وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا، قَالَتْ: بِعْنَا طُعْمَةَ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خَيْبَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا شَعِيرًا مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ لأَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى قُحَافَةَ مِائَةَ وَسْقٍ، وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَلِبَنِى جَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلأَبِى سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِلصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلأَبِى نَبْقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِلْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادٍ وَأُخْتِهِ هِنْدٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِصَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِلْحُصَيْنِ وَخَدِيجَةَ، وَهِنْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ، وَلأُمّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلأُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، ولِجُمَانَةَ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلأُمّ طَالِبٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلأَبِى أَرْقَمَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْر ٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلأَبِى بَصْرَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلابْنِ أَبِى حُبَيْشٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَيْهِ خَمْسِينَ وَسْقًا، لابْنَيْهِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِىّ مِنْ بَنِى لَيْثٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِمَلْكَانَ بْنِ عِبْدَةَ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِمُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا.
وَأَوْصَى رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلرّهَاوِيّينَ بِطُعْمَةٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلدّارِيَيْنِ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَهُمْ عَشَرَةٌ مِنْ الدّارِيّينَ قَدِمُوا مِنْ الشّامِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَوْصَى لَهُمْ بِطُعْمَةِ مِائَةِ وَسْقٍ هَانِئُ بْنُ حَبِيبٍ وَالْفَاكِهُ بْنُ النّعْمَانِ وَجَبَلَة بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هِنْدِ بْنِ بَرّ وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ اللّهِ وَتَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَزِيزُ بْنُ مَالِكٍ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَأَخُوهُ مُرّةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَوْصَى لِلأَشْعَرِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ أَبِى حَيّةَ، قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلاّ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ لَلدّارِيَيْنِ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلأَشْعَرِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلرّهَاوِيّين بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَأَنْ يَنْفُذَ جَيْشُ أُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَقَدَ لَهُ إلَى مَقْتَلِ أَبِيهِ، وَأَلاّ يَتْرُكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ.
قَالُوا: ثُمّ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ جِبْرِيلَ فِى قَسْمِ خُمُسِ خَيْبَرَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَهُ فِى بَنِى هَاشِمٍ وَبَنِى الْمُطّلِبِ وَبَنِى عَبْدِ يَغُوثَ.
وَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ: قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ذَوِى الْقُرْبَى بِخَيْبَرَ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ وَبَنِى الْمُطّلِبِ مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلاءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ لا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الّذِى وَضَعَك اللّهُ بِهِ مِنْهُمْ أَفَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ، إنّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكَتْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ بَنِى الْمُطّلِبِ لَمْ يُفَارِقُونِى فِى الْجَاهِلِيّةِ وَالإِسْلامِ، دَخَلُوا مَعَنَا فِى الشّعْبِ، إنّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ شَىْءٌ وَاحِدٌ وَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَ أَصَابِعِهِ”.
قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدّثُ، قَالَ: اجْتَمَعَ الْعَبّاسُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلامَيْنِ - لِى وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ - إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَكَلّمَاهُ فَأَمّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصّدَقَاتِ فَأَدّيَا مَا يُؤَدّى النّاسُ وَأَصَابَا مَا يُصِيبُونَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَبُعِثَ بِى وَالْفَضْلِ فَخَرَجْنَا حَتّى جِئْنَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَسَبَقْنَاهُ وَانْصَرَفَ إلَيْنَا مِنْ الظّهْرِ، وَقَدْ وَقَفْنَا لَهُ عِنْدَ حُجْرَةِ زَيْنَبَ فَأَخَذَ بِمَنَاكِبِهِمَا، فَقَالَ: أَخْرِجَا مَا تُسِرّانِ فَلَمّا دَخَلَ دَخَلا عَلَيْهِ فَكَلّمَاهُ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْنَاك لِتُؤَمّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصّدَقَاتِ فَنُؤَدّى مَا يُؤَدّى النّاسُ وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُونَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَسَكَتَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: “إنّ الصّدَقَةَ لا تَحِلّ لِمُحَمّدٍ وَلا لآلِ مُحَمّدٍ إنّمَا هِىَ أَوْسَاخُ النّاسِ”.
اُدْعُ لِى مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: زَوّجْ هَذَا ابْنَتَك - لِلْفَضْلِ. وَقَالَ لأَبِى سُفْيَانَ: زَوّجْ هَذَا ابْنَتَك - لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِمّا عِنْدَك مِنْ الْخُمُسِ وَكَانَ يَكُونُ عَلَى الْخُمُسِ. فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَدْ دَعَانَا عُمَرُ إلَى أَنْ يَنْكِحَ فِيهِ أَيَامَانَا وَيَخْدِمُ مِنْهُ عَائِلَنَا، وَيُقْضَى مِنْهُ غَارِمُنَا، فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إلاّ أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا.
حَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا عَلَيْهِمْ السّلامُ جَعَلُوا هَذَيْنِ السّهْمَيْنِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِى السّلاحِ وَالْعُدّةِ فِى سَبِيلِ اللّهِ. وَكَانَتْ تِلْكَ الطّعْمَةُ تُؤْخَذُ بِصَاعِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى حَيَاتِهِ وَفِى خِلافَةِ أَبِى بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُمْ حَتّى كَانَ يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ فَزَادَ فِى الصّاعِ سُدُسَ الْمُدّ فَأَعْطَى لِلنّاسِ بِالصّاعِ الّذِى زَادَ، ثُمّ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فَزَادَ فِيهِ فَأَعْطَاهُمْ بِذَلِكَ، وَكَانَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ، أَوْ قُتِلَ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَبِى بَكْرٍ، فَإِنّهُ يَرِثُهُ تِلْكَ الطّعْمَةَ مِنْ وِرْثِ مَالِهِ، فَلَمّا وَلِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قَبَضَ طُعْمَةَ كُلّ مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يُوَرّثْهُ فَقَبَضَ طُعْمَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَبَضَ طُعْمَةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، وَكَلّمَهُ فِيهِ عَلِىّ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ فَأَبَى، وَقَبَضَ طُعْمَةَ صَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَكَلّمَهُ الزّبَيْرُ فِى ذَلِكَ حَتّى غَالَظَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ بُرْدَهُ، فَلَمّا أَلَحّ عَلَيْهِ، قَالَ: أُعْطِيك بَعْضَهُ. قَالَ الزّبَيْرُ: لا وَاَللّهِ لا تُخَلّفْ تَمْرَةً وَاحِدَةً تَحْبِسُهَا عَنّى فَأَبَى عُمَرُ تَسْلِيمَهُ كُلّهُ إلَيْهِ.
قَالَ الزّبَيْرُ: لا آخُذُهُ إلاّ جَمِيعًا فَأَبَى عُمَرُ وَأَبَى أَنْ يَرُدّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. وَقَبَضَ طُعْمَةَ فَاطِمَةَ فَكَلَمْ فِيهَا فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ. وَكَانَ يُجِيزُ لأَزْوَاجِ رَسُولِ اللّهِ ÷ مَا صَنَعْنَ فَمَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فِى خِلافَتِهِ فَخَلّى بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الطّعْمَةِ وَأَجَازَ مَا صَنَعْنَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَوَرِثَ ذَلِكَ كُلّ مَنْ وَرّثَهُنّ وَلَمْ يَفْعَلْ بِغَيْرِهِنّ. وَأَبَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ مَنْ بَاعَ تِلْكَ الطّعْمَةِ وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لا يُعْرَفُ إذَا مَاتَ الْمُطْعِمُ بَطَلَ حَقّهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ؟ إلاّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَإِنّهُ أَجَازَ مَا صَنَعْنَ فَلَمّا وَلِىَ عُثْمَانُ كَلّمَ فِى تِلْكَ الطّعْمَةِ فَرَدّ عَلَى أُسَامَةَ وَلَمْ يَرُدّ عَلَى غَيْره. فَكَلّمَهُ الزّبَيْرُ فِى طُعْمَةِ صَفِيّةَ أُمّهِ فَأَبَى يَرُدّهُ وَقَالَ: أَنَا حَاضِرُك حِينَ تَكَلّمَ عُمَرُ وَعُمَرُ يَأْبَى عَلَيْك يَقُولُ: “خُذْ بَعْضَهُ”، فَأَنَا أُعْطِيك بَعْضَهُ الّذِى عَرَضَ عَلَيْك عُمَرُ أَنَا أُعْطِيك الثّلُثَيْنِ وَأَحْتَبِسُ الثّلُثَ، فَقَالَ الزّبَيْرُ: لا وَاَللّهِ لا تَمْرَةً وَاحِدَةً حَتّى تُسَلّمَهُ كُلّهُ أَوْ تَحْتَبِسَهُ.
حَدّثَنِى شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمّا تُوُفّىَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، كَانَ وَلَدُهُ وَرَثَتُهُ يَأْخُذُونَ طُعْمَتَهُ مِنْ خَيْبَرَ، مِائَةَ وَسْقٍ فِى خِلافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَوَرِثَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ رُومَانَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْكِنَانِيّةُ، وَحَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ جَارِيًا عَلَيْهِنّ حَتّى كَانَ زَمَنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَوْ بَعْدَهُ فَقُطِعَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَعْفَرٍ عَمّنْ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: لا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا أَبَدًا أَعْلَمَ مِنّى، كَانَ مَنْ أُعْطِىَ مِنْهُ طُعْمَةٌ جَرَتْ عَلَيْهِ حَتّى يَمُوتَ ثُمّ يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ يَبِيعُونَ وَيُطْعِمُونَ وَيَهَبُونَ كَانَ هَذَا عَلَى عَهْدِ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، قُلْت: مِمّنْ سَمِعْت ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ أَبِى وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْمِى. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَذَكَرْت لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ أَخْبَرَنِى مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ عُمَرَ كَانَ يَقْبِضُ تِلْكَ الطّعْمَةَ إذَا مَاتَ الْمَيّتُ فِى حَيَاةِ أَزْوَاجِ النّبِىّ ÷ وَغَيْرِهِنّ. ثُمّ يَقُولُ تُوُفّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فِى سَنَةِ عِشْرِينَ فِى خِلافَةِ عُمَرَ فَقَبَضَ طُعْمَتِهَا، فَكَلّمَ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا الْوَرَثَةَ، قَالَ: إنّمَا كَانَتْ مِنْ النّبِىّ ÷ طُعْمَةً مَا كَانَ الْمَرْءُ حَيّا، فَإِذَا مَاتَ فَلا حَقّ لِوَرَثَتِهِ، قَالَ: فَكَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِى خِلافَةِ عُمَرَ حَتّى تُوُفّىَ ثُمّ وَلِىَ عُثْمَانُ. وَكَانَ النّبِىّ ÷ أَطْعَمَ زَيْدَ ابْنَ حَارِثَةَ طُعْمَةً مِنْ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا كِتَابٌ فَلَمّا تُوُفّىَ زَيْدٌ جَعَلَهَا النّبِىّ ÷ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قُلْت: فَإِنّ بَعْضَ مَنْ يَرْوِى يَقُولُ كَلّمَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِى طُعْمَةِ أَبِيهِ فَأَبَى، قَالَ مَا كَانَ إلاّ كَمَا أَخْبَرْتُك. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: هَذَا الأَمْرُ.
ما يرويه ابن إسحاق هنا هو نفس مرويات الواقدي ولو باختصار نسبيًّا، فلا داعي لإملال القارئ بتكرار ذات الكلام عن أنصبة زوجات وأقارب وأتباع محمد من المسروقات من الأراضي وعوائد غلات الأرض، سأكتفي بتكرار فقرات هي الأهم هنا من ابن إسحاق:
ثم قَسَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكَتِيبة، وهى وادي خاص، بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنتَه مئتىْ وَسْقٍ، ولعلى بن أبي طالبٍ منه مئة وسْق، ولأسامة بن زيد مئتىْ وَسْق، وخمسين وَسْقاً من نَوًى، ولعائشة أم المؤمنين مئتي وسْق، ولأبىٍ بكر بن أبي قحافة مِئة وسْق، ولعقيل بن أبي طالب مئة وَسْق وأربعين وسْقا، ولبني جعفر خمسين وسْقاً. ولربيعة بن الحارث مئة وَسْق وللصَّلْت بن مَخْرَمة وابنيه مئة وسْق، للصلت منها أربعون وسْقا....إلخ إلخ ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مئة وسْق.
قال ابن هشام: قمح وشعير وتمر ونَوًى وغير ذلك، قسَّمه على قدر حاجتهم، وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر، ولهذا أعطاهم أكثر.
ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر
قسم لهن مئة وسق وثمانين وسقا، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسْقا، ولأسامة بن زيد أربعين وسْقاً، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسْقاً، ولأم رُمَيْثة خمسة أوُسق شهد عثمان بن عفان، وعباس وكتب.
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كَيْسان، عن ابن شهاب الزُّهْري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة ابن مسعود قال: لم يوص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث، أوصى للرَّهاويِّين بحاد مئة وَسْق من خيبر، وللداريِّين بحاد مئة وسق من خيبر، وللسَّبائيين، وللأشعريين بحاد مئة وسْق من خيبر، وأوصى بتنفيذ بَعْث أسامة بن زيد بن حارثة؛ وألا يُترك بجزيرة العرب دينان.
لقد اغتنى محمد من خلال ما امتلكه من أملاك مستولى عليها من خيبر وعوائد نصف خيرات وادي القرى وفدك اليهوديتين، ومنها أعطى لزوجاته ولأقاربه وأنفق على التسليح وأحسن لبعض أتباعه الفقراء وأقاربه وهذا يصب في مصلحة انتشار دعوته، تقول كتب السيرة أنه في حجة الوداع ذبح عن نسائه في الهدي للكعبة البقر كما ذكر ابن إسحاق في سرده لها والبخاري 1709 وأحمد 25838، ألا ينبغي أن تكون قصص الأحاديث من أنه مات مدينًا ليهودي لا يملك شيئًا محض نكت وفكاهات ساذجة بالنسبة لنا إذن.
روى البخاري:
1709 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، لاَ نُرَى إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ»، قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ، قَالَ: يَحْيَى، فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ
وروى مسلم:
[ 1211 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب جميعا عن بن عيينة قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أنفست يعني الحيضة قالت قلت نعم قال إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر
وروى أحمد بن حنبل:
25838 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ، ....إلخ قَالَتْ: وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ ، ...إلخ الحديث
وأخرجه الطيالسي (1413) ، وأبو داود (1782)
وتقول عائشة زوج محمد كما روى البخاري:
4242 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ»
4243 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ»
أن تشبع بنهب غيرك ومعاناته لهو تصرف أناني لا إنساني وإجرامي.
نلاحظ كما جاء في الكثير من كتب التاريخ أن عمر سارع لإلغاء فكرة الخمس لأقارب محمد وصار يعطيهم عطاء من بيت المال فقط، لأنه أميل للاشتراكية والتوزيع العادل للثروات المنهوبة والجزية المنهوبة بين المسلمين، وهذا يلزمنا بالقول هنا أن فكرة الخمس لم تكن تشريعًا عادلًا ولا دستوريًّا، لذلك ألغاها عمر بن الخطاب رغم نص القرآن عليها ورغم اتباعه الشديد للقرآن وسنة محمد.
وروى البخاري عن هذه المسألة وذكر خلافًا ماليًّا وقع بين عليّ ابن عم محمد والعباس أحد أعمام محمد وعلي:
7305 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِيُّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ، فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ، قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَأَذِنَ لَهُمَا، قَالَ العَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الظَّالِمِ اسْتَبَّا، فَقَالَ الرَّهْطُ: - عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ -: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا المَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} [الحشر: 6] الآيَةَ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا المَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا المَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ - وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ - تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكِ، وَأَتَانِي هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، وَإِلَّا فَلاَ تُكَلِّمَانِي فِيهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا
نلاحظ كذلك كما قلنا التوزيع الإقطاعي للأراضي ففي حين بعض الصحابة كان لكل منهم سهم وأملاك كالزبير، آخرون كان لهم سهم واحد لجميعهم كسهم اللفيف مثلًا. فعصر محمد عصر إقطاعي وقد سار على هذا النهج وسنعود إلى هذه النقطة عند ذكر كتابات محمد للقبائل وزعمائها من خلال الطبقات الكبير لابن سعد.
اضطر اليهود لقبول شروط محمد ومنها أنه يخرجهم من أرضهم متى أراد، ليطردوا من وطنهم بشكل عنصري، وهو ما حدث على يد عمر بن الخطاب لاحقًا:
يروي البخاري:
2338 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَجْلَى اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ اليَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا، أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا»، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ
ورواه مسلم 3965 و3966 و3967 وأحمد بن حنبل 6368 و16417
يقول ابن إسحاق:
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلَ خيبر في حصنيهم الوَطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهَلكة، سألوه أن يسيِّرهم وأن يحقن لهم دماءَهم. ففعل. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموالَ كلَّها: الشَّقَّ ونَطاةَ والكَتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين.
فلما سمع بهم أهل فَدَك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيِّرهم، وأن يحقن دماءَهم، ويخلُّوا له الأموالَ، ففعل.
وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك مُحَيِّصَة ابن مسعود، أخو بني حارثة.
فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يَجْلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
ويقول:
فأخبرنى ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خَيْبر عَنْوَةً بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمَّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقَسَمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاءِ بعد القتال، فدعاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها، وتكون ثمارُها بينَنا وبينكم، وأقركم ما أقركم الله، فقبلوا، فكانوا يعملونها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رَوَاحة، فيُقسم ثمرَها، ويعدِل عليهم في الخَرْص، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أقرها أبو بكر رضى الله تعالى عنه، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توفى؛ ثم أقرها عمر رضى الله عنه صدراً من إمارته.
ثم بلغ عمرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان؛ ففحص عمر ذلك، حتى بلغه الثبتُ، فأرسل إلى يهود، فقال: إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمعنَّ بجزيرة العرب دينان، فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتنى به، أنْفذه له ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، فليتجهز للجلاء، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر قال: خرجت أنا والزبير والمِقْداد بن الأسْوَد إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قَدِمنا تفرقنا في أموالنا، قال: فعُدِيَ عليَّ تحتَ الليل، وأنا نائم على فراشى، ففُدِعت يدايَ من مِرْفَقَيّ، فلما أصبحت استصرخ علىَّ صاحباي، فأتيانى فسألانى: من صنع هذا بك؟ فقلت: لا أدري؟ قال: فأصلحا من يدي، ثم قَدِما بي على عمر رضى الله عنه فقال: هذا عمل يهود، ثم قام في الناس خطيبا فقال: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عَدُوا على عبد الله بن عمر فَفدَعوا يديْه، كما قد بلغكم، مع عَدْوِهم على الأنصاري قبله، لا نشك أنهم أصحابه، ليس لنا هناك عدوٌّ غيرُهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به، فإنى مخرج يهود فأخرجهم.
عمر يقسم وادي القرى: قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مَكْنَف، أخى بني حارثة، قال: لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار، وخرج معه جبار ابن صَخْر بن أمية بن خنساء، أخو بني سَلَمة، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت، وهما قَسَما خيبر بين أهلها، على أصل جماعة السهمان، التي كانت عليها.
وكان ما قَسَم عمرُ بن الخطاب من وادي القرى، لعثمانَ بنِ عفان خَطرٌ، ولعبد الرحمن بن عوف خَطَر، ولعُمر بن أبي سَلَمة خَطَرٌ،..إلخ إلخ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما.
قال ابن هشام: الخطر: النصيب. ويقال: أخطر لى فلان خَطَراً.
ويقول الواقدي:
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَمّا فَتَحَ خَيْبَرَ سَأَلَهُ الْيَهُودُ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ نَحْنُ أَرْبَابُ النّخْلِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَة بِهَا. فَسَاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرٍ مِنْ التّمْرِ وَالزّرْعِ وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أُقِرّكُمْ عَلَى مَا أَقَرّكُمْ اللّهُ”، فَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ حَتّى تُوُفّىَ وَأَبِى بَكْرٍ، وَصَدْرٍ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ وَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ النّخْلَ فَكَانَ يَخْرُصُهَا فَإِذَا خَرَصَ قَالَ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نِصْفَ مَا خَرَصْت، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا وَنَضْمَنُ لَكُمْ مَا خَرَصْت. وَإِنّهُ خَرَصَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيّا مِنْ حُلِىّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَك، وَتَجَاوَزْ فِى الْقَسْمِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاَللّهِ إنّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللّهِ إلَىّ وَمَا ذَاكَ يَحْمِلُنِى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالأَرْضُ فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيهَانِ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، وَيُقَالُ: جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَكَانَ يَصْنَعُ بِهِمْ مِثْلَ مَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَيُقَالُ: الّذِى خَرَصَ بَعْدَ ابْنِ رَوَاحَةَ عَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو. قَالُوا: وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقَعُونَ فِى حَرْثِهِمْ وَبَقْلِهِمْ بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ وَبَعْدَ أَنْ صَارَ لِيَهُودَ نِصْفُهُ فَشَكَتْ الْيَهُودُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَيُقَالُ: عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَنَادَى: إنّ الصّلاةَ جَامِعَةٌ وَلا يَدْخُلْ الْجَنّةَ إلاّ مُسْلِمٌ. فَاجْتَمَعَ النّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إنّ الْيَهُودَ شَكَوْا إلَىّ أَنّكُمْ وَقَعْتُمْ فِى حَظَائِرِهِمْ وَقَدْ أَمّنّاهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاَلّذِى فِى أَيْدِيهِمْ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ وَعَامَلْنَاهُمْ وَإِنّهُ لا تَحِلّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إلاّ بِحَقّهَا، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لا يَأْخُذُونَ مِنْ بِقَوْلِهِمْ شَيْئًا إلاّ بِثَمَنٍ، فَرُبّمَا قَالَ الْيَهُودِىّ: لِلْمُسْلِمِ أَنَا أُعْطِيكَهُ بَاطِلاً فَيَأْبَى الْمُسْلِمُ إلاّ بِثَمَنٍ”.
حوّل محمد مالكي الأراضي بقهره ونهبه إلى عمال فلاحين عليها فقط، في سلوك إجرامي عنصري، واللافت للنظر جوهر الديانات التوحيدية الهوسية التكفيرية العنصري رغم أي تعاليم، فالكراهية والهمجية هي الأساس وهو ديدن المسلمين منذ كانوا فانظر كيف كانوا يقعون في نصيب اليهود المتفق عليه، وقارن هذا بتحويل مقبرة اليهود في بساتين المعادي بمصر إلى مزبلة تقريبًا واستحلال كثير منهم لنهب المسيحيين وسرقتهم على مر التاريخ من مواطني دولهم.
يقول ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:
ومنها: جواز إجلاء أهل الذِّمةِ من دار الإسلام إذا اسْتُغنِىَ عنهم، كما قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُقِرُّكُم مَا أَقَرَّكمُ اللهُ"، وقال لكبيرهم: "كَيْفَ بكَ إذا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّام يَوْماً ثُمَّ يَوْماً" ، وأجلاهم عمرُ بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مذهبُ محمد بن جرير الطبرى، وهو قولٌ قوى يسوغُ العملُ به إذا رأى الإمامُ فيه المصلحةَ.
ولا يُقال: أهل خَيْبَر لم تكن لهم ذِمة، بل كانُوا أهلَ هُدنة، فهذا كلام لا حاصِل تحته، فإنهم كانوا أهلَ ذِمة، قد أمِنوا بها على دمائهم وأموالهم أماناً مستمراً، نعم لم تكن الجزيةُ قد شُرِعَت، ونزل فرضُها، وكانوا أهلَ ذِمة بغير جزية، فلما نزل فرضُ الجزية، استُؤنِفَ ضربُها على مَن يُعقد له الذِّمة مِن أهل الكِتاب والمجوس، فلم يكن عدمُ أخذ الجزية منهم، لكونهم ليسوا أهلَ ذِمة، بل لأنها لم تكن نزل فرضُها بعد.
وأما كونُ العقد غيرَ مؤبَّد، فذاك لمدة إقرارهم فى أرض خَيْبَر، لا لمدة حقنِ دمائهم، ثم يستبيحها الإمامُ متى شاء، فلهذا قال: "نُقِرُّكُمْ ما أقرَّكمُ اللهُ أَوْ مَا شَئْنَا" ، ولم يقل: نحقِنُ دماءكم ما شئنا، وهكذا كان عقدُ الذمة لقُريظة والنَّضير عقداً مشروطاً، بأن لا يُحاربوه، ولا يُظاهِرُوا عليه، ومتى فعلوا، فلا ذِمة لهم، وكانوا أهلَ ذِمة بلا جزية، إذ لم يكن نزلَ فرضُها إذ ذاك، واستباحَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْىَ نسائهم وذرارِيهم، وجعل نقضَ العهد سارياً فى حق النِّساء والذُرِّية، وجعل حُكم الساكت والمقر حُكمَ الناقِضِ والمحارب، وهذا موجبُ هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أهل الذِّمة بعد الجزية أيضاً، أن يسرىَ نقضُ العهد فى ذُرِّيتهم إلخ
فمن تلك السيرة الإجرامية لمحمد استخرج الفقاء نهجًا عنصريًّا فهم يرون أنه من الشريعة طرد غير المسلمين من بيوتهم وأوطانهم بأسلوب التفرقة العنصرية على غرار النازية والصهيونية والأبارت هيد في جنوب أفريقيا. وسنتحدث عن إجلاء عمر لغير المسلمين في آخر الكتاب في موضعه.
ووقع في السنن الكبرى للبيهقي:
18168-.....فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غشوا المسلمين وألقوا بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كان له سهم من خيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم فقسمها بينهم فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه لرئيسهم أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها عمر رضي الله عنه بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية
وفي تاريخ المدينة لابن شبة:
حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «خَيْبَرُ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً، وَبَقِيَّتُهَا صُلْحًا، وَالْكَثِيبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ» قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ جَلَّى أَهْلَ خَيْبَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ: أَتُجَلِّينَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتُرَانِي نَسِيتُ قَوْلَهُ: كَيْفَ بِكَ لَوْ قَدْ رَقَصَتْ بِكَ قَلُوصُكَ نَحْوَ الشَّامِ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبْتَ، كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ
عدد القتلى من اليهود في تلك الغزوة:
في تلك الغزوة على هؤلاء اليهود الأقلية فقط، يقول الواقدي:
وَقُتِلَ مِنْ الْيَهُودِ ثَلاثَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلاً.
ناهيك عن المعارك الضارية الكبيرة العدوانية لما ازداد عددهم كمؤتة وذات السلاس وحنين والطائف وفتح اليمن وبعد موت محمد حروب المسلمين مع أتباع مدعي النبوة الآخرين ورافضي دفع الزكاة للدولة مع بقائهم على الإسلام وحروبهم لإزاحة الروم من الشرق واحتلاله واحتلال فارس (إيران)...إلخ بحور من الدماء خاضوا فيها حاملين الراية من بعد الفرس والروم الشرقيين والغربيين، فلنعجب من مزاعم دعاتهم كعمرو خالد من عدم كثرة قتلى حروب محمد إذن!
قصة المرأة الخيبرية التي وضعت السم لمحمد
جاء في البخاري:
2617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا، قَالَ: «لاَ»، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شرح: (أعرفها) أعرف أثرها. (لهوات) جمع لهاة وهي ما يبدو من الفم عند التبسم وقيل هي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم
يقول ابن إسحاق:
فلما اطمأنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينبُ بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم، شاةً مَصْلِية، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: الذراع؛ فأكثرت فيها من السم، ثم سَمَّت سائَر الشاة، ثم جاءت بها. فلما وضعتها بين يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، تناول الذراعَ، فلاك منها مُضغةً. فلم يُسِغْها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، َ فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليُخبرني أنه مسموم، فاعترفت فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومى ما لم يَخفَ عليك، فقلت: إن كان مَلكا استرحتُ منه، وإن كان نبياً فسيُخْبَر، قال: فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل.
قال ابن إسحاق: وحدثني مَرَوان بن عثمان ابن أبي سعيد بن المُعَلَّى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال في مرضه الذي تُوفي فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أمَّ بشر، إن هذا الأوان وجدتُ فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر قال: فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً، مع ما أكرمه الله به من النبوة.
مصلية: مشوية
الأبهر: عرق من عرقين يخرجان من القلب ومنهما تتشعب العروق كلها.
وروى الواقدي القصة فقال:
قَالُوا: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ وَاطْمَأَنّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَسْأَلُ أَىّ الشّاةِ أَحَبّ إلَى مُحَمّدٍ؟ فَيَقُولُونَ: الذّرَاعُ وَالْكَتِفُ، فَعَمَدَتْ إلَى عَنْزٍ لَهَا فَذَبَحَتْهَا، ثُمّ عَمَدَتْ إلَى سُمّ لابَطِىّ قَدْ شَاوَرَتْ الْيَهُودَ فِى سُمُومٍ فَأَجْمَعُوا لَهَا عَلَى هَذَا السّمّ بِعَيْنِهِ فَسَمّتْ الشّاةَ وَأَكْثَرَتْ فِى الذّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ، فَلَمّا غَابَتْ الشّمْسُ صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَغْرِبَ وَانْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَجِدُ زَيْنَبَ جَالِسَةً عِنْدَ رَحْلِهِ فَيَسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: أَبَا الْقَاسِمِ هَدِيّةٌ أَهْدَيْتهَا لَك، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ، وَلا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْهَدِيّةِ، فَقَبَضْت مِنْهَا وَوَضَعْت بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَصْحَابِهِ وَهُمْ حُضُورٌ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ: “اُدْنُوا فَتَعَشّوْا”، فَدَنَوَا فَمَدّوا أَيْدِيَهُمْ وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الذّرَاعَ، وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا، وَأَنْهَشَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْهَا نَهْشًا وَانْتَهَشَ بِشْرٌ، فَلَمّا ازْدَرَدَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَكْلَتَهُ ازْدَرَدَ بِشْرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كُفّوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنّ هَذِهِ الذّرَاعَ تُخْبِرُنِى أَنّهَا مَسْمُومَةٌ”. فَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ: قَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَجَدْت ذَلِكَ مِنْ أَكْلَتِى الّتِى أَكَلْتهَا، فَمَا مَنَعَنِى أَنّ أَلْفِظَهَا إلاّ كَرَاهِيَةَ أُنَغّصَ إلَيْك طَعَامَك، فَلَمّا تَسَوّغْتَ مَا فِى يَدِك لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِى عَنْ نَفْسِك، وَرَجَوْت أَلاّ تَكُونَ ازْدَرَدْتهَا وَفِيهَا نَعْىٌ. فَلَمْ يَرْمِ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى عَادَ لَوْنُهُ كَالطّيْلَسَانِ وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ سَنَةً لا يَتَحَوّلُ إلاّ مَا حُوّلَ ثُمّ مَاتَ مِنْهُ.
وَيُقَالُ: لَمْ يَقُمْ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى مَاتَ، وَعَاشَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلاثَ سِنِينَ.
وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِزَيْنَبَ، فَقَالَ: “سَمَمْت الذّرَاعَ”؟ فَقَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَك؟ قَالَ: “الذّرَاعُ”، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: “وَمَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ”؟ قَالَتْ: قَتَلْت أَبِى وَعَمّى وَزَوْجِى، وَنِلْت مِنْ قَوْمِى مَا نِلْت، فَقُلْت: إنْ كَانَ نَبِيّا فَسَتُخْبِرُهُ الشّاةُ مَا صَنَعْت، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَاخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِيهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: رِوَايَةً أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقُتِلَتْ، ثُمّ صُلِبَتْ. وَقَالَ قَائِلٌ: رِوَايَةً عَفَا عَنْهَا. وَكَانَ نَفَرٌ ثَلاثَةٌ قَدْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِى الطّعَامِ وَلَمْ يَسِيغُوا مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشّاةِ وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحْتَ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، وَيُقَالُ: احْتَجَمَ عَلَى كَاهِلِهِ حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِالْقَرْنِ وَالشّفْرَةِ.
وَقَالُوا: وَكَانَتْ أُمّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ تَقُولُ دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى مَرَضِهِ الّذِى مَاتَ فِيهِ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَمَسِسْته، فَقُلْت: مَا وَجَدْت مِثْلَ مَا وُعِكَ عَلَيْك عَلَى أَحَدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ كَذَلِكَ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلاءُ، زَعَمَ النّاسُ أَنّ بِرَسُولِ اللّهِ ذَاتُ الْجَنْبِ مَا كَانَ اللّهُ لِيُسَلّطَهَا عَلَىّ إنّمَا هِىَ هَمْزَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ، وَلَكِنّهُ مِنْ الأَكْلَةِ الّتِى أَكَلْت أَنَا وَابْنُك يَوْمَ خَيْبَرَ، مَا زَالَ يُصِيبُنِى مِنْهَا عِدَادٌ حَتّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعٍ أَبْهَرِىّ”، فَمَاتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ شَهِيدًا، وَيُقَالُ: إنّ الّذِى مَاتَ فِى الشّاةِ مُبَشّرُ بْنُ الْبَرَاءِ. وَبِشْرٌ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْ قَوْلِ زَيْنَبَ ابْنَةِ الْحَارِثِ: قَتَلْت أَبِى، قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبُوهَا الْحَارِثُ، وَعَمّهَا يَسَارٌ، وَكَانَ أَخْبَرَ النّاسِ هُوَ الّذِى أُنْزِلَ مِنْ الشّقّ، وَكَانَ الْحَارِثُ أَشْجَعَ الْيَهُودِ، وَأَخُوهُ زُبَيْرُ قُتِلَ يَوْمئِذٍ فَكَانَ زَوْجُهَا سَيّدَهُمْ وَأَشْجَعَهُمْ سَلاّمَ بْنَ مِشْكَمٍ، كَانَ مَرِيضًا وَكَانَ فِى حُصُونِ النّطَاةِ فَقِيلَ لَهُ: إنّهُ لا قِتَالَ فِيكُمْ فَكُنْ فِى الْكَتِيبَةِ. قَالَ: لا أَفْعَلُ أَبَدًا. فَقُتِلَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ الّذِى يَقُولُ فِيهِ الرّبِيعُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ:
وَلَمّا تَدَاعَوْا بِأَسْيَافِهِمْ
وَكُنّــــا إذَا مَـــا دَعَـــــوْنَا بِـــهِ
فَكَانَ الطّعَانُ دَعَوْنَا سَلامَا
سَقَيْنَا سَرَاةَ الْعَـــــدُوِ السمَامَــــا
وَهُوَ كَانَ صَاحِبُ حَرْبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ شَغَلَهُ بِالْمَرَضِ.
__________________________________
ملاحظة: لكن قد يوهم ذكر الواقدي لسلام بن مشكم في الحصن بالغلط، لأني وجدت في تاريخ الطبري والإصابة في تمييز الصحابة والاستعياب في معرفة الأصحاب وأسد الغابة وغيرهم أنه كان الزوج الأول لصفية بنت حيي (وكلاهما من بني قريظة الذين حينما أجلاهم محمد ذهبوا إلى خيبر وصاروا من زعمائها حتى حين) ثم مات فتزوجها كنانة، وفي الطبري:
وكانت قبله تحت سلام بْن مشكم بْن الحكم بْن حارثة بْن الخزرج بْن كعب بْن الخزرج، وتوفي عنها وخلف عليها كنانة بْن الربيع بْن أبي الحقيق، فقتله محمد بن مسلمه بأمر النبي
لكن ابن سعد في الطبقات الكبير له رأي مختلف وهو أن سلام بن مشكم طلقها وليس مات عنها:
وكانت صفية تزوجها سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري فقتل عنها يوم خيبر.
ويقول خير الدين الزركلي في كتاب (الأعلام):
صفية بنت حيي بن أخطب، من الخزرج: من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الجاهلية من ذوات الشرف. تدين باليهودية، من أهل المدينة. تزوجها سلام ابن مشكم القرظي، ثم فارقها فتزوجها كنانة ابن الربيع النضري، وقتل عنها يوم خيبر. وأسلمت، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن ما تتفق عليه الكتب ومنها ابن هشام أن اليهودية واضعة السم هي زينبُ بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم.
وروى مسلم في صحيحه:
[ 2190 ] حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذاك قال أو قال علي قال قالوا ألا نقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 2190 ] وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة سمعت هشام بن زيد سمعت أنس بن مالك يحدث أن يهودية جعلت سما في لحم ثم أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث خالد
وروى البخاري (4428) معلَّقًا:
قَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ»
وروى أحمد بن حنبل:
23933 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا رَبَاحٌ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَتَّهِمُ بِنَفْسِكَ ؟ فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُ إِلَّا الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ، وَكَانَ ابْنُهَا مَاتَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَأَنَا لَا أَتَّهِمُ غَيْرَهُ، هَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي "
رجاله ثقات، وقد اختلف فيه على الزهري. وأخرجه أبو داود (4514) عن أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد. إلا أنه قال فيه: عن أمه أم مبشر، ولا يصح هذا، فإن أم مبشر لم تكن زوجاً لعبد الله بن كعب ولا لكعب بن مالك. وجاء عقبه: قال أبو سعيد ابن الأعرابي: كذا قال: "عن أمه"، والصواب: عن أبيه، عن أم مبشر وأخرجه عبد الرزاق (19815) عن معمر، عن الزهري، عن ابن لكعب بن مالك، أن أم مبشر قالت للنبي ص... فذكره.
وأخرجه أبو داود 4508، وفي (4513) من طريق عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن لكعب بن مالك، عن أبيه: أن أم مبشر..إلخ وأخرجه الحاكم 3/219 عن القطيعي راوي "المسند"، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، به - غير أنه قال فيه: عن أبيه، عن أم مبشر، فجعله من حديث أم مبشر، وهكذا أورده الحافظ ابن حجر في "الفتح" 8/131 عن الحاكم. وقال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 7/131: وصله البزار والحاكم (3/58) من طريق عنبسة بن خالد، عن يونس، بهذا الإسناد. روى ابن سعد (في "الطبقات" 2/202-203) عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سُمَّت له بخيبر
ومن روايات سنن أبي داود:
4511 - حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر قال فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية " ما حملك على الذي صنعت ؟ " فذكر نحو حديث جابر فأمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة . حسن صحيح
ولو أن معظم القصص في أبي داوود ومسلم وغيرهما تقول أنه تركها ولم يقتلها
والروايات كثيرة عن مرض محمد في كل كتب الحديث، مثلًا هذه الرواية للبخاري:
5648 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ قَالَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ».... إلخ
وروى أحمد بن حنبل:
27079 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُودُهُ فِي نِسَاءٍ، فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ نَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ دَعَوْتَ اللهَ فَشَفَاكَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "
وأخرجه ابن سعد 8/325-326، والنسائي في "الكبرى" (7496) و (7613) و(7482) ، والطبراني في "الكبير" 24/ (629) ، والحاكم 4/404
وجاء في شرح على السير لابن هشام لطه عبد الرؤوف سعد عن كتب الفقه والحديث:
فأما المرأة التي سمته، فقال ابن إسحاق: صفح عنها، وقد روى أبو داود أنه قتلها، ووقع في كتاب شرف المصطفى أنه قتلها وصلبها، وهي زينب بنت الحارث بن سلام، وقال أبو داود: وهى أخت مرحب اليهودي، وروى أيضاً مثل ذلك ابن إسحاق. ووجه الجمع بين الروايتين أنه عليه السلام صفح عنها، أولا لأنه كان صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه، فلما مات بشر بن البراء من تلك الأكلة، قتلها، وذلك أن بشراً لم يزل معتلا من تلك الأكلة حتى مات منها بعد عام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عند موته: "ما زالت أكلة خيبر تعادني، فهذا أوان قطعت أبهري! وتعادنى، أي تعتادنى المرة بعد المرة.
لا أدري كيف خان محمد ذكاؤه وبداهته ليظن ان امرأة من قوم قتل منهم وسبى النساء ونهب، ستعطيه هدية بنية صافية، ولا سيما وهي موتورة منكودة بقتل أبيها وزوجها وغيرهما، لقد وضعت في الشاة سمًّا يميت متسبّبًا بالحمى، لابطيّ من لبط الرجل أي حُمَّ، وكان رهانها أنه لو كان نبيًّا كما يزعم فسيعرف (طبعًا كل هذه المفاهيم عن النبوة والله الخرافي محض أوهام وضلالات لكن لنتابع السرد)، لقد انتهس محمد نهسة صغيرة فقط ثم شعر بالقلق الغريزي، أما صاحبه تابعه فتقول رواية أنه مات فورًا وفي رواية أقسى أنه ظل سنة لا يستطيع الحركة ثم مات، على كلٍ إن لم يكن محمد مات بفعل الشيخوخة أو أي مرض وبائي، وإن صحت مزاعم الروايات فقد مات بعد ثلاث سنوات بفعل سم اليهودية معانيًا حتى آخر لحظاته من الحمى معاناة طويلة وقتلًا بطيئًا، على الأقل هم جنوا على شخص واحد ممن آذوهم وأهانوهم وأبادوهم وأجلوهم عن وطنهم العربي كيهود عرب وحجازيين في شبه جزيرة العرب، أما هو فقد جنى بدعاواه العنصرية المعادية للإخاء الإنساني على الكثيرين من يهود ومسيحيين ووثنيين وأتباع مدعي نبوة آخرين كمسلمة الحنفي. على كلٍ القصة برهان على عدم صحة خرافة نبوة محمد وكل النبوات أكاذيب خزعبلات يقينًا عامة. أما قوله لم يكن ينتقم لنفسه فإنه كثيرًا ما فعل بالقول في مكة وبالأفعال في يثرب حينما امتلك القوة بحيث لم يسمح حتى بحرية الكلام كما سنشرح في مواضع أخرى.
لاحقًا كما سنذكر في آخر هذا الكتاب قام عمر بن الخطاب بنفي كل يهود ومسيحيي ومجوس وصابئة شبه الجزيرة العربية، استكمالًا لسياسة محمد ونهجه العنصري في النفي والإقصاء وعدم تحمل وجود الآخر في حد ذاته، ولقد زعم وزعم المسلمون أن هذا بوصية عنصرية من محمد كذلك وهو على فراش الموت، وإن صح هذا فحتى موته ظل ينضح بالشر والحقد وكره إخوانه في الإنسانية ويحرض ضدهم، وما هذا بنموذج محتذى، وعما بعد هذا ذكر لنا الواقدي:
حَدّثَنِى ابْن أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، قَالَ: نَزَلْت بِأَرِيحَا زَمَنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا حَىّ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِذَا رَجُلٌ يَهْدِجُ مِنْ الْكِبَرِ، فَقَالَ: مِمّنْ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: مِنْ الْحِجَازِ، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: وَاشَوْقَاه إلَى الْحِجَازِ أَنَا ابْنُ الْحَارِثِ الْيَهُودِىّ فَارِسُ خَيَابِرَ قَتَلَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ نَزَلَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ، وَكُنّا مِمّنْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى الشّامِ. فَقُلْت: أَلا تُسْلِمُ؟ قَالَ: أَمَا إنّهُ خَيْرٌ لِى لَوْ فَعَلْت، وَلَكِنْ أُعَيّرُ تُعَيّرُنِى الْيَهُودُ تَقُولُ أَبُوك ابْنُ سَيّدِ الْيَهُودِ لَمْ يَتْرُكْ الْيَهُودِيّةَ قُتِلَ عَلَيْهَا أَبُوك وَتُخَالِفُهُ؟.