عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2013, 06:55 AM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي

قد تبدو فكرةُ كون ذي سهم زمنيٍّ متجهٍ نحو الماضي مثيرة للإزعاج. فلو قابلنا أُناسا من ذاك الكون، فهل سيتذكّرون المستقبل؟ لحسن الحظ، لا يوجد خطر من مثل هذا اللقاء. ففي السيناريو الذي نصفه، تكون الأماكن الوحيدة التي يبدو فيها الزمن عائدا إلى الوراء بعيدة بعدا هائلا في ماضينا؛ أسبق بكثير من انفجارنا الأعظم. وفي الوسط، يوجد امتداد فسيح من الكون الذي يبدو أن الزمن لا يجري فيه إطلاقا؛ فلا وجود فيه تقريبا للمادة، وإنتروپيته لا تتطور. وأي أُناسٍ عاشوا في إحدى المناطق ذات الزمن المعكوس لم يكونوا ليُولدوا مُسنّين ويموتوا فتيّين؛ أو يحصل لهم أي شيء خارجٍ عن المألوف. فبالنسبة إليهم، سوف ينساب الزمن بطريقة تقليدية تماما. ولن يبدو أي شيء خارجا عن المألوف إلا عند مقارنة كونهم بكوننا؛ فماضينا هو مستقبلهم، والعكس بالعكس. لكنّ مثلَ هذه المقارنة افتراضيةٌ تماما؛ ذلك أننا لا نستطيع أن نذهب إلى هناك، كما أنهم لا يستطيعون المجيء إلينا.


تاريخ الكوْن القابل للرصد(*************)

نورد فيما يلي سلسلة زمنية للأحداث المهمّة في تاريخ كوننا القابل للرصد، وَفْقا للكسمولوجيا التقليدية.

* الفضاء فارغ، لا يحوي شيئا سوى قدرٍ بالغِ الصغر من طاقة الخلاء vacuum energy، وجُسيْمٍ عَرَضيٍّ طويل الموجة تَكوّن بواسطة تقلّبات المجالات الكموميّة التي تسود الفضاء.

* يهبّ فجأة إشعاع بالغ الشدة عبر الكون، وذلك بشكل كروي مركزه نقطة في الفضاء. وحين يتجمّع الإشعاعُ في تلك النقطة، يتكوّن «ثقب أبيض».

* يكبر الثقب الأبيض تدريجيا لتصل كتلته إلى بلايين أضعاف كتلة الشمس، وذلك عن طريق تنامي إشعاع إضافيٍّ لحرارةٍ متناقصة أبدا.

* تبدأ ثقوب بيضاء أخرى بالاقتراب من بقاع تبعد بلايين السنوات الضوئية. وهذه تكوّن توزيعا متجانسا، وتتحرك جميعها ببطءٍ الواحد نحو الآخر.

* تبدأ الثقوب البيضاء بفقد كتلتها بواسطة قذفها غازا وغبارا وإشعاعا في البيئة المحيطة بها.

* يتفجّر الغاز والغبار تفجُّراتٍ داخلية بين الآونة والأخرى، تسفر عن تكوين نجوم تنشر نفسها لتكوّن مجرات تحيط بالثقوب البيضاء.

* ومثلما حدث للثقوب البيضاء قبلها، تتلقّى هذه النجوم الداخلية إشعاعا موجّها باتجاه أقسامها الدّاخليّة. وهي تستعمل طاقة هذا الإشعاع لتحوّل العناصر الثقيلة إلى عناصرَ أخفّ.

* تتبدّد النجوم إلى غاز ينشر نفسه تدريجيا عبر الفضاء؛ وتواصل المادة بمجملها التحرك معا لتزداد كثافتها.

* تتزايد حرارة الكون وكثافته، ليتقلّص أخيرا إلى «سَحْقَة» كبيرة.

ومن نافلة القول إن هذه ليست الطريقة المعتادة التي نصف بها تاريخ الكون؛ إنها المتتالية التقليدية من الأحداث التي تُسرَد لدى العودة بالزمن إلى الماضي. لكن قوانين الفيزياء تعمل على قدم مساواة حين نسير بالزمن إلى الأمام أو إلى الوراء. لذلك، فإن هذه المتتالية صحيحة ومنطقية شأنها شأن المتتالية العادية. إنها تؤدي الغرض لتوضيح كم أنّ التّاريخ الكلّي لكوْننا القابل للرّصد هو بعيدُ الاحتمال حقّا. S.M.C.


ومنذ هذه اللحظة، فإن هيئة المحلَّفين [في محاكمتنا] ستنهش نموذجنا. فقد تدبّر علماء الكسمولوجيا، طوال سنوات متعدّدة، فكرةَ الأكوان الرضّع؛ لكننا لا نفهم سيرورة الولادة. فإذا كان بمقدور التقلبات الكمومية استحداث أكوان جديدة، فبمقدورها أيضا استحداث أشياء كثيرة أخرى؛ مجرّة كاملة، مثلا. وكي يتمّكَن سيناريو كالذي وضعناه من تفسير الكون الذي نراه، عليه التنبؤ بأن معظم المجرّات تنشأ في عقابيل الانفجار الأعظم؛ بوصفها أحداثا، وليست تقلّبات منعزلة عن غيرها في كون فارغ. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيبدو كوننا غير طبيعي إلى حد بعيد.

لكن ما يُستخلص من ذلك عمليا ليس أي سيناريو خاصٍّ لبنية الزمكان بمقاييسَ فائقة الكبر؛ إنها فكرة أن أي سمة لافتة للنظرِ إلى كوننا القابل للرصد ـ [خصوصا] سهم الزمن الناشئ عن ظروف ذات إنتروپية جدّ منخفضة في باكورة الكون ـ يمكن أن تزوّدنا بمفاتيح لحل لغز طبيعة الكون غير القابل للرصد.


وكما ذُكر في مطلع هذه المقالة، فإنه من الظريف الحصول على صورة توائم البيانات، إلاّ أن علماء الكُسمولوجيا يطلبون أكثر من ذلك؛ فنحن نسعى وراء فهمٍ لقوانين الطبيعة ولكوننا الخاص، بحيث يكون لكلّ شيء معنى بالنسبة إلينا. نحن لا نريد أن نضطرّ لتقبل السمات الغريبة لكوننا كحقائقَ فجّة. ويبدو أنّ لاتماثل الزمن الدراميّ لكوننا المرصود يقدّم لنا مفتاحا لحلّ لغزِ شيءٍ أعمق؛ أعني إشارة خفية إلى الأدوار النهائيّة إلى المكان والزمان. ومهمتنا، بوصفنا فيزيائيين، هي استعمال هذا المفتاح ومفاتيحَ أخرى كي نضعَ معا صورة مُقنعة.


إنْ كان الكون القابل للرصد هو كل ما كان موجودا، فقد يكون من المستحيل تقريبا تفسير سهم الزمن بطريقة طبيعية. أما إذا كان الكون المحيط بنا جُزءا صغيرا جدّا من صورة أكبر، فإن إمكانات جديدة تقدّم نفسَها. فبإمكاننا أن ندرك جُزءَنا الصغير من الكون بوصفه مجرّد قطعة من الأحجية، وجُزءا من نزوع النظام الأكبر لزيادة إنتروپيته من دون حدود في الماضي البعيد جدا والمستقبل البعيد جدّا. وإذا أردنا إعادة صياغة ما قاله الفيزيائي <E. ترايون>، فإن الانفجار الأعظم يكون أيسرَ فهما إذا لم يكن بدايةَ كلِّ شيء، بل مجرَّدَ واحدٍ من تلك الأشياء التي تحدث من وقت إلى آخر.

وهنالك باحثون آخرون يعالجون أفكارا متصلة بالأفكار السابقة؛ إذ إن عددّا متزايدا من علماء الكسمولوجيا يَحْمِلُونَ المسألةَ التي طرحها سهمُ الزمنِ على محمل الجِدّ. ومن السّهل جدّا ملاحظةُ السّهم: كل ما عليك عمله هو مزج قليلٍ من الحليب في قهوتك. وفي أثناء رشفك لهذا المزيج، يمكنك التأمّل كيف أن هذا العمل البسيط يمكن تعقّبه بالعودة بالزمن إلى الوراء، وصولا إلى بداية كوننا القابل للرصد؛ وربما إلى ما قبل ذلك.

________________________

المؤلف Sean M. Carroll :

باحث مشارك رئيسي في الفيزياء بمعهد كاليفورنيا للتقانة (C.I.T). وتشمل مجالات أبحاثه الكسمولوجيا، وفيزياء الجُسيْمات، ونظرية النسبية العامة لآينشتاين؛ مَعَ خبرة خاصة بالطاقة المعتمة. وقد مُنح زمالات لإجراء الأبحاث من مؤسستي سلون وَپاكارد؛ إضافة إلى جائزة التدريس من مجلس طلبة الدراسات العُليا لمعهد ماسَتْشوستس للتقانة M.I.T، وميدالية خريجي الآداب والعلوم لجامعة فيلانوفا. وخارج النطاق الأكاديمي، فإنّ <كارول> معروف أكثر شيء كمساهم في جمعية الاختلاف الكونيّ Cosmic Variance، التي هي واحدة من أعمق المدوّنات العلمية.

المصدر



:: توقيعي :::


أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال. أينشتاين

  رد مع اقتباس