غزوة خيبر فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ
ما أن انتهى محمد من صلحه مع وثنيي مكة جبهة عداوته الأخطر، حتى تفرغ للقضاء على القوة الدينية والاقتصادية والعسكرية المنافسة له، ألا وهي اليهود كظاهرة دينية منافسة له ولمشروعه، ويبرر المسلمون اعتداآت محمد وجرائمه ضد اليهود اليثربيين من خيبر بأنهم هم من ساعد وجمع الأحزاب في غزوة الخندق وغيرها من أحداث يروونها، وقد سردنا رأينا المخالف لهذه الأطروحة وعرضنا نماذج من العدوان المحمدي الذي لا يختلف عن العنصرية النازية أو الصهيونية عندما أمر بعد اغتيال كعب بن الأشرف المسلمين بقتل كل من صادفوه من يهود، بحيث صارت التهمة والجناية كونك متبعًا لديانة اليهودية وقصة اقتحام أبي بكر لمعبد يهودي وطلبه مساهمة أو صدقة لحروب محمد ثم اعتدائه بالضرب داخل حرم المعبد للحبر فنحاص لاختلافه معه في النقاش، وحقيقةً فالمطلع على كتبهم الأولى ورسائلهم كنماذج للدعوة لا نرى بها أي نوع من تبادل فكر أو تعارف إنساني بل قاذورات فكرية شمولية...على أي حال، شرع المسلمون يعدون لجريمتهم وبدأ محمد يتقوى على يهود خيبر ويثرب بجمع من أتاه من المتهوسين وقطاع الطرق والمغيرين:
قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِى ذِى الْحَجّةِ تَمَامَ سَنَةَ سِتّ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِى الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَخَرَجَ فِى صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ - وَيُقَالُ خَرَجَ لِهِلالِ رَبِيعٍ الأَوّلِ - إلَى خَيْبَرَ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ بِالتّهَيّؤِ لِلْغَزْوِ فَهُمْ مُجِدّونَ وَتَجَلّبَ مَنْ حَوْلَهُ يَغْزُونَ مَعَهُ وَجَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ رَجَاءَ الْغَنِيمَةِ فَقَالُوا: نَخْرُجُ مَعَك وَقَدْ كَانُوا تَخَلّفُوا عَنْهُ فِى غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَرْجَفُوا بِالنّبِىّ ÷ وَبِالْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: نَخْرُجُ مَعَك إلَى خَيْبَرَ، إنّهَا رِيفُ الْحِجَازِ طَعَامًا وَوَدَكًا وَأَمْوَالاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تَخْرُجُوا مَعِى إلاّ رَاغِبِينَ فِى الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلا”. وَبَعَثَ مُنَادِيًا فَنَادَى: “لا يَخْرُجَنّ مَعَنَا إلاّ رَاغِبٌ فِى الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلا”
أيضًا نجد أن الكثيرين من ق طاع الطرق وشذاذ الآفاق أصحاب الغارات انضموا لمحمد، وهاهو يذكر الواقدي أن الحجاج بن علاط من بني سُلَيْم كان من هؤلاء القُطَّاع:
وَكَانَ الْحَجّاجُ بْنُ عِلاطٍ السّلَمِىّ ثُمّ الْبَهْزِىّ قَدْ خَرَجَ يُغِيرُ فِى بَعْضِ غَارَاتِهِ فَذُكِرَ لَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِخَيْبَرَ فَأَسْلَمَ، وَحَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ أُمّ شَيْبَةَ بِنْتُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أُخْتُ مَصْعَبٍ الْعَبْدِىّ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ الْحَجّاجُ مُكْثِرًا، لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، مَعَادِنُ الذّهَبِ الّتِى بِأَرْضِ بَنِى سُلَيْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِى حَتّى أَذْهَبَ فَآخُذَ مَا لِى عِنْدَ امْرَأَتِى، فَإِنْ عَلِمَتْ بِإِسْلامِى لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا....إلخ
قصة خداع الحجاج بن علاط لقريش وزوجته حتى يستخلص ماله منهم بادعاء أن محمدًا هزم أمام اليهود وأنه يحتاج أمواله لشراء المغانم من اليهود للتجارة مشهورة وهي في مسند أحمد 12409 وفي "مصنف عبد الرزاق" (9771) ، ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد (1288) ، والبزار (1816- كشف الأستار) ، والنسائي في "الكبرى" (8646)، لكنهم لم يخبرونا بوظيفته "الكريمة" كقاطع طريق!
ولما شعر يهود يثرب المدينة بذلك كان ما فعلوه-كما يحكي الواقدي_محاولة منهم لمساندة قومهم، هو:
فَلَمّا تَجَهّزَ النّاسُ إلَى خَيْبَرَ شَقّ ذَلِكَ عَلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِالّذِينَ هُمْ مُوَادِعُونَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَرَفُوا أَنّهُمْ إذَا دَخَلُوا خَيْبَرَ أَهَلَكَ اللّهُ خَيْبَرَ كَمَا أَهَلَكَ بَنِى قَيْنُقَاعَ وَالنّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ. قَالَ: فَلَمّا تَجَهّزْنَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقّ إلاّ لَزِمَهُ، وَكَانَ لأَبِى الشّحْمِ الْيَهُودِىّ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ الأَسْلَمِىّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِى شَعِيرٍ أَخَذَهُ لأَهْلِهِ فَلَزِمَهُ، فَقَالَ: أَجّلْنِى فَإِنّى أَرْجُو أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْك فَأَقْضِيَك حَقّك إنْ شَاءَ اللّهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَ نَبِيّهُ خَيْبَرَ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى حَدْرَدٍ مِمّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا الشّحْمِ إنّا نَخْرُجُ إلَى رِيفِ الْحِجَازِ فِى الطّعَامِ وَالأَمْوَالِ. فَقَالَ أَبُو الشّحْمِ حَسَدًا وَبَغْيًا: تَحْسِبُ أَنّ قِتَالَ خَيْبَرَ مِثْلُ مَا تَلْقَوْنَهُ مِنْ الأَعْرَابِ؟ فِيهَا وَالتّوْرَاةُ عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِى حَدْرَدٍ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ تُخَوّفْنَا بِعَدُوّنَا وَأَنْتَ فِى ذِمّتِنَا وَجِوَارِنَا؟ وَاَللّهِ لأَرْفَعَنّكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا تَسْمَعُ إلَى مَا يَقُولُ هَذَا الْيَهُودِيّ؟ وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ أَبُو الشّحْمِ. فَأَسْكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْئًا، إلاّ أَنّى رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَذَا قَدْ ظَلَمَنِى وَحَبَسَنِى بِحَقّى وَأَخَذَ طَعَامِى قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَعْطِهِ حَقّهُ”، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَخَرَجْت فَبِعْت أَحَدَ ثَوْبَىْ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ وَطَلَبْت بَقِيّةَ حَقّهِ فَقَضَيْته، وَلَبِسْت ثَوْبِى الآخَرَ وَكَانَتْ عَلَىّ عِمَامَةٌ فَاسْتَدْفَأْت بِهَا. وَأَعْطَانِى سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ ثَوْبًا آخَرَ فَخَرَجْت فِى ثَوْبَيْنِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَنَفّلَنِى اللّهُ خَيْرًا، وَغَنِمْت امْرَأَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِى الشّحْمِ قَرَابَةٌ فَبِعْتهَا مِنْهُ بِمَالٍ.
وأبو الشحم هذا على كونه تاجرًا ناجحًا وربما جشعًا محبًّا للربح، كان ذا فضيلة ونبل إنساني وسط كل هذا السرد التاريخيّ الوسخ، وسبق وسارع بشراء ما استطاع من نساء قريظة ليحررهن من سبي المسلمين لهن، أما قصة أن خيبر بها عشرة آلاف جندي يهودي فمحض خرافة وجملة كان يكررها اليهود للتخويف وتبناها المسلمون لتعظيم خستهم بالاعتداء على أقلية بائسة، كما سنرى من بعض الاستدلالات التالية ضمن السياق. ونرى كيف أنهم ككل أهل الزمان الغابر استحلّوا استعباد البشر وبيعهم مقابل مال، وسارع الرجل الفاضل لتحرير قريبته ولعله هو وغيره من الأفاضل حاولوا تحرير ما استطاعوا من نساء عربيات يهوديات مستعبدات مخطوفات. لكن ليس كل من وقت بيده سبية من هؤلاء المسلمين كان سيتركها ويبيعها للأسف! أما أمر محمد لصحابيه برد الدين مع أن مايقوم به من سرقة ونهب لليهود أكثر من ذلك بكثير، فاتقاء للحرج وللمظهر العام أمام العقد الاجتماعيّ غير المكتوب والمعارف عليه، ولو أن محمدًا حطم وكان سيحطم كل العقد الاجتماعي لدرجة توصيته قبل موته بإخراج كل أتباع الأديان الأخرى من شبه جزيرة العرب كما سنرى لاحقًا.
ويحكي الواقدي:
وَجَاءَ أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَنَا نَفَقَةٌ وَلا زَادَ وَلا ثَوْبَ أَخْرُجُ فِيهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ شَقِيقَة سُنْبُلانِيّة، فَبَاعَهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَابْتَاعَ تَمْرًا بِدِرْهَمَيْنِ لَزَادَهُ وَتَرَكَ لأَهْلِهِ نَفَقَةً دِرْهَمَيْنِ وَابْتَاعَ بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى طَرِيقِ خَيْبَرَ فِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إذْ أَبْصَرَ بِرَجُلٍ يَسِيرُ أَمَامَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَبْرُقُ فِى الْقَمَرِ كَأَنّهُ فِى الشّمْسِ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مِنْ هَذَا”؟ فَقِيلَ: أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَدْرَكُوهُ” قَالَ: فَأَدْرَكُونِى فَحَبَسُونِى، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَمَا تَأَخّرَ وَظَنَنْت أَنّهُ قَدْ نَزَلَ فِىّ أَمْرٌ مِنْ السّمَاءِ فَجَعَلْت أَتَذَكّرُ مَا فَعَلْت حَتّى لَحِقَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “مَا لَك تَقْدُمُ النّاسَ لا تَسِيرُ مَعَهُمْ”؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ نَاقَتِى نَجِيبَةٌ، قَالَ: “فَأَيْنَ الشّقِيقَةُ الّتِى كَسَوْتُك”؟ فَقُلْت: بِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوّدَتْ بِدِرْهَمَيْنِ تَمْرًا، وَتَرَكْت لأَهْلِى نَفَقَةِ دِرْهَمَيْنِ وَاشْتَرَيْت بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ ÷، ثُمّ قَالَ: “أَنْتَ وَاَللّهِ يَا أَبَا عَبْسٍ وَأَصْحَابُك مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَئِنْ سَلّمْتُمْ وَعِشْتُمْ قَلِيلاً لَيَكْثُرَنّ زَادَكُمْ وَلَيَكْثُرَنّ مَا تَتْرُكُونَ لأَهْلِيكُمْ وَلَتَكْثُرَنّ دَرَاهِمُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَمَا ذَاكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ”، قَالَ أَبُو عَبْسٍ: فَكَانَ وَاَللّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷.
نعم، لأنها شبعة بعد جوع، يعقبها السعار، وأخلاق العرب والمستعربين ظلت دومًا قائمة على مفهوم الجشع والسلوك المسعور المتوارَث، كأنها لوثة إسلامية ما، هذا أقوله من تعايشي معهم ورؤيتي لحال أغلب رجال أعمالهم ومصانعهم من مكنزي رؤوس الأموال البخلاء على العمال بأي أجور عادلة. وهناك أحاديث لعمر وغيره مشابهة في ذم الأموال والخيرات، وهي أحاديث نكدة مشؤومة تعبر عن زهد وضيق فكر وعدم احتفاء بالحياة، وهكذا هو حال الدينيين وخاصة المسلمين إما يكونون جشعين لا مبالين أو زهادًا فقراء غير ذوي همة أو احتفاء بالحياة. مما يعكس عدم اتزان الشخصية المتدينة.
استعان محمد كثيرًا في هذه الغزوة بالخونة وعديمي الولاء والمبادئ من المستعدين لبيع أي شيء بالمال ليقتحم حصون خيبر، هذا ما يكشفه لنا الواقدي، ففي حديثه عن قسمة النهب والمسروقات أو الغنائم يقول:
حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ قُطَيْرٍ الْحَارِثِىّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِعَشَرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ إلَى خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ. وَيُقَالُ: أَحَذَاهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ
وقدم جماعة من اليمن فيهم المدعو أبو هريرة لأول مرة، وانضموا لجيش محمد كذلك، يقول الواقدي:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ ثَمَانُونَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: رَسُولُ اللّهِ بِخَيْبَرَ، وَهُوَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ، فَقُلْت: لا أَسْمَعُ بِهِ يَنْزِلُ مَكَانًا أَبَدًا إلاّ جِئْته، فَتَحَمّلْنَا حَتّى جِئْنَاهُ بِخَيْبَرَ فَنَجِدُهُ قَدْ فَتَحَ النّطَاةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ، فَأَقَمْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا
وفي موضع آخر يحكي الواقدي:
وَقَدِمَ الدّوْسِيّونَ فِيهِمْ أَبُو هَرِيرَةَ، وَالطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُمْ، وَنَفَرٌ مِنْ الأَشْجَعِيّينَ فَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ فِيهِمْ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ. قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَنَظَرَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إلَى أَبِى هَرِيرَةَ فَقَالَ: أَمّا أَنْتَ فَلا، فَقَالَ أَبُو هَرِيرَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. قَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ: يَا عَجَبَاه لِوَبَرٍ تَدَلّى عَلَيْنَا مِنْ قُدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللّهُ عَلَى يَدَىّ وَلَمْ يُهِنّى عَلَى يَدِهِ.
معاني كلمات: الوبر حيوان صغير بحجم القط أغبر أو أبيض شديد الحباء يوجد بالحجاز، وشبهه به تحقيرًا له، وقدوم ضأن هي ثنية أو جبل السراة بأرض دوس
وقصة قدومه ألمح لها ابن إسحاق:
قال ابن إسحاق: فحدثني ثَوْر بن يزيد، عن سالم، مولى عبد الله بن مُطيع، عن أبي هريرة، قال: فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى...إلخ
وذكرها البخاري 4136 و4237 و4238 و4239 وأبو داوود 2723وفيها قصة مجادلة أبي هريرة مع أبان أمام محمد وذكر أحدها أنه لم يعطهم من الغنائم بسبب احتجاج أبان، وهي القصة والتي ذكرها الواقدي كذلك. بل وقصة قدوم أبي هريرة متزامنًا مع غزو خيبر مشهورة حتى أن علماء الإسلام يستخدمونها للتفرقة بين أشياء كثيرة في التواريخ ومقارناتها للتصحيح والتأكيد.
القصة التي يرويها الواقدي عن عدد العشرة آلاف ليهود خيبر مشكوك فيها كثيرًا، ولنا أدلة من الواقدي نفسه:
وَكَانَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ يَقُولُونَ حِينَ تَجَهّزَ النّبِىّ ÷ إلَى خَيْبَرَ: مَا أَمْنَعُ وَاَللّهِ خَيْبَرَ مِنْكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ خَيْبَرَ وَحُصُونَهَا وَرِجَالَهَا لَرَجَعْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُصَلّوا إلَيْهِمْ حُصُونٌ شَامِخَاتٌ فِى ذُرَى الْجِبَالِ وَالْمَاءُ فِيهَا وَاتِنٌ إنّ بِخَيْبَرَ لأَلْفِ دَارِعٍ مَا كَانَتْ أَسَدٌ وَغَطْفَان يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْعَرَبِ قَاطِبَةً إلاّ بِهِمْ فَأَنْتُمْ تُطِيقُونَ خَيْبَرَ؟ فَجَعَلُوا يُوحَوْنَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ فَيَقُولُ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷: قَدْ وَعَدَهَا اللّهُ نَبِيّهُ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا.
لو أخذنا بهذا الرقم، فإنه سيكون رهانًا جيدًا منا أن نفترض أن اليهود كانوا ألفاً أو ألفين من الرجال القادرين على الحرب على أقصى حد، خاصة لوفرة مالهم وقدرتهم على التسليح والتدريع الجيد.
ومما يدل أيضًا على عدم صحة الرقم المذكور أن الحجاج بن علاط بعد انهزام اليهود لما سافر إلى مكة وخدع القرشيين ليتحصل على أمواله قال لهم زعمًا به كذب منطقي أن اليهود استطاعوا هزيمة محمد وأنهم كانوا قد أتوا بحلفائهم غطفان وأسد:
....فَقُلْت: لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ، كَانُوا قَدْ سَارُوا فِى الْعَرَبِ يَجْمَعُونَ لَهُ الْجَمُوعَ وَجَمَعُوا لَهُ عَشَرَةَ آلافٍ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يَسْمَعْ قَطّ بِمِثْلِهَا...
إذن لو اجتمع كل هؤلاء لكان عددهم هكذا، أما اليهود وحدهم فعددهم قليل.
نلاحظ أن محمدًا أحسن التخطيط فانتصر هو وتبعه:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ فَعَمّى اللّهُ عَلَيْهِمْ مَخْرَجَهُ إلاّ بِالظّنّ حَتّى نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَاحَاتِهِمْ لَيْلاً.
أما اليهود فتخبطوا بشكل قد يدل على أن قوتهم كانت أقل عدديًّا من المسلمين، فسواء واجهوا أم تحصّنوا كان الضرر سينالهم:
وَكَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ حَيْثُ أَحَسّوا بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ الْيَهُودِىّ بِأَنْ يُعَسْكِرُوا خَارِجًا مِنْ حُصُونِهِمْ وَيَبْرُزُوا لَهُ فَإِنّى قَدْ رَأَيْت مَنْ سَارَ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُونِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَقَاءٌ بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَبْىٍ وَمِنْهُمْ مِنْ قَتْلِ صَبْرًا. فَقَالَتْ الْيَهُودُ: إنّ حُصُونَنَا هَذِهِ لَيْسَتْ مِثْلَ تِلْكَ هَذِهِ حُصُونٌ مَنِيعَةٌ فِى ذُرَى الْجِبَالِ. فَخَالَفُوهُ وَثَبَتُوا فِى حُصُونِهِمْ فَلَمّا صَبّحَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَعَايَنُوهُ أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ.
وخلال محاصرة ومفاجأة محمد للحصون استخدم مرشدين بدو للطريق:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَلَكَ ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ، ثُمّ أَخَذَ عَلَى الزّغَابَةَ ثُمّ عَلَى نَقْمَى، ثُمّ سَلَكَ الْمُسْتَنَاخَ ثُمّ كَبَسَ الْوَطِيحَ، وَمَعَهُمْ دَلِيلانِ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: حَسِيلُ بْنُ خَارِجَةَ، وَالآخَرُ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ خَرَجَ عَلَى عَصْرٍ وَبِهِ مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّهْبَاءِ.
والوطيح هذا من أكبر حصون خيبر
كانت خطة محمد أن يتوسّط بين غطفان وخيبر، ليمنع غطفان من إمداد اليهود وهو ما يدل على أن عدد جيشه كان لا بأس به أو أن لديه ثقة جيدة بنفسه، وإلا لما غامر بوضع جيشه بين ما قد يشكل فكي كمّاشة عليه، يقول الواقدي:
ثُمّ دَعَا بِالأَدِلاّءِ فَجَاءَ حُسَيْلُ بْنُ خَارِجَةَ الأَشْجَعِىّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ الأَشْجَعِىّ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِحُسَيْلٍ: “امْضِ أَمَامَنَا حَتّى تَأْخُذَنَا صُدُورُ الأَوْدِيَةِ حَتّى نَأْتِىَ خَيْبَرَ مِنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّامِ، فَأَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشّامِ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ”. فَقَالَ حُسَيْلٌ: أَنَا أَسْلُكُ بِك.
وهذا ذكره ابن هشام كذلك بنحو مشابه:
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عِصر، فبُنى له فيها مسجد، ثم على الصَّهْباء، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه حتى نزل بوادٍ يقال له الرَّجيع، فنزل بينهم وبين غَطَفان، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل على أكذوبة قصة رقم العشرة آلاف، أن محمدًا كان يقظًا للرصد فأمسكت ربيئته برجل كان سيتجسس عليهم لصالح يهود خيبر، فشرع هذا محاولًا نصرة حلفائه وإبراء ذمته الكذب على المسلمين وتكرار أكذوبة العشرة آلاف تلك، وقد كان من أشجع هي بطن من غطفان، ولم يكونوا صالحوا ووادعوا محمدًا بعد:
وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فِى فَوَارِسَ طَلِيعَةٍ فَأَخَذَ عَيْنًا لِلْيَهُودِ مِنْ أَشْجَعَ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَاغٍ أَبْتَغِى أَبْعِرَةً ضَلّتْ لِى، أَنَا عَلَى أَثَرِهَا. قَالَ لَهُ عَبّادٌ: أَلَك عِلْمٌ بِخَيْبَرَ؟ قَالَ: عَهْدِى بِهَا حَدِيثٌ فِيمَ تَسْأَلُنِى عَنْهُ؟ قَالَ: عَنْ الْيَهُودِ. قَالَ: نَعَمْ كَانَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ سَارُوا فِى حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ، فَاسْتَنْفَرُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً فَجَاءُوا مُعَدّينَ مُؤَيّدِينَ بِالْكُرَاعِ وَالسّلاحِ يَقُودُهُمْ عُتْبَةُ بْنُ بَدْرٍ، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِى حُصُونِهِمْ وَفِيهَا عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ وَهُمْ أَهْلُ الْحُصُونِ الّتِى لا تُرَامُ وَسِلاحٌ وَطَعَامٌ كَثِيرٌ لَوْ حُصِرُوا لِسِنِينَ لَكَفَاهُمْ وَمَاءٌ وَاتِنٌ يَشْرَبُونَ فِى حُصُونِهِمْ مَا أَرَى لأَحَدٍ بِهِمْ طَاقَةً، فَرَفَعَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ السّوْطَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَاتٍ، وَقَالَ: مَا أَنْتَ إلاّ عَيْنٌ لَهُمْ اُصْدُقْنِى وَإِلاّ ضَرَبْت عُنُقَك فَقَالَ الأَعْرَابِىّ: أَفَتُؤَمّنّى عَلَى أَنْ أَصْدُقَك؟ قَالَ عَبّادٌ: نَعَمْ، فَقَالَ الأَعْرَابِىّ: الْقَوْمُ مَرْعُوبُونَ مِنْكُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ لِمَا قَدْ صَنَعْتُمْ بِمَنْ كَانَ بِيَثْرِبَ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِنّ يَهُودَ يَثْرِبَ بَعَثُوا ابْنَ عَمّ لِى وَجَدُوهُ بِالْمَدِينَةِ، قَدْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ يَبِيعُهَا، فَبَعَثُوهُ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ يُخْبِرُونَهُ بِقِلّتِكُمْ وَقِلّةِ خَيْلِكُمْ وَسِلاحِكُمْ....إلخ
قَالَ الأَعْرَابِىّ: وَأَنَا أَسْمَعُ كُلّ هَذَا، فَقَالَ لِى كِنَانَةُ: اذْهَبْ مُعْتَرِضًا لِلطّرِيقِ فَإِنّهُمْ لا يَسْتَنْكِرُونَ مَكَانَك، وَاحْرُزْهُمْ لَنَا، وَادْنُ مِنْهُمْ كَالسّائِلِ لَهُمْ مَا تَقْوَى بِهِ ثُمّ أَلْقِ إلَيْهِمْ كَثْرَةَ عَدَدِنَا وَمَادّتِنَا فَإِنّهُمْ لَنْ يَدَعُوا سُؤَالَك، وَعَجّلْ الرّجْعَةَ إلَيْنَا بِخَبَرِهِمْ. فَأَتَى بِهِ عَبّادٌ النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ
نلاحظ جملة القوم مرعوبون وجلون وهي تؤكد وجهة نظري بوجود فارق عددي لصالح المسلمين، ويؤكد ذلك ما ورد بآخر سرد الواقدي فقتلة اليهود بضع وتسعون، وقتلة المسلمين أفراد معدودون فقط، رغم حصون اليهود.
نجد هنا عملية إكراه للجاسوس على الإسلام، وأي مصداقية لاتباع دين بالإجبار؟!
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ عَبّادٌ: جَعَلْت لَهُ الأَمَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمْسِكْهُ مَعَك يَا عَبّادُ فَأَوْثِقْ رِبَاطًا”. فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ عَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى دَاعِيك ثَلاثًا، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ لَمْ يَخْرُجْ الْحَبْلُ عَنْ عُنُقِك إلاّ صَعَدًا”، فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِىّ
نلاحظ أنه قد كان أعراب غطفان أهل خسة، لأن اليهود ناصروهم دومًا، فلما احتاجهم اليهود لم يمدوا لهم يد العون مع أنهم عرضوا مقابلًا لذلك، كأن حلفهم معهم وأياديهم البيضاء من مؤازرة لهم في الماضي لم تكن تكفيهم كدافع والتزام، يقول الواقدي:
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعَهَا، ثُمّ رَجَعَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: تَرَكْت مُحَمّدًا يُعَبّئُ أَصْحَابَهُ إلَيْكُمْ. فَبَعَثُوا إلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ، فَخَرَجَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فِى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ يَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ سَنَةً.
فزارة أيضًا من بطون غطفان
أيضًا من سمات أفول نجم قوم وارتفاع آخرين، أن تجد المهزومين غافلين غير مستعدين، مع أنه يفترض أن يتنبهوا لنوايا محمد وأتباعه، هذا نرى مثله في فتح محمد العثماني للقسطنطينية، وهنا نقرأ من الواقدي:
وَفَتَحُوا حُصُونَهُمْ مَعَهُمْ الْمَسَاحِى وَالْكَرَازِينُ وَالْمَكَاتِلُ، فَلَمّا نَظَرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ قَالُوا: مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ فَوَلّوْا هَارِبِينَ حَتّى رَجَعُوا إلَى حُصُونِهِمْ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ”
هذه القصة رواها البخاري:
371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ....إلخ الحديث
610 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}
ورواه مسلم :
[ 1365 ] حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأري بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد والله قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا محمد والخميس قال وأصبناها عنوة وجمع السبي...إلخ الحديث
[ 1365 ] وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرارا قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا والخميس قال وأصبناها عنوة
[ 1365 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيناهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤسهم ومكاتلهم ومرورهم فقالوا محمد والخميس قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قال فهزمهم الله عز وجل
ورواه أحمد بن حنبل 12086 و12670 و12671وغيره فنكتفي بما سلف، وذكره ابن هشام وفي لفظه (قالوا: محمد والخميس معه! فأدبروا هُرَّاباً)
ثم يقول الواقدي:
وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَنْزِلَةِ جَعَلَ مَسْجِدًا فَصَلّى إلَيْهِ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ نَافِلَةً. فَثَارَتْ رَاحِلَتُهُ تَجُرّ زِمَامَهَا، فَأُدْرِكَتْ تَوَجّهُ إلَى الصّخْرَةِ لا تُرِيدُ تَرْكَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ” حَتّى بَرَكَتْ عِنْد الصّخْرَةِ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الصّخْرَةِ، وَأَمَرَ بِرَحْلِهِ فَحَطّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالتّحَوّلِ إلَيْهَا، ثُمّ ابْتَنَى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَيْهَا مَسْجِدًا فَهُوَ مَسْجِدُهُمْ الْيَوْمَ. فَلَمّا أَصْبَحَ جَاءَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك، إنّك نَزَلْت مَنْزِلَك هَذَا، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ أَمَرْت بِهِ فَلا نَتَكَلّمُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الرّأْىُ تَكَلّمْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلْ هُوَ الرّأْىُ”. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَنَوْت مِنْ الْحِصْنِ وَنَزَلْت بَيْنَ ظُهْرَىْ النّخْلِ وَالنّزّ مَعَ أَنّ أَهْلَ النّطَاةِ لِى بِهِمْ مَعْرِفَةٌ لَيْسَ قَوْمٌ أَبْعَدَ مَدَى مِنْهُمْ وَلا أَعْدَلَ مِنْهُمْ وَهُمْ مُرْتَفِعُونَ عَلَيْنَا، وَهُوَ أَسْرَعُ لانْحِطَاطِ نَبْلُهُمْ مَعَ أَنّى لا آمَنُ مِنْ بَيَاتِهِمْ يَدْخُلُونَ فِى خَمْرِ النّخْلِ تَحَوّلْ يَا رَسُولَ اللّهِ إلَى مَوْضِعٍ بَرِئَ مِنْ النّزّ وَمِنْ الْوَبَاءِ نَجْعَلْ الْحَرّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَتّى لا يَنَالَنَا نَبْلُهُمْ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: نُقَاتِلهُمْ هَذَا الْيَوْمَ، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: “اُنْظُرْ لَنَا مَنْزِلاً بَعِيدًا مِنْ حُصُونِهِمْ بَرِيئًا مِنْ الْوَبَاءِ نَأْمَنُ فِيهِ بَيَاتَهُمْ”. فَطَافَ مُحَمّدٌ حَتّى انْتَهَى إلَى الرّجِيعِ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ÷ لَيْلاً، فَقَالَ: وَجَدْت لَك مَنْزِلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ”.
وَقَاتَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَهُ ذَلِكَ إلَى اللّيْلِ يُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ، يُقَاتِلُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا. وَحُشِدَتْ الْيَهُودُ يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ: لَوْ تَحَوّلْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إذَا أَمْسَيْنَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَحَوّلْنَا”، وَجَعَلْت نَبْلَ الْيَهُودِ تُخَالِطُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَجَاوَزَهُ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْقُطُونَ نَبْلَهُمْ ثُمّ يَرُدّونَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ،
فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحَوّلَ إلَى الرّجِيعِ، وَخَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْبَيَاتَ فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَبَاتَ فِيهِ، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ يَغْدُو كُلّ يَوْمٍ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ مُتَسَلّحِينَ وَيَتْرُكُ الْعَسْكَرَ بِالرّجِيعِ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ عُثْمَانَ ابْنَ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ يَوْمَهُ إلَى اللّيْلِ، ثُمّ إذَا أَمْسَى رَجَعَ إلَى الرّجِيعِ.
وَكَانَ قَاتَلَ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ أَسْفَلِ النّطَاةِ، ثُمّ عَادَ بَعْدُ فَقَاتَلَهُمْ مِنْ أَعْلاهَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ، وَأَنّ مَنْ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُمِلَ إلَى الْمُعَسْكَرِ فَدُووِىَ، وَإِنْ كَانَ بِهِ انْطِلاقٌ انْطَلَقَ إلَى مُعَسْكَرِ النّبِىّ ÷ وَكَانَ أَوّلَ يَوْمٍ قَاتَلُوا فِيهِ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَمْسُونَ رَجُلاً مِنْ نَبْلِهِمْ فَكَانُوا يُدَاوُونَ مِنْ الْجِرَاحِ
كيف قال أنها مأمورة يعني بأمر إلهيّ، ثم عاد واعترف أنه مجرد رأي له وكان رأيه نكبة على صحبه فجرح منهم خمسون في يوم واحد لمجرد تأخره ذلك اليوم ورغبته في تجربة عدم اتباع نصيحة صاحبه الذي نصحه بابتعاد الجيش عن الحصن لئلا تصيبهم السهام وما يُلقى عليهم!
أيضًا ارتكب محمود بن مسلمة هذه الغلطة:
وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ، وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا شَدِيدَ الْحَرّ وَهُوَ أَوّلُ يَوْمٍ قَاتَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَهْلَ النّطَاةِ، وَبِهَا بَدَأَ فَلَمّا اشْتَدّ الْحَرّ عَلَى مَحْمُودٍ وَعَلَيْهِ أَدَاتُهُ كَامِلَةً جَلَسَ تَحْت حِصْنِ نَاعِم يَبْتَغِى فَيْئَهُ وَهُوَ أَوّلُ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلا يَظُنّ مَحْمُودٌ أَنّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ إنّمَا ظَنّ أَنّ فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا - وَنَاعِمٌ يَهُودِىّ، وَلَهُ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ هَذَا مِنْهَا - فَدَلّى عَلَيْهِ مَرْحَبٌ رَحًى فَأَصَابَ رَأْسَهُ. فَهَشّمَتْ الْبَيْضَةُ رَأْسَهُ حَتّى سَقَطَتْ جِلْدَةِ جَبِينِهِ عَلَى وَجْهِهِ
وهو من قتلى تلك الغزوة بسبب ذلك
نجد مسارعة المسلمين إلى التخريب والتدمير، وهو طبع الأصوليين المسلمين منذ نشؤوا وطالما ظل ديانتهم وظلوا، فقاموا بنفس ما قاموا به في غزوة بني النضير دلالة على الحقد والشر وخبث النفوس، يروي الواقدي:
فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَغْدُو بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَكَانَ شِعَارُهُمْ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْيَهُودَ تَرَى النّخْلَ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلادِهِمْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَطْعِ النّخْلِ، وَوَقَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى قَطْعِهَا حَتّى أَسْرَعُوا فِى الْقَطْعِ فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَكُمْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مُنْجِزٌ مَا وَعَدَك، فَلا تَقْطَعْ النّخْلَ. فَأَمَرَ فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “فَنَهَى عَنْ قَطْعِ النّخْلِ”.
وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: رَأَيْت نَخْلاً بِخَيْبَرَ فِى النّطَاةِ مُقَطّعَةً فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا قَطَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷.
وَحَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِىّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى النّطَاةِ أَرْبَعَمِائَةِ عِذْقٍ وَلَمْ تَقْطَعْ فِى غَيْرِ النّطَاةِ.
فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَنْظُرُ إلَى صَوْرٍ مِنْ كَبِيسٍ قَالَ: أَنَا قَطَعْت هَذَا الصّوْرَ بِيَدِى حَتّى سَمِعْت بِلالاً يُنَادِى عَزْمَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ لا يَقْطَعُ النّخْلَ فَأَمْسَكْنَا.
نجد مسلسلًا من الخيانات من بعض رجال اليهود، يجعلنا نتساءل هل خافوا وتصرفوا بأنانية وأرادوا إنقاذ أنفسهم وأسرهم والتضحية بالباقين، أم كان هناك خلال اجتماعي في مجتمع صغير دينيّ شموليّ كمجتمع يهود خيبر؟! مثل هذا الخلل بوسعي التنبؤ أنه بالتالي سيظهر في المسلمين حينما يتعرضون للشدائد أيضًا ولمن قرأ التاريخ أن يجد أمثلة، وعلى كلٍ نقرأ من الواقدي:
وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ إنّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ نَادَانَا بَعْدَ لَيْلٍ وَنَحْنُ بِالرّجِيعِ أَنَا آمَنُ وَأُبَلّغُكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَابْتَدَرْنَاهُ فَكُنْت أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ. فَأَدْخَلْنَاهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ تَؤُمّنّى وَأَهْلِى عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى عَوْرَةٍ مِنْ عَوْرَاتِ الْيَهُودِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. فَدَلّهُ عَلَى عَوْرَةِ الْيَهُودِ. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ تِلْكَ السّاعَةَ فَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَخَبّرَهُمْ أَنّ الْيَهُودَ قَدْ أَسْلَمَهَا حَلْفَاؤُهَا وَهَرَبُوا، وَأَنّهَا قَدْ تَجَادَلَتْ وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ. قَالَ كَعْبٌ: فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ فَظَفّرَنَا اللّهُ بِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِى النّطَاةِ شَيْءٌ غَيْرَ الذّرّيّةِ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى الشّقّ وَجَدْنَا فِيهِ ذُرّيّةً فَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْيَهُودِىّ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ فِى الشّقّ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَرَأَيْته أَخَذَ بِيَدِ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ.
ثم يحكي الواقدي بعدها مباشرة القصة بشكل آخر قد يكون أصح:
قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُنَاوِبُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِى حِرَاسَةِ اللّيْلِ فِى مَقَامِهِ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ، فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ السّادِسَةُ مِنْ السّبْعِ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَلَى الْعَسْكَرِ فَطَافَ عُمَرُ بِأَصْحَابِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ وَفَرّقَهُمْ أَوْ فَرّقَ مِنْهُمْ فَأُتِىَ بِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ فِى جَوْفِ اللّيْلِ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: اذْهَبْ بِى إلَى نَبِيّكُمْ حَتّى أُكَلّمَهُ فَأَمْسَكَهُ عُمَرُ وَانْتَهَى بِهِ إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَوَجَدَهُ يُصَلّى، فَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَلامَ عُمَرَ فَسَلّمَ وَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ وَدَخَلَ عُمَرُ بِالْيَهُودِىّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلْيَهُودِىّ: “مَا وَرَاءَك وَمَنْ أَنْتَ”؟ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: تَؤُمّنّى يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَأَصْدُقُك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. فَقَالَ الْيَهُودِىّ: خَرَجْت مِنْ حِصْنِ النّطَاةِ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ نِظَامٌ تَرَكْتهمْ يُتَسَلّلُونَ مِنْ الْحِصْنِ فِى هَذِهِ اللّيْلَةِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَأَيْنَ يَذْهَبُونَ”؟ قَالَ: إلَى أَذَلّ مِمّا كَانُوا فِيهِ إلَى الشّقّ، وَقَدْ رُعِبُوا مِنْك حَتّى إنّ أَفْئِدَتَهُمْ لَتَخْفِقُ وَهَذَا حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ السّلاحُ وَالطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَفِيهِ آلَةُ حُصُونِهِمْ الّتِى كَانُوا يُقَاتِلُونَ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا، قَدْ غَيّبُوا ذَلِكَ فِى بَيْتٍ مِنْ حُصُونِهِمْ تَحْتَ الأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَمَا هُوَ”؟ قَالَ: مَنْجَنِيقٌ مُفَكّكَةٌ وَدَبّابَتَانِ وَسِلاحٌ مِنْ دُرُوعٍ وَبَيْضٍ وَسُيُوفٍ فَإِذَا دَخَلْت الْحِصْنَ غَدًا وَأَنْتَ تَدْخُلُهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنْ شَاءَ اللّهُ”، قَالَ الْيَهُودِىّ: إنْ شَاءَ اللّهُ أُوقِفُك عَلَيْهِ فَإِنّهُ لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْيَهُودِ غَيْرِى، وَأُخْرَى قِيلَ مَا هِىَ؟ قَالَ: تَسْتَخْرِجُهُ ثُمّ أَنْصِبُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِ الشّقّ، وَتُدْخِلُ الرّجَالَ تَحْتَ الدّبّابَتَيْنِ فَيَحْفِرُونَ الْحِصْنَ فَتَفْتَحُهُ مِنْ يَوْمِك، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِحِصْنِ الْكَتِيبَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَحْسَبُهُ قَدْ صَدَقَ، قَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ احْقِنْ دَمِى، قَالَ: “أَنْتَ آمِنٌ”، قَالَ: وَلِى زَوْجَةٌ فِى حِصْنِ النّزَارِ فَهَبْهَا لِى، قَالَ: “هِىَ لَك”، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا لِلْيَهُودِ حَوّلُوا ذَرَارِيّهُمْ مِنْ النّطَاةِ”؟ قَالَ: جَرّدُوهَا لِلْمُقَاتِلَةِ وَحَوّلُوا الذّرَارِىّ إلَى الشّقّ وَالْكَتِيبَةِ.
قَالُوا: ثُمّ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الإِسْلامِ فَقَالَ: أَنْظِرْنِى أَيّامًا، فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ غَدَا بِالْمُسْلِمِينَ إلَى النّطَاةِ، فَفَتَحَ اللّهُ الْحِصْنَ، وَاسْتَخْرَجَ مَا كَانَ قَالَ الْيَهُودِىّ فِيهِ، فَأَمَرَ النّبِىّ ÷ بِالْمَنْجَنِيقِ أَنْ تُصْلَحَ وَتُنْصَبَ عَلَى الشّقّ عَلَى حِصْنِ النّزَارِ فَهَيّئُوا، فَمَا رَمَوْا عَلَيْهَا بِحَجَرٍ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ النّزَارِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ انْتَهَى إلَيْهِ حَصَبِ الْحِصْنِ فَسَاخَ فِى الأَرْضِ حَتّى أَخَذَ أَهْلَهُ أَخْذًا، وَأُخْرِجَتْ زَوْجَتُهُ يُقَالُ لَهَا: نُفَيْلَةُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْوَطِيحَ وَسُلالِم أَسْلَمَ الْيَهُودِىّ، ثُمّ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ، وَكَانَ اسْمُهُ سِمَاكَ.
قصة الحصن الذي ساخ في الأرض خرافية طبعًا ولم أقرأها في غير الواقدي، لكن هنا رغم أنه هون المسألة بأنهمم كانوا خرجوا من الحصن على أي حال والرجل أراد أن يصنع صنيعة يحمي بها نفسه وأسرته فحسب، لكن القصة تعود لتصير أسوأ بتطوع الرجل بالكشف عن أسلحة ودبابيين ومنجنيق لليهود وتبرعه بنصبها وتركيبها! إن صحت هذه الحكاية فلنا أن نتعجب من خياتة كهذه ونتساءل أي خلل اجتماعي أو نفسي يؤدي إلى تصرف خسيس مبالغ في الخسة والحقارة كهذا، ثم تقول القصة أنه أسلم أو ادّعى ذلك ليحمي نفسه من هؤلاء المتعصبين، ثم واضح أنه هرب واختفى، غالبًا مع أهله إلى الشام وربما القدس أو سوريا، وبالتأكيد إضافة إلى غرض الهرب فقد شعر بخزي وعار خيانته وأنه غدا رجلًا بلا شرف ولا نبل أسلم قومه لعدو بشع، فأراد أن يرحل إلى مكان لا يعرفه فيه أحد ليبدأ من جديد وينسى خطأه الأثيم الكبير الذي لعله كان مجبَرًا عليه، ونلاحظ أن اسمه سماك اسم عربي تقليدي وكذا معظم أسماء يهود يثرب بل وفي تاريخ المدينة لابن شبة والواقدي نفسه وغيره نرى شعرهم العربي فقد كانوا حجازيين عربًا متوطنين من أبناء البلد. ونلاحظ أن القصة الثانية أصح من الأولى لأن الواقدي ذكر بعد ذلك أن حصن النطاة كان للمقاتلين فقط وخاليًا من النساء والأطفال (الذرية) من الأساس.
نقرأ من الواقدي كذلك أن محمدًا أعطى يهودًا من أسهم تقسيم الغنائم من الأراضي وغيرها، والأغلب أنها مكافأة مقابل خيانات:
فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ الّتِى أَسْهَمَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى النّطَاةِ أَوْ فِى الشّقّ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فَوْضَى لَمْ تُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَلَمْ تُحَدّ وَلَمْ تُقْسَمْ إنّمَا لَهَا رُؤَسَاءُ مُسَمّوْنَ لِكُلّ مِائَةِ رَأْسٍ يُعْرَفُ يُقْسَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَلّتِهَا، فَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ: عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ. وَسَهْمُ بَنِى سَاعِدَةَ وَسَهْمُ بَنِى النّجّارِ لَهُمْ رَأْسٌ وَسَهْمُ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَهْمُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَسَهْمُ بَنِى سَلَمَةَ - وَكَانُوا أَكْثَرَ وَرَأَسَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - وَسَهْمُ عُبَيْدَةَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ،
وفي موضع آخر يقول:
تَسْمِيَةُ سُهْمَانِ الْكَتِيبَةِ
خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَحْدَهُ وَسُلالِم، وَالْجَاسِمَيْنِ وَسَهْمَا النّسَاءِ وَسَهْمَا مَقْسَمٍ - وَكَانَ يَهُودِيّا - وَسَهْمَا عَوَانٍ وَسَهْمُ غِرّيث، وَسَهْمُ نُعَيْمٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا.
وفي موضع ثالث يقول:
وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ جَبَلَة بْنَ جَوّالٍ الثّعْلَبِىّ كُلّ دَاجِنٍ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ أَعْطَاهُ كُلّ دَاجِنٍ فِى النّطَاةِ، وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الْكَتِيبَةِ وَلا مِنْ الشّقّ شَيْئًا.
ولو أن ابن إسحاق يقول أن المعطى شخص آخر:
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، قد أعطى ابن لُقَيْم العَبْسى، حين افتتح خيبر، ما بها من دجاجة أو داجن
وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة:
لقيم الدجاج ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان وقال انه مدح النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر بشعر منه % رميت نطاة من الرسول بفيلق % شهباء ذات مناكب وفقار قال فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم دجاج خيبر عن آخرها فمن حينئذ قيل لقيم الدجاج ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني والمدائني عن صالح بن كيسان قلت قصته مذكور في السيرة لابن إسحاق لكنه قال بن لقيم فيحتمل ان يكون وافق اسمه اسم أبيه
والأمر التراجيدي المأساوي هنا أن المذكور هو جبل بن جوال الثعلبي من قبيلة بني ذبيان العربية وكان من يهود العرب، وله شعر كثير في رثاء يهود بني النضير وبني قريظة عند إسحاق والواقدي ذكرنا بعضه في كتابنا هذا، ومن الواضح أنه خانهم وأنه ممن سهل اقتحام الحصون، ولهذا كافؤوه بدواجن حصن النطاة. ووجدت في كتاب أسد الغابة:
جبلبن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش ابن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان الشاعر الذبياني ثم الثعلبي ذكره ابن إسحاق أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن علي بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال ثم استنزلوا يعني بني قريظة فحبسهم وذكر الحديث في قتلهم وقال فقال جبل بن جوال الثعلبي كذا قال يونس لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل قال وبعض الناس يقول حيي بن أخطب قالها ونسبه هشام بن الكلبي مثل النسب الذي ذكرناه وقال كان يهوديا فأسلم ورثى حيي بن أخطب وقال الدارقطني وأبو نصر وذكراه فقالا له صحبة وهو جبل
ووقع في الإصابة في تمييز الصحابة:
جبل بتفح الجيم الموحدة بن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش بن بخالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان الشاعر الذبياني ثم الثعلبي قال الدار قطني في الؤتلف له صحبة وقال هشام بن الكلبي كان يهوديا مع بني قريظة فأسلم ورثي حيي بن أخطب بأبيات منها % لعمرك مالام بن أخطب نفسه % ولكنه من يخذل الله يخذل وكذا ذكر بن إسحاق في المغازي الأبيات له قال وبعض الناس يقول إنها لحيي بن أخطب نفسه وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام أنه من ذرية الفطيون بن عامر بن ثعلبة وقال المرزباني في معجم الشعراء كان يهوديا فأسلم وهو القائل لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خبير % رميت نطاة من النبي بفيلق % شهباء ذات مناقب وفقار وفي ديوان حسان بن ثابت صنعه أبي سعيد السكري عن بن حبيب قال وقال حسان بن ثابت يجيب جبل بن جوال الثعلبي وكان يهوديا فأسلم بعد على قوله..إلخ
نستطرد فنذكر الفقرة من تاريخ المدينة لابن شبة، وهي عن أحد ابني أبي الحقيق بالذات وهو يعارض شعر النابغة أي يرد عليه بإكمال القافية، لنتيقن من عروبة اليهود الأفاضل أهل الكرم والضيافة ونصرة من تحالفوا معه والوفاء له الذين طردهم وأجلاهم وسباهم محمد، وأكمل عمر عمله بإجلائهم:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنِ ابْنِ غَزِيَّةَ قَالَ: " كَانَتْ لِبَنِي قَيْنُقَاعٍ سُوقٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُومُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَكَانَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الذَّبْحِ إِلَى الْآطَامِ الَّتِي خَلْفَ النَّخْلِ، فَهَبَطَ إِلَيْهَا نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ يُرِيدُهَا، فَأَدْرَكَ الرَّبِيعَ بْنَ أَبِي حَقِيقٍ هَابِطًا مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُهَا، فَتَسَايَرَا، فَلَمَّا أَشْرَفَا عَلَى السُّوقِ سَمِعَا الضَّجَّةَ، وَكَانَتْ سُوقًا عَظِيمَةً يَتَفَاخَرُ النَّاسُ بِهَا، وَيَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، فَحَاصَتْ نَاقَةُ النَّابِغَةِ حِينَ سَمِعَتِ الصَّوْتَ، فَزَجَرَهَا وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
كَادَتْ تَهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي
أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:
[البحر البسيط]
وَالثَّغْرُ مِنْهَا إِذَا مَا أَوْجَسَتْ خَلِقُ
فَقَالَ النَّابِغَةُ:
لَوْلَا أُنَهْنِهُهَا بِالسَّوْطِ لَانْتَزَعَتْ
أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:
مِنِّي الزِّمَامَ وَإِنِّي رَاكِبٌ لَبِقُ
فَقَالَ النَّابِغَةُ:
قَدْ مَلَّتِ الْحَبْسَ بِالْآطَامِ وَاشْتَعَفَتْ
أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:
تُرِيغُ أَوْطَانَهَا لَوْ أَنَّهَا عَلَقُ
فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ تَهْبِطُ السُّوقَ وَتَلْقَى أَهْلَهَا، فَإِنَّكَ سَتَسْمَعُ شِعْرًا لَا تُقَدِّمُ عَلَيْهِ شِعْرًا فَقَالَ: شِعْرُ مَنْ؟ قَالَ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ...إلخ القصة الأدبية الشعرية
يقول الواقدي:
وَكَانَ يَسَارٌ الْحَبَشِىّ - عَبْدًا أَسْوَدَ لِعَامِرٍ الْيَهُودِىّ - فِى غَنَمِ مَوْلاهُ فَلَمّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ يَتَحَصّنُونَ، وَيُقَاتِلُونَ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الّذِى يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِىّ، قَالَ: فَوَقَعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِى نَفْسِهِ فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ مَا تَقُولُ؟ مَا تَدْعُو إلَيْهِ؟ قَالَ: “أَدْعُو إلَى الإِسْلامِ فَأَشْهَدُ أَنّ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”. قَالَ: فَمَا لِى؟ قَالَ: “الْجَنّةُ إنْ ثَبَتّ عَلَى ذَلِكَ”، قَالَ: فَأَسْلَمَ، وَقَالَ: إنّ غَنَمِى هَذِهِ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “أَخْرِجْهَا مِنْ الْعَسْكَرِ، ثُمّ صِحْ بِهَا وَارْمِهَا بِحَصَيَاتٍ، فَإِنّ اللّه عَزّ وَجَلّ سَيُؤَدّى عَنْك أَمَانَتَك”. فَفَعَلَ الْعَبْدُ، فَخَرَجْت الْغَنَمُ إلَى سَيّدِهَا، وَعَلِمَ الْيَهُودِىّ أَنّ عَبْدَهُ قَدْ أَسْلَمَ
ينبغي أن نتأمل هنا، فمنذ هجرة محمد إلى يثرب، وقبل أن يصبح الإسلام هو الدين الإجباري لكل سكان شبه الجزيرة العربية، كان اتباع الإسلام والهرب وسيلة جيدة وربما الوحيدة والمضمونة لتحرير الإنسان لنفسه من قيد الاستعباد الحقير، ولنا أن نتخيل الأمر، وهذه المسأالة تتكرر كثيرًا في سيرة محمد، مثلًا في غزوة ثقيف فيما بعد.
لقد لعب ذلك المستعبد نصيبه ودوره في روليت وقمار الحياة، وكان حظه الخسارة:
وَدَفَعَ رَايَةً إلَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَرَايَةً إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَخَرَجَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ بِالرّايَةِ وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَاحْتُمِلَ فَأُدْخِلَ خِبَاءً مِنْ أخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاطّلَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْخِبَاءِ، فَقَالَ: “لَقَدْ كَرّمَ اللّهُ هَذَا الْعَبْدَ الأَسْوَدَ وَسَاقَهُ إلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ الإِسْلامُ مِنْ نَفْسِهِ حَقّا، قَدْ رَأَيْت عِنْدَ رَأْسِهِ زَوْجَتَيْنِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ”.
هذه القصة رواها ابن إسحاق كذلك مع اختلافات بسيطة في الألفاظ، لكن عنده أنه كان أجيرًا وليس مستعبدًا:
قال ابن إسحاق: وكان من حديث الأسود الراعى، فيما بلغني، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحاصِر لبعض حصون خَيْبر، ومعه غنم له، كان فيها أجيراً لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله، أعرضْ علىَّ الإسلام، فعرضه عليه، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَحْقِرُ أحداً أن يَدْعوه إلى الإسلام، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال: يا رسول الله، إنى كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضربْ في وجوهها، فإنها سترجع إلى رَبِّها - أو كما قال.
فقال الأسود، فأخذ حَفْنة من الحصى، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك أبداً فخرجت مجتمعة، كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت الحِصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتلَه، وما صلَّى للّه صلاةً قطُّ؛ فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُضع خلفَه، وسُجِّيَ بشَمْلَة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله، لم أعرضت عنه؟ قال: إن معه الآن زوجتَه من الحور العين.
وأخرجه الحاكم في المستدرك:
2609 - أخبرني أحمد بن محمد العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يكلم فقال له الرجل : إني قد آمنت بك وبما جئت به فكيف بالغنم يا رسول الله فإنها أمانة وهي للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك ؟ قال : احصب وجوهها ترجع إلى أهلها فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى يها وجوهها فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها ثم تقدم إلى الصف فأصابه سهم فقتله ولم يصل لله سجدة قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخلوه الخباء فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال : لقد حسن إسلام صاحبكم لقد دخلت عليه وأن عنده لزوجتين له من الحور العين
وروايته تدل على أنه كان قد وقع بيد المسلمين فكان مجبورًا وإلا قتلوه على أي حال، وقد رأى أن الأفضل أن يغامر فلعله يظفر بغنيمة على رواية أنه كان أجيرًا أو بحريته وغنيمة على رواية الواقدي بأنه كان مستعبدًا.
وحينئذٍ عند موت الناس بفعل المزاعم الدينية والمطامع والتحريضات لا يجد محمد من تعزيات أمام شفقة الناس وحزنهم إلا الوعود والمواساة الوهمية الخرافية، ليضحي الناس بحيواتهم الوحيدة الحقيقية وحيوات غيرهم في سبيل أوهام وضلالات.
ويبدو أن غطفان مع ذلك حاولوا ولو بشكل واهن متراخٍ غير مهتمّ مساعدة ومعاضدة حلفائهم الخيبريين، فيقول ابن هشام عن ابن إسحاق:
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهودَ عليه، حتى إذا ساروا مَنْقَلَةً (1) سمِعوا خلفَهم في أموالهم وأهليهم حِسًّا، ظنوا أن القومَ قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابِهم. فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخَلَّوْا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.
منقلة: أي مرحلة من السفر.
ويبدو أن الأمر فيه خدعة من المسلمين، أو تخاذل وتحجج من الغطفانيين.
ويزعم الواقدي برواية مختلفة عن ابن إسحاق، أنهم أتوا خيبر فعلًا ثم انخذلوا عنها، ولو أني لا أثق بالقصة التي عند الواقدي هنا لكثرة تناقضات رواياتها:
قَالُوا: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى مُرّةَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُيَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا فِى الْجَيْشِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ عُيَيْنَةَ مِنْ غَطَفَانَ؛ أَقْبَلَ مَدَدُ الْيَهُودِ، فَنَزَلْنَا بِخَيْبَرَ وَلَمْ نَدْخُلْ حِصْنًا. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ رَأْسُ غَطَفَانَ وَقَائِدُهُمْ أَنْ ارْجِعْ بِمَنْ مَعَك وَلَك نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ هَذِهِ السّنَةَ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى خَيْبَرَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَسْت بِمُسْلِمٍ حَلْفَائِى وَجِيرَانِى، فَأَقَمْنَا فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عُيَيْنَةَ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا، لا نَدْرِى مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - فَإِنّكُمْ قَدْ خُولِفْتُمْ إلَيْهِمْ وَيُقَالُ: إنّهُ لَمّا سَارَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فِيهِمْ حَلَفُوا مَعَهُ وَارْتَأَسَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ فَدَخَلُوا مَعَ الْيَهُودِ فِى حُصُونِ النّطَاةِ قَبْل قُدُومِ رَسُولِ اللّهِ ÷ بِثَلاثَةِ أَيّامٍ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَيْبَرَ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُمْ فِى الْحِصْنِ فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى الْحِصْنِ نَادَاهُمْ إنّى أُرِيدُ أَنْ أُكَلّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ.
فَأَرَادَ عُيَيْنَةُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْحِصْنَ فَقَالَ مَرْحَبٌ: لا تَدْخُلْهُ فَيَرَى خَلَلَ حِصْنِنَا وَيَعْرِفُ نَوَاحِيَهُ الّتِى يُؤْتَى مِنْهَا، وَلَكِنْ تَخْرُجُ إلَيْهِ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ يَدْخُلَ فَيَرَى حَصَانَتَهُ وَيَرَى عَدَدًا كَثِيرًا. فَأَبَى مَرْحَبٌ أَنْ يُدْخِلَهُ فَخَرَجَ عُيَيْنَةُ إلَى بَابِ الْحِصْنِ فَقَالَ سَعْدٌ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْك يَقُولُ: “إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى خَيْبَرَ فَارْجِعُوا وَكُفّوا، فَإِنّ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا فَلَكُمْ تَمْرُ خَيْبَرَ سَنَةً”. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا وَاَللّهِ مَا كُنّا لِنُسَلّمَ حَلْفَاءَنَا لِشَيْءٍ وَإِنّا لَنَعْلَمُ مَا لَك وَلِمَنْ مَعَك بِمَا هَا هُنَا طَاقَةٌ هَؤُلاءِ قَوْمٌ أَهْلُ حُصُونٍ مَنِيعَةٍ وَرِجَالٍ عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ، وَسِلاحٌ، إنْ أَقَمْت هَلَكْت وَمَنْ مَعَك، وَإِنْ أَرَدْت الْقِتَالَ عَجّلُوا عَلَيْك بِالرّجَالِ وَالسّلاحِ، وَلا وَاَللّهِ مَا هَؤُلاءِ كَقُرَيْشٍ قَوْمٌ سَارُوا إلَيْك، إنْ أَصَابُوا غِرّةً مِنْك فَذَاكَ الّذِى أَرَادُوا وَإِلاّ انْصَرَفُوا، وَهَؤُلاءِ يُمَاكِرُونَكَ الْحَرْبَ وَيُطَاوِلُونَك حَتّى تُمْهِلَهُمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَشْهَدُ لَيَحْضُرَنّكَ فِى حِصْنِك هَذَا حَتّى تَطْلُبَ الّذِى كُنّا عَرَضْنَا عَلَيْك، فَلا نُعْطِيك إلاّ السّيْفَ وَقَدْ رَأَيْت يَا عُيَيْنَةُ مِنْ قَدْ حَلَلْنَا بِسَاحَتِهِ مِنْ يَهُودِ يَثْرِبَ، كَيْفَ مَزّقُوا كُلّ مُمَزّقٍ فَرَجَعَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ: وَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّ اللّهَ مُنْجِزٌ لَك مَا وَعَدَك وَمُظْهِرٌ دِينَهُ فَلا تُعْطِ هَذَا الأَعْرَابِىّ تَمْرَةً وَاحِدَةً يَا رَسُولَ اللّهِ لَئِنْ أَخَذَهُ السّيْفُ لَيُسَلّمُنّهُمْ وَلَيُهَرّبْنَ إلَى بِلادِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ فِى الْخَنْدَقِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوَجّهُوا إلَى حِصْنِهِمْ الّذِى فِيهِ غَطَفَانُ، وَذَلِكَ عَشِيّةً، وَهُمْ فِى حِصْنِ نَاعِم، فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “أَنْ أَصْبِحُوا عَلَى رَايَاتِكُمْ عِنْدَ حِصْنِ نَاعِم الّذِى فِيهِ غَطَفَانُ”. قَالَ: فَرُعِبُوا مِنْ ذَلِكَ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَمِعُوا صَائِحًا يَصِيحُ لا يَدْرُونَ مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ الْغَوْثَ، الْغَوْثَ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - لا تُرْبَةَ وَلا مَالَ، قَالَ: فَخَرَجْت غَطَفَانُ عَلَى الصّعْبِ وَالذّلُولِ وَكَال أَمْرًا صَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّهِ، فَلَمّا أَصْبَحُوا أَخْبَرَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ وَهُوَ فِى الْكَتِيبَةِ بِانْصِرَافِهِمْ فَسَقَطَ فِى يَدَيْهِ وَذَلّ وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ وَقَالَ: كُنّا مِنْ هَؤُلاءِ الأَعْرَابِ فِى بَاطِلٍ إنّا سِرْنَا فِيهِمْ فَوَعَدُونَا النّصْرَ وَغَرّونَا، وَلَعَمْرِى لَوْلا مَا وَعَدُونَا مِنْ نَصْرِهِمْ مَا نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْحَرْبِ وَلَمْ نَحْفَظْ كَلامَ سَلاّمِ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ إذْ قَالَ: لا تَسْتَنْصِرُوا بِهَؤُلاءِ الأَعْرَابِ أَبَدًا فَإِنّا قَدْ بَلَوْنَاهُمْ. وَجَلَبَهُمْ لِنَصْرِ بَنِى قُرَيْظَةَ ثُمّ غَرّوهُمْ. فَلَمْ نَرَ عِنْدَهُمْ وَفَاءً لَنَا، وَقَدْ سَارَ فِيهِمْ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ وَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ الصّلْحَ مِنْ مُحَمّدٍ ثُمّ زَحَفَ مُحَمّدٌ إلَى بَنِى قُرَيْظَة َ وَانْكَشَفَتْ غَطَفَانُ رَاجِعَةً إلَى أَهْلِهَا.
قَالُوا: فَلَمّا انْتَهَى الْغَطَفَانِيّونَ إلَى أَهْلِهِمْ بِحَيْفَاءَ وَجَدُوا أَهْلَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فَقَالُوا: هَلْ رَاعَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالُوا: لا وَاَللّهِ، فَقَالُوا: لَقَدْ ظَنَنّا أَنّكُمْ قَدْ غَنِمْتُمْ فَمَا نَرَى مَعَكُمْ غَنِيمَةً وَلا خَيْرًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لأَصْحَابِهِ: هَذَا وَاَللّهِ مِنْ مَكَائِدِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ خَدَعَنَا وَاَللّهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ: بِأَىّ شَىْءٍ؟ قَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا فِى حِصْنِ النّطَاةِ بَعْدَ هَدْأَةٍ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا يَصِيحُ لا نَدْرِى مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - فَلا تُرْبَةَ وَلا مَالٍ
هذه القصة فيها تناقضات فقوله لم يدخلوا حصونهم لو حدث لاستوجب مواجهة والتحامًا مع الجنود المسلمين، وعاد فروى رواية بأنهم دخلوا حصون اليهود، ولم يذكر ابن إسحاق ولا البخاري ولا غيرهما من أئمة الرواة أي دور لغطفان بتلك المعركة، فالأصح أنهم خذلوا أهل خيبر تمامًا ولم يساعدوهم وتركوهم فريسة لإجرام محمد وأتباعه.
وأراد عيينة بن حصن الفزاري العودة لنصرة الخيبريين لكن بعد فوات الأوان، يقول الواقدي:
فَأَقَامَ عُيَيْنَةُ أَيّامًا فِى أَهْلِهِ ثُمّ دَعَا أَصْحَابَهُ لِلْخُرُوجِ إلَى نَصْرِ الْيَهُودِ، فَجَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: يَا عُيَيْنَةُ أَطِعْنِى وَأَقِمْ فِى مَنْزِلِك وَدَعْ نَصْرَ الْيَهُودِ، مَعَ أَنّى لا أَرَاك تَرْجِعُ إلَى خَيْبَرَ إلاّ وَقَدْ فَتَحَهَا مُحَمّدٌ وَلا آمِنْ عَلَيْك. فَأَبَى عُيَيْنَةُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَقَالَ: لا أَسْلَمَ حُلَفَائِى لِشَيْءٍ.
يقول الواقدي ما يؤكد أنها كانت حرب تعصب ديني:
... فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الْيَهُودَ جَاءَهُمْ الشّيْطَانُ فَقَالَ لَهُمْ: إنّ مُحَمّدًا يُقَاتِلُكُمْ عَلَى أَمْوَالِكُمْ نَادَوْهُمْ قُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ثُمّ قَدْ أَحْرَزْتُمْ بِذَلِكَ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ وَحِسَابَكُمْ عَلَى اللّهِ فَنَادَوْهُمْ بِذَلِكَ فَنَادَتْ الْيَهُودُ: إنّا لا نَفْعَلُ وَلا نَتْرُكُ عَهْدَ مُوسَى وَالتّوْرَاةُ بَيْنَنَا”. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارٍ...
سرق محمد تراث اليهود التوراتي والربيني الهاجادي وبنى عليه أساس وجسم دينه، ثم لما رفضوا محاولته لإكراهه لهم على اتباعه كدعم لدعوته الدينية القومية العروبية أبادهم ونفاهم وسبى أطفالهم ونساءهم واستعبدهن.
ويكشف لنا الواقدي، كما لاحظنا بشكل عابر طبيعة التوزيع الإقطاعي للأراضي المنهوبة، فقد وهب محمد بن مسلمة:
فَقَالَ مُحَمّدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ اقْطَعْ لِى عِنْدَ قَبْرِ أَخِى. قَالَ: “لَك حَضَرُ الْفَرَسِ فَإِنْ عَمِلْت فَلَك حُضْرُ فَرَسَيْنِ”.
حضر الفرس: أي مقدار عَدْوه وركضه.
سنتحدث أكثر عن هذا في التالي، وهو نهج استأنفه خلفاء محمد كعمر وعثمان، وهذا يختلف كثيرًا عن تعاليم الإسلام المكي الباكر كما نرى الذي يكره مجرد كنز المال والذهب.
لم يكن المسلمون معهم زاد يكفي لحصار ورباط طويل، ويقول الواقدي:
وَكَانَ حِصْنُ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فِى النّطَاةِ، وَكَانَ حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ الطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْمَتَاعُ وَكَانَ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَكَانَ النّاسُ قَدْ أَقَامُوا أَيّامًا يُقَاتِلُونَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ طَعَامٌ إلاّ الْعَلَفُ. قَالَ مُعَتّبٌ الأَسْلَمِىّ: أَصَابَنَا مَعْشَرَ أَسْلَمَ خَصَاصَةً حِينَ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، وَأَقَمْنَا عَشَرَةَ أَيّامٍ عَلَى حِصْنِ النّطَاةِ لا نَفْتَحُ شَيْئًا فِيهِ طَعَامٌ فَأَجْمَعَتْ أَسْلَمُ أَنْ يُرْسِلُوا أَسَمَاءَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالُوا: ائْتِ مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ فَقُلْ إنّ أَسْلَمَ يُقْرِئُونَك السّلامَ وَيَقُولُونَ: إنّا قَدْ جَهْدَنَا مِنْ الْجَوْعِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ: وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ أَمْرًا بَيْنَ الْعَرَبِ يَصْنَعُونَ فِيهِ هَذَا فَقَالَ هِنْدُ بْنُ حَارِثَةَ: وَاَللّهِ إنّا لَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْبِعْثَةُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِفْتَاحَ الْخَيْرِ، فَجَاءَهُ أَسَمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَسْلَمَ تَقُولُ: إنّا قَدْ جَهِدْنَا مِنْ الْجُوعِ وَالضّعْفِ فَادْعُ اللّهَ لَنَا، فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ: “وَاَللّهِ مَا بِيَدِى مَا أَقْرِيهِمْ”، ثُمّ صَاحَ بِالنّاسِ، فَقَالَ: “اللّهُمّ افْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حِصْنٍ فِيهِ أَكْثَرُهُ طَعَامًا وَأَكْثَرُهُ وَدَكًا”، وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ وَنَدَبَ النّاسَ فَمَا رَجَعْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا الْحِصْنَ - حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ. فَقَالَتْ أُمّ مُطَاعٍ الأَسْلَمِيّة، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى نِسَاءٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْت أَسْلَمَ حِينَ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مَا شَكَوْا مِنْ شِدّةِ الْحَالِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ فَنَهَضُوا، فَرَأَيْت أَسْلَمَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَإِنّ عَلَيْهِ لَخَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ فَمَا غَابَتْ الشّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتّى فَتَحَهُ اللّهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ قِتَالٌ شَدِيدٌ، بَرَزَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ: يُوشَعُ، يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إلَيْهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٌ فَقَتَلَهُ الْحُبَابُ، وَبَرَزَ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: الزّيّالُ فَبَرَزَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ الْغِفَارِىّ فَبَدَرَهُ الْغِفَارِىّ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً عَلَى هَامَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الْغِفَارِىّ، فَقَالَ النّاسُ: بَطَلُ جِهَادِهِ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ: “مَا بَأْسُ بِهِ يُؤْجَرُ وَيُحْمَدُ”.
وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ يُحَدّثُ أَنّهُمْ حَاصَرُوا حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَأَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ تَرْتَعُ وَرَاءَ حِصْنِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مِنْ رَجُلٍ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ”؟ فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَخَرَجْت أَسْعَى مِثْلَ الظّبْىِ فَلَمّا نَظَرَ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ÷ مُوَلّيًا، قَالَ: اللّهُمّ مَتّعْنَا بِهِ فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَ أَوّلُهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَىّ، ثُمّ أَقْبَلْت أَعْدُو كَأَنْ لَيْسَ مَعِى شَىْءٌ حَتّى أَتَيْت بِهِمَا رَسُولَ اللّهِ ÷، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَذُبِحَتَا ثُمّ قَسَمَهُمَا، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ الّذِينَ هُمْ مَعَهُ مُحَاصِرِينَ الْحِصْنَ إلاّ أَكَلَ مِنْهَا
وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ يُحَدّثُ قَالَ: أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ وَنَزَلْنَا خَيْبَرَ زَمَانَ الْبَلَحِ وَهِىَ أَرْضٌ وَخِيمَةٌ حَارّةٌ شَدِيدٌ حُرّهَا. فَبَيْنَا نَحْنُ مُحَاصِرُونَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فَخَرَجَ عِشْرُونَ حِمَارًا مِنْهُ أَوْ ثَلاثُونَ فَلَمْ يَقْدِرْ الْيَهُودُ عَلَى إدْخَالِهَا، وَكَانَ حِصْنُهُمْ لَهُ مَنَعَةٌ فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَانْتَحَرُوهَا، وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَطَبَخُوا لُحُومَهَا فِى الْقُدُورِ وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ وَمَرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ فَأَمَرَ مُنَادِيًا: “إنّ رَسُولَ اللّهِ يَنْهَاكُمْ عَنْ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ - قَالَ: فَكَفَوْا الْقُدُورَ - وَعَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ وَعَنْ كُلّ ذِى نَابٍ وَمِخْلَبٍ”.
.... وَقَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ عَلَى الْحِصْنِ عِدّةً كُلّمَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً حَمَلُوهُ حَتّى يُدْخِلُوهُ الْحِصْنَ. ثُمّ حَمَلَ صَاحِبُ رَايَتِنَا وَحَمَلْنَا مَعَهُ وَأَدْخَلْنَا الْيَهُودَ الْحِصْنَ وَتَبِعْنَاهُمْ فِى جَوْفِهِ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِمْ الْحِصْنَ فَكَأَنّهُمْ غَنَمٌ فَقَتَلْنَا مَنْ أَشْرَفَ لَنَا، وَأَسَرْنَا مِنْهُمْ وَهَرَبُوا فِى كُلّ وَجْهٍ يَرْكَبُونَ الْحَرّةَ يُرِيدُونَ حِصْنَ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ، وَجَعَلْنَا نَدَعُهُمْ يَهْرُبُونَ وَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جُدُرِهِ.....
..... فَوَجَدْنَا وَاَللّهِ مِنْ الأَطْعِمَةِ مَا لَمْ نَظُنّ أَنّهُ هُنَاكَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالسّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزّيْتِ وَالْوَدَكِ. وَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلا تَحْتَمِلُوا”. يَقُولُ: لا تَخْرُجُوا بِهِ إلَى بِلادِكُمْ.
فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ مَقَامَهُمْ طَعَامَهُمْ وَعَلَفَ دَوَابّهِمْ لا يُمْنَعُ أَحَدُ أَنْ يَأْخُذَ حَاجَتَهُ وَلا يُخَمّسُ الطّعَامَ، وَوَجَدُوا فِيهِ مِنْ الْبَزّ وَالآنِيّةِ وَوَجَدُوا خَوَابِىَ السّكَرِ فَأُمِرُوا فَكَسَرُوهَا، فَكَانُوا يَكْسِرُونَهَا حَتّى سَالَ السّكَرُ فِى الْحِصْنِ وَالْخَوَابِى كِبَارٌ لا يُطَاقُ حَمْلُهَا.
وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىّ يَقُولُ: وَجَدْنَا فِيهِ آنِيّةً مِنْ نُحَاسٍ وَفَخّارٍ كَانَتْ الْيَهُودُ تَأْكُلُ فِيهَا وَتَشْرَبُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “اغْسِلُوهَا وَاطْبُخُوا وَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا”. وَقَالَ: “أَسْخِنُوا فِيهَا الْمَاءَ ثُمّ اُطْبُخُوا بَعْدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا”. وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ غَنَمًا كَثِيرًا وَبَقَرًا وَحُمُرًا، وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ آلَةً كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ وَمَنْجَنِيقًا وَدَبّابَاتٍ وَعُدّةً فَنَعْلَمُ أَنّهُمْ قَدْ كَانُوا يَظُنّونَ أَنّ الْحِصَارَ يَكُونُ دَهْرًا....
فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ خَرَجَ مِنْ أُطُمٍ مِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الْبَزّ عِشْرُونَ عِكْمًا مَحْزُومَةً مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْيَمَنِ، وَأَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ قَطِيفَةٍ يُقَالُ: قَدِمَ كُلّ رَجُلٍ بِقَطِيفَةٍ عَلَى أَهْلِهِ وَوَجَدُوا عَشَرَةَ أَحْمَالِ خَشَبٍ فَأَمَرَ بِهِ فَأَخْرَجَ مِنْ الْحِصْنِ ثُمّ أَحْرَقَ فَمَكَثَ أَيّامًا يَحْتَرِقُ وَخَوَابِى سَكَرٍ كُسِرَتْ وَزُقَاقُ خَمْرٍ فَأُهْرِيقَتْ
حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ وَجَدْنَا فِى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الطّعَامِ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّهُ لا يَكُونُ بِخَيْبَرَ، جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ مَقَامَهُمْ شَهْرًا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ فَيَعْلِفُونَ دَوَابّهُمْ مَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خُمُسٌ وَأُخْرِجُ مِنْ الّبُزُوزِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يُبَاعُ فِى الْمَقْسَمِ؟ وَوُجِدَ فِيهِ خَرْزٌ مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ. فَقِيلَ لَهَا: فَمَنْ الّذِى يَشْتَرِى ذَلِكَ فِى الْمَقْسَمِ؟ قَالَتْ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ الّذِينَ كَانُوا فِى الْكَتِيبَةِ فَآمَنُوا، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الأَعْرَابِ، فَكُلّ هَؤُلاءِ يَشْتَرِى، فَأَمّا مَنْ يَشْتَرِى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّمَا يُحَاسَبُ بِهِ مِمّا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَغْنَمِ.
العِكم: ثوب يبسط ويوضع فيه المتاع كالقفة
أول الأخلاق ألا تهجم على الآخرين لتسرقهم وألا تسرق وتنهب طعامهم لتأكل فذلك يعد مالًا مسروقًا حرامًا وفق القانون الإنساني الاجتماعي، ونلاحظ أنهم سرقوا مخزونات أقمشة قطائف، وكعادتهم في التخريب خربوا وأحرقوا كمية كبيرة من الخشب التي وجدوا أنهم قد لا ينقلونها ففعلوا ذلك لحقدهم وشرهم المغروس بهم وطبيعتهم التخريبية، أحفادهم الروحيون داعش وطالبان دمروا الآثار في العراق وأفغانستان مثلًا. أيضًا نجد فرض شرائعهم على أملاك اليهود التي ينهبونها فما لا يستحلونه كمسلمين قاموا بسكبه وإهداره كالخمور وهي أموال ناس وملكية خاصة تم الاعتداء عليها في الجوهر القانوني للأمر. نلاحظ أن خروج أغنام ودواب من الحصن اليهودي علامة استهتار وإهمال وسوء تخطيط واستهتار منهم وكل هذه هي بوادر انحدار جالية مسكينة شاخت منها العقول وقل وانعدم الإبداع وحسن التدبير، مما عجل بنصر محمد على هؤلاء البؤساء.
وذكر بعض القصة ابن هشام كذلك:
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعضُ أسْلم: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا، والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينِا من شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شىء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصَّعْب بن مُعاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودَكاً منه.
وبموضع آخر يروي:
قال ابن إسحاق: وحدثني بُرَيدة بن سُفيان الأسلمي، عن بعض رجال بني سَلَمة عن أبي اليَسَر كعب بن عمرو، قال: والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنَهم، ونحن محاصروهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يطعمنا من هذا الغنم؟ قال أبو اليَسَر: فقلت: أنا يا رسول الله؛ قال: فافعلْ؛ قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُولياً قال: اللهم أمتعنا به. قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحِصنَ، فأخذت شاتَيْن من أخراها، فأحتضنتهما تحت يديَّ، ثم أقبلت بهما أشتد، كأنه ليس معى شيء، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذبحوهما فأكلوهما
الظليم: ذكر النعام.
وروى البخاري:
4214 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ»
ويحكيها ابن إسحاق هكذا:
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عبد الله بن مُغَفَّل المُزَنى، قال: أصبت من فىء خيبر جراب شحم، فاحتملته على عاتقى إلى رحلي وأصحابي. قال: فلقيني صاحب المغانم الذي جُعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمَّ هذا نقسمْه بين المسلمين، قال: قلت: لا والله لا أعطيكه، قال: فجعل يجاذبني الجراب. قال: فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: لا أبا لك، خَلِّ بينه وبينه، قال: فأرسله، فانطلقت به إلى رَحْلى وأصحابي، فأكلناه.
سنتحدث عما نهبه أتباع محمد أدناه في الآتي.
وبنظر محمد فإن المعتدين المجرمين مكافؤون بدخول جنته المزعومة، يروي الواقدي:
وَكَانَ ابْنُ الأَكْوَعِ يَقُولُ كُنّا عَلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، أَسْلَمَ بِأَجْمَعِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ حَصَرُوا أَهْلَ الْحِصْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَصَاحِبَ رَايَتِنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخَذَ الرّايَةَ فَغَدَوْنَا مَعَهُ، وَغَدَا عَامِرُ بْنُ سِنَانٍ فَلَقِىَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ، وَبَدَرَهُ الْيَهُودِىّ فَيَضْرِبُ عَامِرًا، قَالَ عَامِرٌ: فَاتّقَيْته بِدَرَقَتِى فَنَبَا سَيْفُ الْيَهُودِىّ عَنْهُ. قَالَ عَامِرٌ: فَأَضْرِبُ رِجْلَ الْيَهُودِىّ فَأَقْطَعُهَا، وَرَجَعَ السّيْفُ عَلَى عَامِرٍ فَأَصَابَهُ ذُبَابُهُ فَنَزَفَ فَمَاتَ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: حَبَطَ عَمَلُهُ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، إنّ لَهُ لأَجْرَيْنِ إنّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ، وَإِنّهُ لَيَعُومُ فِى الْجَنّةِ عَوْمَ الدّعْمُوصِ”.
والقصة رواها أصحاب كتب الحديث ومنهم البخاري:
4196 - .... فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ» قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ»، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: «نَشَأَ بِهَا»
6148 - ......فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: «مَا لَكَ» فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: «مَنْ قَالَهُ؟» قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ»
ورواه مسلم 1802 وأحمد بن حنبل وغيرهم
ذلك الرجل الأعرابي الجشع عيينة بن حصن الفزاري ربما بعد انتهاء المعركة، ينقل لنا الواقدي إن صحت قصته أنه قال كلمة معرّضًا فيها بالمسلمين وسرقتهم لليهود:
قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا نَظَرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ مِنْهُ الطّعَامَ وَالْعَلَفَ وَالْبَزّ قَالَ: مَا أَحَدٌ يَعْلِفُ لَنَا دَوَابّنَا وَيُطْعِمُنَا مِنْ هَذَا الطّعَامِ الضّائِعِ فَقَدْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كِرَامًا فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: لَك الّذِى جَعَلَ لَك رَسُولُ اللّهِ ÷ ذُو الرّقَيْبَةِ، فَاسْكُتْ
وبموضع آخر:
قَالُوا: وَكَانَ أَبُو شُيَيْمٍ الْمُزَنِىّ - قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ - يُحَدّثُ يَقُولُ لَمّا نَفّرْنَا أَهْلَهَا بِحَيْفَاءَ مَعَ عُيَيْنَةَ - قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَارّونَ هَادِئُونَ لَمْ يَهْجُهُمْ هَائِجٌ - رَجَعَ بِنَا عُيَيْنَةُ فَلَمّا كَانَ دُونَ خَيْبَرَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْحُطَامُ عَرّسْنَا مِنْ اللّيْلِ...إلخ قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ فَوَجَدَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَغَنّمَهُ اللّهُ مَا فِيهَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أُعْطِنِى يَا مُحَمّدُ مِمّا غَنِمْت مِنْ حُلَفَائِى فَإِنّى انْصَرَفْت عَنْك وَعَنْ قِتَالِك وَخَذَلْت حُلَفَائِى وَلَمْ أُكْثِرْ عَلَيْك، وَرَجَعْت عَنْك بِأَرْبَعَةِ آلافِ مُقَاتِلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كَذَبْت، وَلَكِنْ الصّيَاحُ الّذِى سَمِعْت أَنَفَرَك إلَى أُهْلِكْ”. قَالَ: أَجْزِنِى يَا مُحَمّدُ، قَالَ: “لَك ذُو الرّقَيْبَةِ”. قَالَ عُيَيْنَةُ: وَمَا ذُو الرّقَيْبَةِ؟....إلخ
وذو الرقيبة جبل من خيبر وهبه محمد كما يروي الواقدي للزعيم الفزاري الغطفاني ليتلهى ويراضى هو وأعرابه بتلك الهبة الغثة من قسمة النهب لعل قومه يرعون أغنامهم عليه، ونلاحظ إجماع شهود الحق من الوثنيين على كرم يهود الحجاز وإحسانهم للضيوف والمحتاجين.
أيضًا كشف لنا الواقدي استمرار مسلسل الخيانات والسلوك الأناني لبعض أفراد يهود خيبر:
قَالَ: وَتَحَوّلَتْ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِم كُلّهَا، وَمِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمِنْ كُلّ حُصُونِ النّطَاةِ، إلَى حِصْنٍ يُقَالُ لَهُ: قُلْعَةُ الزّبَيْرِ، فَزَحَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَحَاصَرَهُمْ وَغَلّقُوا عَلَيْهِمْ حِصْنَهُمْ وَهُوَ حَصِينٌ مَنِيعٌ، وَإِنّمَا هُوَ فِى رَأْسِ قَلْعَةٍ لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَلا الرّجَالُ لِصُعُوبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ وَبَقِيت بَقَايَا لا ذِكْرَ لَهُمْ فِى بَعْضِ حُصُونِ النّطَاةِ، الرّجُلُ وَالرّجُلانِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِإِزَائِهِمْ رِجَالاً يَحْرُسُونَهُمْ لا يَطْلُعُ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ إلاّ قَتَلُوهُ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مُحَاصَرَةِ الّذِينَ فِى قَلْعَةِ الزّبَيْرِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: غَزَالٌ، فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ تُؤَمّنّى عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ وَتَخْرَجُ إلَى أَهْلِ الشّقّ، فَإِنّ أَهْلَ الشّقّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْك؟ قَالَ: فَأَمّنّهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: إنّك لَوْ أَقَمْت شَهْرًا مَا بَالُوا، لَهُمْ دُبُولٌ تَحْتَ الأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللّيْلِ فَيَشْرَبُونَ بِهَا ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْك، وَإِنْ قَطَعْت مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ ضَجّوا، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى دُبُولِهِمْ فَقَطَعَهَا، فَلَمّا قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَشَارِبَهُمْ لَمْ يُطِيقُوا الْمَقَامَ عَلَى الْعَطَشِ، فَخَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ نَفَرٌ وَأُصِيبَ مِنْ الْيَهُودِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَشَرَةٌ، وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النّطَاةِ.
ليس المجال هنا لتفسير فلسفي أو بيولوجي لأنانية وخيانة الإنسان، أعتقد دوكنز في آخر كتابه (أعظم العروض على الأرض) قام بشيء مماثل، لا يسر المرء كثيرًا بتحليله لتلك المسألة على واقعيته، لكنه لا يجعل فعلًا خسيسًا كهذا مبررًا بأية حال. قطع الماء عن اليهود أخرجهم من حصنهم بفعل العطش وتسبب بخسارة سريعة لهم. والدبول جمع دبل وهو الجدول أي نهير الماء.
ثم ضمن حديث الواقدي عن اقتحامهم لمنطقة الشق من خيبر وحصن أبي، بعدما قاتلوا اليهود وقتلوا بعضهم:
وَأَحْجَمُوا عَنْ الْبِرَازِ فَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا، وَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَقَحّمُوا الْجُدُرَ كَأَنّهُمْ الظّبَاءُ حَتّى صَارُوا إلَى حِصْنِ النّزَارِ بِالشّقّ
عندما يقرأ عرب اليوم والشرقيون من المسلمة حال من يقتدون بهم كلصوص مريعين نهبوا ممتلكات غيرهم، ألا يخطر ببالهم أنهم ضُلِّلو بالاقتداء بمثل هذه الشخصيات العنيفة الإجرامية المعتدية؟! المسلمون الطيبون الذي عاشرتهم يقولون لا نقبل أن ندخل على بيوتنا وأولادنا مالًا حرامًا، ألا ندرك أن الأخلاق لا تتجزأ وأنه لا استثناآت ومقاييس ومعايير مزدوجة؟!