والمسلمون كالمسيحيين قبلهم اعتقدوا أن الشياطين تصيب الإنسان بالأمراض بواسطة السحرة، فقالوا إن اليهودي ابن الأعصم سحر النبي ودس السحر في بئر، فمرض النبي حتى أتاه جبريل وأخبره بمكان السحر فأتوا به ووجدوا خيطاً به عُقداً فقرؤوا المعوذتين فانحلت العقد وذهب السحر. وكان النبي يقول إن الصرع سببه الشيطان، لذلك قال لأصحابه إذا صُرع الإنسان فاقرؤوا في أذنه القرآن. ولذلك جعلوا عقاب الساحر السيف. فقد روى سفيان عن عمار الذهبي أن ساحراً كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل ويدخل في أست الحمار ويخرج من فيه، فاشتمل به جُندب بن كعب على السيف فقتله.( القرطبي، تفسير الآية 102، البقرة).
وما دام الجن مجسداً فكان لابد لهم أن يتقمصوا هيئة بعض زجال الإنس، فمثلاً، لما عزم المسلمون على الخروج لغزو كنانة، ذكروا ما بينهم وبينَ بنى كنانة مِن الحرب، فتبدَّى لهم إبليسُ فى صورة سُراقة بن مالك المُدْلجى، وكان مِن أشراف بنى كنانة، فقال لهم: لا غَالِبَ لكم اليومَ من الناس، وإنى جارٌ لكم من أن تأتيكم كِنانة بشىءٍ تكرهُونه، فخرجوا والشيطانُ جارٌ لهم لا يُفارقهم، فلما تعبَّؤوا للقتال، ورأى عدوُّ الله جندَ اللهِ قد نزلت مِن السماء، فرَّ، ونَكَصَ على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا سُراقة ؟ ( زاد المعاد، ج3، ص 86). وعندما اجتمع المشركون في دار الندوة ليتشاوروا في أمر محمد، دخل عليهم الشيطان في هيئة شيخٍ نجدي ونصحهم بأن يحتاروا من كل قبيلة شاباً قوياً ليقتلوا محمد فيتفرق دمه على القبائل ( المنتظم في التاريخ، ج3، ص 4). وروي عن عمر بن الخطاب أنه صارع جنياً في هيئة رجل، فصرعه عمر رضي الله عنه، فقال له الجني: خل عني حتى أعلمك ما تمتنعون به منا، فخلى عنه وسأله، فقال: إنكم تمتنعون عنا بآية الكرسي. ( تفسير القرطبي للآية 255 من سورة البقرة). وهؤلاء الجن كانوا قادرين على قتل الناس، فقد زعمت الجن أنهم قتلوا سعد بن عبادة سيد الخزرج، وكان سبب موته أنه جلس يبول في نفق فاقتيل من ساعته ووجدوه قد اخضر جلده وسمع غلمان بالمدينة قائلًا يقول: نَحْن قَتَلْنَا سَيْدَ الخَزْرَج سعدَ بنُ عَباده. وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِ فُؤادهُ. فذعر الغلمان فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بحوران ( المنتظم في التاريخ، 4، ص 84).
|