطوّر هذه الصفة في حال الفئران.
وهذا الشرط حاصل في شأن هذه الفئران؛ لأنّ الفئران في المجموعات السكّانيّة على البّر القاري تُظهِر بعض التباين في لون الفراء.
2- ينبغي أن يأتي بعض نسبة ذلك التباين من التنوّعات في أشكال الجينات؛ بمعنى: أن يكون للتباين بعض الأسس الجينيّة (تدعى إمكانيّة التوارث)، لو لم يكن هناك اختلاف جينيّ بين الفئران الفاتحة والداكنة لكانت الفئران الفاتحة بقيت حيّة أفضل على الكثبان. لكن لم يكن اختلاف لون الفراء سيُمَرر إلى الجيل التالي. ولمَا كان سيصير هناك تغيّر تطوّريّ.
وهذا الشرط أيضا حاصل، وإنّنا نعلم من خلال ملاحظة جينات هذه الفئران أنّ المتطلّب الجينيّ متوفّر أيضاً في هذه الفئران.
3- أنّ التباين الجينيّ ينبغي أن يؤثّر على احتماليّة ترك الفرد لنسل.
وهذا الشرط أيضاً حاصل فإنّنا نجد في حالة الفئران؛ لأنّ تجارب الافتراس أثبتت أن الفئران الأكثر تموّهاً ستترك نسخاً أكبر من جيناتها. من ثَمّ فإن اللون الفاتح لفئران الشاطئ يطابق كلّ المعايير ليكون قد تطوّر كصفة تكيّفيّة.

ملاحظات في شأن النظريّة منبثقة عن تقريرها على أساس حدوث الطفرة الجينيّة
رابعا : هذا، وقد أدّى اكتشاف توقّف التطوّر على الطفرة الجينيّة وكون الطفرة هي أداة التطوّر الحقيقيّة إلى بعض الملاحظات الإضافيّة في شأن النظريّة وحيثيّاتها:
1- لقد كان يُظنّ من قبلُ أنّ تطوّر الكائن الحيّ استجابة للظروف البيئيّة هي جزء من القانون الأحيائيّ العامّ الذي ينظّم عمل الكائنات الحيّة؛ ولكن باتّضاح توقّف التطوّر على الطفرة تبيّن أنّ الجينات محصّنة مبدئيّاً تجاه أيّ تغيير فيها وأنّ الطفرة الجينيّة في تسلسل الحمض النوويّ إنّما تحدث كأخطاء عندما ينسخ الجزيء أثناء انقسام الخليّة، فتحدث حالة جينيّة مباينة للحالة الأصليّة من خلال الطفرة الجينيّة.
2- وقد كان يُظنّ من قبل أنّ التغيّرات الطارئة في الكائن الحيّ الموجبة لتطوّره هي على العموم تحدث في جهة صلاح الكائن الحيّ وتكيّفه مع البيئة، فكأنّها جزء من المنحى الغائيّ في مسيرة الكائنات الحيّة نظير كثير من الاستعدادات والخصائص التي تتّصف بها ممّا تتوجّه بها إلى منحى كمالها.
ولكن تبيّن للعلماء بملاحظة التجارب المختبريّة واستقراء حالات الطفرة الحادثة خارجاً أنّ الطفرات ليست حالات موجّهة لأجل صلاح الكائن الحيّ، وإنّما هي حالات عشوائيّة؛ بمعنى: أنّها تحدث دون اعتبار لما إذا كانت ستكون مفيدة للأفراد؛ لأنّها ليست إلّا أخطاء في نسخ الحمض النوويّ، ومعظمها ضارّ ببقاء الكائن الحيّ فيموت الكائن في أثرها؛ إذ لا يكون قابلاً للتكاثر، أو يقلّل من فرصة تكاثره أو بقائه، وبعضها عديم التأثير ولكنّ القليل منها يمكن أن يظهر أنّه مفيد، إلّا أنّه ليس هناك سبيل لتحديد احتماليّة أنّ طفرة ستلائم الاحتياجات التكيّفيّة الحاليّة لكائن، مثلا : من الأفضل للفئران الذين يعيشون على الكثبان الرمليّة الفاتحة على ساحل خليج فلوريدا أن يكون لهم فراء أفتح؛ لكنّ فرصتهم للحصول على طفرة مفيدة كهذه ليست أعلى من التي للفئران التي تعيش على التربة الداكنة، إذن، ولذلك يبدو أنّ تسمية تلك الطفرات (حياديّة) أكثر دقّة من تسميتها (عشوائيّة)؛ لأنّ احتماليّة ظهور طفرة هو حياديّ لما إذا كانت ستكون مفيدة أو مؤذية للفرد.
3- أنّ التقرير الأوّل للنظريّة الذي أنجزه داروين كان مبنيّاً على أساس التشابه الجسديّ والسلوكيّ بين الكائنات الحيّة على نحو متسلسل وتدريجيّ؛ ومن ثمّ اعتمد داروين في إثبات هذه النظريّة على علم الأجنّة والتشريح والحيوان وسلوك الحيوان وغيرها. وتُسمّى النظريّة بهذا الاعتبار بالنظريّة الداروينيّة.

ولكن التقرير الثاني للنظريّة المبنيّ على علم الجينات وسّع من مدارك النظريّة، حيث تأتّى الانتفاع بعلوم أخرى ح عرفت لاحقاً بعد داروين، مثل: علم الوراثة، والجينات، والحمض النوويّ، والطفرات الوراثيّة. وقد تُسمّى النظريّة بهذا الاعتبار بنظريّة التطوّر الحديثة أو الداروينيّة الحديثة.

انقسام التطوّر إلى صغير وكبير، وثبوت التطوّر الصغير في الكائنات الحيّة
المقدّمة الرابعة : التي نذكرها لتقييم نظريّة التطوّر: في بيان أنّ محلّ البحث في نظريّة التطوّر إنّما هو التطوّر الكبير دون الصغير، ويتضمّن ذكر انقسام التطوّر إلى تطوّر صغير وآخر كبير، وثبوت التطوّر الصغير في الكائنات الحيّة.
ينقسم التطوّر إلى قسمين: تطوّر صغير، وآخر كبير:
أمّا التطوّر الصغير : فهو التطوّر الذي يوجب تغيّراً في الكائن الحيّ ولكن لا يؤدّي إلى تنوّع هذا الكائن؛ بمعنى: حدوث أنواع متعدّدة متباينة في خصائص مهمّة، وإنّما يوجب اختلافاً في سمات ثانويّة، مثل: اللون والحجم والصحّة والسلوك والتغيّرات الفسيولوجيّة.
وهذا التطوّر ممّا لا ريب في معقوليّته وفي وقوعه كما يلاحَظ بوضوح في عدّة حالات:

حالات التطوّر الصغير

الحالة الأولى : التطوّر بالتزاوج، ونعني به: التغيّرات الطارئة بموجب تزاوج كائنين حيّين (ذكر وأنثى). والتزاوج عادةً إنّما ينتج في النوع الواحد، إمّا مع الاختلاف الصنفيّ أو من دونه، ولا ينتج في حال الاختلاف النوعيّ إلّا في حالات معدودة نظير تزاوج الحصان والحمار حيث أنتج البغل، والتطوّر بالتزاوج ليس مبنيّاً على قانون الطفرة الوراثيّة؛ بل يبتني على امتزاج أوصاف الأبوين في نتاجهما.
وقد ينتج من التزاوج صفات لم تكن فعلاً في الأبوين، كأن يرث الابن من جهة الأمّ صفات تتعلّق بالذكر، أو ترث البنت من جهة الأب صفات وخصائص تتعلّق بالأنثى.
ومن هذا القبيل عوارض في الأولاد نتيجة اجتماع جينات الأبوين كما في مرض فقر الدم المنجلي؛ فإنّ ذلك ناشئ عن طفرة طارئة في جين )الهيموجلوبين( الذي يحمل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء ، فإذا حدث ذلك عند الوالدين وورث الولد نسختين من هذا الجين غير الطبيعيّ حدث عنده هذا المرض.
وهذا النحو من التطوّر جائز وشائع، ولا علاقة له بالتطوّر النوعيّ.
الحالة الثانية : التطوّر الوصفيّ الفرديّ، ونعني به: التطوّر الحاصل في أوصاف الفرد بالقياس إلى سائر أفراد الكائن الخاصّ الذي ينتمي إليه؛ ومن ثَمّ نجد اختلاف أحوال الأولاد عن الآباء؛ فإنّ هذا الاختلاف وإن كان يرجع بعضه إلى امتزاج الاستعدادات الوراثيّة للأب والأمّ في الأولاد، إلّا أنّه قد لوحظ أنّ بعض هذا الاختلاف ينشأ عن طفرات في الجينات المكوّنة للفرد.
وهذا النحو من التطوّر جائز وواقع أيضاً ولا ينتج الاختلاف النوعيّ بأن يكون الأب من نوع والولد من نوع آخر.
الحالة الثالثة : التطوّر الصنفيّ، ونعني به: تولّد أصناف متعدّدة ومتمايزة في النوع الواحد تختلف بعضها عن بعض في مجموعة من الصفات، كما نجد مثلا اختلاف أقوام الإنسان في الشكل والحجم واللون وكثير من الصفات؛ فإنّ الأصل الأوّل لجميع هؤلاء الأفراد رجل وامرأة ومع ذلك حدث كلّ هذا الاختلاف الصنفيّ في الإنسان.

كما أنّ المتمرّس والمتابع في أحوال الحيوانات كالحمام والدجاجة والكلب والغنم وغيرها قد يطمئن بنشأة الأصناف المتعدّدة منها عن أصل واحد غير هجين؛ ولكنّها اختلفت في أثر الطفرات الجينيّة في الخلايا الجنسيّة.
وهكذا الحال في النباتات، مثل: اختلاف النوع الواحد في الفواكه والخضروات والثمار والزهور، إلّا أنّ النباتات يكفي في توريث الصفات فيها حدوث الطفرة في الخلايا غير الجنسيّة.
وهذا النحو من التطوّر أيضاً جائز وواقع، وهو يختلف عن التطوّر النوعيّ؛ لأنّ الأصناف المندرجة في نوع واحد لا تتباعد فيما بينها كتباعد الأنواع.
الحالة الرابعة : التطوّر المناعيّ، ونعني به: تطوّر الكائنات الحيّة في مقابل العوارض الضارّة والمميتة، وهذا أمر مشهود بوضوح في مقاومة البكتريا والفيروسات المسبّبة للأمراض المختلفة في مقابل العلاجات المستخدمة ومقاومة الحشرات للمبيدات الحشريّة وتكيّف النباتات مع مبيدات الأعشاب الطفيليّة ومقاومة الفطريّات والديدان والطحالب للمعادن الثقيلة التي لوّثت بيئتها.
وقد اعتقد الإنسان عند اكتشاف المضادّات الحيويّة في أربعينيات القرن العشرين أنّه استطاع من حلّ مشكلة الأمراض المعدية التي تسبّبها البكتريا، مثل: الدرن، والتهاب الحنجرة المتقرح، والتهاب الرئة؛ لكن لوحظ بعد فترة حدوث طفرة في البكتريا أنتجت مقاومة للمضادّ الحيويّ تاركةً وراءها ذرّيّة متطابقة معها جينيّاً مقاومة للعقار أيضاً؛ مما أدّى إلى ضعف فعّاليّة العقار. وهكذا الفيروسات الموجبة لأمراض أخرى؛ على أنّ هناك فيروسات لم تتطوّر، مثل: فيروسي شلل الأطفال والحصبة؛ فإنّهما لم يطوّرا مقاومةً للّقاحات التي استُعملت لأكثر من خمسين عاماً.
الحالة الخامسة : التطوّر الصناعيّ، ونعني به: تطوّر الكائنات المجهريّة (الميكروبات) في أنبوب الاختبار. فقد لاحظ علماء الأحياء تكيّفاً في مستويين للميكروبات:
الأوّل : التكيّفات البسيطة، فقد لوحظ أنّ الميكروبات تستطيع أن تتكيّف مع أيّ بيئة يوجدها العلماء في المعمل، مثل: الحرارة العالية أو المنخفضة، والمضادّات الحيويّة، والسموم، والمجاعة، والأغذية الجديدة، وأعدائها الفيروسات. علماً أنّ التجربة على الميكروبات تتيح وقوف الباحث على تطوّر آلاف الأجيال من البكتريا من جهة أنّ البكتريا تستطيع إعادة الانقسام كلّ عشرين دقيقة.
الثاني : التكيّفات الأكثر تعقيداً، مثل: نزع جين يحتاجه الميكروب للبقاء حيّاً، فقد جرت دراسة تّريبيّة على الميكروب لوحظ من خلالها أنّه استطاع البقاء حيّاً ومعالجة هذه المشكلة.

فوارق التطوّر الكبير مع التطوّر الصغير
وأمّا التطوّر الكبير: فهو تطوّر يحصل في أثر طفرات تغيرّ من نوع الكائن وخصال أساسيّة فيه؛ ومن ثَمّ نعبّر عنه أيضاً بالتطوّر النوعيّ، ويمكن أن يلاحَظ حجم التغيّر من جهات وزوايا متعدّدة.
الزاوية الأولى : بالنظر المادّيّ في الحمض النوويّ، حيث أنّ التطوّر الصغير يتحقّق بتغيير قليل في الحمض النوويّ، مثل: نقصان جين، أو تكرّر جين، أو استبدال جين بآخر، أو تحفيز جين غير نشط، أو نحو ذلك، وقد يتحقّق ذلك في عدد معدود من الجينات. كما أنّ هذا التطوّر يمسّ الجينات المسؤولة عن الأوصاف الثانويّة للكائن الحيّ كاللون والحجم ونحوهما.
وأمّا التطوّر الكبير فهو يقتضي فيما يظهر بملاحظة الفواصل الجينيّة بين الكائنات الحيّة اختلافاً كبيراً في كمّ القواعد الجينيّة وكيفها .
فأمّا في الكمّ: فإنّ هناك اختلافاً كبيراً بين عامّة هذه الكائنات، حيث يزيد بعضها على بعض بملايين من هذه القواعد، وأمّا في كيفها فلاختلاف أنواع القواعد الجينيّة وتركيبتها بين هذه الكائنات اختلافاً شاسعاً وكبيراً ، كما أنّ هذا التطوّر يقع في جينات مسؤولة عن تكوين الأعضاء وأجهزة الجسم.
الزاوية الثانية : بالنظر إلى الفرق الجسديّ والعضويّ ، فالتطوّر الصغير يمكن أن يؤثّر في حجم الكائن وأوصافه وبعض سلوكيّاته؛ ولكنّ التطوّر الكبير يؤثّر تأثيراً نوعيّاً في التشكّل الجسديّ بأحد أنحاء:
1- حدوث الريش والصوف والشعر ونحو ذلك، أو حدوث أعضاء مثل: الرأس، والقلب، والأمعاء، والأرجل، والأيادي.
2- حدوث أجهزة متعدّدة في الفرع ذات أجزاء مترابطة لا ينفع بعضها من دون بعض ولا يؤدّي غرضاً ممّا لابدّ من حصولها بنحو متزامن، والواقع: أنّ كثيراً من أجهزة الجسم هي من هذا القبيل كما في الجهاز الهضميّ والبصريّ والتنفّسيّ وغيرها.
3- حدوث أجهزة في الفرع ناظرة إلى وجود كائن آخر كما في الجهاز التناسليّ في الرجل والمرأة، والذي هو ناظر إلى وجود الطرف الآخر.
والزاوية الثالثة : بالنظر إلى القوى والاستعدادات النفسيّة للكائن الحيّ، فالتطوّر الصغير لا يوجب زيادة نوعيّة في هذه القوى ولكنّ التطوّر الكبير يؤدّي إلى حدوث قوى نفسيّة رئيسة في الفرع لم تكن في الأصل، من قبيل ما يلي:
1- حدوث قوّة حسّيّة في الفرع لم توجد في الأصل أصلاً، مثل: حدوث الحواسّ في الفرع مع خلوّ الأصل عنها إذ الأصل الأوّل للكائنات حسب الافتراض كائن حيّ مشترك بين النبات والحيوان، وحيث أنّ النبات فاقد للإحساس بأيّ نوع من أنواعه؛ فإنّ أنواع الإحساس يكون قد تَولد لاحقاً، ثمّ إنّ الكائن الأوّل الذي اتُّصِف بالإحساس لم يكن متّصفاً بجميع الحواسّ بطبيعة الحال ؛ بل ربّما اتّصف بحاسّة اللمس ثمّ حدث سائر الحواسّ بالتدريج، وهكذا لابّد أن تكون أنواع الإحساس قد حدثت بعد عدم اتّصاف الكائنات الأولى بها.
2- حدوث غريزة في الفرع لم توجد في الأصل؛ فإنّ الكائنات الحيّة ليست متماثلة في غرائزها؛ بل تتميّز الكائنات التي هي أرقى بمزيد من الغرائز النفسيّة، فلابدّ أن تكون هذه الغرائز كلّها وليدة التطوّر.
3- حدوث قوّة ذهنيّة في الفرع لم تكن في الأصل، مثل: قوّة التفكير والتأمّل والاستكشاف التي يتميّز بها الإنسان بالقياس إلى الأصل المفترَض له وهو سلف مشترك بين القرد والإنسان، وهو بطبيعة الحال أقرب إلى القرد جدّاً منه إلى الإنسان؛ لأنّ الإنسان هو الذي تطوّر تطوّراً مميّزاً وكثيراً عن ذلك السلف المشترك.
4- قوّة الضمير الأخلاقيّ، وهي قوّة تستبطن هدياً مُمَيزا في الإنسان تعارض الاستجابة للغرائز، على نقيض تمام الكائنات الحيّة الأخرى التي تسيّرها الغرائز فحسب.. وهذا الهدي هو الأمّ لجميع القوانين المجعولة العرفيّة والوضعيّة والشرعيّة.
5- قوّة الاختيار والشعور بالمسؤوليّة، وهي أيضاً قوّة يختصّ بها الإنسان ويمتاز بها عن الحيوانات، وهي حالة خاصّة تتمثّل في قدرة الإنسان على التباعد عن الدواعي الطبيعيّة الجاهزة وعدم الرضوخ لها.
وبهذا العرض يتّضح أنّ التطوّر الصغير يمكن اعتباره بديهةً واضحةً بالنظر إلى الاختلاف المشهود بين أفراد النوع الواحد والتي ترجع إلى أصل واحد ولكن نظريّة التطوّر الأحيائيّ تبتني على افتراض وقوع التطوّر الكبير المؤدّي إلى تولّد كائن نوعيّ مختلف.
نعم، ربّما ادّعى بعض الباحثين أنّ التطوّر الكبير يمكن أن ينشأ عن تطوّرات صغيرة متعاقبة.. وسيأتي تحقيق ذلك خلال أصل البحث.
وبهذا يتمّ المدخل الذي عقدناه للبحث عن نظريّة التطوّر

يتبع في الحلقة الثالثة: المبحث الاول من بحث نظرية التطور
______

الهوامش:
1- لاحظ: لماذا النشوء والتطوّر حقيقة: 19 وما بعدها.
2- قيل: وقد يحصل التطوّر من خلال الانجراف الجينيّ وهو تطوّر عشوائيّ بسيط في نسب الجينات من جهة كون الأسر المختلفة ذات أعداد مختلفة من النسل مما يؤدّي إلى تغيّر عشوائيّ، إلّا أنّه لا يكون ذا صلة بزيادة التكيّف مع البيئة والظروف المعاشة كي يستتبع الانتخاب الطبيعيّ لبعض الأنواع ) لاحظ في توضيحه: لماذا النشوء والتطوّر حقيقة: 133 .
3- لماذا النشوء والتطوّر حقيقة: 128 - 130 بتصرّف.
4- هكذا قيل؛ ولكنّ الواقع أنّ هذا الأمر ليس ضروريّاً في عمليّة التطوّر. وإلّا لم يصحّ أصل نظريّة التطوّر الإحيائيّ؛ لأنّها تقتضي نشأة جميع الكائنات عن أصل مشترك واحد.. وعليه: فلم تكن هناك أفراد عدّة متغايرة في الأصل.
فالمهمّ أن يكون في جينات الكائن الحيّ ما يمكن أن يكون منشأً لإيجاد صفات مختلفة متى تعرّض لعوامل مختلفة.



  رد مع اقتباس
قديم 09-01-2021, 09:46 PM الشيخ وسام اسبر غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [4]
الشيخ وسام اسبر
موقوف
 

الشيخ وسام اسبر is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة 3 – مدى تماسك نظرية التطور او نفيها وفق المنظور العقلي:

المبحث الأوّل : في نظريّة التطوّر ودلالتها في شأن حقيقة الكائنات الحيّة الواعية وفي شأن حقيقة الإنسان وفي شأن وجود الخالق لها بحسب التأمّل العقليّ.

وهو يشتمل على مقدّمة وأربعة أمور :
المقدّمة : في المراد بالتأمّل العقليّ ودوره في العلوم الطبيعيّة.
الأمر الأوّل : مدى تماسك نظريّة التطوّر أو نفيها وفق المنظور العقليّ.
الأمر الثاني : ما هي دلالة التطوّر في شأن حقيقة الكائنات الحيّة الواعية.
الأمر الثالث : ما هي دلالة التطوّر في شأن الإنسان وحقيقته.
الأمر الرابع : ما هي دلالة التطوّر عقلاً في شأن وجود الإله وخلقه للكون والكائنات.

المراد التأمّل العقليّ وأمثلته :
أمّا عن المقدّمة : فيلاحَظ أنّه قد يسبق إلى ذهن الباحث أنّ البحث حول التطوّر بحث يتعلّق بالعلوم الطبيعيّة، وليس بحثاً فلسفيّاً ومنطقيّاً حتّى يكون فيه محلّ للنظر والتأمّل العقليّ.
ولكنّ هذا الانطباع ناشئ عن انسباق خاطئ عن النظر العقليّ؛ فإنّ النظر العقليّ يشمل كلّ مبدأ فكريّ يمكن الاستعانة به في الوصول إلى إثبات شيء أو نفيه.
مثلا : قضيّة (كلّ شيء حادث فهو ناشئ عن سبب يوجبه) قضيّة عقليّة بديهيّة، وهي مبنى عامّة العلوم الطبيعيّة والإنسانيّة حيث ينطلق العلم من افتراض سبب لكلّ حادث ويسعى إلى اكتشافه، فالطبّ يفترض وجود سبب لكلّ مرض ويسعى إلى الكشف عنه، والطبيب يفترض وجود سبب لمرض المريض الذي يفترض أنّ الدواء سبب للعلاج فيوصى به.

وكذلك ترى أنّ قضيّة (أنّ التنظيم المعقّد لا ينشأ عن عمل عشوائيّ) قضيّة بديهيّة، يقضي بها حساب الاحتمالات بوضوح، فلا يحتمل أحد أن تكون قصيدة شعريّة مثلا من ترتيب عشوائيّ من طفل لا يفقه معاني كلماتها، ولا مكتبة مرتّبة بحسب مواضيع كتبها من فعل طفل لا يميّز مواضيعها، وقواعد حساب الاحتمالات على العموم ممّا يعتمد عليه المنهج التجربيّ والاستقرائيّ المعتمد في عامّة العلوم الطبيعيّة والإنسانيّة.
وقد تؤدّي الصدفة المتتابعة في بعض الحالات إلى تحقّق النتاج المنظّم بعض الشيء أحياناً ولكن يحتاج بحسب قانون حساب الاحتمالات إلى مدّة كافية، فلا يُعقَل إنجازه في وقت قصير، واعتبار هذا التناسب بين نتاج الصدفة ومدّة عملها أمر ضروريّ وفق قواعد حساب الاحتمالات أيضاً .
ومن القضايا البديهيّة أيضاً أنّ (كلّ سبب يوجب أثراً يناسبه، وكلّ مسبّب ينتج عن سبب ينسجم معه) ، فهناك علاقة قائمة بين طبيعة السبب والمسبّب في نفسهما؛ ومن ثَمّ لا يصحّ افتراض حصول أيّ شيء في أثر أيّ شيء آخر، فلا يُحتمَل مثلا حدوث كلّ ظاهرة اجتماعيّة من أيّ حادث، ولا طروّ أيّ عارض عرض على المريض في أثر استعمال الدواء الخاصّ من غير ارتباط قائم بينهما بحسب طبيعتهما.
فهذه القضايا وأمثالها قضايا عقليّة واضحة معروفة لدى العقلاء ومعتمَدة في الأبحاث العلميّة في العلوم الطبيعيّة وغيرها من غير توقّف فيها.

تشكيك بعض علماء الطبيعة في بعض البديهيّات العقليّة :
نعم، لوحظ على بعض الباحثين خاصّة في العلوم الطبيعيّة المجادلة بشأن هذه القضايا، ولاسيّما في مقام تحصيل تفسير طبيعيّ للأشياء والظواهر المادّيّة، فتراهم يجادلون في شأن امتناع حدوث الشيء من غير علّة، حذراً من افتراض علّة غير طبيعيّة للكون مثلاً ، أو في امتناع وجود الشيء وعدمه في آنٍ واحد تجنّباً للإذعان بأيّ مبدأ عقليّ غير خاضعٍ للتجربة ، مع أنّ جريهم الفكريّ والعمليّ في سائر مجالات حياتهم وتفكيرهم على الانطلاق من ثبوت هذه المسلّمات والمفروغيّة عنها.
وقد يتمسّك بعض أهل العلم باحتمال ضئيل للغاية بحسب حساب الاحتمالات، فيجوّز نشأة الشيء المنظّم المعقّد عن حالة عشوائيّة من قبيل نشأة الحياة بنحو طبيعيّ من غير فاعل قاصد ويجادل عن ذلك بكون ذلك محتملاً باحتمال رياضيّ وإن كان ضئيلاً، على الرغم من أنّ هؤلاء بأنفسهم لا يعتدّون الاحتمال بمثل هذا من قبيل احتمال نشأة القصيدة عن حروف مكتوبة عشوائيّاً أو ترتيب المكتبة بحسب الموضوعات عن وضع عشوائيّ لها.
ولعلّ من أسباب مثل هذه الحالات عدم الممارسة الكافية في القضايا الفكريّة والمنطقيّة العامّة؛ ومن ثَمّ توجد مفارقة واضحة في تعامل هؤلاء مع المبدأ الواحد في الموارد المختلفة، ففي حين يجادلون بشأنها في بعض المسائل الشائكة عندهم ينطلقون من ثبوتها ومفروغيّتها في الحالات الأخرى الاعتياديّة كما مثّلنا لذلك.

توقّف الاستنتاج من المعلومات التجريبية على مبادئ عقليّة :
ومن ثَمّ يمكن القول إنّ القضايا العلميّة في العلوم الطبيعيّة تتوقّف على ركنين :
ركن يتعلّق بالمعلومات التجريبيّة والاستقرائيّة ،وركن يتعلّق بالمنطق الفكريّ العامّ من خلال وجود تكييف منطقيّ مقبول للمخرج المقترح في حلّ المسألة والاتّجاه المفترض فيها.
وأيّ خلل في هذا المنطق يؤدّي إلى الوقوع في استنتاجات استنباطيّة خاطئة من المعلومات التجريبيّة والاستقرائيّة.
وقد تكرّر وقوع بعض أهل العلم في بعض الأخطاء نتيجة تقديم فرضيّات غير متماسكة من الناحية العقليّة في تفسير وتحليل بعض الأمور الطبيعيّة.

ومن هنا لا يصحّ ظنّ بعض الباحثين أنّ النتائج المستحصلة في العلوم الطبيعيّة إنّما هي معطيات المعلومات التجريبيّة والاستقرائيّة فحسب، ووجه عدم صحّته أنّ الحقيقة هي أنّ هناك خطوات استنباطيّة لا محالة تدخّلت في اختيار مخارج معيّنة أفضت إلى تلك الاستنتاجات.

وحيث اتّضح دور التأمّل العقليّ في المباحث الطبيعيّة نسعى أن نتأمّل نظريّة التطوّر من المنظور العقليّ في أصلها ودلالتها في شأن الكائنات الحيّة عامّة والإنسان بشكل خاصّ وفي شأن الإله أيضاً.

مدى تماسك نظريّة التطوّر ونفيها من المنظور العقليّ :
الأمر الأوّل : في مدى تماسك نظريّة التطوّر ونفيها من المنظور العقليّ. وهناك انطباعات ثلاثة في الموضوع :

الانطباع المجوّز للتطوّر ولعدمه عقلا :
الانطباع الأوّل : أنّ التأمّل العقليّ لا يرى محذوراً في وقوع التطوّر ولا خلافه وفق المعلومات المتاحة عن مناشئه وافتراضات وقوعه، فيكون البتّ وعدمه منوطاً بمدى قيام مؤشّرات فعليّة على وقوعه من خلال العلوم الطبيعيّة.
وسيتّضح وجه هذا الانطباع من خلال ذكر وجه الانطباعين الآخرَين والتعقيب عليه.

الانطباع النافي لاحتماليّة نظريّة الخلق عقلا :
الانطباع الثاني : أنّ التأمّل العقليّ يرجّح وقوع هذا التطوّر من منطلق حساب الاحتمالات، ويمكن أن يقرَّر الوجه فيه من خلال مقدّمتين:
المقدّمة الأولى : أنّنا نلاحظ أنّ لكلّ الكائنات والحوادث التي وُجدت وحدثت في الكون بعد نشأته الأوّليّة الغامضة أسباب طبيعيّة وفق سنن وقواعد تجري عليها. وقد كشف العلم لاسيّما في العصر الحديث مئات السنن والعوامل الطبيعيّة في مجال الكائنات غير الحيّة والكائنات الحيّة.
ففي مجال الكائنات غير الحيّة كشف العلم آلاف القواعد الفيزيائيّة والكيميائيّة المتعلّقة بالكائنات غير الحيّة وتقدّم في الانتفاع بها في علوم الكونيّات تقدّماً باهراً فاكتشف نشأة الكون عن الانفجار الكونيّ الكبير وأعطى فرضيّات ونظريّات قريبة في كيفيّة تشكّل الكون والمجرّات والأرض، كما استطاع من خلال استثمارها من إيجاد ثورة صناعيّة وصلت إلى مديات بعيدة في تسخير قوى الطبيعة وقوانينها في صنع آلات وأدوات معقدّة ونافعة.
وفي مجال الكائنات الحيّة اهتدى العلم من خلال علوم الفيزياء والكيمياء الحيويّة إلى تكوينها ونظام عملها والآلاف من السنن والعوامل الفاعلة فيها بما ترتّب عليه المنجزات الطبّيّة الرائعة والتصرّف الجينيّ فيها للعلاج والإنماء وغير ذلك.
وفي كلّ ذلك يلاحظ العلماء ابتناء الكون فيما يحدث عليه من وجود كائنات أو اتّفاق حوادث على عوامل طبيعيّة أدّت إلى حدوث ذلك كلّه.
ونتيجة ذلك: أنّه إذا تأمّلنا أيّ شيء حدث أو يحدث في الكون فإنّه ينبغي أن نثق وفق قواعد حساب الاحتمالات بأنّ هذا الحادث ناشئ عن عوامل طبيعيّة مؤثّرة في حدوثه، وليس من الوارد احتمال نشأة هذا الشيء عن عوامل غير طبيعيّة تتدخّل في خلق أشياء جديدة أو إيجاد حوادث منقطعة عن الأسباب المادّيّة، فهذه قاعدة عامّة في كلّ شيء حادث في هذا الكون.

المقدّمة الثانية : أنّ الكائنات الحيّة هي أمور حادثة على وجه الكون وفق معطيات علم الكونيّات، فإنّ الأرض التي هي إلى الآن الموطن الوحيد المعلوم لهذه الكائنات إنّما اتّخذت وضعها الحاليّ الصالح للحياة منذ خمسة مليارات ونصف سنة تقريباً، وقد حدثت الحياة فيها بعد ذلك بملايين السنين منذ ثلاثة مليارات ونصف تقريباً.
وعليه: فإنّ مقتضى القاعدة المتقدّمة في المقدّمة الأولى الاطمئنان بنشأة هذه الكائنات عن عوامل طبيعيّة أسوةً بغيرها وسائر ما يحدث فيها نفسها.
ولعلّ هذا الوجه يمثّل جانباً من أساس ارتكاز كثير من علماء الطبيعة في بتّهم بنظريّة التطوّر؛ لأنّهم ينطلقون دائماً في أبحاثهم من القاعدة العقليّة المتقدّمة وهي أنّ لكلّ شيء في الكون بعد نشأته الأولى سبباً طبيعيّاً قد أدّى إليه.
وليس في هذا المقدار ما ينفي وجود الخالق للكون بطبيعة الحال؛ بل من الممكن اكتشاف الخالق من خلال أصل وجود الكون وانتظامه وفق تلك السنن والقوانين، ومن الجائز أنّ الخالق لم يشأ أن يتدخّل في الكون إلّا من خلال تلك السنن التي سنّها؛ ولكنّ المهمّ أنّ هناك سنناً طبيعيّة فاعلة في كلّ ما يتّفق في الكون بعد نشأته الأولى.

نقد الانطباع المثبت للتطوّر بالتأمّل العقليّ :
ولكنّ هذا الانطباع غير واضح؛ وذلك لأنّ ما جاء في المقدّمة الأولى من الوثوق بأنّ كلّ حادث في الكون بعد نشأته فهو قد حدث من أسباب طبيعيّة تعميم لا توجبه المعطيات العلميّة الاستقرائيّة؛ لأنّنا إنّما يصحّ أن ننتقل من الحالة التجريبيّة والاستقرائيّة إلى التعميم الصنفيّ ولا يصحّ أن نطفر إلى التعميم الكلّيّ .
والمراد بالتعميم الصنفيّ أن يُعمّم الحكم التجريبيّ والاستقرائيّ لما يماثل مورد التجربة والاستقراء تماماً، كما أنّ المراد بالتعميم الكلّيّ تعميم الحكم لكلّ مورد يشترك معه في وصفٍ عامّ.
نعم، قد يحصل الظنّ بعموم الحكم لموارد متشابهة بعض الشيء ولكن من غير بتّ بذلك.
وعليه: فإنّنا حيث نتأمّل مدى احتماليّة نشأة الأشياء عن العوامل الطبيعيّة أو الخلق فإنّ علينا أن نصنّف الأشياء والحوادث في الكون، ونلاحظ مدى احتماليّة أن يكون الاختلاف النوعيّ بينها موجباً لتفاوت بعضها المشكوك في نشأته عمّا عُلم بنشأته عن العوامل الطبيعيّة.
وقد لوحظ : عدم وضوح البتّ بالتعميم المذكور لنشأة الأشياء عن العوامل الطبيعيّة في شأن أصل الحياة، حيث اعترف كثير من العلماء التطوّريّين أنّ العلم إلى الآن ليس لديه فرضيّات مناسبة لنشأة طبيعيّة للحياة.
وتبدو نظريّة الخلق هي الأوجه إلى العصر الحاضر، فلا يصحّ ادّعاء الوثوق بنشأة طبيعيّة لها على أساس التعميم في القاعدة المتقدّمة.
والوجه فيه: أنّ نشأة الحياة ليست حدثاً على حدّ حدوث التنوّع الكونيّ غير الأحيائيّ والحوادث الطبيعيّة في الكائنات غير الحيّة، مثل: الزلزال، وتغيّر المناخ، والفيضان، ولا هو على حدّ تغيّرات أحوال الكائنات الحيّة وعوارضها من نموّها وتكاثرها وأمراضها، وإنّما هي حدث متميّز ربّما احتاج إلى تدخّل فوق طبيعيّ كما في أصل نشأة الكون، فنشأة الكون ونشأة الحياة هما حجرا الزاوية في الوضع الكونيّ القائم، فقد يتماثل حالهما في الحاجة إلى الخلق أيضاً .
وعلى ضوء هذا يمكن اعتبار التنوّع الأحيائيّ أيضاً حادثاً مميَّزاً في نوعه عن الأشياء غير الحيّة والحوادث الطارئة عليها، وكذا عن التغيّرات الطارئة على الكائنات الحيّة، فربّما كان هناك حاجة في إيجادها إلى تدخّل فوق طبيعيّ بشأنها، وهذا الاحتمال في نفسه وارد، ولا سبيل إلى البتّ بنفيه على أساس القاعدة المذكورة.
على أنّ هناك شواهد على بُعد غير مادّيّ في الحيوانات عامّة والإنسان خاصّة من خلال ظواهر غير مادّيّة من قبيل المشاعر والإدراكات والضمير الأخلاقيّ، وهذا البعد كما رجّحه العديد من علماء الطبيعة قد يتوقّف وجوده على قوّة قادرة على إيجاد كائن غير مادّيّ، ولا تكفي في إنتاجه العوامل المادّيّة الطبيعيّة وإن كانت الطبيعة حاضنة لهذا البُعد غير المادّيّ، وسيأتي توضيح ذلك قريباً (1) .
وليس المقصود بإثبات هذا البُعد نفي دور العوامل الطبيعيّة في وجود كيان الحيوانات والإنسان، وإنّما المقصود وجود الحاجة إلى فعل غير مادّيّ في إيجاد هذا الكيان.
وفي البيان المتقدّم ملاحظة أخرى من حيث افتراض استغناء الطبيعة بالعوامل الطبيعيّة عن أيّ فعل إلهيّ؛ فإنّ هذا الأمر ليس بواضح؛ فإنّ من الوارد ما دلّت عليه نصوص دينيّة ذهب إليه جمع من أهل العلم من أنّ كلّ وجود وفاعليّة بحسب طبيعة ذاته وذاتها يقوم بمدد إلهيّ، والبتّ في إثبات هذا الأمر أو نفيه ليس من شأن العلوم الطبيعيّة؛ بل الأمر فيه موكول إلى معلومات أخرى، وقد تقدّم منّا ذكر ذلك سابقاً وليس في بحثنا هذا شاهد في هذا المعنى كي نهتمّ بزيادة إيضاح له.
وبذلك يظهر عدم صحّة الانطباع الذي يرى أنّ النظر العقليّ يثبت نظريّة التطوّر الأحيائيّ.

الانطباع النافي للتطوّر بالتأمّل العقليّ :
الانطباع الثالث : أنّ التأمّل العقليّ ينفي احتماليّة حدوث التنوّع الأحيائيّ بالتطوّر.
والوجه في ذلك: استحالة إيجاد الوسيلة العشوائيّة لنتيجة منظّمة ومعقّدة للغاية. وهذه القضيّة من حيث أصلها قضيّة بديهيّة كما ذكرنا من قبل.
وهي تنطبق في شأن نظريّة التطوّر؛ وذلك لأنّ الطفرة المفيدة للتطوّر ضرب من الصدفة النادرة، والخريطة الجينيّة للأنواع المتطوّرة هي حالة منظّمة ومعقّدة للغاية، فليس من المعقول أن تكون هذه الخريطة نتاجاً لعمل الصدفة.
وبيان ذلك يتوقّف على ذكر مقدّمات ثلاث:
المقدّمة الأولى : لا شكّ في أنّ الخريطة الجينيّة لأيّ كائن حيّ هي حالة معقّدة ومنسّقة للغاية، فهي مؤلّفة من ملايين الأجزاء التي تعمل في اتّساق وانتظام وتكامل، كمصنع كبير ومتكامل.
يقول أحد علماء الأحياء (2) المؤمنين بالتطوّر الأحيائيّ : (ككيميائيّ، يعرف صفات الحمض النوويّ الاستثنائيّة، وحلوله الرائعة لمشكلة ترميز تصميم الحياة، أشعر بالرَّهبة من هذا الجزيء. دعوني أحاول أشرح لكم مدى أناقة الحمض النوويّ.

جزيئات الحمض النوويّ لها عدّة خصائص مميَّزة. العمود الفقريّ الخارجيّ مكوَّن من جزيئات على شكل أشرطة متراتبة مكوَّنة من سكّر الفوسفات، ولكن ما يثير الدَّهشة ما هو موجود في الداخل. تتكوّن درجات السلَّم من مزيج من أربعة مكوِّنات كيميائيّة، تُدعى "قواعد". دعونا نسمّيها (بأسمائها الكيميائيّة الفعليّة في الحمض النوويّ قواعد A ، C ، G ، T، وكلٌّ من هذه القواعد الكيميائيّة لديه شكله الخاصّ به) .
تخيَّل الآن أنّ من بين هذه الأشكال، الشكل A يمكنه أن يتلاءم بشكل دقيق فقط مع درجة السلَّم المجاورة للشكل T، والشكل G يمكنه أن ينسجم إلى جوار الشكل C.هذه هي "ثنائيّات القاعدة". ولذلك يمكنك تصوُّر الحمض النوويّ على شكل سلَّم لولبيّ، بحيث أنّ كلّ درجة فيه تتشكّل من زوجين من قاعدة واحدة. هناك أربعة درجات محتملة A-T, T-A, C-G, G-C :.إذا تعرّضت إحدى القواعد للتلف، فإنّه يمكن إصلاح التلف بسهولة من خلال المكمِّل في التركيب الزوجيّ: البديل الوحيد للقاعدة T قاعدة أخرى من نوع T .

ولعلّ الأكثر أناقة، أنّ اللولب المزدوج يسارع على الفور إلى طريقة للقيام بالنسخ الذاتيّ، لأنّ كلّ قسم يمكن استخدامه كقالب لإنتاج قسم جديد. إذا قسّمتَ جميع الأزواج إلى النصف، وقطعتَ السلَّم نزولاً إلى أسفل وسط كلّ درجة، فإنّ كلّ نصف من السلَّم سوف يحتوي على كافّة المعلومات اللازمة لإعادة بناء نسخة كاملة من الأصل.
كتقريبٍ للفكرة، يمكن للمرء أ ن يتصوَّر الحمض النوويّ على أنّه عبارة عن مخطَّط أوامر، أو إحدى البرمجيّات، القابعة في نواة الخليّة .
لغة الحمض النوويّ الترميزيّة تتكوّن من أربعة حروف فقط. الآمر يتكوّن الأمر المحدّد، المسمّى جين، من آلاف الأحرف .
جميع الوظائف المتطوّرة للخليّة، حتّى في مثل عضو لكائن حيّ مثلنا، يجب أن نلتزم بترتيب الحروف الموجودة في هذا النصّ.
في البداية، لم تكن لدى العلماء أيّة فكرة عن كيفيّة عمل "البرنامج" ولكن تمّ حلّ هذا اللغز بدقّة عن طريق تحديد الحمض النوويّ الريبيّ الذي يعمل كناقل ؛ يتمّ نسخ معلومات الحمض النوويّ التي تشكّل نسخة من الجين عبر جزيئات الحمض الريبيّ، على شكل نصف سلّم تتدلّى درجاته من جانب واحد.


يتحرّك نصف السلّم من نواة الخليّة (مخزن المعلومات) إلى السيتوبلازم (مزيج هلاميّ معقّد من البروتينات، والدهون، والكربوهيدرات)، حيث يدخل إلى مصنع أنيق للبروتين يُسمّى "الريبوسوم" يقوم فريق من المترجمين المحترفين في المصنع بقراءة قواعد نصف سلّم الحمض الريبيّ الناقل ليتمّ تحويل المعلومات الواردة في هذا الجزيء إلى بروتين معيّن، يتكوّن من الأحماض الأمينيّة. كلّ ثلاث درجات من الحمض الريبيّ تشكّل حمضاً أمينيّاً واحداً. البروتينات هي من تقوم بالعمل في الخليّة وتجعلها تحافظ على تكامل تركيبها.
هذا وصف موجَز يتناول قشور من أناقة الحمض النوويّ، والحمض الريبيّ، والبروتين، وهو ما يشكِّل باستمرار مصدراً للرَّهبة والإعجاب .
هناك أربعة وستين من المجموعات الثلاثيّة الحروف A ، C ، T ، G، ولكن هناك عشرين حمضاً أمينيّاً فقط. وهذا يعني أنّ هناك وفرة داخليّة. كشفت التجارب على العديد من الكائنات الحيّة، من البكتيريا إلى البشر أنّ "الشفرة الوراثيّة"، والتي يتمّ فيها تحويل المعلومات الموجودة في الحمض النوويّ والحمض النوويّ الريبيّ إلى بروتين، موجودة في لغة الحياة. GAG يعني حمض الجلوتاميك في لغة بكتيريا التربة ) .
ويقول أيضا (3) : عندما ينظر... (عالم الأحياء) في مجال الكيمياء الحيويّة في التركيب الداخليّ للخليّة فإنّه يُصاب بالدهشة والرهبة من تعقيدات الآلات الجزيئيّة الموجودة هناك، والتي كشف العلم عنها خلال العقود العديدة الماضية.

هناك آلات ذكيّة تترجم الحمض الريبيّ إلى بروتين، والبعض الآخر يساعد الخليّة في الحركة، وغيرها تنقل الإشارات من سطح الخليّة إلى النواة ) .
وأضاف : (ليست الخليّة هي التي تبعث على الذهول. أجهزة بأكملها مكوَّنة من مليارات أو تريليونات من الخلايا، شُيّدت بطريقة تبعث على الرهبة، خُذ على سبيل المثال، العين البشريّة، وهي جهاز معقَّد يشبه الكاميرا، وهو الجهاز الذي لا زال يبهر أذكى الطلاّب في علم البصريّات وعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء ) .

كون الطفرة الجينيّة حالة عشوائيّة نادرة :
المقدّمة الثانية : أنّه لا شكّ في علم الأحياء المعاصر أنّ الطفرة الجينيّة ليست جزءاً من النظام الطبيعيّ الغائيّ للكائنات الحيّة، وإنّما تقع على سبيل الخطأ.
وذلك أنّ من المعلوم أنّ نظام الحياة هو نظام غائيّ؛ بمعنى : أنّه نظام يسير على نسق خاص ولغاية محدّدة، فالتفاعلات الكيميائيّة والفيزيائيّة في ضمن الكائن الحيّ تفاعلات موجّهة للوصول إلى نهاية مؤشّرة عليها في داخلها، فكأنّها تستبطن مسارها وتعي مسيرتها، وليست تلك التفاعلات هي على حدّ التفاعلات الكيميائيّة والفيزيائيّة في غير الكائن الحيّ، وذلك أمر واضح.
كما أنّ من المعلوم أنّ شأن نظام التكاثر -جنسيّاً كان أو لا- أن يولّد الخليّة جينات مماثلة لجيناتها بلا اختلاف عنها، فهي أشبه بجهاز استنساخ ضوئيّ ، كما أنّ الخليّة بنفسها مجهّزة بما يصونها عن حدوث التغيير الجينيّ في أثر العوامل الضاغطة، وكذلك فيها آليات للتصحيح الجينيّ عند طروّ الخطأ، ولكن قد يتّفق وقوع الخطأ من دون تصحيحه، فيكون سارياً وتنتج خليّة مماثلة لها في جيناتها.
وقد عُلم بالاستقراء والتجربة أنّ الطفرة على العموم هي حالة نادرة، كما عُلم أيضاً أنّ الأكثريّة الغالبة منه هي طفرات ضارّة بالكائن الحيّ في بقائه أو في تكاثره، كما أنّ الأكثريّة الغالبة من الطفرات غير الضارّة محايدة ويبقى النادر منها نافعاً لبقاء الكائن، وقد دلّت التجارب التي أُجريت على ذباب الفاكهة أنّ (70%) من الطفرات الطارئة عليها ضارّة، والباقي محايدة إلّا النادر منها.

يقول العالم المتقدّم (4) : إنّ هذا التفاوت يعني التطوّر في الحمض النوويّ يمكن أن يحدث بمعدّل خطأ واحد في كلّ (100) مليون زوج في كلّ جيل. وبما أنّنا جميعاً لدينا 3 مليارات زوج من هذه الأزواج من الأب وأخرى من الأمّ، فإّن لدى كلّ واحد منّا (60) زوج تقريباً قابل للطفرة لم تكن موجودة لا في الأب ولا في الأمّ.
معظم هذه الطفرات تحدث في أجزاء الجينوم غير الرئيسيّة، وبالتالي فهي قليلة أو عديمة التأثير. أمّا تلك الأجزاء التي تقع في المناطق الأكثر أهمّيّة للجينوم، فإنّ الطفرات تكون ضارّة بشكلٍ عامّ؛ لأنّها تقلّل من اللياقة الإنتاجيّة؛ لكن في حالات نادرة تظهر طفرة من قبيل المصادفة بحيث يمكن أن تحدث درجة طفيفة من الميزة الانتقائيّة. وعندها ترتفع احتماليّة انتقال هذا التنوّع من التشفير الجديد للحمض النوويّ إلى النسل المستقبليّ ) .
وعلى ضوء هذه المعلومات صحّ أنّ الطفرة النافعة لبقاء الكائن الحيّ حالة اتّفاقيّة عشوائيّة.

عدم نشأة الحالات المنتظمة المعقّدة على عوامل اتّفاقيّة :
المقدّمة الثالثة : أنّ الحالة المنتظمة والمعقّدة لا تنشأ عن العوامل الاتّفاقيّة الواقعة على سبيل الصدفة مهما طال الزمان أو قصر.
ويمكن لك أن تقيس ذلك بالأمثلة المعاشة ولنذكر مثالين :

الأوّل : مثال الخريطة الهندسيّة، فليفرض أن هناك مخطّطاً هندسيّاً لمدينة ضخمة يُراد بناؤها أو تحويرها قد رُسم من قبل مهندس خبير، فأعطي لشخص لا يفقه في هندسة المدن شيئاً فأوجد فيه آلاف التغييرات العشوائيّة بالنقيصة والاستبدال والزيادة، أو أعطيت لآلاف الأشخاص ليحدث كلّ واحد فيه تغييراً، فهل من المحتمل أن تنتج هذه التغييرات العشوائيّة مخطّطاً هندسيّاً آخر ذا مغزى.

الثاني : مثال الكتاب، فليفرَض أنّ هناك كتاباً تمّ تأليفه وأعطي لشخص لا يفقه منه شيئاً كي يتصرّف فيه تصرّفات عشوائيّة في الحروف والكلمات والجمل والصفحات، فهل يمكن أن ينتج هذا التصرّف كتاباً منسّقاً ذا مضامين معقولة وصحيحة؟ الجواب بالطبع هو النفي؛ بل كلّما زاد التصرّف فيه أنتج تشويشاً إضافيّاً في الكتاب، ومن النادر أن ينتج التصرّف في موضع منه فكرة ذات معنى كأ ن يكون قد وقع فيه استبدال الواو في جملة تصلح تعليلا بالواو.
ومن المعلوم أنّ تعاقب عوامل اتّفاقيّة من هذا القبيل لمئات وآلاف وملايين السنين لن يحلّ هذه الإشكاليّة، ولا يوجب تولّد كتاب معقول أو خريطة هندسيّة ذات مغزى.
وبذلك يظهر أنّ كون الطفرة الجينيّة العشوائيّة سبباً في إيجاد خرائط جينيّة معقّدة أمر غير معقول.
هذا بيان إفضاء التأمّل العقليّ لنفي احتماليّة حدوث التنوّع الأحيائيّ بالتطوّر.

مدى إمكان نشأة التعقيد عن العامل الاتّفاقيّ في بعض الحالات :
ولكن قد يناقَش في هذا البيان بعدم وضوح تماميّة المقدّمة الثالثة فيه،
والوجه فيه: أنّه لا يصحّ نفي إنتاج العوامل الاتّفاقيّة التي قد تنتج نتيجة إيجابيّة بسيطة بالصدفة لحالة إيجابيّة معقّدة على وجه الإطلاق؛ بل ينبغي التفصيل فيها بين حالتين :
الحالة الأولى : أن تقع الحالات العشوائيّة بنوعيها (السلبيّة والإيجابيّة) في مورد واحد كما في مثال الكتاب والخريطة وفق الافتراض المذكور.
ففي هذه الحالة يصحّ ما جاء في هذه المقدّمة من أنّ الاتّفاق لا ينتج التعقيد الإيجابيّ لاجتماع الحالات السلبيّة والإيجابيّة في مورد واحد نوعاً، فتكون حالة مورد الاجتماع سلبيّة بطبيعة الحال.
والحالة الثانية : أن لا يجتمع مورد النتيجة الإيجابيّة مع مورد النتائج السلبيّة لسببٍ ما.
ففي هذه الحالة لا مانع من أن يؤدّي تراكم النتائج الإيجابيّة إلى خلق حالة إيجابيّة معقّدة.
ففي مثال الكتاب إذا فرضنا كون الكتاب كمبيوتريّاً وكان الكمبيوتر مجهَّزاً ببرنامج لا يثبّت أيّ تغيير غير ذي معنى في الكتاب؛ فإنّه لا استبعاد في أن ينتج التصرّفات العشوائيّة فيه تغييرات إيجابيّة كبيرة في الكتاب، وكذلك الحال في مثال الخريطة الهندسيّة المفترضة؛ فإنّه إذا كان المخطّط مخزوناً في الكمبيوتر، وكان الكمبيوتر مجهّزاً بعدم ثبت أيّ تغيير غير ذي معنى؛ فإنّ التصرّفات العشوائيّة فيه تنتج بطبيعة الحال خريطة أخرى ذات معنى.
والحال في مورد حدوث التنوّع الأحيائيّ من خلال الطفرة كذلك؛ لأنّ أغلب الطفرات وإن كانت ضارّة، إلّا أنّ الطفرات الضارّة لا تحدث في مورد حدوث الطفرة النافعة بطبيعة الحال ؛ لأنّ الطفرات إنّما تحدث متفرّقة نوعاً لا مجتمعة.
وعليه: فإنّ ما وقعت فيه الطفرة النافعة ينقل هذه الحالة المطفّرة الإيجابيّة إلى نسله فيما إذا اجتمع مع حيوان مطفّر مثله، فإذا وقعت تدريجاً طفرات أخرى في نسله، ثمّ في بعض نسل هذا البعض وكانت بعض هذه الطفرات إيجابيّة تجتمع الطفرات الإيجابيّة في بعض نسلها بمرور آلاف الأجيال، وبذلك تحدث حالة نوعيّة جديدة.
هذا بيان يمكن ذكره لتولّد التعقيد عن الحوادث الاتّفاقيّة في بعض الحالات.
ولكن يبقى مع ذلك السؤال في أنّه هل بإمكان الطفرات الاتّفاقيّة حقّاً إيجاد هذه الحالات المعقّدة مع الانتباه إلى درجة تعقيدها، وملاحظة الفواصل المتوقّعة بين التركيبات المنتجة والأخرى الخاطئة، وينبغي للباحث أن يحذر في مقام تجويز تولّد مثل هذا التعقيد عن الاتّفاق عن أن يكون ذلك في حقيقته ناشئاً عن نحو من التفكير التجريديّ في الموضوع وعدم استحضاره لتعقيد الخريطة الجينيّة والطفرة المقتضية لإنتاج التنوّع الأحيائيّ، وقد اتّضح في علم النفس التعليميّ أنّ التصوّر التجريديّ للموضوع لا يؤدّي إلى استحضار مناسب لعناصر الخطأ والصواب، ومبادئ الاقتناع والاستبعاد فيه على حدّ ما يؤدّي إليه التصوّر الحيّ له من خلال النماذج الحسّيّة والأمثلة العمليّة والرسوم المخطّطة ونحوها.
أعتقد أنّ من الضروريّ أن يقرّب العلماء الصورة المفترضة للكائن الحيّ الأوّل المشترك بين الحيوان والإنسان ؛ وذلك بكامل خريطته دون تجزئة، ثمّ ذكر افتراضات الطفرة التي تكوّن إرهاصاً أوّليّاً للتطوّر، وذكر التغيير الذي سيتوجّبه ببيان الزيادة والنقصان والاستبدال والتكرّر الذي يقتضيه والزمن المتوقَّع له، وهكذا حتّى يرتقي خطوة فخطوة إلى الأنواع العالية من النباتات والحيوانات، وإنجاز بعض مراحل هذا العمل تصويريّاً قد تقرّب الصورة الحقيقيّة لنظريّة التطوّر ويوجب وعي الباحث لعناصر الاستبعاد فيه.

مدى وفاء مدّة الحياة على وجه الأرض بحصول التطوّر الأحيائيّ بالطفرة الجينيّة :
وهناك وجه آخر في استبعاد نظريّة التطوّر الأحيائيّ وهو أنّ من غير الواضح وفاء المدّة المفترضة لنشأة الحياة على وجه الأرض عند علماء الكونيّات وهي ثلاثة مليارات ونصف بحدوث التطوّر التدريجيّ من جهة الحاجة إلى ملايين الطفرات الوراثيّة من النوع المفيد والموجب لتطوّر الكائن الحيّ ؛ وذلك لتفسير حدوث الكائنات الحيّة بوضعها المشهود مع الأزمنة الطويلة التي تتخلّل بينها وفق قياسات المدّة المناسبة لحدوث الطفرة واستقرار الحالة المطفّرة بسلامتها وتكاثرها، وتمثّل الطفرة في نسلها.
ومن المناسب تدقيق الباحثين عامّة والقائلين بهذه النظريّة خاصّة في هذا الموضوع لملاحظة مدى انسجامها مع المدّة المذكورة لنشأة الحياة على الأرض.

المتحصّل من هذا البحث: أنّنا لا نستطيع فيما اطّلعنا عليه إلى الآن إثبات باتّ لمحذور عقليّ في نظريّة التطوّر أو نفيه، إلّا أن لا تكون مدّة الحياة المتوقّعة على سطح الأرض واقية بحدوثه وفق الطفرة الجينيّة العشوائيّة.
نعم، هناك أسئلة أخرى على عموم نظريّة التطوّر يأتي ذكرها .

يتبع في الحلقة الرابعة: دلالة النظرية في شأن الكائنات الحية من حيث توفر الكائنات على بعد معنوي.
_______
الهوامش:
1- لاحظ الأمر الثاني حول دلالات التطوّر على حقيقة الكائنات الحيّة.
2- لغة الإله: 118 - 120 .
3- فرانسيس كولنز، لاحظ: لغة الإله: 201 .
4- فرانسيس كولنز، لاحظ: لغة الإله: 21 .



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع