تفسير كل شيء بالدين .. بين المؤمن والملحد
يتفق عدد كبير من المؤمنين والملحدين في شيء وحيد وهو تفسير الواقع المحيط بهم تفسيرا دينيا .. بينما يفسر المؤمن خراب الواقع ومآسيه بغياب الدين وتنحيته من الحياة العامة , يفسر الملحد نفس الخراب بتوغل الدين وسيطرته على كافة مناحي الحياة . يرفع المؤمن شعار الإسلام هو الحل بينما يرفع الملحد شعار الاسلام هو المشكلة .. كيف يمكن تفسير هذا التناقض الشعوري بين طرفين يسكنان نفس البيئة ونفس الظروف ؟ هل الدين غائب أم متوغل ؟
يمكن طرح قضية التحرش الجنسي كمثال توضيحي :-
التحرش الجنسي في تفسيرات المؤمن هو بسبب انتشار العري والخلاعة ,غياب الورع الديني و اختلاط الرجال بالنساء في تحدي مباشر للدين .... يأخذنا الملحد في اتجاه مضاد ويفسر التحرش الجنسي بطغيان تغطية النساء بالحجاب والنقاب , صرامة الفصل والعزل بين الجنسين ونظرة الدين للمرأة باعتبارها تسلية للرجال .
كيف يمكن تفسير هذا الإدراك المتناقض لنفس الواقع المحيط ؟ هل النساء مغطاة بأكياس قمامة سوداء أم عاريات كاسيات ؟ هل الجنسين معزولان عن بعضهما أم مختلطان بوقاحة ؟ هل عين المؤمن تري أشياءا لا يراها الملحد والعكس بالعكس ؟
ستجد هنا تجاهل تام لأسباب عقلانية للتحرش مثل سيطرة الرجال على سوق العمل أو وجود النساء في وظائف محتقرة أو الزحام أو غياب الأمن .. لو كان التعري هو السبب فكيف يمكن تفسير انتشار التحرش في أفغانستان وباكستان ؟ ولو كان فصل الجنسين هو السبب فكيف يمكن تفسير انتشار التحرش في البرازيل وكولومبيا ؟
يفسر هذا التناقض الادراكي بين المؤمن والملحد أن الطرفين مصابان باضطراب القلق وهو نتاج الحياة الحديثة السريعة المليئة بالتوتر والمضخمة للمخاوف .. كم هو مفزع صوت الآذان في المساجد للملحد وكم هو مفزع مشهد الخمور للمؤمن .. الدين هو سبب معاناة الملحد وفشله في الحياة .. وغياب الدين هو سبب معاناة المؤمن وفشله في الحياة .
هذا الشيء يخص الكثير من الطرفين مع وجود استثناءات عاقلة .
|